الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

اشتباكات مباشرة.. لماذا تجدد الصراع بين التنظيمات الإرهابية في شمالي مالي؟

  • Share :
post-title
تجدد الصراع الإرهابي في مالي

Alqahera News - نورا فايد

تجدد الصراع بين تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وجماعة نُصرة الإسلام والمسلمين (الموالية لتنظيم القاعدة) في ولاية ميناكا الأزوادية، وكانت البداية حينما شن فرع "داعش" هجمات متتالية في مارس 2022، استهدفت مناطق متعددة تابعة لتلك الولاية المالية، نجم عنها وقتها وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، فضلًا عن تشريد أكثر من 17 ألفًا آخرين من مناطقهم الأصلية، وهو ما دفع الجماعة الموالية للقاعدة للتدخل لإيقاف ما رأته محاولات من قبل داعش للسيطرة على ميناكا، نظرًا لأن الهجوم الذي شنه الأخير يتجاوز ما كان وقتها ضمن نطاق نفوذه ونشاطه.

وعلى ما سبق، وفي ظل المواجهة المباشرة بين "داعش" و" نصرة الإسلام والمسلمين"، التي وصلت إلى أشدها خلال الساعات الماضية، يبقى السؤال: إلى أين ينتهي الصراع بين التنظيمات الإرهابية في مالي، وحدود انعكاسات المواجهات المباشرة على السكان المحليين؟

دلالات التوقيت:

يأتي الصراع بين التنظيمات الإرهابية في شمالي مالي، وسط جملة من الدلالات، أبرزها:

(*) عودة القوات العسكرية المالية لدحر التنظيمات الإرهابية: ساهم غياب الجيش المالي عن "ميناكا" خلال السنوات الأخيرة في استغلال التنظيمات الإرهابية لهذا الفراغ الأمني للانتشار بهذه المنطقة، خاصة "نصرة الإسلام والمسلمين" و"داعش"الذي استغل هذا الفراغ العسكري للسيطرة على ممرات التهريب بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وليبيا المجاورة، واستقدام عدد من الإرهابيين الداعمين لأفكاره الإرهابية إلى المنطقة، وهو ما دفع القوات العسكرية المالية لإعادة تأهيل جيشها للعودة مرة أخرى لهذه المنطقة لدحر هذه التنظيمات الإرهابية، ولذلك غير المجلس العسكري الحاكم في البلاد أواخر أغسطس الماضي، القيادة العسكرية لمدينة "ميناكا"، بتعيين العميد "عيسى تيمبيني" خلفًا للجنرال "محمد الحنفي ميغا" الذي فشل في محاربة انتشار الإرهاب بهذه المنطقة، بل صعدت الجماعات الإرهابية المحسوبة على القاعدة وداعش من هجماتها ضد الجيش المالي، ولذلك فإن تعيين "تيمبيني" كان الهدف الرئيسي منه، رفع معنويات جنود الجيش المالي، وتكثيف عمليات التعاون والتنسيق مع المجلس العسكري لدحر الإرهاب بهذه المنطقة.

وعليه، فقد تمكن الجيش المالي منتصف أغسطس الماضي، من صد الهجمات التي أطلقتها الجماعة التابعة للقاعدة في منطقة "ميناكا"، وهو ما فسره عدد من المراقبين بعودة "الجيش الغائب" الذي تمكن خلال الأيام القليلة الماضية من تحرير بعض بلديات ميناكا من ناحية، ومنع سقوط بلديات أخرى في يد التنظيمات الإرهابية من ناحية أخرى.

(*) إعادة عملية التنسيق والوحدة بين الحركات الأزوادية: في الوقت الذي تشهد فيه ولاية ميناكا الأزوادية اشتباكات عنيفة بين التنظيمات الإرهابية، فإن "الحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA" عادت مرة أخرى للعب دور يُمكِنُها من التصدي للنفوذ الإرهابي المتصاعد في تلك المنطقة، ولذلك عقدت مؤتمراً أواخر أغسطس الماضي، ناقشت فيه عددًا من الملفات، كان أبرزها الوحدة بين الحركات الأزوادية والأوضاع الأمنية ومكافحة الإرهاب في الإقليم. وقد صرح وقتها "صالح محمد" القيادي بحركة تحرير "أزواد"، قائلاً إن "هذا الاجتماع الهدف الرئيس منه، هو إعادة ترتيب البيت الداخلي للحركات الأزوادية لوضع رؤية لمواجهة الإرهاب في المناطق الأزوادية"، خاصة أن الحركة الأزوادية تري أن كلا من تنظيمي داعش والقاعدة يعملان ضد المشروع الأزوادي في هذه المناطق، لاستهداف المدنيين من ناحية، واستهداف الجيش المالي والقوات الأجنبية من جهة أخرى.

(*) انسحاب مالي من القوة الإقليمية المناهضة للإرهاب: دأبت التنظيمات الإرهابية عامةً، وتنظيما داعش والقاعدة بشكل خاص -على مدار السنوات الماضية- على استغلال أي حدث ينجم عنه فراغ أمني وعسكري للانتشار وتوسيع النفوذ، ولذلك فإن قرار مالي في مايو 2022، الخاص بانسحابها من "القوة الإقليمية المناهضة للإرهاب" (التي تضم منذ تأسيسها كقوة عسكرية مشتركة لمكافحة المتطرف عام 2014، دول الساحل الخمس، موريتانيا وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي)، سيخدم تنظيمي القاعدة وداعش وسيزيد من أنشطتهما الإرهابية، ليس فقط في شمالي مالي، بل في جميع دول غرب أفريقيا، وهو ما دفع دول الساحل لعقد اجتماع طارئ أواخر سبتمبر الماضي، لتعزيز جهودها لمواجهة الجماعات المسلحة في غرب أفريقيا.

(*) استغلال خروج القوات الفرنسية من مالي: عقب إعلان فرنسا في فبراير الماضي، أنها ستسحب قواتها من مالي التي كانت قد أرسلتها في 2013، بناءً على طلب من الحكومة المالية لمواجهة أعمال التمرد المسلح، وقيامها بالفعل في منتصف أغسطس الماضي بإخراج جميع جنودها (البالغ عددهم 5000 جندي)، بدأ تنظيما داعش والقاعدة في إعادة تحديد مناطق نفوذهما، ليس فقط في شمال مالي، بل في جميع مناطق الساحل وغرب ووسط أفريقيا، وهو ما نجم عنه توسع نشاط هذه التنظيمات الإرهابية بشكل مفزع، انطلاقًا من مالي وصولًا بباقي المناطق الساحلية، ورغم إحلال مئات من مرتزقة مجموعة "فاغنر" الروسية كبديل عن القوات الفرنسية، إلا إن ذلك لم يمنع حدوث الاشتباكات العنيفة بين "نصرة الإسلام والمسلمين" وتنظيم داعش.

أهداف خطرة:

في إطار ما تقدم، تجدر الإشارة أن هناك جملة من الأهداف الإرهابية وراء تنامي الاشتباكات بين جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة للقاعدة، وتنظيم داعش في ولاية ميناكا شمالي مالي، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- رغبة إرهابية في فرض النفوذ على مناطق "ميناكا": تكشف الاشتباكات الأخيرة بين فروع تنظيمي داعش والقاعدة في منطقة شمال مالي وخاصة بولاية ميناكا، عن رغبة كل تنظيم إرهابي في بسط نفوذه وسيطرته على أي منطقة بالولاية الأزوادية، التي تتمتع من ناحية بموقع جغرافي مميز لقربها من الحدود النيجرية، فضلًا عن احتوائها على مجموعة من الثروات النفطية الطائلة، حيث يقدر إنتاجها اليومي من النفط بـ300 مليار برميل، التي تمكن تلك التنظيمات من الحصول على عوائد مالية ضخمة لتمويل أنشطتها الإرهابية بدول غرب أفريقيا، هذا بالإضافة إلى الثروة الزراعية والحيوانية، فوقفًا لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية، تقدر احتياطات مالي من الأغنام والماعز فقط نحو 34 مليون رأس، هذا بجانب احتوائها على مجموعة طائلة من المعادن مثل (اليورانيوم، الذهب، الفوسفات، الملح، وغيرها)، إذ تصنف مالي وفقا للإحصاءات الدولية بأنها تحتل المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث إنتاج الذهب بـ61.63 طناً، وهو ما يجعلها أرضًا خصبة للجماعات الإرهابية.

2- استغلال موقع شمال مالي لتنفيذ أعمال غير مشروعة: تركيز تنظيمي داعش في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، نصب أعينهما على الولاية الأزوداية لم يأت من فراغ، فهذه المنطقة تستغلها هذه التنظيمات في القيام بأعمال غير مشروعة على نطاق أوسع، سواء المتعلقة بتهريب السلاح أو الوقود فضلًا عن المتاجرة بالمخدرات، وكشفت تقارير دولية العام الماضي، أن التنظيمات الإرهابية في غرب أفريقيا ركزت أنشطتها على تجارة بعض المواد المخدرة مثل (الحشيش، الكوكايين، الترامادول وغيرها)، وإرسالها ليس فقط عبر أفريقيا بل امتد إلى أوروبا، وهو ما مكنها من جميع ملايين الدولارات لتمويل أنشطتها الإرهابية، فضلًا عن استغلال الموقع الاستراتيجي لهذه الولاية التي تقع في منطقة حدودية تمتد من بوركينا فاسو وصولًا إلى ليبيا في تجنيد العديد من المقاتلين الأجانب للانضمام لصفوفها.

3- إجبار المواطنين على الهجرة لتأسيس ولاية داعشية وأفغانية: يحارب تنظيم داعش بكل ما أوتي من قوة للسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية لتأسيس ولايته في قلب أفريقيا، وهو ما يفسر سبب زيادة الهجمات الإرهابية والمجازر ضد المدنيين بواسطة مقاتلي التنظيم في هذه المنطقة، منذ إعلان فرنسا نهاية عملياتها في مالي، وهذا بدوره لتكثيف الضغط على المدنيين بهذه المنطقة لبث الرعب في نفوس السكان خاصة غير الموالين للتنظيم الإرهابي لإجبارهم على المغادرة والهجرة، بهدف الاستيلاء على هذه المنطقة الغنية بالنفط والغاز، فعلى سبيل المثال، كشفت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) في تقرير لها عام 2016، أن 170 ألف مهاجر، معظمهم من غرب إفريقيا اتجهوا إلى ليبيا، للبحث عن موطئ قدم جديد بعيدًا عن تلك التنظيمات.

وهو الهدف ذاته الذي تسعى له جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي عمدت هي الأخرى إلى مهاجمة بل وقتل مجموعة من المدنيين بهذه المنطقة تحت مزاعم أنهم أنصار داعش، فهي أيضًا تطمح إلى تحقيق حلم تأسيس دولة لها بهذه المنطقة "ولاية أفغانية"، على غرار استيلاء حركة طالبان في أغسطس 2021 على السلطة في أفغانستان بعد خروج القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن حرب النفوذ التي تشهدها ولاية ميناكا شمالي مالي بين فروع تنظيمي داعش والقاعدة في الوقت الراهن، ستتفاقم خلال الفترة المقبلة إذا لم يوجد آليات قوية وخطوات فعالة سواء من قبل المجلس العسكري المالي أو بعض دول الساحل الأفريقي، وفي نهاية الأمر سيكون المدنيين ضحايا تلك الجرائم، وهو ما سينعكس أيضا بشكل سلبي على منطقة غرب أفريقيا، بأكملها التي تأتي في المرتبة الأولى في مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2022.