الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دبلوماسية المناخ.. ماذا تعكس كلمات القادة في افتتاح Cop 27؟

  • Share :
post-title
قادة العالم القادة في خلال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بشرم الشيخ

Alqahera News - ضياء نوح

شهدت فعاليات اليوم الأول لمداخلات القادة في مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في نسختها السابعة والعشرين (Cop 27) تفاعلًا مختلفًا بين مختلف أطراف العمل المناخي، وتعطي مؤشرًا على ما ستنتهي إليه فرق التفاوض بين الدول النامية ونظيرتها المتقدمة.

ملاحظات جوهرية:

انحازت المجموعات القارية بخطاب موحد حول أولويات العمل المناخي في الفترة المقبلة وفق موقعها على خارطة الالتزامات المالية والبيئية، وهو ما يدل على التالي:

(*) دبلوماسية المناخ: تعد قمة شرم الشيخ، مؤشرًا لانتقال الراية للجنوب العالمي في قيادة الجهد الدولي لمواجهة التغير المناخي من نافذة الدول المضيفة، في مقدمتها مصر ممثلة لإفريقيا، واختيار مجموعة آسيا والمحيط الهادئ دولة الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، فيما تستضيف إحدى دول شرق أوروبا الدور التاسعة والعشرين، يليها أمريكا اللاتينية للدورة الثلاثين.

وحملت رسائل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بُعدًا إنسانيًا وشعبيًا أوسع، موجهًا نداءً لقادة العالم بخطورة المرحلة الحالية من المواجهة في ظل توقعات بتجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض 3 درجات مئوية. وفي المقابل وجّه أنظار الشعوب إلى الآمال المتبقية والمبنية على قدرة البشرية جمعاء على تجاوز ذلك التحدي، مبرزًا التجربة المصرية في إقرار الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، التي تضمنت آليات تمويل مبتكرة للمشروعات التنموية وتوفير التمويلات لمشروعات المياه والطاقة والغذاء عبر منصة "نُوفي"، في إطار مساعي التحول لاقتصاد أخضر منخفض الانبعاثات.

المؤتمر في افتتاحيته حرص على ترسيخ موقع دول الجنوب في قلب العمل المناخي عبر إشارات حضارية مهمة تعود للحضارة المصرية القديمة بروافدها الثرية ودورها أثناء فترات الجفاف في إغاثة الجوار وإيواء اللاجئين وتقديم تسهيلات معيشية ومالية للمتضررين، كما تناولت د.مينوش شفيق، رئيسة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في كلمتها.

(*) التزام خليجي متجدد: كنموذج لدور الدول النفطية في تخفيض الانبعاثات والمساهمة الفعّالة في دعم توازن أسواق الطاقة طالما احتاج العالم للنفط والغاز، في إشارة من الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات على التزام بلاده بخطتها لإعلان الحياد الكربوني 2050، والعمل على التحوّل للطاقة المتجددة والنظيفة حول العالم من خلال الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة قبيل انطلاق المؤتمر، والتي يستثمر بموجبها البلدان 100 مليار دولار في مشروعات الطاقة المتجددة.

وتحولت التعهدات الوطنية الخليجية إلى التزام دولي بالعمل على تنسيق جهود التحول إقليميًا ودوليًا في إطار مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتتضمن زراعة 50 مليار شجرة لامتصاص الانبعاثات، وإنشاء مركز إقليمي للتغير المناخي وبرنامج إقليمي لاستمطار السُحب.

(*) الجنوب العالمي: تعدت القمة الحديث عن احتياجات القارة الإفريقية إلى استعراض أجندة الجنوب العالمي، حيث تنوع الحضور من قادة ورؤساء حكومات دول أمريكا اللاتينية وجزر المحيط الهادئ والبحر الكاريبي الأكثر هشاشة في مواجهة ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات والآثار المدمرة للأعاصير وموجات التسونامي.

وأكدت ميا موتلي، رئيسة وزراء بربادوس، الحاجة لتغيير قواعد الإقراض والتمويل في المؤسسات الدولية بإتاحة التمويل اللازم للدول الجزرية والنامية التي تقف في مقدمة المواجهة مع ظواهر تغير المناخ، وألقت بالمسؤولية على الولايات المتحدة في إتاحة 500 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، والتي ستحرك بدورها نحو 5 تريليونات دولار من القطاع الخاص في تمويل مشروعات المناخ.

كما كان الخطاب الإفريقي متوازنًا في استعراض تحديات مواجهة تغير المناخ وانتشار الجفاف والتصحر وانعكاساته على مسيرة التنمية، ولعل أكثر الكلمات المعبرة عن هذا الموقف كلمة ماكي سال، رئيس السنغال والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، مع انتقاده للتصورات غير الواقعية حول الالتزام بتعهدات خفض الانبعاثات ودعم التحول الأخضر بشكل عادل ومنصف، بالنظر لتكلفة تمويل ذلك التحول وزيادتها من 100 مليار إلى 200 مليار دولار سنويًا، وإلزام كل مُلوِث أن يكون دافعًا، ودعا لعدم إغفال أهمية وصول 600 مليون إفريقي لمصادر الطاقة الكهربائية.

(*) خطاب أوروبي قوي: على غرار الحضور البارز من قادة الدول الأوروبية الصناعية، كان الخطاب الأوروبي في مجموعه مسؤولًا بدعم أجندة تخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والمساهمة في التكيف مع آثار تغير المناخ، ودعم المرونة في مواجهة الأزمات في المناطق الأكثر عُرضة للتبعات السلبية للظاهرة.

الإشارة في هذا الصدد إلى خطاب إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي في أكثر من موضع، إذ جدد التزام بلاده بتنفيذ تعهداتها التمويلية ودفع ما قال إنه "حصتها العادلة" والبالغة 6 مليارات يورو سنويًا، منها مليارا يورو للتكيف مع آثار تغير المناخ، كما تضمنت كلمته الأبعاد التالية:

(-) تعزيز الثقة والتعاون بين الدول المتقدمة والنامية عبر سد الفجوة التمويلية البالغة 18 مليار دولار من أصل 100 مليار دولار بتعزيز المساهمات الدول غير الأوروبية التي لا تتحمل التزاماتها أو حصتها العادلة من الأعباء المالية.

(-) تأييد دعوة رئيسة وزراء بربادوس بتغيير قواعد مؤسسات التمويل الدولية والارتقاء بمعيار التمويل من القيمة المليارية إلى التريليونية وإحداث "صدمة في التمويل التيسيري" بدفع من دول مجموعة العشرين.

هذه الوعود على الرغم من إيجابيتها لكنها غير كافية، حيث كشف أحدث تقرير أممي أُجري بتكليف من مصر والمملكة المتحدة وعُرض خلال القمة، عن حاجة الدول النامية لتريليون دولار سنويًا، وتصل إلى 2,4 تريليون دولار بحلول 2030 لتمويل أجندة المناخ في التخفيف والتكيف ومجابهة الخسائر والأضرار.

استعادة الثقة:

ثمة نقاط مهمة ركّز عليها خطاب المسؤولين الأمميين وقادة الدول الحكومات وعلى رأسهم الرئيس المصري تتعدى إطار عمل المؤتمر، هم كالتالي:

(*) استعادة زخم العمل الدولي: سعى الرئيس المصري لتوجيه نداء باسم قادة وشعوب العالم لوقف الحرب الروسية الأوكرانية واستعداده لبذل ما يتطلبه العمل لإنهاء الأزمة التي طالت آثارها جميع دول العالم، لتكون تلك الرسالة الأبرز في مخرجات اليوم الأول، وهو ما يتماس مع رؤية القاهرة للدبلوماسية متعددة الأطراف والتحرك الجماعي للمجتمع الدولي في مواجهات مهددات الأمن والسلم الدوليين.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة لانعكاسات ذلك على العمل المناخي، ففي ظل الانقسامات الجيوسياسية وتسييس قضايا المناخ يصعب التحرك لتنفيذ التعهدات بموجب الاتفاقية الإطارية، ناهيك عن بناء إجماع دولي لتحديث تلك الالتزامات التي لم تعد ملائمة لمستوى تسارع الارتفاع في درجة حرارة الأرض.

(*) بناء الثقة: بدت الحاجة إلى تعزيز آليات بناء الثقة بين أطراف العمل المناخي من الدول المتقدمة صاحبة الالتزام المالي لدعم التحول الأخضر في الدول النامية والأشد فقرًا، فضلًا عن تعويض الخسائر والأضرار، مع تركيز الضغوط الأخلاقية على الولايات المتحدة والصين من قبل إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي لصالح تعزيز مساهماتهم المالية التي تعادل إسهامهم في انبعاثات الكربون.

ووجه أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الدعوة ذاتها لبكين وواشنطن بجانب كل أعضاء مجموعة العشرين من أجل توقيع ميثاق بين الدول المتقدمة والنامية بعدم تخطي درجة الحرارة 1,5 درجة مئوية.

محصلة القول؛ إن دول الجنوب حزمت أمرها وأدركت أولوياتها في التحرك إلى تنمية مستدامة ومنخفضة الانبعاثات شريطة تعاونٍ أشمل مع الدول المتقدمة والغنية للإيفاء بالتزاماتها العادلة وتقليل فاتورة الاقتراض التي تثقل كاهلها، لكن صعوبات عدة تعترض الرئاسة المصرية للدورة الحالية ومنها العمل مع الشركاء الدوليين على تحييد العمل المناخي عن أجواء الأزمات الدولية، وإقناع الدول الأكثر مساهمة في الانبعاثات بجهود الخفض وتحديث أو إعلان التزامها بالحياد الكربوني بآجال محددة، فضلًا عن نيل حصتها في المساهمات المالية العادلة لدعم التحول الأخضر.