الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات محتملة.. هل تشهد باكستان اضطرابات بعد اعتقال "عمران خان"؟

  • Share :
post-title
اعتقال " عمران خان"

Alqahera News - نورا فايد

منذ الإطاحة بـ"عمران خان" رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب "تحريك إنصاف الباكستاني" من سدة الحكم في أبريل 2022، بناء على اقتراح بحجب الثقة منه بدعم من 174 عضوًا من 342 في البرلمان الباكستاني، وهو لا يتوانى عن حشد أنصاره للتصعيد في الشارع من أجل الضغط على الحكومة الباكستانية برئاسة "شهباز شريف" لإجراء انتخابات مبكرة، في محاولة منه للعودة مرة أخرى إلى سُدة الحكم، إلا أنه حتى الآن باءت تلك المحاولات بالفشل، بل وواجه "خان" أزمة جديدة نجم عنها اعتقاله في 9 مايو الحالي لاتهامه في قضايا فساد، للمثول أمام القضاء والتحقيق معه بهذا الشأن، وهو ما نجم عنه اضطرابات واحتجاجات من قِبل أنصاره في عدة مدن باكستانية، ولذلك أفرجت عنه المحكمة بكفالة مؤقتة بعد أسبوع من احتجازه.

وهنا يُطرح تساؤل.. ما دلالات اعتقال رئيس الوزراء الباكستاني السابق؟.. وما مصير الأوضاع في الدولة الآسيوية في ظل احتدام هذا الصراع السياسي الذي يأتي بالتزامن مع أزمة اقتصادية خانقة تشهدها ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر المقبل؟.. ذلك ما ستجيب عنه الدراسة الحالية، على النحو التالي:

محاولات سابقة:

تجدر الإشارة إلى أن توقيف "خان" هذه المرة ليس الأول، فبعد الإطاحة به وهو يواجه اتهامات بضلوعه في قضايا عدة أغلبها ما بين الفساد والإرهاب والتحريض على الحكومة والجيش، لذلك كانت هناك بعض المحاولات لتوقيفه ومحاكمته في هذه القضايا، إلا أنه نجح على مدار العام الماضي في إحباط أي محاولة للقبض عليه، وكان يتخلف مرات عدة عن حضور جلسات الاستماع للإدلاء بأقواله في الاتهامات الموجهة إليه، لكن هذا العام وقعت بعض المحاولات من قِبل الشرطة الباكستانية للقبض على "خان" حتى نجحت في مايو الحالي، كما يلي:

(*) أواخر فبراير 2023: تحركت عناصر من الشرطة الباكستانية بالعاصمة إسلام آباد في 28 فبراير الماضي نحو منزل "عمران خان" بولاية لاهور لإلقاء القبض عليه بعد إصدار محكمة إسلام آباد مذكرة توقيف بحقه، غير قابلة للإفراج بكفالة؛ بتهم فساد متعلقة باستغلال منصبه بشكل غير مشروع من خلال قبول هدايا من قِبل شخصيات أجنبية، لكن حينما ذهب عناصر الشرطة للقبض عليه بمنزله لم يجدوه، وأكدت وزيرة الداخلية الباكستانية "رنا صنع الله" أن عناصر الشرطة قاموا بواجبهم وسيقدمون إخطارًا للمحكمة بما حدث، وذلك بعد تنظيم أنصاره وأعضاء حزبه احتجاجات وقتها، معتبرين أن قرار القبض عليه "غير قانوني" ولا يوفر الحماية اللازمة لرئيس حزب تحريك إنصاف.

(*) منتصف مارس 2023: مرة أخرى، حاولت الشرطة الباكستانية اعتقال "خان" في 15 مارس المنصرم، إلا أنها لم تنجح أيضًا جراء تجمهر أنصاره ودخولهم في اشتباكات مع عناصر من الشرطة أثناء محاولة إلقاء القبض عليه، ما دفع الأخيرة لإطلاق قذائف الغاز المسيّل للدموع لتفريقهم من أمام منزل "خان" بولاية لاهور، وتم تعليق قرار القبض عليه هذه المرة أيضًا، ولذلك خرج رئيس الوزراء السابق في تصريحات لصحيفة "بي بي سي" البريطانية، ليعلن عن تصميم السلطة الباكستانية لوضعه خلف القضبان، لمنع حزبه من المشاركة في انتخابات نوفمبر المقبلة، محذرًا، "سواء كنت في السجن أم لا، فلن يتمكنوا من منع حزبي من الفوز".

(*) مطلع مايو 2023: نجحت القوات الباكستانية هذه المرة في القبض على "خان" 9 مايو الحالي أثناء وجوده في محكمة بالعاصمة إسلام آباد، وكشفت مصادر مطلعة أن القبض عليه نجح هذه المرة بسبب مساهمة قوات شبه عسكرية تابعة للجيش الباكستاني يُطلق عليها اسم قوات "بنجاب رينجرز" أو "الرينجرز" في عملية الاعتقال على خلفية اتهامه في قضايا فساد وعدم تعاونه مع السلطات في التحقيقات الجارية معه بشأن هذه القضايا، ولكن الاضطرابات التي شهدتها بعض المدن الباكستانية خاصة في إسلام آباد ولاهور وغيرهما، وبعد أن قدم محاموه طعنًا في قانونية قرار اعتقاله، أصدرت المحكمة العليا في إسلام آباد في 12 مايو الحالي، قرارًا بالإفراج عن "خان" بكفالة مؤقتة لمدة أسبوعين، بمعنى أن المحكمة قضت بعدم قانونية اعتقاله.

دلالات الاعتقال:

في ظل التطورات السالف ذكرها، فإنه يمكن القول إن عملية القبض على "عمران خان" هذه المرة ثم الإفراج عنه بكفالة مؤقتة، يحمل جملة من الدلالات، يأتي من أبرزها، ما يلي:

(&) تجنب انزلاق باكستان في حالة من الفوضى: ترغب الحكومة الباكستانية برئاسة "شهباز شريف" في التأكيد على المضي قدمًا بمحاكمة رئيس الوزراء السابق في قضايا الفساد والإرهاب والتحريض على بعض المسؤولين في الدولة، ولكن عدم نجاح الأجهزة الأمنية في القبض عليه أحيانًا ثم إصدار قرارات بالإفراج عنه من ناحية أخرى، يرجع إلى رغبة السلطة في تجنب البلاد الدخول في أي حالة من الانزلاق في أوضاع غير مستقرة وتوفير الحماية والأمن في الشارع الباكستاني، لأن اعتقال "خان" ومحاكمته بشكل نهائي، قد يشعل احتجاجات أنصاره ونشر أعمال العنف في جميع أرجاء الدولة الآسيوية.

(&) محاولة حل الأزمة الاقتصادية الراهنة: تسعى الحكومة الباكستانية منذ تسلمها زمام السلطة منذ عام، على محاولة إيجاد مخرج للأوضاع الاقتصادية السيئة التي تشهدها البلاد، خاصة في ظل محاولاتها للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لمنحها قرض يقدر بقيمة 6.5 مليار دولار، وذلك بعد أن توقفت خطط الحصول على هذا القرض في نوفمبر الماضي، إلا أن رئيس الوزراء "شهباز شريف" أعلن في أبريل الماضي، أن حكومته نفذت جميع الاشتراطات اللازمة للحصول على القرض، قائلًا: "الحكومة الباكستانية بذلت قصارى جهدها من أجل تنفيذ هذه الشروط.. ولا عذر أو مبرر للحصول عليه"، وعليه، فإن الحكومة لا تريد بعد كل ذلك أن يأتي "عمران خان" ويعرقل محاولات الحكومة لإصلاح الاقتصاد.

(&) استمرار الخلاف القائم بين زعيم حزب الإنصاف والجيش الباكستاني: إن الكشف عن مشاركة قوات من الجيش الباكستاني في عملية اعتقال زعيم حزب الإنصاف ونجاحها في ذلك، يشير إلى أن الجيش لا زال على خلافه مع رئيس الوزراء السابق الذي اندلع إبان حكم الأخير، وتفاقم الخلاف بعد أن دخل "خان" في صدام مع قائد الجيش الباكستان "قمر جاويدا باجوا" الذي كان يريد عزل رئيس الاستخبارات الداخلية "فايز حميد" وهو القرار الذي رفضه "خان"، هذا بجانب أن الأخير كان قد وجّه اتهامًا مباشرًا إلى الجيش بالوقوف وراء محاولة اغتياله في نوفمبر الماضي.

(&) دحض ادّعاءات أنصار "خان" بتدخلات خارجية للإطاحة بزعيمهم: ترغب الحكومة الباكستانية في إثبات أن عملية اعتقال "خان" ليس لها علاقة بأي تدخلات خارجية وأن جميع قرارات الاعتقال نابعة من السلطات الباكستانية التي تمتلك الدلائل حول فساد وإرهاب "عمران خان" الذي سبق ووجّه تهديدًا لبعض المسؤولين الرسميين بقمعه بادّعاء تعذيبهم لأحد قادة حزبه، والهدف من ذلك، دحض جميع المزاعم التي أطلقها "خان" وأنصاره بأن الإطاحة بزعيمها جاء بناء على رغبة أمريكية وضغط مارسته واشنطن على "شهباز شريف" لتسهيل عملية حصوله على صندوق النقد الدولي.

تداعيات محتملة:

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن اعتقال "عمران خان" رئيس حزب "تحريك إنصاف" الباكستاني، يمكن أن يترتب عليه عدد من التداعيات، أولها، تفاقم وإعادة اشتعال الاحتجاجات في الشارع الباكستاني، بشكل قد يصل إلى محاولة أنصار "خان" لاقتحام بعض مؤسسات الدولة وخاصة المقرات العسكرية بمختلف أرجاء البلاد، وتحديدًا الواقعة في ولاية لاهور (محل إقامة عمران خان)، والنتيجة الثانية، تقليص أية فرصة لحلحلة الوضع الراهن بين زعيم حزب تحريك إنصاف والحكومة الباكستانية والجيش، أما النتيجة الثالثة، فستكون من خلال اتجاه الحكومة إلى اتخاذ قرار يقضي بحظر حزب "عمران خان" لتقليل فرص مشاركته في الانتخابات الرئاسية المقبلة هذا العام، وذلك بعد التأكيد على أن زعيمهم متورط في قضايا فساد وإرهاب وغير مؤهل للمشاركة بهذه الانتخابات.