الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف استخدمت روسيا الهجمات الإلكترونية في حربها مع أوكرانيا؟

  • Share :
post-title
استراتيجية الأمن السيبراني الروسية

Alqahera News - محمود جمال

منذ بداية الأزمة استخدم أطراف الصراع الروسي الأوكراني، الأمن الإلكتروني، كتكتيك هجومي أو ردعي لتغيير ميزان الحرب، وفي بداية المعركة نجحت موسكو في توظيف استراتيجيتها السيبرانية لتمهيد الطريق لقواتها العسكرية لتنفيذ مهامهم الخاصة في إخراج منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية من الخدمة قبل أن تساعدها الدول الأوروبية والولايات المتحدة في تعويض الضعف عبر منظومات غربية متطورة.

توضيحًا لما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة تأثير الحرب في أوكرانيا على تطور استراتيجية الأمن السيبراني لروسيا، وذلك من خلال عرض استراتيجية الأمن السيبراني لروسيا، وأهدافها.

استراتيجية الأمن السيبراني الروسية:

برز بُعد الأمن السيبراني أو الإلكتروني في الاستراتيجية الأمنية الروسية 2020، واضحًا وأكثر تطورًا، إذ تنص استراتيجية الأمن القومي الروسية الجديدة، على أن الهدف الرئيس لروسيا يتمثل في تحقيق التفوق المعلوماتي في الفضاء السيبراني. ووفقًا لتقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عام 2021، احتلت روسيا المركز الثاني مع الصين في ترتيب "مراكز القوة الإلكترونية"، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يبرز أهمية بُعد الأمن الإلكتروني في استراتيجية روسيا الأمنية.

ويبرز من هذه الاستراتيجية ملامح بارزة تعمل في إطارها روسيا مثل الكشف المُسبق عن أي محاولة اختراق غريبة قد تتعرض لها أنظمة الدولة الحيوية، وتبني استراتيجية للردع والدفاع في حال تعرضت لذلك، وهو الأمر الذي ظهر في الرد السريع لموسكو على محاولات اختراق مجموعات هاكرز أوكرانية لمواقع إلكترونية تابعة لمصالح حيوية في روسيا بعد بدء الحرب مباشرة. وقد برز استخدام موسكو لاستراتيجية الاختراق أو القرصنة الإلكترونية في بداية الحرب على أوكرانيا بعد قيامها بتعطيل الاتصالات وقطع التواصل بين جنود الجيش الأوكراني عبر استهداف الاتصالات، وكذلك اختراق هيئات ووزارات أوكرانية حيوية بهدف الاختراق والحصول على معلومات قد تساعدها في الحرب. وفور إعلان البرلمان الأوروبي موسكو كدولة راعية للإرهاب في أواخر نوفمبر 2022، تعرض البرلمان لهجوم إلكتروني خطير، واتهمت روبرتا ميتسولا رئيسة البرلمان الأوروبي من أسمتهم بمجموعات موالية لموسكو بارتكاب هذه القرصنة.

يذكر أن الاستراتيجية الأمنية الروسية 2020، وهي النسخة المستخدمة في الحرب، صدَّق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في النصف الثاني من عام 2021. وجاء هذا التعديل على الاستراتيجية الأمنية التي كان معمولًا بها في الفترة (2015-2020) في ظل أجواء كانت تشبه الحرب الباردة بين روسيا والغرب بسبب النزاع في أوكرانيا، وذلك قبل بدء الحرب فعليًا في فبراير 2022. وتعتبر موسكو أن هذا التحديث في استراتيجيتها الأمنية يعزز مفهوم القوة الشاملة للدولة. ورغم اتهام واشنطن والدول الغربية المتكررة لموسكو بالتدخل والتأثير في سير انتخاباتهم الوطنية من خلال الحرب الإلكترونية كما كان الحال في انتخابات عام 2016 الأمريكية، إلا أن الاستراتيجية الروسية الجديدة كانت قد وجهت اتهامات للغرب باستخدام تقنيَّة المعلومات والبيانات للتدخل في السياسة الداخلية لروسيا، والعمل على توظيف الحروب السيبرانية لتعطيل البنية التحتية الإلكترونية للدولة، مما يجعلها عاجزة عن تحقيق الأمن والوفاء بمتطلبات مواطنيها الأساسية.

ملامح الاستراتيجية في أوكرانيا:

تأسست الحرب السيبرانية الروسية على أوكرانيا سواءً كانت بشكلٍ رسمي أو مجموعات من المتطوعين على محاولات اختراق الشبكة الإلكترونية الأوكرانية، والسعي لإخراجها من الخدمة. نبرز فيما يلي أهم مظاهرها:

(*) جمع البيانات والمعلومات: على الرغم من أن الهجمات التقليدية، هي الأكثر جذبًا للانتباه، فيعتبر بعض المحللين الأوكرانيين، أنه من المُرجح أن تكون استراتيجية موسكو الإلكترونية في أوكرانيا قائمة على جمع المعلومات الاستخبارية؛ إذ يعمل المتسللون الروس على الأرجح على جمع البيانات للاستفادة منها قبل التحركات الميدانية للقوات العسكرية الروسية، أو الحصول على معلومات سرية قد تستخدمها موسكو في أي مفاوضات مستقبلية مع أوكرانيا. ويتأكد ذلك من خلال توالي عمليات الهجمات السيبرانية الروسية التي سبقت هجوم موسكو على أوكرانيا.

(*) تعطيل الأقمار الصناعية: استبقت القوات العسكرية الروسية المشاركة في العملية الخاصة في أوكرانيا هجومها الشامل بريًا وبحريًا وجويًا بتعطيل شبكة اتصالات الأقمار الصناعية، وهو الأمر الذي أدى إلى إعاقة الدفاعات الأوكرانية في كييف. وقد كان الهجوم الذي طال شركة الأقمار الصناعية الأوكرانية Viasat من أخطر عمليات الهجوم الإلكتروني في الحرب؛ إذ أدى إلى تعطيل الاتصالات العسكرية الأوكرانية مما تسبب في قطع المعلومات بين أفرع الجيش الأوكراني المختلفة.

(*) استهداف البنية التحتية المدنية: شنت موسكو العديد من الهجمات السيبرانية على الأهداف المدنية الأوكرانية مثل الهجوم الروسي على شركات الطاقة في ديسمبر 2015، والذي أدى إلى حرمان أكثر من ربع مليون أوكراني من الكهرباء. وشملت كذلك عمليات الاستهداف عددًا من البنوك ومؤسسات النقل والخدمات العامة، وقد أعلنت السلطات الأوكرانية قبل الحرب بيومٍ واحد تعطل مواقع إلكترونية تابعة لها؛ منها موقع البرلمان ومجلس الوزراء ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى بعض الاضطرابات في مواقع وزارتي الداخلية والدفاع وخدمة الأمن، وتمكن المتسللون الروس خلال عام 2022 من اختراق أكبر وسائل الإعلام الأوكرانية ليبثوا رسائلهم.

(*) انعدام التكلفة الاقتصادية للحروب السيبرانية: رغم اعتماد روسيا لأسس الحرب التقليدية في استراتيجيتها العسكرية، إلا أن تطوير موسكو لاستراتيجية الأمن السيبراني الروسية في 2020 يعكس أهمية الحروب الإلكترونية، كأحد أهم أدوات الحروب الحديثة، وأقلها تكلفة. وتميل التحليلات إلى احتمالات تنامي حروب الهجمات الإلكترونية مستقبلًا؛ حيث أن هذه الأسلحة أبسط وأرخص من الأسلحة التقليدية، وهو ما يُعزز من جاذبية ومحورية سلاح الهجمات الإلكترونية كبديل للحروب التقليدية أو حتى مُعزز وداعم لها.

أهداف محددة:

ثمة أهداف حققتها السلطات الروسية من عمليَّات الاستهداف الإلكتروني في أوكرانيا؛ وذلك على النحو التالي:

الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي

(*) تدعيم البنية التحتية الإلكترونية الروسية: عملت موسكو طوال الفترة الماضية على توفير بيئة تقنية عالية الجودة لتحييد أي هجمات سيبرانية ضدها، أو التخفيف من حدتها وأضرارها الجانبية إذا حدثت. ورغم أن الغرب اتهم بشكلٍ صريح موسكو بالوقوف وراء أي هجمات إلكترونية، إلا أن موسكو لم تُعلن بشكلٍ صريح مضيها في هذه الحرب، وفي كل الأحوال لا يُمكن أن نتجاوز أن أي مجموعات قرصنة إلكترونية لا بد أن تتمتع بحماية الدول ورعايتها؛ إذ أنه من السهل الكشف عن مُدبري هذه العمليَّات وتحديد أماكنهم وهويَّاتهم. وتعتبر روسيا أن النزاع الدائر بينها وأوكرانيا قد يكون ساحة لاختبار قدرات الأمن السيبراني التي عملت على بنائها طوال الأعوام الماضية؛ إذ يُشكل الأمن السيبراني أساس أي نزاع أو حرب مستقبلًا؛ بالتالي يُمكننا القول إن أوكرانيا باتت مركزًا لتدريب القوات الإلكترونية الروسية.

(*) تقويض مؤسسات القرار: يتجلى تأثير الهجمات الإلكترونية الروسية على الأهداف المدنية الأوكرانية في تعطيل التمويل والطاقة والنقل والخدمات العامة بالإضافة إلى تقويض عملية صنع القرار وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي من خلال الاضطرابات الاجتماعية، وبالتالي تضعف قدرات الحكومة الأوكرانية على الوفاء باحتياجات مواطنيها الأساسية. وبهذا، لا تُستخدم العمليات الإلكترونية غالبًا في المواقف العسكرية وحدها، ولكن أيضًا لإضعاف الدولة المعادية، وتقويض الثقة في مؤسساتها المدنية.

(*) دعم عمليَّات التجسس: يُستخدم في ذلك إرسال روابط تهكير للوصول إلى خوادم البيانات للحصول على المعلومات السرية واستخدامها في الحرب أو محو هذه البيانات مما يتسبب في مشكلات كبيرة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأيِ من القطاعات الحيوية التي تمتلك معلومات سرية مثل قطاعات التمويل كالبنوك. وتتخوف الدول الداعمة لكييف من تمكن السلطات الروسية من اختراق أجهزة ومؤسسات أوكرانية حساسة قد تُفضي إلى تسرب معلومات حساسة مثل تحركات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو ما سيضر بمركز القوات العسكرية الأوكرانية في المعركة لذلك يبدو أن حلفاء أوكرانيا يقدمون لها دعمًا كبيرًا لعدم حدوث ذلك.

في النهاية؛ برزت الحرب الإلكترونية كأكثر الجوانب التي كانت تخشاها واشنطن والاتحاد الأوروبي في بدايات النزاع بين روسيا وأوكرانيا لا سيَّما أن موسكو أبرزت قدراتها السيبرانية قُبيل دخولها الحرب في أوكرانيا، وتخشى الدول الغربية من أي تصعيد مع روسيا في هذا الملف نظرًا لاعتمادها على الوسائل الإلكترونية في أغلب معاملاتها الحيوية كالبنوك والمعاملات التجارية. وانعكس النزاع بين موسكو وكييف، والذي تعود بوادره إلى عام 2014 الذي شهد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم، على تطوير استراتيجية موسكو للأمن السيبراني.