الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

اضطرابات بينية.. تداعيات أزمة انتخاب رئيس مجلس النواب الأمريكي على الانقسام الحزبي

  • Share :
post-title
كيفين مكارثي بعد فوزه الشاق برئاسة مجلس النواب الأمريكي في الجولة رقم (15)

Alqahera News - ضياء نوح

في الجولة الخامسة عشر لانتخاب رئيس مجلس النواب الأمريكي، نال زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس كيفين مكارثي، رئاسته بعد منافسة انتهت فعالياتها في الساعات الأولى لصباح السبت 7 يناير 2023. إذ حصل على 216 صوتًا من أصل 222 نائبًا جمهوريًا، مقابل 212 لنظيره الديمقراطي حكيم جيفريز، بعد تنازلات عديدة حدت من صلاحيات مكارثي الحزبية والسياسية لصالح تكتل الحرية اليميني الصاعد في الحزب، الذي يرتبط بعلاقات قوية مع الرئيس السابق دونالد ترامب.

انتخاب رئيس مجلس النواب أظهر استمرار أزمة الحزب الجمهوري، الذي يشهد نزاعًا بين أنصار الرئيس السابق ومعارضيه وخصومه السياسيين، وأثرت تلك الانقسامات في مشهد الانتخابات الأخيرة، التي جاءت بنتائج مخيبة للآمال رغم توقعات الكثير من المراقبين، باكتساح موجة حمراء للكونجرس بغرفتيه، ليبقى السؤال؛ ما تأثير انتخاب مكارثي على الانقسامات الحزبية في الولايات المتحدة؟

تنازلات "مهينة":

نجح نحو 20 نائبًا في مجلس النواب الأمريكي بقيادة أندي بيجز، النائب عن ولاية أريزونا، في تعظيم مكاسبهم الحزبية والسياسية من زعيم الأغلبية كيفين مكارثي، نظير انتخابه لرئاسة مجلس النواب، وهو ما وصفته الصحافة الأمريكية بـ"المهين"، وشملت تلك التنازلات، ما يلي:

(*) مكتسبات حزبية: تتضمن عدم تدخل المجموعة الجمهورية المتحالفة مع مكارثي في الانتخابات التمهيدية بالحزب الجمهوري، بعدما أسهم مكارثي وأعوانه في دعم مرشحين أكثر اعتدالًا لخوض الانتخابات وتقليص نفوذ تكتل الحرية. وكانت من المشاهد المثيرة للجدل وجود الرئيس السابق دونالد ترامب في مفاوضات دعم مكارثي لرئاسة المجلس، بعد مكالمة هاتفية مع النائبة الجمهورية مارجوري جرين، خلال جلسات التصويت مساء الجمعة، لإقناع نواب التكتل بالتصويت، في إشارة إضافية لدور ترامب المؤثر وقدرته على التلاعب بخصومه داخل الحزب، وعلى رأسهم مكارثي الذي ندد بحركة 6 يناير 2021 وما تخللها من أحداث شغب، كما حارب نفوذ التيار اليميني المتطرف داخل الحزب الجمهوري.

(*) مكتسبات نيابية: دعم تمثيل تكتل الحرية في لجان مجلس النواب، والموافقة على شغلهم 3 مقاعد في لجنة قواعد مجلس النواب، المسؤولة عن صياغة التشريعات قبل عرضها للتصويت، وطرحها قبل 72 ساعة من عرضها على المجلس. فضلًا عن دعم مشروعات القوانين التي تتبناها الكتلة في تعزيز أمن الحدود والحد من الهجرة والميزانية السنوية.

(*) مكتسبات سياسية: سعى تكتل الحرية لقلب موازين القوى في إدارة الشئون البرلمانية والسياسية العامة لصالحهم، من خلال إعطاء حق طرح التصويت على حجب الثقة من رئيس المجلس بدعوة نائب واحد فقط بدلًا من خمسة نواب حسب اقتراح مكارثي، مما يضعف من سلطته لصالح أعضاء المجلس. كما يهدف التكتل لمعارضة خطط الإدارة الديمقراطية في رفع سقف الدين وربطها بإجراءات مقابلة لتخفيض النفقات الحكومية وخفض رواتب المسؤولين الفيدراليين، وتدشين لجنة تحقيق في "تسليح" أو توظيف الحكومة الفيدرالية بالصراع السياسي في إشارة إلى ملف التحقيقات مع الرئيس السابق دونالد ترامب وتدخل وكالة التحقيقات الفيدالية بقرار من وزارة العدل في تفتيش منتجع مارالاجو التابع لترامب.

مشهد مضطرب:

تشير تلك التنازلات إلى انقسامات عميقة داخل الحزب الجمهوري، الذي لم ينجح في إعادة ترتيب أوراقه بشكل كافٍ عقب خروج الرئيس السابق من البيت الأبيض، وهو ما انعكس على نتائج الحزب في انتخابات التجديد النصفي التي أسفرت عن خسارة أغلبية مجلس الشيوخ والحصول على أغلبية بسيطة في مجلس النواب، منقسمة على نفسها بين التوجه التقليدي السائد في الحزب، وعناصر أقصى اليمين، في "كتلة الحرية" التي عارضت توجه زعيم الأغلبية الساعي لتقويض تيار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" والمعروف اختصارًا بتيار "ماجا".

ولعل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2022، خير دليل على تلك المعركة التي شهدت حضور ودعم ترامب لعدد من نواب الحزب في مجلسي النواب والشيوخ وحكام بعض الولايات، فضلًا عن إقصاء كبار خصومه في الحزب مسبقًا في الانتخابات التمهيدية، وعلى رأسهم ليز تشيني التي نادت بعزل ترامب، وهي العضوة الجمهورية الوحيدة في لجنة تحقيقات 6 يناير 2021.

ويشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى مواقف النواب العشرين، إذ ينقسمون إلى 15 نائبًا أُعيد انتخابهم، و5 نواب جدد، دعم ترامب 85% منهم "16 نائبًا" في الانتخابات الأخيرة. ومن إجمالي التكتل رفض 12 نائبًا نتيجة انتخابات 2020 واعتبروها مزورة للإحاطة بترامب، ويمكن توضيح انعكاسات نجاح مكارثي على الانقسام الحزبي في أمريكا، على النحو التالي:

صورة توضيحية للتصورات السلبية بين الحزبين المتصارعين خلال الفترة (1995-2020)

(#) اشتعال النزاع الحزبي: سيمر مجلس النواب بمرحلة حرجة في ظل مشهد الأغلبية المنقسمة، التي ستشهد جهودًا محمومة لإعاقة أجندة الديمقراطيين على الصعيدين الداخلي والخارجي، وعلى رأسها قضايا الإنفاق العام وقوانين الأسلحة الفردية وقضايا الإجهاض، ومحاولة عرقلة وتقييد توجهات الإدارة الأمريكية في الحرب الروسية الأوكرانية. وعلى الرغم مما قد يعكسه النزاع الجمهوري من ارتياح نسبي في الأوساط الديمقراطية الحاكمة والمسيطرة على مجلس الشيوخ، إلا أن صعود تيار أقصى اليمين يمثل مصدر خطر على النظام السياسي الأمريكي برمته، ويهدد بإشعال المواجهات بين أنصار التيارات المتعارضة، فعلى النقيض من تيار أقصى اليمين قيد التحول إلى تيار متماسك يبرز سيادة الأمريكي المسيحي الأبيض، يبرز تيار أقصى اليسار في الحزب الديمقراطي بزعامة بيرني ساندرز الداعم لمجموعة مختلفة من القيم.

رون ديسانتيس حاكم فلوريدا الجمهوري

(#) الصراع على الحزب الجمهوري: مثلت خسارة ترامب في انتخابات 2020 مرحلة جديدة في مسيرة الحزب الجمهوري، وباتت قاعدة الرئيس السابق عائقًا أمام إمكان تجاوز دونالد ترامب، الساعي للعودة إلى الرئاسة، رغم معارضة عدد من قادة الحزب على إعادة ترشيحه في الانتخابات المقبلة وانتقاد صلته بمظاهرات 6 يناير 2021، التي كانت بمثابة تهديدًا لاستقرار النظام السياسي الأمريكي في هذا التوقيت، لتبدأ بعد ذلك حرب ترامب لإعادة ترتيب البيت الجمهوري كزعيم شعبي للحزب، لكن هذا الطرح قد ينعكس تمامًا في حال بروز زعامة موازية تجمع شتات الجمهوريين، وهو ما لم يتبلور حتى اللحظة في أي زعيم حزبي وإن كان حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتس أحد أقرب المنافسين المحتملين لدونالد ترامب حسب استطلاعات الرأي الأمريكية، إلا أنه لم يظهر برنامجًا حزبيًا مختلفًا عن الرئيس السابق ولم يعلن رسميًا عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة في 2024.

وختامًا؛ يفترض المشهد الحالي لهيمنة تكتل الحرية على رسم أجندة مجلس النواب الأمريكي ودفع الجمهوريين للصدام مع الحزب الديمقراطي، صعودًا محتملًا للرئيس السابق مع استمرار إعادة ترتيب أوراق الحزب، مما قد يدفع الديمقراطيين لبحث إمكان التعاون مع التيار التقليدي بالحزب الجمهوري خاصة الرافضين لترامب. لكن الوضع المضطرب داخل الحزب سيمنع أي تعاون مع الديمقراطيين وسيفضي إلى تعزيز الانقسام بين الحزبين من جهة وداخل الحزب الجمهوري ذاته من جهة أخرى، في ظل غياب القيادة الموحدة التي تعيد ترتيب أهداف وأولويات الحزب في الفترة المقبلة، بعدما بات كيفين مكارثي في موقف ضعيف قد ينهي مسيرته السياسية عمومًا ودوره كرئيس لمجلس النواب وثالث أرفع مسؤول فيدرالي بالولايات المتحدة.