فنان وضع على الشفاه ابتسامة، وملأ القلوب سعادة، صاحب أشهر ضحكة في تاريخ السينما المصرية، لا يختلف عليها أحد فهو الأصل الذي لم نر له نسخه مماثلة سواء في الأداء والصوت والشخصية، مشوار فني مميز صنعه الفنان المصري الراحل حسن فايق الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، حيث ولد عام 1898.
صدفة غيرت حياته
بدأ "حسن فايق" حياته بالعمل في التجارة مع صديق والده في منطقة حلوان بمصر، ولكن مصادفة غيّرت حياته وأحب من خلالها الفن، وقال عن ذلك في لقاء إذاعي له مع الإعلامي وجدي الحكيم: "كنت أعمل في محل المانيفاتورة في حلوان (محل بيع المنتجات بالتجزئة) ثم ذهبت مع والدي إلى القاهرة وشاهدت حينها رواية للشيخ سلامة حجازي، وأصابتني الدهشة وأعجبت بالتمثيل، ومن وقتها بدأت أتردد على مشاهدة فرقة أولاد عكاشة التي كانت تأتي لتقديم عروض في كازينو حلوان، وكنت حريصًا على مشاهدتهم كل أسبوع، ثم حاولت تكوين فرقة هواة من زملائي ولكن الفكرة لم تلق حماسًا، وتركت العمل بالتجارة في حلوان، وذهبت للقاهرة بمفردي من أجل العمل بالفن، وانضممت لجمعية اتحاد التمثيل مع الفنان حسين رياض، ووفرت مبلغ 20 جنيهًا كنت أعيش منها طوال فترة عملي كهاوٍ بالمسرح، وكنت متحمسًا جدًا للعمل بالفن، وأبحث عن الروايات لتقديمها مع زملائي".
خارق للطبيعة
ذكريات كثيرة جمعت بين حسن فايق وعزيز عيد -صاحب فرقة كانت تحمل اسمه وتضم نجيب الريحاني وستيفان روستي - ليكتشف "عزيز" الحس الكوميدي الذي يمتلكه "فايق"، فقدمه في دور شخص خارق للطبيعة، ومن قبلها أسند له أول أدواره في "خلي بالك من إيميلي".
النجاح الذي حققه حسن فايق مع فرقة عزيز عيد، لم يخلو من مواقف كوميدية جمعتهما، ليقول فايق عن ذلك: "كنا نستعد لتقديم عرض مسرحي بالفرقة، وحدثت مواقف كوميدية تأكدنا وقتها أن عزيز عيد "نحس"، وكانت أولها نشوب خلاف بين عامل بالفرقة وبين نجل شخص مهم بالمدينة ليتعطل تقديم العرض، وبعد محاولات ووساطة استطعنا إنهاء الخلاف، ثم حددنا موعدًا آخر للعرض، وفي اليوم المحدد هطلت أمطار غزيرة لدرجة أن نهرًا جاف امتلأ من شدة المطر، ولم يأت شخص واحد للمسرح وأصابنا الضحك لنتأكد من إصابة عزيز عيد بالنحس".
رحلة مشئومة
تعرّض حسن فايق لصعوبات في بداية حياته، وكان هدفه أن يحقق شهرة واسعة ويعرفه الوطن العربي، فقرر الذهاب مع فرقة عزيز عيد للشام لتقديم عرض بطرابلس، وبسبب قلة النقود التي يمتلكونها اضطروا للسفر إلى طرابلس عن طريق مركب، ليصف حسن فايق هذه الرحلة بـ"المشئومة"، ويقول عنها في أحد لقاءاته: "قابلنا الأهوال في هذه الرحلة ولم يكن معنا أموال كافية ولم تنجح الروايات هناك، ووقتها تأكدنا أن عزيز عيد نحس أيضًا، وحاولت بكل الطرق العودة لمصر، لكن المسؤول رفض إعطائي جواز سفري، وأبلغ عني الشرطة واتهمني أنني أهدده بالقتل، وبررت موقفي بأنني أريد العودة إلى مصر وبعد محاولات عُدت لبلدي، وحرّمت أسافر مرة أخرى".
عشق المونولوج
قدم حسن فايق فن المونولوج الذي اقتبسه من زميل له يدعى "عبد القدوس" ليقول عن ذلك في لقاء له: "عشقت المونولوج وكنت أرى أنه وسيلة للشهرة واحتراف التمثيل بعد أن كنت هاوٍ، فكنت أريد التمثيل بمفردي كل يوم بدون التقيد بمجموعة، وقدمت مونولوج يسمى "القرافة" وحقق نجاحًا كبيرًا ثم قدمت "فن الكوكايين" والذي حقق انتشارًا غير مسبوق وتأثر به العمال وكل الناس".
أول أجر
عشق حسن فايق للفن جعله يتحمل قسوة الأيام وقلة الأموال في بداية رحلته، ليؤكد أنه لم يكن يتقاضى أجرًا على الأعمال التي كان يعمل بها، لدرجة أنه حصل على أجره الأول من الفن عام 1916 أي بعد سبع سنوات من احترافه التمثيل، كان عبارة عن 15 جنيهًا ووصفه أنه أعلى أجر بين زملائه.
كوّن حسن فايق فرقة في بداية مشواره من الهواة ضمت الفنان يوسف وهبي، وتشاء الأقدار بعد مرور السنين أن يعمل "فايق" مع "وهبي" ويكون الأخير متحكمًا في توزيع الأدوار، فعانى "فايق" من إهمال يوسف وهبي له وعدم إعطائه أدوار مؤثرة، ويقول حسن فايق عن ذلك: "لم أشعر بالراحة في العمل مع يوسف وهبي لأنه لم يكن يعطيني أدوارًا تليق بي؛ لأن كل المجلات الفنية كانت تقول ليوسف "أنت تلميذ حسن فايق" إذ كان يعمل معي عندما كونت فرقة من الهواة في بداية مشواري، فشعرت وكأنه يعاقبني ويقلل مني، لانتقل للعمل مع نجيب الريحاني والذي قدمت معه رواية "ملك الصابون" وكل أعمالي معه كانت عظيمة، لكن كان اختلافنا في النهاية على الأجر".
ومع مرور 125 عامًا على ميلاد حسن فايق، الذي توفي عام 1980، تظل أعماله التي سجّلتها الكاميرا شاهدة على روعة أدائه، وتؤكد أنه صاحب نسخة لن تتكرر في تاريخ الفن المصري والعربي.