الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فرنسا وألمانيا.. هل بدأ تصدع العلاقات داخل جدار الاتحاد الأوروبي؟

  • Share :
post-title
المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

Alqahera News - مروة الوجيه

أزمة حادة تشهدها العلاقات بين الأشقاء في الاتحاد الأوروبي، في وقت حرج تزداد فيه الحاجة للتعاون والتماسك بين أقوى أقتصاديين أوروبيين، ورغم أن مثل هذه الأزمات ليس للمرة الأولى، لكن التوقيت هذه المرة سيء للغاية والخلافات بين الدولتين تبدو أعمق من ذي قبل.

وبالرغم من أن إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، استقبل أولاف شولتس، المستشار الألماني، في العاصمة باريس، أمس الأربعاء، فإن اللقاء جاء وسط أجواء محتدمة ومتوترة بين البلدين، إذ أعلن الإليزيه إرجاء اجتماع المجلس الوزاري الفرنسي الألماني إلى بداية العام المقبل 2023، الذي كان من المقرر عقده الأربعاء، بهدف "عدم توافق الموعد بين أطراف الاجتماع". 

وفي الوقت نفسه أكد مراقبون أن هذا التأجيل يعكس التوتر الذي يلقي بظلاله على تضامن القوتين الأوروبيتين في مواجهة أزمة الطاقة والتحديات التي برزت عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وصرح ماكرون بصورة واضحة، خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، بأن ألمانيا "تخاطر بعزل نفسها".

بسبب رفض برلين وضع حد أقصى لسعر الغاز والبترول، خلال القمة، ما عدّته باريس تغريدًا خارج السرب، وأن حكومة شولتس تسعى لتحقيق مكاسب لنفسها، دون أن تضع "مصلحة الاتحاد في اعتبارها".

وتُعد ملفات مثل التسلح وتحديد سقف لسعر الغاز وخطة برلين المالية لدعم الشركات والأسر خلال أزمة الطاقة التي رصدت لها 200 مليار دولار، مثار توتر بين البلدين.

ووفق مراقبين، فإن هاجس فرنسا ينحصر في إمكانية تهميش الأزمة الأوكرانية، وتفتت قوة الاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا وحلفائها خاصة بعد وقوف ألمانيا أمام تحت سعر الغاز لحل أزمة الطاقة الأوروبية.

الحل المنفرد

ويبدو أن البلدين يفضلان السير في طريق منفرد، فقبل مدة قصيرة أقرّت برلين حزمة مساعدات قيمتها 200 مليار يورو لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، دون إحاطة الشريك الفرنسي بذلك مسبقًا؛ ما أثار حفيظته. فحزمة المساعدات يمكن أن تشوه وتؤثر في المنافسة في السوق، لأن بعض الدول الأوروبية لن تستطيع إطلاق برامج بهذا الحجم، ما سيؤدي إلى اختلالات في الاتحاد في وقت حرج على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية.

علاوة على ذلك، وقّعت ألمانيا على هامش مؤتمر حلف "ناتو" الأخير مع 14 دولة أوروبية أخرى، من دون فرنسا، على مشروع مشترك للدفاع الجوي أطلق عليه اسم "مبادرة درع السماء"، رغم أن فرنسا تعمل مع إيطاليا على تطوير مشروع مظلة مضادة للصواريخ باسم "مامبا"، واكتسب الدفاع العسكري أهمية جديدة وكبيرة بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية.

وفي القمة الأوروبية منتصف الشهر الجاري، أعلن الرئيس الفرنسي أن بلاده بالتعاون مع البرتغال وإسبانيا، تريد بناء خط جديد لنقل الهيدروجين وفي حالات الطوارئ الغاز بين برشلونة ومارسيليا، وأن هذا المشروع سيكون بديلًا لخطط بناء أنبوب لنقل الغاز بين إسبانيا وفرنسا عبر جبال البرينيه الذي كانت تفضله ألمانيا. وقال ماكرون خلال القمة: "ليس جيدًا لألمانيا ولا لأوروبا أن تعزل ألمانيا نفسها".

الفائز الوحيد

الانتقاد الفرنسي لألمانيا لم يكن الوحيد بين أشقاء الاتحاد، ففي أعقاب القمة الأوروبية، اتهمت دول بالاتحاد الأوروبي، ألمانيا بسلوك مسار منفرد في أزمة الطاقة. وحذّر ماريو دراجي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، من أن بوتين الفائز حال لم تتمسك دول أوروبا بالوحدة، وحذّر دراجي زعماء الاتحاد الأوروبي الآخرين من أن المنطقة تعاني من الركود، وأن الانقسامات داخل التكتل تمثل نصرًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ووفق ما نقلته وكالة "بلومبرج" الإخبارية، فإن تحذيرات دراجي تأتي في الوقت الذي يناقش فيه زعماء الاتحاد الأوروبي، حزمة مساعدات مثيرة للجدل في مجال الطاقة، بعدما تعرضت ألمانيا لانتقادات في أعقاب إطلاق برلين برنامجًا بقيمة 200 مليار يورو للتخفيف من الأعباء الناجمة عن ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، على المواطنين والشركات.

واتّهمت هذه الدول ألمانيا بأنها تسلك مسارًا منفردًا في أزمة الطاقة. وبحسب مصادر "بلومبرج" فلجأ دراجي (75 عامًا) الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، إلى لهجة صريحة وقاتمة خلال القمة الأوروبية التي عقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل في 20 أكتوبر الماضي، مؤكدًا أن اقتصاد التكتل الأوروبي يعاني من الركود، وأن ما تشهده السوق من انقسام، سينعكس سلبًا على وحدة الاتحاد الأوروبي.

التصدع مستمر

من جانبه، اعترف برونو لومير، وزير المالية الفرنسي، بأن العلاقات الفرنسية الألمانية تمر بأوقات صعبة، وأن باريس تريد إعادة تقييم استراتيجي لعلاقاتها ببرلين، بعد يوم واحد فقط من اعتماد لغة دبلوماسية في تأجيل اللقاء الوزاري، وهي للمرة الأولى منذ بدء عقد هذا الاجتماع عام 1963 وتثبيته بموجب اتفاق (بين البلدين)، لم يتم إلغاء أي من هذه الإجتماعات على مر السنوات السابقة.

وتمر الشراكة بين أقوى دولتين في الاتحاد الأوروبي بفترة أزمة خطيرة تميزت بتباين الرأي حول سياسة الغاز، وما يُنظر إليه في باريس على أنه أحادية الجانب الألماني، من حيث الدعم الاقتصادي للسكان والشركات. لكن هذه ليست إلا بعض القضايا الخلافية، والبعض الآخر يتعلق بنزاعات شديدة الأهمية والحساسية بين البلدين في عدد مختلف من القضايا.

وبينما حذّر إيمانويل ماكرون بالقول إنه "ليس من الجيد لأوروبا أو لألمانيا أن تعزل برلين نفسها"، نفى شولتس بهدوء قائلًا إن بلاده لطالما تصرفت بطريقة موحدة للغاية.

لكن هذه التصريحات لم تكن إلا من تبعات لمواقف أخرى متوترة بين البلدين، ففي عام 2017، انتقد الإليزيه، أنجيلا ميركل، المستشارة السابقة، لتجاهلها خطاب ماكرون الأوروبي في جامعة السوربون. لكن بعد خمس سنوات، صحح شولتس هذا الإهمال الألماني، وردّ على حليفه عبر خطاب في العاصمة التشيكية براج.

لكن شولتس تجاهل في وقت آخر مشاريع التعاون العسكري الصناعي التي رعاها الشريكان على مدى عقود عدة، وقبل ذلك دافع عن توسيع الاتحاد الأوروبي إلى الشرق من 27 إلى 30 أو حتى 36 عضوًا. أما فرنسا فتفضل بالعكس تطوير نواة صلبة من البلدان الملتزمة بتعميق التكامل.

وفي قضية أخرى، اقترح المستشار الألماني باستخدام تصويت الأغلبية في مسائل السياسة الخارجية والضرائب ليس عمليًا للغاية، لأنه يتطلب إعادة تفاوض بالإجماع على المعاهدات، بينما فرنسا كانت ترى عكس ذلك.

ويبدو أن الأزمة الروسية الأوكرانية تؤثر في السياسة الخارجية الألمانية تأثيرًا عميقًا، إذ إن اعتمادها الهائل على الغاز الروسي وقرب الحرب جغرافيًا منها والضغوط التي تتعرض لها من جيرانها الشرقيين يجعلها تعيد النظر في تحالفها مع دول أوروبا الغربية، حتى إن أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، قالت بصيغة يفهم منها شعور برلين بالذنب "كان أصدقاؤنا يحذروننا منذ فترة طويلة لكن لم نستمع إليهم.. فلنحرص الآن على عدم تكرار مثل هذا الخطأ".

وشهدت العلاقات الألمانية الأوروبية خلافات أخرى على مدار الفترة الماضية، إذ طالبت جارتها البولندية تعويضات من الألمان عن الحرب العالمية الثانية، فوقّع زبيجنيو راو، وزير الخارجية البولندي، مذكرة موجهة إلى وزارة الخارجية الألمانية، بداية الشهر الجاري، يطالب بتعويضات عن الأضرار التي لحقت ببولندا خلال الحرب العالمية الثانية.

ووجهت جمهورية التشيك انتقادات لاذعة للحكومة الألمانية بسبب مماطلة الأخيرة في تسليم دفعة دبابات إلى أوكرانيا. حتى إن وزير دفاع بلد صغير مثل لاتفيا، أرتيس بابريكس، وجّه أيضًا انتقادات إلى الألمانيا قائلًا: "نحن مستعدون للموت من أجل حريتنا. هل أنتِ (ألمانيا) مستعدة للموت دفاعًا عن حريتك؟".

التوقيت الحرج

نقلت وكالة "دوتشيه فيله الألمانية" عن كبيرة المحللين السياسيين في مركز السياسة الأوروبية في بروكسل، صوفيا بورنشليجل، التى أوضحت أنه "لا يوجد لدينا الوقت لهذه الخلافات، هناك حرب في أوروبا ونواجه أزمة طاقة".

وأضافت بورنشليجل: "إذا كنا محظوظين ولم يصبح الجو باردًا جدًا، سنتجاوز هذا الشتاء، ولكن على المدى الطويل نحتاج حلًا أوروبيًا لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، على سبيل المثال تأسيس صندوق تضامن. فإذا لم نستطع تأمين الطاقة، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة اقتصادية ومعدلات بطالة مرتفعة".

من جانبه، صرّح جاك- بيير جوجيون، الخبير بالشأن الألماني لدى معهد باريس للعلاقات الدولية والاستراتيجية (Iris)، بأن هذه الأزمة أعمق من الخلافات السابقة بين البلدين اللذين نادرًا ما يتفقان حول قضايا الطاقة، ففرنسا مثلًا وعلى عكس ألمانيا تطالب بالطاقة النووية.. أما ألمانيا فلا تتجه إلى هذا الطريق"، ويوضح جوجيون، في تصريحات صحفية، أن "الخلاف صعب أيضًا، لأن دولًا صغرى مثل بولندا ودول البلطيق تشكك بالدور القيادي للثنائي الألماني-الفرنسي".

وبالنسبة للباحثة السياسية في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين (SWP) رونيا كيمبين، فإن الاختلاف الحالي في الرأي بين باريس وبرلين يعبر عن معارضة أساسية وقوية.

وتوضح كيمبين أن "ماكرون يريد منذ فترة طويلة أن يعمل الاتحاد الأوروبي ضمن مجموعات صغيرة معنية بقضايا محددة، وهو ينظر بريبة لتوسيع الاتحاد الأوروبي شرقًا قبل إصلاح الآلية التي يعمل بها الاتحاد. والاتحاد الأوروبي بالنسبة لفرنسا هو وسيلة لزيادة القوة".

وتضيف الخبيرة بالعلاقات الفرنسية الألمانية في تصريحاتها الصحفية: "على عكس ذلك تميل ألمانيا إلى توسيع الاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق، لأنها تنظر إلى الاتحاد الأوروبي كوسيلة تغيير تجلب السلام".

وختامًا، فإن الخلافات بين ألمانيا وفرنسا اتّجهت لتكون أكثر عمقًا، ليس بسبب الغاز والطاقة فقط، ولكن اتجهت هذه الخلافات إلى القوة العسكرية، خاصة القضايا الدفاعية، إذ تسعى ألمانيا لتغيير سياستها التقليدية، وزادت نفقاتها العسكرية، ولكنها تعول على الشراء المباشر بدل المشاريع الأوروبية المشتركة، ما يتعارض مع الموقف الفرنسي.

لكن رغم كل ذلك يرى شتفان زايدندورف، خبير العلاقات الفرنسية الألمانية، أن هناك بصيص أمل يلوح في الأفق، بقوله "حتى الآن أدرك كل القادة الفرنسيين والألمان في النهاية، أنه لا يمكن الاستغناء عن الآخر، حتى عندما يكون الوصول إلى حل وسط صعبًا".