الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الأمن الغذائي العربي.. هل تخرج قمة الجزائر برؤية طموحة لمواجهة التحديات؟

  • Share :
post-title
الأمن الغذائي - تعبيرية

Alqahera News - سمر سليمان

بأمل وتحدٍ وضعت القمة العربية في الجزائر، مبادرة الأمن الغذائي العربي، على أجندة انعقاد دورتها الـ 31، حيث يواجه الوطن العربي تدهورًا كبيرًا في مؤشرات أمنه الغذائي، بسبب الآثار الممتدة لجائحة كورونا، وتغير المناخ، وحالة عدم الاستقرار والاضطرابات التي تشهدها بعض دول المنطقة، علاوة على الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من تبعات مباشرة على سلاسل الإمداد العالمية، الأمر الذي استدعى من القوة العربية إيلاء الأزمة الأولوية لمناقشة سبل تفادي تبعاتها المُحدّقة بالبيت العربي.

رؤية عربية طموحة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي

من خلال نهج تكاملي، وحشد للإمكانيات العربية، دعا "أحمد أبو الغيط" الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى صياغة رؤية عربية لمواجهة تحديات الأمن الغذائي في المنطقة، تستهدف سد الفجوة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العالم العربي.

وفي كلمة ألقاها خلال افتتاح اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري، التحضيري للقمة العربية الحادي والثلاثين، أكد أن "مؤشرات الأمن الغذائي العربي تدهورت بشكل مقلق، ليس فقط بسبب الجائحة وما تلاها من أحداث، ولكن أيضًا بسبب تزامن عوامل عديدة وتراكم مشكلات كثيرة".

ومن بين المشكلات التي تهدد الأمن الغذائي العربي، أشار "أبو الغيط" على وجه الخصوص إلى الجفاف واستمرار تراجع حصة المواطن العربي من المياه، فضلًا عن النمو السكاني المطرد، وضعف الاستثمار الزراعي.

التغير المناخي

تزيد آثار تغير المناخ بفعل الاحتباس الحراري، المزيد من التحديات بمنطقتنا العربية بمواردها الطبيعية المحدودة والتي تعد من أكثر مناطق العالم جفافًا، حيث تشكل ندرة المياه في المنطقة محددًا أساسيا للإنتاج الزراعي والغذائي.

وحذّرت دراسات المنظمة العربية للتنمية الزراعية، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة من تراجع كبير منتظر في إنتاج الغذاء في الدول والأقاليم التي تعاني بالفعل من قصور في الأمن الغذائي، نتيجة التغيرات المناخية، مشيرة إلى ضرورة تبني المنطقة تدخلات من شأنها جعل الزراعة أكثر استدامة ومرونة وإنتاجية.

ويتوقع تقرير المنظمة العربية للتنمية لعام 2021، أن تزداد حدة آثار التغيرات المناخية السلبية بعد عام 2030 على المنطقة، شأنها شأن باقي العالم المتأثر بدوره بذات العوامل، كما يتوقع أن تكون الفئات الأكثر اعتمادًا في معيشتهم ودخولهم على الزراعة وبخاصة صغار المنتجين في الدول النامية هي الأكثر تعرضًا لهذه الآثار السلبية.

ندرة المياه وتضاؤل حصة المواطن العربي

تتسم المنطقة العربية بقلة الموارد الزراعية، بالمقارنة بعدد سكانها، مع انحفاض إنتاجية تلك الموارد، وبخاصة المياه، إذ يعادل نصيب الفرد من موارد المياه العذبة المتاحة نحو 10 في المئة من المتوسط العالمي، ومن المتوقع أن ينخفض إلى النصف بحلول 2050 في حال استمرت الاتجاهات الحالية في نمو السكان وأنماط الاستهلاك على الوتيرة نفسها.

ويبلغ متوسط حصة الفرد من المياه المتجددة في المنطقة العربية خلال عام 2020 نحو 650 مترًا مكعبًا سنويًا، فيما من المتوقع أن يهبط متوسط حصة الفرد إلى 300 متر مكعب بحلول 2050، حيث يتراجع متوسط الحصة إلى نحو النصف كل 30 سنة تقريبًا.

ويشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021، إلى أن ثلاث عشرة دولة بما يشمل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية واليمن والأردن وفلسطين وجيبوتي والجزائر وليبيا وتونس، تعد من دول الندرة المطلقة للمياه التي تقل فيها حصة الفرد عن 500 متر مكعب لكل سنة، بينما تعتبر ست دول، هي الصومال ولبنان وسوريا ومصر والسودان والمغرب، من دول الندرة المائية التي تتراوح حصة الفرد فيها بين خمسمئة إلى ألف متر مكعب سنويا، ولا تزيد حصة الفرد عن حد الندرة المائية المقدر بنحو ألف متر مكعب سنويًا، إلا في ثلاث دول فقط، وتتجاوز حصة الفرد حد الندرة المائية المقدرة بنحو ألف متر مكعب سنويًا، في ثلاث دول فقط بالمنطقة هي العراق وموريتانيا وجزر القمر، كما تتفاقم أوضاع المياه في هذه الدول كل بضعة أعوام بسبب النمو السكاني ونمو الطلب على المياه مع ثبات كميات المياه المتجددة التي ترد لها سنوياً.

تدني حجم الإنتاج الزراعي في دول المنطقة

وأدى قلة هطول الأمطار وندرة المياه، إلى تراجع حجم إنتاج المحاصيل الزراعية في عدد من دول المنطقة العربية، وبالمقابل أدى تحسن معدلاته إلى تحسين إنتاجية دول أخرى بالمنطقة، ونستعرض بعض النماذج على النحو التالي:

تراجع محصول العراق من القمح خلال الموسم الشتوي للعام 2021 من نحو 6.24 مليون طن إلى نحو 4.23 مليون طن مسجلا تراجعا بنحو 32 في المئة عن إنتاج عام 2020.

تعتبر سنة 2021 السنة الصعبة في تونس، حيث تواصل الجفاف لعدة مواسم متتالية بينها موسم واحد ممطر في عام 2019، ما أدى لتذبذب في الإنتاج وتراجع مساحات الحصاد.

أما في الجزائر، فتراجع إنتاج الحبوب لموسم حصاد 2021- 2022 بنحو 40 في المئة نتيجة شُح الأمطار.

وفي لبنان وسوريا تدهورت إنتاجية العديد من المحاصيل بسبب الظروف المحيطة غير الملائمة خلال السنوات القليلة الماضية.

الأمر نفسه في فلسطين التي شهد القطاع الزراعي بها انخفاضًا في معدلات الأمطار السنوية وارتفاع في درجات الحرارة ما تسبب في نقص المياه، والذي بدوره أثر على الإنتاجية الزراعية للبلاد.

من جهة أخرى، تحسن إنتاج بعض المحاصيل المطرية بفضل تحسن معدلات هطول الأمطار في دول أخرى، حيث ازداد حجم إنتاج الذرة الرفيعة في السودان عام 2021، مقارنة بإنتاج عام 2020، وترجع الزيادة لتحسن معدلات هطول الأمطار في عام 2021 مقارنة بالموسم السابق، وفي المغرب تحقق موسم زراعي استثنائي خلال موسم 2020-2021، بتسجيله ثاني أكبر إنتاج محاصيل الحبوب بكمية تقدر بأكثر من 14.8 مليون طن، بفضل هطول المطر الغزير على المملكة، حيث بلغت نسبة المساحة المزروعة وقتها نحو 4.35 مليون هكتار.

أثر النزاعات والأزمات الخارجية على الأمن الغذائي في المنطقة العربية

تأثرت أوضاع الأمن الغذائي العربي في عدد من الدول العربية بشكل كبير، جراء الاضطرابات والنزاعات الداخلية والخارجية خلال السنوات الأخيرة، والتي بدورها أدت إلى نقص في السلع الغذائية المنتجة محليًا وخلقت صعوبات في إتاحة السلع المستوردة.

بداية من جائحة كورونا وما تركته من قدر متفاوت في تعطيل سلاسل الإمداد، حيث قامت بعض الدول، حينها، بمنع تصدير الغذاء وفرض قيود على الاستيراد، وصولا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية بسبب حرب بين دولتين من أكبر المصدرين للحبوب في العالم، وما أحدثته من صعوبات في العرض والطلب على السلع.

تستورد الدول العربية من خارج الوطن العربي نحو 57 في المئة من احتياجاتها من القمح، ونحو 66 في المئة من احتياجاتها من الذرة الشامية، و65 في المئة من احتياجاتها من السكر، وبرصد هذه النسب يبدو جليًا ما أحدثته الأزمات لاسيما الأخيرة المتأثر بها العالم في تهديد أوضاع الأمن الغذائي في المنطقة العربية.

خطوات على طريق أمن العرب الغذائي.. "التجارة البينية.. والإتاحة المحلية"

يعتبر تطوير التجارة البينية من أهم المجالات التي تتبناها الدول العربية لمجابهة المتغيرات الحالية في بيئة التجارة الدولية، إلى جانب تطوير وتحسين سلاسل الإمداد الغذائي وتعزيز التكامل والترابط بين حلقاتها في الدول العربية، بما يعزز من قدرات الدول العربية في الاعتماد على الذات في استغلال مواردها الاستغلال التكامل الأمثل من خلال الاستثمارات المشتركة لتوفير الغذاء وتبادل السلع فيما بينها، وفي هذا الإطار قامت بعض الدول العربية بإبرام اتفاقات ثنائية وجماعية، كما تم الاتفاق على تطبيق البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإقامة التكتلات الإقليمية بين بلدان الوطن العربي، أهمها إعلان الاتحاد الجمركي العربي من أجل زيادة التجارة العربية البينية والاندماج.

توفير الغذاء من الوطن العربي

تعتبر إتاحة الغذاء من الإنتاج المحلي أهم تحديات الأمن الغذائي للمنطقة العربية، والتي تأمل من خلال تعاون دولها معًا، تحقيقه، لاسيما في ظل الظروف العالمية الراهنة، حيث تعتمد المنطقة، كما سبق الإشارة، على استيراد نسب عالية من احتياجاتها من سلع الحبوب والسكر والزيوت النباتية.

وتشكل المساحة المزروعة من محاصيل الحبوب نحو 57.2 في المئة من جملة المساحات المزروعة بالمحاصيل الغذائية بالدول العربية في عام 2021، تليها محاصيل البذور الزيتية بنسبة 27.4 في المئة، وتساهم محاصيل الفاكهة بنسبة 6.3 في المئة، ومحاصيل الخضر بنحو 3.4 في المئة بينما تبلغ مساهمة بقية المحاصيل نحو 5.7 في المئة المساحة المزروعة.

الجدير بالذكر، أن مبادرة الأمن الغذائي العربي، هي بالأساس، مشروع تقدم به السودان، وأدرج على قائمة القمة العربية في نواكشوط عام 2016 "تحت شعار" قمة الأمل"، لبحث تمويله، بعد ما تبنته قمة الرياض مطلع عام 2013، ليصبح حينها من أهم مخرجات القمة العربية الاقتصادية الثالثة، فهل تتبناه القمة العربية الـ 31 وتضع خطه جادة لتمويله؟