الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تهديدات داخلية.. ما تداعيات تسمم الطالبات في إيران؟

  • Share :
post-title
المرشد الإيراني علي خامنئي وفتاة إيرانية

Alqahera News - نورا فايد

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 مارس من كل عام، لا تزال المرأة الإيرانية تعاني بشدة، إذ لا تزال حوادث تسمم الطالبات الإيرانيات تلقى صدى بالداخل والخارج، مع الارتفاع المتواصل لهذه الحوادث، وبعد أن كانت مقتصرة على المدارس انتقلت بعد ذلك لاستهداف الطالبات في الجامعات، استمرارًا للمقاربة الحكومية حتى الآن في التوصل إلى أسباب تلك الأزمة التي تشكل تهديدًا جديدًا للنظام الحالي، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية والحقوقية له، ورغم أن سلطات طهران حاولت التكتم على هذه الأزمة إلا إنها فشلت في ذلك، وعادت إلى الواجهة في 26 فبراير الماضي ولا تزال مستمرة.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإيرانية نفت في البداية وجود حوادث تسمم مستهدفة بشكل خاص الطالبات الإيرانيات في البلاد، معتبرة إياها "ذريعة إعلامية يشنها أعداء البلاد" للنيل من النظام والاستفادة من حشد الشعب ضده، خاصة بعد أن نجح مؤخرًا في مواجهة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، منذ سبتمبر الماضي جراء قبضته الأمنية. وفي ضوء ذلك سيتطرق هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على ملامح تلك الأزمة وبدايات ظهورها، بجانب توضيح التداعيات الناجمة عنها.

ملامح الأزمة:

يمكن استعراض أزمة تسمم الطالبات الإيرانيات على النحو التالي:

(*) فشل احتواء بدايات الأزمة: كانت البداية في 30 نوفمبر الماضي، بإصابة نحو 18 طالبة في معهد "نور يزدانشهر" لتعليم الفتيات بمدينة قم جنوب غرب العاصمة طهران، بأعراض تسمم كـ(الغيثان، الصداع، السعال، صعوبة التنفس وخفقان القلب، شم روائح كريهة والخمول، والتهاب في الحلق)، ثم توالت حوادث التسمم مستهدفة بشكل خاص مدارس الفتيات الابتدائية والثانوية، وهو ما كشفته وقتها عدة تقارير إعلامية محلية ودولية، إلا إن يوسف نوري، وزير التعليم الإيراني، نفى هذه التقارير واعتبرها مجرد شائعات يشنها أعداء البلاد، قائلًا، "نشهد في قم شائعات بالنسبة لوجود حالات تسميم طلاب.. لذلك لا توجد مشكلة ويمكن للطلاب الذهاب إلى المدارس"، لكن مع ارتفاع معدل الحوادث من نوفمبر الماضي حتى مارس الجاري، لم تستطع السلطات الإيرانية، الاستمرار في التكذيب والنفي، بعد أن وصل عدد الحالات إلى إصابة أكثر من 5 آلاف طالبة في 230 مدرسة بداخل 25 محافظة إيرانية من أصل 31، مع دخول الأزمة شهرها الخامس، وهذا آخر إحصائيات أعلنها محمد حسن أصفري، عضو لجنة التحقيق البرلمانية المكلفة التحقيق في حالات التسمم، 7 مارس الجاري.

طالبات إيرانيات

(*) نجاح احتجاجات الإيرانيات: عادت أزمة تسميم الطالبات إلى الواجهة بعد فترة قليلة من احتواء الأجهزة الأمنية الإيرانية للاحتجاجات، التي اندلعت في سبتمبر الماضي، واستمرت لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، كشفت في الوقت ذاته للعالم أجمع مدى ما تواجهه المرأة الإيرانية التي لعبت الدور الأبرز، إذ إنها كانت احتجاجات على قتل الفتاة العشرينية الكردية "مهسا أميني"، على يد شرطة الأخلاق الإيرانية لعدم التزامها بقواعد لبس الحجاب، ولعبت المدارس دورًا في هذه الاحتجاجات المطالبة بسقوط النظام، كما برز دور الطالبات إبان هذه الاحتجاجات لدرجة أنها في مطلع أكتوبر الماضي، نشر الناشطون الإيرانيون على منصات التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يرصد وجود عدد من التلميذات في مدرسة بمدينة شيراز جنوب البلاد، وهن يقاطعن كلمة لمسؤول بقوات الباسيج الإيرانية، كان في زيارة إلى المدرسة ويهتفهن شعار "الباسيج، ارحل"، نظرًا للدور الذي لعبته تلك القوات في قمع الاحتجاجات النسائية.

احتجاجات مهسا أميني في إيران

(*) اتجاه متشددي إيران للسير على خطي طالبان الأفغانية: إن استهداف حالات التسمم للفتيات بشكل خاص، أثار تساؤلات جمة، بوجود توجه من قبل متشددين خاصة القابعين في مدينة قم "العاصمة الدينية"، إلى السير على خطى حركة طالبان في أفغانستان، التي ضيقت الخناق على المرأة الأفغانية منذ تسلمها مقاليد الحكم في أغسطس 2021، وتأكيدها أن المرأة مكانها المنزل، الأمر الذي دفعها في ديسمبر الماضي، لإصدار قرارات تقضي بمنع تعليم النساء لدرجة أن مسلحيها كانوا يطردون الطالبات من المدارس والجامعات الأفغانية.

وعليه فإن بعض وسائل الإعلام الإيرانية، كشفت عن مساعي جماعة متشددة تُدعى "فدائيّ الولاية"، تنتهج سلوك طالبان، في إغلاق مدارس الفتيات في جميع أرجاء الجمهورية الإيرانية لرؤيتها أن تعليم البنات حرام ويخالف العقيدة، لأنه يتماشى مع التعاليم الغربية، وأن تعليمهن السبب في التحرر الذي تشهده المرأة الإيرانية.

وأضافت أن هذه الجماعة المتطرفة بعثت برسائل لبعض الأسر، 17 فبراير الماضي، بمزيد من حالات التسمم إذا استمرت في إرسال بناتهن إلى المدارس والجامعات، وهذا من أجل بث الخوف والرعب في نفوس الأهالي ودفعهم لإبقاء بناتهن في المنزل، كما كشف رجل الدين الإصلاحي "محمد تقي ميبدي"، في حوار له مع موقع "شرق" الإيراني، 7 مارس الجاري، أن "مجموعة تسمى "هِزارِه گِرا "(أتباع الألفية) تقع في مدينتي قم وأصفهان وراء وقائع تسمم الطالبات، مبينًا أن قادتها لديهم رؤية بأن "الفتيات لا بد أن يدرسن حتى الصف الثالث في الإعدادية فقط وبعد ذلك مكانهن المنزل".

تداعيات متعددة

وفي إطار الملامح السالف ذكرها، من المتوقع أن ينجم عن أزمة تسمم الطالبات التي تضرب إيران، جملة من التداعيات، منها ما يلي:

(*) تصاعد الغضب الشعبي وعودة الاحتجاجات إلى الساحة الإيرانية: صمت النظام في طهران وإهماله في احتواء الأزمة بداية اندلاعها وتقليله من حدتها بل واتهام الأعداء بالتسبب فيها، كل هذه العوامل مجتمعة ستؤدي إلى تفاقم غضب الشارع الإيراني، الذي من المتوقع أن يشهد خلال الفترة المقبلة احتجاجات عارمة لتجديد مطالبهم برحيل النظام، وكانت البداية في 4 مارس الجاري، إذ خرج مجموعة من أولياء الأمور في تظاهرة أمام مبنى وزارة التعليم غرب العاصمة طهران، للتنديد بمحاولة الحكومة الإيرانية، احتواء الأزمة، بل ورفعوا شعارات كتب عليها عبارات، مثل "الموت للنظام قاتل الأطفال"، و"الباسيج، والحرس، أنتم داعشنا"، (تشبيه قوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني بتنظيم "داعش" الإرهابي)، وتبع هذه التظاهرة احتجاجات أخرى بمدينتي أصفهان ورشت شمال غرب إيران، وفي 7 مارس الجاري، خرج مجموعة من المعلمين في تجمع احتجاج أمام وزارة التعليم، للتضامن مع الطالبات الإيرانيات اللواتي تعرّضن للتسمم، وعليه فإن استمرار تسجيل مئات حالات التسمم، ومواصلة أذرع المرشد خاصة الأصوليين في اتهام جماعات معارضة للنظام في هذه الأزمة؛ سيدفع بتصاعد الاحتجاجات في جميع أرجاء الجمهورية الإيرانية.

(*) مزيد من اعتقالات الأجهزة الأمنية للإيرانيين: في محاولة للتظاهر بأنها تعمل على احتواء الأزمة، فمتوقع أن تشن السلطات حملة اعتقالات كثيفة بحق الإيرانيين، خلال الفترة المقبلة، سواء كانوا على صلة بهذه الحوادث أم لا، فهي مجرد محاولة لتهدئة الشعب الإيراني، وما يلمح إلى ذلك أول تعليق للمرشد الإيراني علي خامنئي، الذي جاء بعد عدة أشهر من اندلاع الأزمة، قائلًا، في كلمة له، 7 مارس الجاري، "على المسؤولين متابعة قضية تسمم طالبات المدارس بجدية، كونها جريمة كبيرة لا تغتفر.. وإذا ثبت تورط البعض في تسميم الفتيات، فيجب معاقبتهم بأشد عقاب"، ومضيفًا "على الأجهزة الأمنية ملاحقة واعتقال آمري هذه الجريمة ومنفذيها، إذ تتسبب بزعزعة أمن واستقرار البلاد وإثارة الخوف والهلع بين أولياء أمور الطالبات".

ورغم تنديد المرشد بهذه الأزمة، إلا إن الأجهزة الإيرانية الأمنية شنت مزيدًا من حملات الاعتقال تجاه الإيرانيين، وعلى الفور لبت هذه الأجهزة النداء، إذ أعلن ماجد مير أحمدي، نائب وزير الداخلية، مساء 7 مارس الجاري، توقيف عدد من الأشخاص بـخمس محافظات إيرانية على صلة بأزمة تسمم الطالبات، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أعلن علي صالحي، المدعي العام في طهران، 7 مارس الجاري، تشكيل ملفات قضائية وتوجيه اتهامات ضد رؤساء تحرير صحف إيرانية، مثل "هم ميهن"، و"رويداد 24"، و"شرق"، وبعض الصحفيين، تحت مزاعم نشرهم أكاذيب وشائعات حول أزمة التسمم التي تضرب المدارس، وما يؤكد أن النظام سيقمع جميع الإيرانيين دون تفرقة هو اتهام الداخلية الإيرانية، 8 مارس الجاري، عددًا من المحتجين بالتورط في "تسمم الطالبات".

(*) عقوبات أمريكية ودولية على مسؤولي النظام الإيراني: في حال فشل النظام الإيراني في توضيح الصورة الكاملة لهذه الأزمة ومعاقبة مرتكبيها الفعليين، فإن واشنطن وبعض الدول والمنظمات الحقوقية المعنية، تتجه لفرض عقوبات على مسؤولي إيران إذ ثبت ضلوعهم في الأزمة، وهو ما سبق وحدث إبان واقعة "مهسا أميني"، ويبدو أن واشنطن بدأت بالتحرك، إذ دعا نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، 7 مارس الجاري، دول العالم إلى تشكيل "بعثة دولية" لتقصي الحقائق حول تسمم الطالبات والتأكيد فيما إذ كانت حالات التسمم ذات صلة بمعاقبة الإيرانيات لمشاركتهن في الاحتجاجات السابقة أم لا، مبينًا أن السبب هو عدم ثقة المجتمع الدولي في أي تحقيق قد تصدره مؤسسات طهران بشأن هذه الأزمة، وطالبهم بالتوقف عن قمع الإيرانيين وخاصة الإعلاميين والصحفيين، قائلاً، إن "العالم بأسره قلق للغاية بشأن حالات التسمم هذه، على السلطات الإيرانية الكف عن قمع وسائل الإعلام والسماح لها بالقيام بعملها".

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن السبب في تفاقم الأزمات في الجمهورية الإيرانية، هو تقليل السلطات منها فور اندلاعها ودعم احتوائها بل واتهام من تطلق عليهم "أعداء البلاد" بالتسبب فيها تحت مزاعم رغبتهم في تهديد النظام، الأمر الذي يدفع بعد تصاعد الأزمة إلى اللجوء للعنف وتوجيه أجهزته الأمنية سواء الباسيج أو الحرس الثوري أو حتى الشرطة الإيرانية، لاحتوائها حتى ولو كانت على حساب الشعب، وهو ما وقع إبان جائحة كورونا، ثم احتجاجات "مهسا أميني"، وصولًا إلى أزمة "تسمم الطالبات"، وغيرها من الأزمات، فإن استمرار هذا السياسة ستنعكس بشكل سلبي على طهران الذي لا يزال يعاني من عقوبات دولية جمة نجم عنها انهيار اقتصاد البلاد.