الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سمير غانم.. التلقائي الذي أخلص للكوميديا

  • Share :
post-title
الفنان سمير غانم

Alqahera News - محمود ترك

الممثل يجب أن تصدقه.. هكذا تحدث الممثل الكوميدي الراحل سمير غانم في لقاء تلفزيوني قديم عن موهبة زوجته دلال عبد العزيز، التي لحقت به بعد وفاته بشهور قليلة، غير أن هذه الجملة البسيطة تفسر أيضًا منهجه الذي اتخذه في مشواره الفني، معتمدًا على الصدق والبساطة، يدعمهما الموهبة وخفة الظل التي ورثها عن والدته.

ملامح صدق سمير غانم، تظهر في كل مناحي حياته، سواء في العمل أو الحياة الخاصة، حيث لم يعتمد فى تجسيد كل الشخصيات التى لعبها على التزييف أو استعراض العضلات، بل على التلقائية وخفة الظل التى جعلت كل أعمالة الفنية تسعد الملايين حتى اليوم.

سمير غانم الذي يحل اليوم 15 يناير ذكرى ميلاده، يُعد من فئة النجوم الذين أخلصوا لمهنة التمثيل، غير عابئين بالدخول في مشروعات جانبية لتأمين مستقبلهم المادي أو تجربة حظوظهم مع الإنتاج الفني، بل حتى في مهنته أخلص للكوميديا، وتكفل بالمهمة الأصعب للفنان المتمثلة في إضحاك الجمهور، لذا أحدث رحيله فراغًا فنيًا مؤثرًا.

لم يكن الفنان الكوميدي الذي ولد عام 1937 يفكر في فترة شبابه الأولى الدخول إلى مجال التمثيل، بل حاول أن يأخذ ذات مسار والده، حيث التحق بكلية الشرطة التى لم يستمر بها سوى عامين، ليذهب بعد ذلك إلى كلية الزراعة جامعة الإسكندرية، ليلحق بالفنان محمود عبد العزيز والمخرج محمد فاضل فى ذات الدفعة، ويُغير بوصلته إلى الفن وينضم الى فرقة فنية بالجامعة تحمل اسم "سمر" شارك معها فى البداية بأدوارًا صغيرة، غير انه كان سعيدًا بتفاعل الجمهور معه، ليزيد تعلقه بالفن والجماهير التى ظل يسعدها على مدار رحلة فنية أمتدت أكثر من 50 عامًا، قدم خلالها ما يزيد عن الـ 300 عمل فني متنوع.

المفارقة أن سمير غانم في محطته الأولى للاقتراب من عالم الفن، كان يُقدم بعض الأعمال بعيدة عن الكوميديا، لكنه ذات مرة سافر مع المخرج والممثل نور الدمرداش إلى سوريا للمشاركة بدور صغير وجاد في عرض مسرحي باللغة العربية الفصحى، ورغم أن دوره كان مقتصرًا على جملة واحدة فقط، أخطأ في نطقها بشكل أضحك الجمهور وأغضب رئيس فرقة التمثيل بالكواليس، غير أن تلك الجملة كانت بداية له مع الكوميدا وهجر الأدوار الجادة دون عودة.

ثلاثي أضواء المسرح

خفة ظل سمير غانم وذكاؤه الفني جعلاه يدرك أن الكوميديا مقصده، خصوصًا أنه كان متأثرًا بفرقة الإخوة ماركس أو Marx Brothers إحدى فرق التمثيل الكوميدية الأمريكية الشهيرة في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، لذا فكّر في تكوين فرقة باسم "إخوان غانم" التى ضمت وحيد سيف الذي كان يدرس في كلية آداب الإسكندرية، وعادل نصيف زميله بكلية الزراعة.

قدمت الفرقة عروضها الفنية في أماكن بسيطة وبعض حفلات الزفاف، وأيضًا في كازينو شهير بالإسكندرية كان نجم فقرته الرئيسية الفنان عمر الجيزاوي، وحتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي لم تكن فرقة ثلاثي أضواء المسرح بشكلها الشهير لا تضم سوى ضلع واحد هو سمير غانم الذي كان يكتب الفقرات التمثيلية الكوميدية الصغيرة "اسكتش"، حتى قابل جورج سيدهم الطالب وقتها بجامعة عين شمس وصاحب النشاط المسرحي البارز وتوطدت علاقتهما.

شاء القدر أن تنتقل عروض الفرقة من الإسكندرية إلى القاهرة، بعدما تلقى سمير غانم اتصالًا من صديقه الجديد جورج سيدهم يُخبره بأن هناك فرصة لعرض إبداعهم الفني، والظهور في برنامج بالتلفزيون المصري بعنوان "مع الناس"، ويعتذر وحيد سيف الموظف الحكومي حينئذ عن الحضور، وينضم الصديق الجديد للفرقة ويشكل الضلع الثاني.

قدمت الفرقة عرض "السلامات حول العالم" لينال إعجاب المخرج محمد سالم الذي كان حاضرًا في الاستوديو، وأعجب بأداء الفنانين الشباب ليأخذهم للمشاركة في برنامجه "أضواء المسرح"، ويطلق عليهم "ثلاثي أضواء المسرح"، لكن تصادف أن يتعذر استمرار عادل نصيف في الفرقة لأنه كان يجهز نفسه للسفر إلى الخارج، ووقتها كان الضيف أحمد يدرس في جامعة القاهرة، ويقدم عروضًا مسرحية كوميدية خفيفة، ليشتهر بين رفاقه، ويسمع سمير وجورج بنجاح الممثل الشاب ويسارعان بالذهاب إليه، ولم يستغرقان وقتًا طويلًا في إقناعه، لتكتمل أضلاع المثلث الذى ذائع الصيت فيما بعد.

حقق الثلاثي نجاحًا غير عادي مع أول عرض غنائي تمثيلي قصير بعنوان "دكتور الحقني" تأليف حسين السيد الذي كان يؤمن بموهبتهم، ثم عرفوا طريقهم للسينما عندما استعان بهم محمد سالم للمشاركة في فيلم بعنوان "منتهى الفرح" عام 1963 ليقدموا فقرة غنائية كوميدية، ثم شاركوا في حفلات أعياد ثورة 23 يوليو، ولم يصدقوا أنفسهم عندما علموا بأنهم سيحييون حفل زفاف ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لتمر السنوات ويحيي ثلاثي أضواء المسرح أيضًا حفل زفاف ابنة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

المتزوجون

لا شيء الآن يستطيع إيقاف انطلاق نجومية ثلاثي أضواء المسرح، بعد أن حققوا نجاحًا كبيرًا من خلال فوازير رمضان التي عرفت طريقها إلى التلفزيون بشكل ناجح على يديهم من خلال حلقات بعنوان "فوازير ثلاثي أضواء المسرح" عام 1968 إخراج محمد سالم، لتصبح بعد ذلك طقسًا رمضانيًا استمر لسنوات.

غادر "الضيف" الخفيف على فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" الحياة عام 1970 ليصاب سمير غانم بصدمة كبيرة، جعلته لا يرغب في الذهاب إلى المسرح ويدخل في حالة حزن شديدة، ويقرر رفض كل من تقدم ليشغل مكان الضيف أحمد بالفرقة، رغم تشابة عدد من المتقدمين معه فى ملامحه الشكلية، وهو ما عبر عنه سمير غانم فى برنامج تليفزيونى قائلا: "إذا عوضنا الشكل فكيف نعوض الروح والصداقة".

ويقرر سمير وجورج أن يستكملا المشوار سويًا عبر عروض مسرحية مشتركة منها "كل واحد وله عفريت ـ فندق الأشغال الشاقة ـ لسنا ملائكة ـ موسيقى في الحي الشرقي" لكن النجاح الأبرز جاء في مسرحية "المتزوجون" عام 1976 والتي شكّلت نقلة فنية ومحطة مهمة في مشواره الفني الكوميدي.

حكاية ميزو

ولأن فصول حياة سمير غانم ميّزها دائمًا الصدق سواء مع نفسه أو مع الجمهور، لم يكذب إحساسه بأنه بعد نجاح "المتزوجون" لابد أن يقدم أدوار البطولة المطلقة، خصوصًا أن عرض المسرحية تزامن مع صدور مسلسله الشهير "حكاية ميزو" عام 1977 محققًا نجاحًا مدويًا وقتها، إلى جانب أفلام سينمائية قدّم فيها أدوارًا بسيطة لكنها خفيفة الظل منها "أميرة حبي أنا" و"البنت اللي قالت لأ"، كما رافق النجاح المسرحي تألقه بمفرده في فوازير رمضان من خلال شخصية "فطوطة" الشهيرة التي جسدها وجعلته أقرب إلى جمهور الأطفال، ذلك الجمهور الذي اكتسبه في الثمانينيات ليظل مُتعلقًا به ومدينًا له بالكثير من لحظات السعادة برؤية أعماله.

قدّم النجم الشهير بـ"سمورة" عقب ذلك عدة أعمال بطولة مطلقة منها "جحا يحكم المدينة" تأليف وحيد حامد، التي ظهرت فيها بشدة شخصية سمير غانم الفنية بإضافات من طبيعته الخاصة لروح النص المسرحي حتى يصبح سهلًا وقريبًا من الجمهور، إذ تمتع الفنان الراحل بقدرة على الارتجال والحضور المميز، إذ كان يُجيد فن الإلقاء الكوميدي المسرحي المنفرد أو "ستاند أب كوميدي" مستحضرًا خيالًا خصبًا وغنيًا بالمفارقات الكوميدية، ومنها مشهده الشهير في "أهلا يا دكتور"، وحديثه عن النجم العالمي عمر الشريف وإعجاب الجمهور به في باريس، ومن شدة تألقه في هذا الدور فوجئ سمير غانم ذات مرة بالنجم العالمي يهنئه على أدائه ويخبره بأن الفنان أحمد رمزي حكى له عما يفعله على المسرح.

دعم الجيل الجديد

كان سمير غانم حريصًا على دعم الفنانين بكل الأجيال، حيث ساند عادل إمام وظهر معه كضيف شرف في فيلم "رمضان فوق البركان" عام 1985، كما دعم الجيل التالي بظهوره ضيف شرف أيضا في العديد من الأفلام لإيمانه بموهبتهم، مثل مشاركتة أشرف عبد الباقي في فيلم "على جنب يا أسطى"، وظهر أيضا كضيف شرف في فيلم "الحرب العالمية الثالثة" مع هشام ماجد وأحمد فهمي وشيكو.

تلقائية

ملمح آخر في حياة سمير غانم الخاصة بعيدًا عن الفن يوضح مدى حرصه على رسم البسمة على وجوه المحيطين، حيث كان حريضا خلال أحاديثه مع أصدقائه والمقربين وتعاملاته اليومية على المزاح والسخرية وإطلاق النكات، الأمر الذي أكد عليه صديقه الفنان الراحل سمير صبري قائلًا في حوار تلفزيوني: "سمير غانم تلقائي للغاية، هذا ما يميزه، ونادرًا ما نجد الممثل الكوميديان خفيف الظل في الحقيقة وتعاملاته العادية".

بساطة سمير غانم تعد أحد أبرز ملامح شخصيته الفنية الخاصة، ودون تضخيم للذات أو إنجازه الفني الكوميدي، بل كان دائمًا يُرجع سبب نجاحه واستمراره نجمًا على مدار عقود طويلة إلى دعاء والدته له ذات ليلة بأن يصبح نجمًا، بعدما صارحها في مقتبل مشواره الفني بأنه يريد ذلك بشدة.