القلق يسود أوروبا بعد إضراب عمال فرنسا

  • Share :
post-title
مظاهرة عمالية حاشدة في مدينة نانت غربي فرنسا

القاهرة الإخبارية - وكالات

عكست دعوة نقابات العمال الفرنسية إلى إضراب وطني ليوم واحد، الثلاثاء الماضي، حالة متنامية من القلق في جميع أنحاء القارة العجوز، مع ارتفاع تكاليف الطاقة وتجمع السحب المظلمة فوق اقتصاديات منطقة اليورو.

حالة من الغليان تسود أوروبا

تم التعبير عن الاستياء الواسع من كيفية تعامل الحكومات الأوروبية مع الأزمات الاقتصادية المتتالية، والمتمثلة في ارتفاع نسبة التضخم وغلاء المعيشة، في استطلاع أجرته مؤخرًا شركة YouGov، الدولية المختصة بأبحاث الأسواق ومقرها في المملكة المتحدة، على عدد من الأشخاص في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والسويد والدنمارك.

وأشارت إحصائية YouGov إلى أن نسبة كبيرة من الأوروبيين غير راضين عن الطريقة التي تدير بها حكومتهم تكاليف المعيشة والأزمات الاقتصادية.

وأشار ما لا يقل عن 6 من كل 10 أشخاص في إيطاليا إلى أنهم غير سعداء، وغير راضين عن أسلوب إدارة حكوماتهم للأزمة.

ارتفع هذا الشعور السلبي في بريطانيا إلى 82%، ووجد المسح أن أغلبية كبيرة من الأسر قالت إنها اضطرت إلى إجراء إجراءات تقشفية في إنفاقها.

وكان إضراب الثلاثاء هو الأحدث في موجة الاحتجاجات والإضرابات على ارتفاع الأسعار التي ضربت الدول الأوروبية.

في بريطانيا كانت الإضرابات مستمرة منذ شهور، وأضرب المعلمون في عديد من الدول الأوروبية، احتجاجًا على زيادات الأجور بأقل من معدلات التضخم.

مؤيد ومعارض

انقسم التأييد في فرنسا للإضرابات بين مؤيد ومعارض، وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة Elabe لاستطلاعات الرأي لصالح قناة "بي إن إف تي في" أن 39% من الجمهور أيّد إضراب يوم الثلاثاء على مستوى البلاد بينما يعارضه 49%.

طوفان من الاحتجاجات يقوده العمال

نظّم العمال في جميع أنحاء فرنسا إضرابًا يوم الثلاثاء الماضي، وانضم آلاف المحتجين إلى المظاهرات التي اندلعت في باريس ومدن أخرى، للتعبير عن إحباطهم من ارتفاع التضخم وغلاء المعيشة، وإصلاح البلاد لنظام المعاشات التقاعدية.

تضمنت إضرابات الثلاثاء معركة عمالية بين شركات النفط والعمال المضربين عن العمل في مصافي النفط الفرنسية التي استمرت لأكثر من أسبوعين، لتؤدي إلى معاناة ثلث محطات الوقود الفرنسية من نقص الإمدادات، وخروج عديد منها خارج الخدمة بسبب النفاد الكامل للوقود.

ومن بين المشكلات التي سببها الإضراب، إلغاء بعض خدمات القطارات الإقليمية والقطارات البعيدة، وتعامل الركاب مع التأخيرات الطويلة، وخفض إنتاج الكهرباء في محطات الطاقة النووية، وخلت عديد من الفصول الدراسية في المدارس.

وكان من بين المضربين عمال السكك الحديدية ومعلمو المدارس الثانوية وموظفو مترو الأنفاق في باريس والممرضات وجامعو القمامة في المدينة وموظفو محطات الطاقة النووية، بالإضافة إلى أنه انسحب عديد من الطلاب من الفصول الدراسية لدعم حركة التظاهر، خاصة المدارس الثانوية الفنية الفرنسية التي تخضع لإصلاحات ماكرون.

محاولات حكومية

حاولت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كبح الحركة الإضرابية من خلال إرغام موظفي المصفاة المضربين على العودة إلى وظائفهم.

قال وزير المالية برونو لو مير لمحطة "بي إف إم تي في" الفرنسية حول قرار طلب العمال المضربين: "انتهى وقت التفاوض".

توقعت عضو المجلس المحلي بمدينة فرساي الفرنسية الدكتورة جيهان جادو، في تصريحات خاصة لـ"القاهرة الإخبارية"، أن تؤثر هذه الإضرابات في مختلف مرافق الحياة الأساسية في فرنسا، كما سترافقه مسيرات احتجاجية لقطاعات مختلفة، وأن الحكومة عليها أن تلجأ للتهدئة والمهادنة، وأن تحدث تغيرًا مهمًا في سياساتها، وأن تتوصل لحل وسط ترضخ له النقابات والأحزاب.

العمال يبحثون عن نصيبهم من الأرباح

يقود الاتحاد العام للعمال، المعروف بميوله اليسارية، احتجاجات عمال مصافي النفط، المطالبين بأجور أعلى، متعللين بالأرباح غير المتوقعة التي جنتها شركات الطاقة خلال الارتفاع العالمي في أسعار النفط والغاز الطبيعي الناجم إلى حد كبير عن الحرب في أوكرانيا.

بعد أن أدّى قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا وقطع اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، تسبب في ارتفاع أسعار الطاقة بشكل هائل في أنحاء منطقة اليورو، وزيادة حدة أزمة غلاء المعيشة.

وأشارت جادو إلى أن المهمة صعبة جدًا وهي إحداث موازنة بين المتطلبات العمالية والتضخم الهائل في ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أنه لا بد من خطة واضحة وعاجلة لمنع تفاقم الأزمه أكثر حتى تستقر الأوضاع ويعود الشارع الفرنسي للهدوء مرة أخرى.

مخرج للأزمة

صرح المنسق الوطني للنقابة العامة للعمال إيريك سيليني "cgt"، في شركة "توتال إنرجيز"، بأن الكيان العمالي اقترح على إدارة المجموعة "بروتوكول لنهاية الصراع"، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الإضراب في المصافي.

وبحسب ما صرّح سيليني، لوكالة الأنباء الفرنسية، فدعا هذا المقترح إلى "إجراء مفاوضات حول التوظيف والاستثمار، والمفاوضات المحلية حول القضايا المحددة التي أثارها المضربون"، بالإضافة إلى "ضمانات بشأن عدم وجود قمع تجاه المضربين بعد العودة إلى العمل"، بينما تبدأ المواقع في التصويت لتقرير ما إذا كانت ستواصل الحركة أم لا.

ووفقًا لما ذكر سيليني، فإنه قبلت إدارة الشركة الفرنسية هذا المقترح بالرفض.

مخاطر على حكومة ماكرون

تشكل الرغبة المتزايدة لموسم جديد من الإضرابات في فرنسا، مخاطر على حكومة ماكرون التي تعاني بسبب خسائر حزبه في الانتخابات البرلمانية في يونيو.

في مواجهة معارضة شديدة في الجمعية الوطنية، فإن حزب ماكرون، الذي أعيد تسميته مؤخرًا باسم حزب النهضة، يهدد بضرب ميزانية 2023 المؤيدة للأعمال من خلال عملية دستورية مثيرة للجدل، تسمح للسلطة التنفيذية بفرض التشريع من خلال البرلمان.

ارتفاع التضخم وأزمة المعاشات

لا يحتج العمال الفرنسيون على الارتفاع المطرد في التضخم فقط، بل دخل على الخط احتجاجهم على إصلاحات المعاشات التقاعدية التي اقترحها ماكرون والتي تنطوي على تخفيضات لبعض العمال.

داخل الاحتجاجات، هناك أيضًا اتجاه للمشاعر المناهضة للحرب والمناهضة لحلف شمال الأطلسي، مع دعوات إلى الاتحاد الأوروبي للمساعدة في إنهاء الصراع في أوكرانيا.

وفي نهاية اليوم، أشارت وزارة الداخلية الفرنسية إلى أن عدد المشاركين في الإضراب والتظاهرات، بلغ 170 ألفًا في عموم فرنسا، فيما أكدت النقابة العامة للعمال "CGT" أن إجمالي عدد المشاركين في الحركة الاحتجاجية، بلغ 300 ألف متظاهر.