الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مزيد من التراجع.. اتجاهات سياسات حكومة طالبان في أفغانستان خلال 2023

  • Share :
post-title
قادة طالبان - أرشيفية

Alqahera News - محمود جمال

رغم حالة الفقر المدقع، والتخوف من خطر المجاعة في أفغانستان، واستمرار مسلسل التفجيرات الإرهابية، انصبت جهود حركة طالبان التي تسلمت زمام السلطة في أغسطس 2021 طوال عام 2022 على المرأة الأفغانية سواءً على مستوى الملابس، أو العمل، أو حتى التعليم. نحاول في هذا التحليل استشراف الواقع الأفغاني خلال عام 2023 لا سيَّما أن عام 2022 حمل مزيدًا من المعاناة على مستوى الأوضاع الإنسانية، وارتفاع مستويات الفقر، وتراجع واضح في الحقوق المدنية والاجتماعية لا سيَّما للمرأة.

أبرز التحديات أمام طالبان:

من المتوقع أن يمر حكم حركة طالبان خلال عام 2023 بالمزيد من التحديات سواءً داخليًا أو خارجيًا، وتتمثل أهم هذه التحديات، فيما يلي:

(*) الانقسامات في صفوف الحركة: أفادت وكالة بلومبرج أن حالة من الانقسامات تجري داخل صفوف حركة طالبان؛ وظهرت مؤشرات الانقسام بين منَّ يُطلق عليهم المعتدلون والمحافظون؛ فتشير التقارير إلى سيطرة المحافظين على القرارات التي صدرت مؤخرًا بحق المرأة؛ حيث كانت هذه القضايا محل خلاف وجدل بين الجانبين. جدير بالذكر أنه بعد تمسك وزير التعليم في الحركة "نور الله منير" بالسماح للفتيات للدراسة تمت إقالته وإحلاله بعبد الباقي حقاني المقرب من زعيم الحركة، الملا هبة الله أخوند زاده.

شعار منظمة الأمم المتحدة

(*) البحث عن الاعتراف الدولي: اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تقريرها المنشور في أواخر ديسمبر 2022 أن حركة طالبان تعاني من مسألة كسب الاعتراف الدولي، بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة التي يعيشها المجتمع الأفغاني. واعتبر التقرير أن مسألة الاعتراف الدولي لن تكون بالسهولة التي تتمناها الحركة، خاصة مع القرارات المثيرة التي اتخذتها طالبان بحق المرأة الأفغانية مؤخرًا. على الناحية الأخرى، تتهم الحركة واشنطن بتعمد تعطيل مسألة الاعتراف بها دوليًا. ويشترط الاتحاد الأوروبي احترام الحقوق الأساسية للشعب الأفغاني، خاصة حقوق المرأة والأقليات والشباب كبداية لمواصلة الشراكة مع أفغانستان. وعلى ما سبق، يمكن القول إنه من المحتمل أن يشهد عام 2023 مزيدًا من التراجع في سياسات الحركة تجاه فصائل المجتمع الأفغاني، خاصة المرأة والتشريعات المتعلقة بضبط السلوك المجتمعي والتعاملات الاقتصادية بين الناس.

مزارع نبات خشخاش الأفيون في أفغانستان (صورة أرشيفية)

(*) نمو تجارة المخدرات: وفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، شهد عام 2022 تزايدًا في إنتاج نبات خشخاش الأفيون بنسبة 30%، ورغم قرار حكومة طالبان بحظر زراعة الأفيون، إلا أن هذه الزراعة نمت بشكلٍ كبير، وذلك نتيجة حالة الفقر؛ حيث أصبحت هذه التجارة مصدرًا آمنًا للعديد من المزارعين والعاطلين عن العمل. 

ومن المرجح أن يشهد عام 2023 مزيدًا من رواج هذه التجارة، لا سيَّما أنها تُسهم في توفير العملة الصعبة التي تفتقد لها حكومة طالبان، بالإضافة إلى أن الحركة غير مستعدة لفقدان مزيد من الشعبية في المناطق الريفية الرئيسية في أفغانستان، وبهذا يبدو أن الحركة ليس لديها الإرادة بعد للقضاء على هذه التجارة؛ إذ اتهمت الحكومة الأفغانية السابقة، حركة طالبان بحماية مزارعي نبات خشخاش الأفيون، وهو ما يعني أن الحركة قادرة على السيطرة على هذه التجارة إذا قررت ذلك. 

في المقابل، تحاول الحركة إظهار نفسها أمام العالم كحكومة مسئولة -وليس ميليشيا- ملتزمة بالقضاء على هذه التجارة، وهو ما ظهر في العديد من عمليات الاستهداف المصورة التي أذاعتها الحركة عن جهودها في مكافحة زراعة نبات خشخاش الأفيون.

(*) ارتفاع حدة العنف والإرهاب: كان عام 2022 بالنسبة لأفغانستان عامًا دمويًا بامتياز؛ إذ شهد المزيد من التفجيرات التي أودت بحياة المئات من المدنيين. ورغم إصرار حركة طالبان على تحسن الأوضاع الأمنية، لا تزال الانفجارات التي يتبناها تنظيم "داعش-خراسان" في أفغانستان مستمرة في قلب العاصمة كابول. وغلبت العمليات الانتحارية على هذه الحوادث. واستهدفت العمليات الانتحارية السفارات الأجنبية بشكلٍ خاص مثل تفجير سفارة باكستان، ومحاولة انتحاري تابع لتنظيم "داعش خراسان" تفجير السفارة الروسية في كابول في 5 سبتمبر 2022، وهو ما يُمثل تحديًا أمام الحركة التي تحاول أن تظهر أمام العالم أنها تمكنت من ضبط الأمن في البلاد، مما يسهل من مسألة الاعتراف الدولي، لا سيَّما أن هناك العديد من التقارير مثل مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تشير إلى استمرار ارتباط الحركة بالتنظيمات الإرهابية، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حدث مع الحركة أوائل الألفينيات بالتدخل الأمريكي، الذي استند على ارتباط الحركة بتنظيم القاعدة وقتها.

معاناة مستمرة:

قد لا ينسى الأفغان الخامس عشر من أغسطس 2021 لارتباط ذلك التاريخ باستلام حركة طالبان للسلطة، وما تلا ذلك من معاناة فيما بعد؛ إذ من المُرجح أن يحمل عام 2023 مزيدًا من الضغوط الاقتصادية على المواطنين الأفغان، الذين باتوا يعانون الفقر والإرهاب والانعزال عن العالم خلال هذه الفترة الوجيزة. نُبرز فيما يلي أهم الملفات التي يحملها الأفغان معهم في حقيبة العام الجديد:

(*) الخوف من سياسة العقاب الجماعي: تشعل قرارات حكومة طالبان المتعلقة بالمرأة غضب العديد من الدول والجهات المانحة، وهو ما يجعل بعضها توقف المساعدات؛ وهو الأمر الذي يُعد بمثابة العقاب الجماعي بحق الشعب الأفغاني، الذي يعاني ظروفًا اقتصادية واجتماعية قاسية. في هذا السياق، قالت الأمم المتحدة ردًا على قرار سلطة حركة طالبان بمنع عمل المرأة في المنظمات الإغاثية، أنها لن توقف المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان، وذلك لتقديم الغوث والإعانة للشعب الأفغاني. وتعتبر المنظمة الأممية أن الحركة بمثابة سلطة الأمر الواقع التي يجب أن تتعامل معها للمساعدة في تخفيف الأعباء عن الشعب الأفغاني.

(*) استمرار حالة النزوح: وفقًا لتقارير مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، وصل عدد طالبي اللجوء الأفغان المسجلين نحو 2.4 مليون نسمة؛ منهم 41% من النساء، و40% من الأطفال، فيما وصل عدد النازحين داخليًا أكثر من 2.2 مليون نسمة، ولا يزال هناك 5 ملايين نازح في إيران. ويتركز أغلب اللاجئين الأفغان في دول الجوار في مناطق إيران وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان؛ حيث عجزت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في استيعاب هذا العدد من اللاجئين الذي تجاوز سبعة ملايين. ويُنذر عام 2023 باستمرار أزمة النزوح الأفغاني لا سيَّما بعد القرارات المثيرة التي تتخذها حركة طالبان بين الفينة والأخرى، خاصة تلك الموجهة ضد المرأة.

(*) ارتفاع معدلات الفقر: أدى سيطرة حركة طالبان على الحكم إلى تعطل كثير من مشروعات الإغاثة، التي كانت تعمل في هذا البلد الفقير، وهو الأمر الذي أدى إلى تصاعد الأزمات الإنسانية. في هذا السياق، حذر برنامج الأمم المتحدة للغذاء من انعدام الأمن الغذائي لدى أكثر من 24 مليون أفغاني. ووصل عدد الأفغان الذين تقدم لهم مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين المساعدات المختلفة نحو 5.5 مليون نسمة. ووفقًا لكاني فيجنارايا مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لآسيا والمحيط الهادئ، فإن ما نسبته 95 إلى 97% من الأفغان يقبعون تحت خط الفقر. ومن المرجح أن تستمر معدلات الفقر والعوز في الارتفاع خاصة مع الوضع القاتم الذي رسمه صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي خلال 2023، إضافة إلى ضعف الاقتصاد الأفغاني الذي يقوم على الاقتصاد غير الرسمي، وهو ما يعني ضعف عوائد الدولة من الضرائب التي تُمكنها من معالجة حالة العوز والفقر التي تعاني منها فئات واسعة من المجتمع.

حرمان الإناث من التعليم في أفغانستان

(*) استهداف المرأة: وصف تقرير بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) في 20 يوليو 2022 فترة حكم طالبان بتآكل حقوق المرأة؛ إذ استهدفت قرارات طالبان خلال عام 2022 المرأة بشكلٍ رئيسي. وبدأت الحركة سياستها بعدم السماح للفتيات بالعودة إلى المدارس الثانوية، ثم منعهن من التعليم الجامعي بعد حظر تعليم الإناث في الجامعات إلى أجل غير مسمى، وهو الأمر الذي يعني تضييع الفرصة على جيلٍ كامل من الفتيات في ممارسة حقهن في التعليم. وقد شهد عام 2022 حظرًا لظهور النساء في الأعمال التلفزيونية إضافة إلى إلزام المذيعات العاملات بالمحطات التلفزيونية بارتداء النقاب، وفرض قيود على عمل المرأة، وحظر دخولها إلى أماكن الترفيه مثل الصالات الرياضية، وحمامات السباحة، واستبدلت مبنى وزارة شئون المرأة بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأن المرأة هي أساس انتشار الرذيلة في المجتمع. ومن المتوقع أن يشهد عام 2023 مزيدًا من الضغوط على المرأة داخل أفغانستان؛ إذ اختصرت الحركة تطبيق الشريعة الإسلامية في شكل المرأة وعملها، وهو ما ترفضه المنظمات الدولية ودول العالم التي نددت بقرارات الحركة داعية إياها لضمان حق المرأة في التعليم والعمل باعتبارهما من الحقوق الأساسية للإنسان. وقد دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك من أطلق عليهم "سلطات الأمر الواقع" في أفغانستان بالتراجع عن هذه السياسات.

في الختام، يعتبر استمرار حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان قائمًا بالأساس على الرضا الدولي عن أدائها، ويبدو من ممارسات الحركة طوال فترة سيطرتها على الحكم أن هذا الأمر لم يكن متوفرًا، وهو ما برز في العديد من التنديدات الدولية التي استنكرت القرارات التي اتخذتها الحركة بحق تعليم المرأة وعملها، وهو الأمر الذي برز في استنكارات وبيانات رسمية لدول كانت داعمة للحركة في السابق، ومجلس الأمن الدولي الذي رفض في اجتماعه الذي انعقد أواخر عام 2022 قرار الحركة بحظر عمل النساء في مجال الإغاثة. ونخرج من هذه التحليل بجملة من الاستنتاجات أهمها؛ صعوبة انتقال الحركة بأفغانستان إلى وضع الدولة ذات الاعتراف والتمثيل الدوليين على الأقل على المدى القصير، وذلك نظرًا لسيطرة التيار المحافظ على قرارات الحركة، وعدم جدوى الضغوط الدولية على الحركة، بالإضافة إلى احتمال استمرار تدهور الأوضاع الأمنية لا سيَّما مع تمدد تنظيم "داعش-خراسان" الإرهابي وتبنيه العديد من التفجيرات والعمليات الإرهابية الموجهة ضد البعثات الأجنبية في كابول.