الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الاستعانة بالأطراف.. كيف تواجه اليابان النفوذ الصيني في المحيطين؟

  • Share :
post-title
كيشيدا يعلن "خطة الإندوباسيفيك" أمام المجلس الهندي للشئون العالمية

Alqahera News - ضياء نوح

خلال زيارته للهند، أعلن رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا يوم الاثنين 20 مارس 2023، خطة حكومته بشأن إقامة منطقة إندوباسيفيك حرة ومفتوحة "Free and Open Indo-Pacific"، والمعروفة اختصارًا "FOIP"، تضمنت التأكيد على نظام عالمي مبني على القواعد وتوسيع الانخراط الدولي في منطقة المحيطين، فضلًا عن تعزيز الدعم للاقتصادات الناشئة.

الخطة اليابانية تعبر عن تحول مهم في رؤية وتشكيل المنطقة من المنظور الياباني والغربي، تتطلع فيها طوكيو لإعادة النظر إلى دورها في المنطقة وتأمين حضورها كفاعل جيوسياسي مؤثر بما يحافظ على مصالح ثالث أكبر اقتصاد في العالم.

إطار عمل الخطة:

جاءت خطة فوميو كيشيدا، لإقامة منطقة إندوباسيفيك حرة ومفتوحة والمعروفة باسم "فويب"، والتي أعلن عنها أول مرة رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي في 2016- في ضوء مخاوف اليابان من الصعود المتنامي للصين، ومنها تطورت الخطة الحالية في إطار التحول الجوهري في سياسات طوكيو الخارجية والدفاعية تحت قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي في ديسمبر الماضي. وتهدف الخطة، حسب كيشيدا، لتثبيت دعائم نظام عالمي مبني على القواعد، في إشارة إلى جملة الممارسات الدولية الراسخة التي تدين اللجوء للقوة أو مجرد التهديد باستخدامها، وترتكز الخطة على عدة دعائم على النحو التالي:

(*) تغيير شبكة الاعتماد الاقتصادي: نظرًا لحساسية موقعها الجيوسياسي واعتمادها على حركة التجارة البحرية، فعّلت اليابان إنذارًا مبكرًا بشأن إمدادات الطاقة والسلع الحيوية والمواد الخام، من خلال استحداث منصب وزير الأمن الاقتصادي (تاكايوكي كوباياشي) في أكتوبر 2021، فضلًا عن تمرير قانون الأمن الاقتصادي في مايو 2022 في البرلمان الياباني "الدايت" بهدف تعزيز مرونة سلاسل الإمداد على أن يتم تفعيله بالكامل خلال عامين. 

ويعتمد على تحقيق أربعة أهداف رئيسية؛ أولها الحفاظ على مرونة سلاسل الإمداد وعدم اضطرابها بالتوترات الجيوسياسية، في إشارة إلى المخاوف بشأن تأثير الموقف من الحرب على إمدادات الطاقة الروسية إلى اليابان أو استخدام التجارة كسلاح في خضم النزاع الحدودي بين طوكيو وبكين، وثانيها توسيع القاعدة التكنولوجية والصناعية، وثالثها تعزيز أمن البنية التحتية الحيوية ورابعها الحفاظ على سرية براءات الاختراع.

رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والمستشار الألماني أولاف شولتس

كما تتضمن توثيق العلاقات مع الدول الحليفة في مجموعة السبع الصناعية لتعزيز الأمن الاقتصادي، تناولت زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى اليابان في 18 مارس الجاري على رأس وفد حكومي رفيع ضم وزراء الخارجية والمالية والدفاع والنقل والاقتصاد، معالجة أزمات سلاسل الإمداد وتعزيز التعاون متعدد المجالات بين البلدين الحليفين، خاصة مع إبداء برلين اهتماها بنموذج الأمن الاقتصادي الذي تبنته طوكيو بالنظر للعوامل المشتركة التي أثرت على اقتصادات البلدين، جراء الحرب الروسية الأوكرانية.

ويعد التقارب الأخير بين اليابان وكوريا الجنوبية على خلفية زيارة الرئيس يون سوك يول إلى طوكيو ضمن جهود تقليل الاعتماد على الصين وتشكيل تحالف مشترين للمعادن والعناصر الأرضية النادرة التي تدخل في صناعة البطاريات الكهربائية، ضمن خطوات قادتها واشنطن وطوكيو عززها تدشين الحوار الثلاثي بشأن تحقيق الأمن الاقتصادي وضمان مرونة سلاسل إمداد أشباه المواصِّلات والمعادن الحيوية، مطلع مارس الجاري في هاواي.

أحد مناجم العناصر الأرضية النادرة

وتوجهت اليابان لتحقيق التنوع في وارداتها من العناصر الأرضية النادرة باللجوء إلى شركة ليناس الأسترالية، والتي ستغطي 30% من الطلب الياباني على العناصر النادرة، لكسر هيمنة الصين التي تنتج نحو 210 آلاف طن سنويًا، والتي تعادل 70% من الإنتاج العالمي، وبحسب نيكي آسيا اليابانية.

(*) إعادة ترتيب المصالح الإقليمية: جاء الإعلان عن الخطة في إطار حراك مكثف تشهده اليابان من زيارات متبادلة بين رئيس الوزراء وقادة الدول الحليفة في مجموعة السبع الصناعية والشركاء الإقليميين في إطار الإعداد لقمة المجموعة في هيروشيما، مايو المقبل، بمشاركة عدد من قادة الدول غير العضوة مثل كوريا الجنوبية وأوكرانيا، والهند والبرازيل وفيتنام.

تدريبات مالابار البحرية-أرشيفية

واتخذت اليابان في سبيل تحقيق ذلك، مجموعة من الإجراءات أولها تعزيز التعاون والدعم الاقتصادي لدول منطقة المحيطين خاصة، هو ما تعهد به فوميو كيشيدا خلال زيارته للهند، بإنفاق 75 مليار دولار أمريكي في صورة استثمارات مباشرة وقروض مقومة بـ"الين الياباني" لدول منطقة الإندوباسيفيك حتى عام 2030. 

وثانيها تجسيد التحالفات الأمنية على الأرض لتعزيز الأمن البحري في إطار بين أعضاء التحالف الأمني الرباعي (الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا)، وكذلك مع دول جزر المحيط الهادي ودول مجموعة الآسيان، كما تعمل على تعزيز انخراط مزيد من القوى الغربية في منطقة المحيطين، حيث شهدت زيارة المستشار الألماني إلى طوكيو في 18 مارس الجاري، تعهد الجانبين بتدشين اتفاق أو إطار قانوني لتسهيل الأنشطة الأمنية والدفاعية المشتركة مثل التخطيط للمشاركة في تدريبات عسكرية مع الحلفاء خلال العام الجاري، في إطار اهتمام برلين بأمن المنطقة حيث تنشر سفينة ومقاتلات حربية في منطقة المحيطين. وكشفت وكالة أنباء كيودو اليابانية في 20 مارس الجاري، أن الحكومة الكندية اقترحت تدشين تحالف أمني رباعي يضم كلا البلدين إلى جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، كإطار مشابه لتحالف كواد الأمني الرباعي.

وثالثها توسيع إطار دعم الخطة اليابانية لمنطقة المحيطين عالميًا، من خلال إيلاء اهتمام أكبر بقضايا الدول النامية وتعزيز الدور التنموي لليابان على الصعيد العالمي خاصة في مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.

وزراء دفاع بريطانيا واليابان وإيطاليا في طوكيو

(*) دعم قدراتها الدفاعية: في إطار سياستها الدفاعية الجديدة، عززت اليابان توجهها لبناء قوة هجوم مضاد تعتمد بصورة مباشر على القوة الصاروخية، إلا أن تركيزها يشمل بناء قوة دفاع بحري لدعم حرية الحركة والملاحة في منطقة المحيطين دعمًا لأنشطتها الاقتصادية والتجارية، وهو ما يظهر في التدريبات الصاروخية المشتركة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، فضلًا عن استعداد طوكيو للعودة إلى أسواق تصدير الأسلحة عالميًا، من خلال مشروعات إنتاج الأسلحة والمقاتلات بالتعاون مع المملكة المتحدة وإيطاليا، والتعاون في نقل التكنولوجيا الدفاعية مع الدول الحليفة.

(*) محورية الهند: يدلل الإعلان عن الخطة في نيودلهي إلى أهمية التعاون الياباني الهندي في إطار الخطة التي تضرب بجذورها في رؤية المحيطين القائمة على تعزيز ارتباط نيودلهي بالتطورات في المحيط الهادي، في إطار مسؤوليتها كرئيس حالي لمجموعة العشرين بالتوازي مع رئاسة اليابان لمجموعة السبع، فضلًا عن رؤية طوكيو بأولوية التعاون بين الدول الديمقراطية التي تلعب دورًا مركزيًا في جهود حفظ سلامة الملاحة البحرية وحرية انتقال الأفراد والسلع عبر المحيطين، وهي المحرك الأهم في سياسة اليابان تجاه المنطقة منذ 2007 وهو التوجه الذي ظهر في خطاب شينزو آبي أمام البرلمان الهندي.

وإجمالًا؛ تنعكس الخطة اليابانية في سياسة التحالفات الأمريكية اليابانية في منطقة المحيطين لبناء ثقل إقليمي موازٍ لتنامي القوة العسكرية الصينية، كما أن تزامن رئاسة اليابان لمجموعة السبع والهند لمجموعة العشرين يمثل فرصة لطوكيو في توسيع إطار شراكات الإندوباسيفيك وإيجاد مصلحة مشتركة بين مجموعة واسعة من الدول حول تقليل الاعتماد على الصين وتنويع سلاسل الإمداد الحيوية، فضلًا عن دمج دول الجنوب العالمي في الحفاظ على نظام دولي قائم معززًا بقوى غير تقليدية على رأسها اليابان والهند.