الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

استراتيجية التحوّط.. لماذا تتخلف كوريا الجنوبية عن تحالفات الإندوباسيفيك؟

  • Share :
post-title
رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول

Alqahera News - ضياء نوح

بعد عامٍ من إعلانه رئيسًا لكوريا الجنوبية، في 10 مارس 2022، تعهد، يون سوك يول، بتبني سياسة خارجية ودفاعية أكثر صرامة من سلفه، مون جيه-إن، في التعامل مع كوريا الشمالية، وإعادة النظر في علاقات بلاده مع كل من الولايات المتحدة والصين، مع الانحياز إلى سياسة التحالفات الأمريكية والسعي للانضمام إليها.

وعلى الرغم من ارتفاع الموقف الشعبي غير المرحب بسياسة الصين تجاه بلادهم منذ أزمة 2017 والذي كان سببًا في فوز "يول" بالانتخابات الأخيرة، إلا أن سول مازالت تلتزم بسياسة متوازنة بين حليفها الاستراتيجي وشريكها التجاري الأكبر؛ ليبقى السؤال: لماذا تتخلف كوريا الجنوبية عن تحالفات الإندوباسيفيك؟

جيوبوليتيك الانكشاف:

يتسم موقف كوريا الجنوبية بدرجة من الحياد في التنافس الأمريكي الصيني، رغم تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو ما يُمكن استعراضه على النحو التالي:

(*) العلاقات الأمنية: تنطوي على تشابك معقد بين التهديد والحفاظ على توازن القوى في المنطقة، فمن خلال العلاقات الجيدة بين الجانبين، تؤمن الصين بعدم انحياز واحدة من أهم دول جنوب شرق آسيا للجانب الأمريكي، في مقابل التحوط المزدوج بالعلاقات الاقتصادية مع الصين، وحثها للضغط على كوريا الشمالية والعمل على تهدئة الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، وكذلك التحالف العسكري والأمني مع الولايات المتحدة.

المعادلة السابق ذكرها لم تُسفر عن توازن حقيقي للعلاقات، يصب في استقرار البيئة الأمنية المحيطة بسول، وذلك نظرًا لتزايد إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية خلال العامين الماضيين، فضلًا عن اختراق طائرات مسيرة للحدود الشمالية والتقاطها صورًا للبيت الأزرق، مقر الرئاسة الجنوبية في العاصمة سول. وفي خضم التخوفات استعانت كوريا الجنوبية بالحليف الأمريكي، عبر نشر منظومة "ثاد" للدفاع الجوي على أراضيها، وهو ما اعتبرته بكين استهدافًا لأمنها أكثر منه حفاظًا على أمن سول من التهديدات الصاروخية لبيونج يانج؛ نظرًا لقدرة رادار المنظومة الأمريكية على كشف القطاع الشرقي من الأراضي الصينية المجاورة لشبه الجزيرة الكورية، مما قاد لحزمة إجراءات عقابية صينية، تمثلت في تعليق السياحة الصينية إلى كوريا الجنوبية وتقييد عمل الشركات الكورية في الصين وتقييد وصول منتجات قطاع التسلية إلى السوق الصينية، وتسببت تلك الإجراءات في خسائر للاقتصاد الكوري، تقدر بنحو 7,5 مليار دولار في عام 2017 فقط، حسب معهد أبحاث هيونداي.

لقد نتج عن تلك الأزمة، تجاوب سول مع لاءات بكين الثلاث (لا نشر إضافي لمنظومة "ثاد"، لا شراكة دفاعية كورية مع اليابان والولايات المتحدة، لا مشاركة كورية في أي شبكة دفاع صاروخي إقليمي تقيمها الولايات المتحدة)، وترى إدارة الرئيس الحالي، يون سوك يول، لديها تخوف إضافي من سياسة الرئيس السابق في لعب دور الوساطة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؛ نتيجة العواقب الكارثية المحتملة جراء تطبيع العلاقات مع بيونج يانج، دون مُراعاة مخاوف سول في نزع السلاح النووي لجارتها الشمالية كنتيجة محتملة لتطور التنافس الاستراتيجي الأمريكي الصيني.

رقاقة إلكترونية

(*) الروابط الاقتصادية والتجارية: تحتل الصين المرتبة الأولى في قائمة الشركاء التجاريين لكوريا الجنوبية، بإجمالي حجم تبادل تجاري يصل إلى 310,4 مليار دولار خلال عام 2022، بارتفاع عن عام 2021 بمعدل 3%، قبل الولايات المتحدة التي يبلغ حجم التبادل التجاري معها 187 مليار دولار.

وشهد فبراير الماضي انخفاضًا في الصادرات الكورية إلى الصين للشهر التاسع على التوالي، بنسبة 24,2% مدفوعة بانخفاض الطلب الصيني على الرقائق والمنتجات البتروكيماوية، فيما ارتفعت قيمة الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 16,2%، نتيجة ارتفاع الطلب على السيارات والبطاريات الكهربائية.

مُفترق طرق:

يُظهر المشهد الجيوسياسي المحيط بكوريا الجنوبية تعقيدات التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من جهة، والصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى، وهو ما يستدعي بروز توجه استراتيجي واضح، يُقلل من مخاطر تصاعد التوترات بين المعسكرين على المصالح الكورية الجنوبية، والتي يعتمد اقتصادها بصورة أساسية على التجارة، وتصدير المواد النهائية واستيراد المواد الخام ومصادر الطاقة.

(&) السيناريو الأول.. التحوط: وهو الخيار الأقرب للحالة الكورية عبر الحفاظ على توازن دقيق بين الحليف الأمريكي والشريك الصيني بناءً على اللاءات الثلاث التي أرساها الرئيس السابق مون جيه-إن، مع نظيره، شي جين بينج، والانحياز الطوعي للمصالح الكورية، المتمثلة في فرض تواجد سول على الساحة الدولية كقوة عالمية محورية، تعمل على توثيق علاقات مع القوى المتوسطة، على غرار التوجه الكوري نحو الشرق الأوسط؛ لتقليل الضغوط الناتجة عن التنافس الأمريكي الصيني، وتأمين احتياجات البلاد من الطاقة، وفتح أسواق جديدة أمام صادرات الأسلحة والمنتجات الصناعية والتكنولوجية الكورية.

وعلى الرغم من عدم انخراطها المباشر في تحالف الرقائق، إلا أن كوريا الجنوبية تُعد الرابح الأكبر من التحالف الثلاثي (أمريكا واليابان وهولندا) المناهض لتمدد الصين تكنولوجيًا من خلال حظر تصدير معدات صنع الرقائق إلى الصين وتوجيه الاستثمارات الغربية إلى سول، علاوة على القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصنيع الرقائق الكورية، عبر شركتي سامسونج وإس كيه هينكس في الأراضي الصينية، كما أقرت الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي قيودًا على تصدير الرقائق الكورية المتقدمة إلى الصين لمدة عامٍ.

محادثات سابقة لقادة أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان

وبدأت كوريا في التوافق مع المعايير الجديدة لقانون خفض التضخم الأمريكي، من خلال اتخاذ إجراءات لضمان الأمن الاقتصادي ومرونة سلاسل الإمداد، عبر تقليص الاعتماد على واردات المعادن الحيوية من الصين من مستوى 80% حاليًا إلى 50% بحلول 2030، وعلى رأسها الليثيوم والكوبالت والنيكل.

(&) السيناريو الثاني.. الانحياز للولايات المتحدة: من خلال تقوية أُطر التحالف الاقتصادي والأمني مع اليابان والولايات المتحدة. ويُعزز ذلك انخفاض نسب التأييد الشعبية الكورية لسلوك الصين بعد أزمة 2017، حيث انخفض حجم المؤيدين للانفتاح على الصين من مستوى 60% في 2016، إلى ما يزيد على 81% حسب مسح التوجهات العالمية الصادر في ربيع 2022 عن مركز بايو للأبحاث، بواقع 8 من أصل 10 كوريين. في ارتفاع تاريخي بلغ 50% منذ 2001، حيث كانت نسب الرفض 31% مُقابل تأييد 66%. وضمن مسوغات ذلك السيناريو التوترات الثقافية والحضارية والاتهام للصين بسرقة التراث الكوري في مناسبات عدة، آخرها في أوليمبياد بكين الشتوية فبراير 2022.

تغير نسب التوجهات الشعبية السلبية تجاه الصين(2001-2021)-مركز بايو للأبحاث

ومن العوائق التي قد تحول دون تحقق هذا السيناريو، الاعتماد الكبير على المعادن الأرضية النادرة من الصين، وعدم وجود توافق بين قطبي السُلطة في كوريا على هذا النهج بين حزب قوة الشعب الحاكم والحزب الديمقراطي المعارض، الذي يهيمن على أغلبية مقاعد الجمعية الوطنية (البرلمان). كما يحتاج السير في ذلك الاتجاه، التوصل لتسوية مرضية بين اليابان وكوريا الجنوبية، بشأن قضية تعويضات ضحايا العمل القسري من الكوريين، والتي خلفت نزاعًا تجاريًا بين البلدين.

(&) السيناريو الثالث.. الانحياز للصين: يتمثل في تقليص الأنشطة العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة والامتناع عن المشاركة في أي تحالف أمني إقليمي يستهدف الحد من نفوذ بكين. ويبقى هذا الخيار غير واقعي وهو الأقل ترجيحًا في ظل تصاعد التوجهات الشعبية والرسمية السلبية تجاه الصين، فضلًا عن الفاتورة الباهظة لتقييد وصول الشركات الكورية إلى السوق الأمريكية، وغيرها من أسواق الدول الحليفة.

وإجمالًا؛ تُعبر حالة كوريا الجنوبية عن موقف القوى المتوسطة بالنظام الدولي، من التنافس الاستراتيجي المتصاعد بين واشنطن وبكين، في أقصى النماذج الجيوسياسية الحرجة، جراء اختبار قدرتها في الحفاظ على مصالحها الحيوية في بيئة استراتيجية مُنقسمة؛ مما يدفعها للتحوط من الأضرار المحتملة لتصاعد الصراع بتقوية علاقاتها وصلاتها الاقتصادية والأمنية مع غيرها من القوى المتوسطة، غير المنحازة لأي من المعسكرين، ومن المُحتمل أن تذهب سول باتجاه دعم قدراتها الدفاعية، والسعي لامتلاك سلاح نووي يحفظ توازنها؛ لتقويض التحديات المزدوجة التي يفرضها الانحياز لأي من الطرفين أو التردد بينهما دون امتلاك قوة ردعٍ.