الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود الدور الصيني في قضايا الشرق الأوسط بعد اتفاق الرياض وطهران

  • Share :
post-title
عقب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية

Alqahera News - ضياء نوح

في دلالة مهمة على تحول دور الصين، وترقب لانخراط أوسع على الصعيد العالمي، أسفرت الوساطة الصينية في الفترة من 6 إلى 10 مارس الجاري، عن الاتفاق على استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بعد 90 يومًا من جولة الرئيس شي جين بينج بالمنطقة، وشهرٍ من استقباله نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، في بكين، منتصف فبراير الماضي.

الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران جاء بعد دعوات متكررة من الجانب الصيني للوساطة بين الطرفين، خاصة في عهد الرئيس شي جين بينج، إلا إن توقيت الإعلان ورمزيته السياسية والاستراتيجية حول اهتمام الصين بتطوير التعاون الشامل مع دول المنطقة، وتقديم مقاربة جديدة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والذي كان الهدف الرئيسي من إنشاء منظمة الأمم المتحدة، ليبقى السؤال: ما حدود انخراط الصين في شئون المنطقة وكيف ينعكس على التنافس الدولي؟

الرئيس الصيني، شي جين بينج
دلالات جوهرية

مع توليه رئاسة الصين، حرص شي جين بينج على تقديم رؤية متكاملة للدور الصيني كقوة مراجعة ساعية لاعتلاء قمة النظام الدولي، من خلال ترسيخ مفاهيم أساسية تعيد تجديد وتحديث الدولة كجمهورية شعبية اشتراكية متوائمة مع العصر الحديث، مع إضفاء طابع حضاري خاص متمثل في "الخصائص الصينية"، وعلى هذا الأساس وضع "شي" وإدارته في 2013 مصطلح "الحلم الصيني" على غرار "الحلم الأمريكي". وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى دلالات التحرك الصيني في سياق التوجهات التالية:

(*) مبادرة الأمن العالمي: أصدرت الخارجية الصينية في 21 فبراير الماضي "وثيقة مفاهيمية "، بشأن مبادرة الأمن العالمي، والتي أعلن عنها الرئيس الصيني لأول مرة في 21 أبريل 2022، بكلمته الافتتاحية عبر الفيديو أمام منتدى "بوآو" الآسيوي، وعينها على الأزمة الروسية الأوكرانية. وتضمنت المبادرة 6 مبادئ أساسية تمثل رؤية الصين لإصلاح الخلل وتعزيز "الحوكمة الأمنية العالمية" وفق المبادئ والأطر الأممية والقواعد محل الإجماع الدولي، والمتمثلة في الحفاظ على "الأمن المشترك" بين الدول بالاعتماد على آلية الحوار السياسي والمساواة في السيادة بين الدول دون النظر لأي تباينات جغرافية بينها، وحقها في اختيار نظامها الاجتماعي ونموذجها التنموي، والتأكيد على الطبيعة غير المجزأة للأمن.

ويمكن تلخيص الرؤية في الرجوع إلى الشرعية الدولية، ممثلة في هيئات منظمة الأمم المتحدة، ودعمها للقيام بدورها في حفظ السلم الدولي، وتعزيز دورها في حوكمة الأمن العالمي والالتزام بالتعددية الحقيقية.

(*) مبادرة الشرق الأوسط: يظهر الاهتمام الصيني في حرص كبار دبلوماسيّيها على التواصل مع حكومات وشعوب المنطقة من خلال الصحف ووسائل الإعلام المحلية (نائب السفير الصيني في السعودية "ين ليجون" لصحيفة الرياض، السفير الصيني في مصر "لياو ليتشيانج" لصحيفة المصري اليوم)، وإبراز ما تقدمه مبادرة الأمن العالمي وتطبيقاتها المحتملة في منطقة الشرق الأوسط.

ولم يكن الاهتمام بالقضايا الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وليد اللحظة، إذ أعلن كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي في مارس 2021، (حينما كان وزيرًا للخارجية) مبادرة للأمن في الشرق الأوسط من 5 نقاط تضمنت الاحترام المتبادل والحفاظ على الأمن الجماعي وتسريع التعاون الإنمائي بين دول المنطقة وإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والالتزام بمبدأ العدالة لحل القضايا العالقة في المنطقة، وذلك في إطار من التعاون مع المنظمات الإقليمية المعنية (جامعة الدول العربية في هذه الحالة).

في يوليو 2021، قدمت الصين مبادرة لحل القضية الفلسطينية تقوم على حل الدولتين وتشجيع عودة مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ومبادرة مماثلة لإنهاء الأزمة السورية على أربعة ركائز، هي: السيادة وتخفيف الأزمة الإنسانية ومكافحة الإرهاب وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.

وفي هذا الإطار، عيّنت الصين، الدبلوماسي وسفيرها السابق في ليبيا "تشاي جون"، مبعوثًا خاصًا لشئون الشرق الأوسط، في 2 سبتمبر 2019.

كبير الدبلوماسيين الصينيين "وانج يي"
مسار موازٍ

ويشي ذلك بأن النهج الصيني الجديد في بناء السلام قائم على تحدي النموذج الأمريكي، ويعتمد على ثلاثة أركان: أولها؛ تقديم منظومة قيمية جديدة مستمدة بالأساس من ميثاق الأمم المتحدة، عبر الإشارة للتعددية الأممية في مواجهة الحلول الأحادية، أمنية كانت أو اقتصادية، ممثلة في العقوبات، والتي تنعكس بتأثيرات سلبية غير مرغوبة، وتستبدل الصراع بالتكامل الإنمائي والتعاون في بناء السلام، فضلًا عن تقديم مفهوم العدالة والإنصاف، الذي يتمتع بفرادة في الإطار العربي، إذ يتعارض مع الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني والناتج عن الإرث الاستعماري للاحتلال البريطاني.

وثانيها؛ مراعاة الشواغل الأمنية للدول والتي تتماس في أدبيات العلاقات الدولية مع ما يُعرف بـ"المعضلة الأمنية"، التي تتمثل في الشعور المتبادل بعدم الأمن، ومعه تنخرط الدول في سباق تسلح مدمر، يزعزع الاستقرار الإقليمي والدولي. ويتمثل الحل الصيني المقترح في تقديم نموذج للأمن الجماعي، يقوم على الركائز سالفة الذكر، ابتداءً من الاحترام المتبادل، وصولًا إلى إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والالتزام بعدم الانتشار النووي. ويقابل هذا الضمان الذاتي الذي توفره الأطراف المتنازعة لبعضها، الضمانات الأمنية الأحادية، مثل ضمان التفوق النوعي لإسرائيل في محيطها الإقليمي واحتفاظها ببرنامجها النووي العسكري.

وثالثها؛ التراتبية في بناء السلام، وتعني الاعتماد على الهياكل والمنظمات الإقليمية الرئيسية بالمناطق المضطربة، للمساهمة في جهود بناء السلام تحت إطار الدور المركزي لمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها.

تحديات وفرص

تمثل الوساطة خطوة بارزة في اتجاه الصين لإظهار مسؤوليتها تجاه حفظ السلم والأمن الدوليين ومعالجة التحديات الأمنية الدولية في إطار دولي متغير، لكنها تأتي في الوقت ذاته ضمن نهجها البراجماتي الذي جاء جزئيًا كرد فعل على جهود الولايات المتحدة في احتواء صعود بكين ورغبة الأخيرة في الحفاظ على مصالحها الحيوية في خطوط متقدمة، إذ تؤَمّن مصادر الطاقة من منطقة الخليج، عبر تعظيم المصالح على ضفتي الخليج العربي، ضمن مبادرة الحزام والطريق، ليس فقط من الاتجاه البحري ولكن في المسار البري أيضًا.

(*) ضمانة أمنية: يكتسب الحضور الصيني في إنفاذ الاتفاق السعودي الإيراني وتقديم بكين نفسها كوسيط محايد تعزيزًا لدورها ليس فقط على صعيد الوساطة، إنما استعراض قوة علاقاتها الدبلوماسية وامتلاكها أدوات تواصل مع عدد من الفاعلين الدوليين يمكنها من تحقيق اختراق في الملفات الشائكة، ليس أقلها البرنامج النووي الإيراني. وسيكون من الصعب على الصين فيما بعد التحلل من تأثيرها على طهران في مفاوضات الاتفاق النووي، ومِنْ ثَمَّ ستلعب دورًا في جهود إعادة إحياء الاتفاق، عبر الحث على تسهيل عمليات تفتيش المواقع النووية وإيجاد آلية للتخلص من مخزون اليورانيوم عالي التخصيب. وإلا فإن بكين قد تضحي بمصداقيتها تجاه الدول الحليفة جراء أي تصعيد تجاه إيران من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أو كلاهما معًا، في تكرار لمشهد تجاوز قوات الناتو لحدود التفويض بشأن توفير منطقة حظر طيران لحماية المدنيين إلى المشاركة في إسقاط الدولة بليبيا. كما أن مصلحة إيران تقتضي الالتزام ببنود الاتفاق، للحفاظ على تعاونها الاستراتيجي مع الصين التي تمثل المنفذ الأهم لواردات النفط الإيراني، والتعاون العسكري الثلاثي مع بكين وموسكو في إطار المناورات البحرية المشتركة التي تُجرى في المحيط الهندي.

(*) توسيع مظلة التحالف: في سعيها لبناء هيكلية جديدة لجهود إحلال السلام، تقوم الصين بتعميق نموذج موازٍ للولايات المتحدة، عبر التشارك مع البنى الإقليمية والدولية القائمة، فمن خلال التعاون مع مجموعة واسعة من القوى عبر بناء أرضية مشتركة يكسب زخمًا للمبادرات الصينية المتعددة خاصة من بوابة الشرق الأوسط التي لا تزال أحد أكثر الأقاليم سخونة واضطرابًا، وهو ما من شأنه أن يعزز من جهود بكين في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية جنبًا إلى جنب مع قوى إقليمية ودولية أخرى دون كسر تحالفها مع موسكو أو خسارة الشركاء الأوروبيين، وكذلك تجنب اتهامها بالسعي لتغيير النظام الدولي باستخدام القوة. لكن التحدي الأبرز في هذا الاتجاه هو التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي تخوض نزاعًا تجاريًا مع الصين قد يصل إلى فك الارتباط بثاني أكبر اقتصاد بالعالم. ومن غير المرجح أن تنحاز دول المنطقة إلى أي من الطرفين نتيجة للثقل الاقتصادي المتعاظم للصين في المنطقة، إذ بلغ حجم التجاري بين بكين ومنطقة الشرق الأوسط 507 مليارات دولار في 2022، وفي المقابل وعلى الرغم من تراجع الحضور العسكري الأمريكي عقب الانسحاب من أفغانستان، إلا إن القيادة المركزية لا تزال تحتفظ بنحو 34 ألف جندي أمريكي في نطاق عمليات الشرق الأوسط، أغلبهم ينتشرون في منطقة الخليج، مع ارتكازات صغيرة في شمال شرق سوريا والأردن والعراق.

وإجمالًا؛ تمثل الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران محاولة لإبراز الثقل الاقتصادي والدبلوماسي الصيني ونجاحه في الجمع بين الخصوم الإقليميين، ويتوقف النجاح في ترسيخ هذا الدور على تقديم بكين ضمانات لمعالجة المخاوف والشواغل الأمنية، وهو ما لم يتسن بعد التأكيد على وجوده من عدمه، فضلًا عن ارتباط ملف التقارب بمجموعة من الملفات الإقليمية والدولية المعقدة. ورغم التحليل المقارن بين دور واشنطن وبكين في إحلال الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، إلا أن تشابك مصالح دول المنطقة بكلا القوتين العظميين يرفع من تكلفة أي انحياز تجاه أي منهما في تنافسهما الجاري، مالم تختل معادلة التوازن الإقليمي على وقع أي تصعيد.