الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما مستقبل النظام الإقليمي العربي بعد قمة جدة 32؟

  • Share :
post-title
القمة العربية رقم (32) بجدة

Alqahera News - د. مبارك أحمد

يأتي انعقاد القمة العربية الثانية والثلاثين بالمملكة العربية السعودية بمدينة جدة يوم 19 مايو 2023 في ظل نظام دولي متغير يسعى أقطابه الرئيسيون لتشكيله وتحويله من نظام الهيمنة الأحادية إلى نظام متعدد الأقطاب يعطي فرصة للقوى الكبرى، لتعزيز مكانتها على مسرح السياسة الدولية كانت الحرب الروسية الأوكرانية أحد تجلياته. كما تنعقد القمة أيضًا في ظل سياق إقليمى عربي تسعى دوله نحو التهدئة وامتلاك القدرة على تسوية مشكلاتها وأزماتها المعقدة، وهو ما تجلى في الاتجاه نحو التهدئة وعقد المصالحات كان أبرزها المصالحات العربية القطرية، والمصالحة المصرية التركية، والمصالحة السعودية الإيرانية، والمصالحة العربية السورية التي أقرت بعودة سوريا إلى الجامعة العربية والمشاركة في جميع أنشطة مجلس الجامعة تنفيذًا لقرار وزراء الخارجية العرب في 7 مايو 2023، كما تم توجيه الدعوة للرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في فعاليات القمة بعد تعليق عضوية سوريا منذ 16 نوفمبر 2011. وتمثل تلك الخطوات إطارًا داعمًا للحفاظ على النظام الإقليمي العربي بوحداته الرئيسية وهويته الثقافية فضلًا عن إنتاجه لآليات داخلية قادرة على تجاوز تحديات الواقع وصفها المحللون بالإقليمية الجديدة التي تعزز من لغة المصالح بين مكونات الإقليم.

توقيت الانعقاد:

يكتسب انعقاد القمة العربية أهميته في هذا التوقيت بالنسبة لمستقبل النظام الإقليمي العربي لعدة أسباب أولها التصعيد على مستوى تفاعلات النظام الدولي وغياب أي أفق لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت منذ فبراير 2022 ولما لها من تداعياتها على الأمن العالمي، حيث أدت إلى تدهور غير مسبوق في العلاقات الغربية الروسية، وخلق حالة من التحالفات غير المعلنة، بين معسكرين الأول تقوده روسيا والدول الرافضة للهيمنة الأمريكية، والثاني تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وهى الدول المستفيدة وفق الرؤية الروسية من حالة الخلل الكامنة في النظام الدولي لصالح المنظومة الغربية ومصالحها. وهو الأمر الذى سينعكس بلا شك على تفاعلات النظام الإقليمي العربي برغم أن دوله نجحت في تبنى اتجاه محايد من أطراف الصراع، وسعت إلى تبنى جهود الوساطة لتسوية الصراع، وهو الأمر الذى تجلي في إقرار مجلس وزراء جامعة الدول العربية خلال دورته الـ 157 بتشكيل مجموعة اتصال وزارية لتولي المشاورات والاتصالات مع الأطراف المعنية بالأزمة الأوكرانية، والمساهمة في إيجاد حل دبلوماسي، وتكونت مجموعة الاتصال من 7 دول عربية هي: مصر، والجزائر والسعودية، والإمارات، والعراق، والأردن، والسودان.

وثانيها أن قمة جدة تعقد فى ظل اتجاه نحو التهدئة بين القوى الإقليمية الفاعلة داخل النظام الإقليمي العربي ودول الجوار، ومنها ما تجسد في الاتفاق السعودي الإيراني مارس 2023، وما تلاه من إعلان بيان ثلاثي صيني – سعودي- إيراني يتضمن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، كما تقرر استئناف الاتفاق الأمني الموقع بين البلدين عام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في عام 1998. وهو الاتفاق الذى يشكل الإطلالة الأولى من نوعها للصين على الأزمات الدولية وانخراطها في تسوية تلك الأزمات بشكل مباشر بما دفع العديد من المحللين للحديث عن ملء الفراغ الذى خلفه التوجه الأمريكى شرقًا لمحاصرة الصين، وتسعى لملئه في إقليم ترتبط بدوله بروابط اقتصادية، كما أنها تقع ضمن مبادرة الحزام والطريق فضلاً عن حاجة الصين لتأمين إمدادات الطاقة اللازمة للحفاظ على الصعود العالمي للصين. ويتوقع المحللون أن يكون لهذا الاتفاق تداعياته المباشرة على حلحلة العديد من أزمات الإقليم التي تعد إيران طرفًا فيها مثل الأزمة اليمنية، وإنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان، والحد من التصعيد فى العراق وسوريا من خلال الميليشيات الإيرانية الموجودة بتلك الدول.

كما أسهمت المصالحة المصرية التركية التي عززها لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان فى الدوحة في 20 نوفمبر 2022 على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم ومثل اللقاء نقطة التحول الرئيسية في مسار استئناف العلاقات المصرية التركية، وهو أول لقاء منذ ما يقرب من عقد تتويجًا لجهود ومساعي التهدئة في الإقليم مع دول الجوار العربي كانت تلك الخطوة قد سبقها تبادل للزيارات على مستوى وفود من وزارات الخارجية في البلدين، واستقبال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لوفد تركي يضم ممثلين لشركات تركية تعمل فى مصر فبراير 2023 ، فضلاً عن تبادل الزيارات بين وزيري خارجية البلدين لاسيما بعد الزلزال الذى شهدته تركيا وسوريا وانعكس على التضامن الإنساني لمصر مع تركيا وسوريا.

ملفات وقضايا على أجندة القمة:

من المرجح وفقا للعديد من المسؤولين العرب وتصريحاتهم أن يزخر جدول أعمال القمة بالعديد من الملفات والقضايا، التى تحتاج لمزيد من العمل العربي المشترك والتضامن لتعزيز مناعة النظام الإقليمي العربي، لعل أهمها يتمثل في التالي:

(*) تعزيز العمل العربي الاقتصادي: يعد تعزيز العمل العربي المشترك من الملفات المطروحة على طاولة القمم العربية المتتالية، لاسيما وأن الدول العربية تمتلك مقومات التكامل الاقتصادى ما بين دولها التى تزخر بمقومات وموارد طبيعية وبشرية متنوعة. ووفقًا للسيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، فإن جدول الأعمال سيتضمن الاتفاقات والاستراتيجيات العربية التي تم التوصل اليها بعد جهود مضنية، وأقرتها المجالس الوزارية ومن أبرزها الاستراتيجية العربية للسياحة والاستراتيجية العربية للاتصالات والمعلومات، المعروفة اختصارًا باسم الأجندة الرقمية العربية، وسبل تفعيل اتفاقيات النقل التي أبرمت في إطار المنظومة العربية، لا سيما وأن النقل شكل عائقًا أمام زيادة التجارة البينية العربية وازدهارها.

الأمن الغذائي العربي

(*) الأمن الغذائي العربي: حذر الأمين العام للجامعة العربية من أن قضية الأمن الغذائي العربي تعد إحدى أهم الأولويات العربية وأكثرها إلحاحًا، مرجعًا ذلك لتناقص المخزون الغذائي على المستوى العالمي فضلًا عن ارتفاع الأسعار ومحدودية الموارد واستمرار النمو السكاني. أعلن عادل عبد الرحمن العسومي رئيس البرلمان العربي رفع الوثيقة البرلمانية التي اعتمدها المؤتمر الخامس للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية تحت مسمى "رؤية برلمانية لتعزيز الأمن الغذائي العربي" فى فبراير 2023 إلى القمة العربية بالسعودية على مستوى القادة، للاسترشاد بها فى إعداد الاستراتيجية العربية للأمن الغذائي التى صدر بها قرار من القمة العربية الحادية والثلاثين بالجزائر. حيث تضمنت الوثيقة عددًا من المقترحات أهمها: إيجاد بيئة تشريعية متطورة من أجل نظام غذائي عربي أكثر استدامة ومرون، وتوطين التكنولوجيا وتطبيق مفهوم الزراعة الذكية، تعزيز الاستثمارات العربية في مجال الزراعة، وتنمية الثروة السمكية والحيوانية في الدول العربية، دعوة الدول العربية إلى إطلاق مبادرة التحالف العربي للأمن الغذائي، وحوكمة إدارة الموارد المائية العربية وتبنى رؤية عربية موحدة تجاه قضية الأمن المائي العربي..

(*) ملف اللاجئين والنازحين: أدى الصراع في السودان وفقا لتقارير الأمم المتحدة إلى إجبار 200 ألف شخص على الفرار إلى بلدان مجاورة ، كما اسفر عن نزوح ما يربو على 700 ألف داخل السودان، مما عمق من المعاناة الإنسانية للسودانيين، ودفع بوكالات الإغاثة إلى توجيه نداءات انسانية لتوجيه المزيد من الدعم للتخفيف من تلك المأساة. ففي مراجعة لخطة الاستجابة التي صدرت بعد اندلاع الاشتباكات، قدرت الأمم المتحدة أن 2.56 مليار دولار ستكون مطلوبة الآن لتقديم المساعدة داخل السودان في ارتفاع من 1.75 مليار دولار، التي كانت مقدرة قبل بضعة أشهر فقط. بينما ستكون هناك حاجه إلى 470.4 مليون دولار أخرى لمساعدة الفارين من السودان. وعلى مستوى اللاجئين السوريين فإن قرار عودة سوريا للجامعة سيجعل من قضية عودتهم أولوية على أجندة القمة، لا سيما وأن الأمين العام للجامعة العربية نبه إلى تراكم التحديات الخطيرة وتداخلها والتي لازال يتعرض لها البنيان العربي وأركانه الأساسية، إذ أفرزت موجه جديدة من موجات النزوح واللجوء في المنطقة العربية.

الأزمة السودانية

(*) الأزمة السودانية: أدى اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 مايو 2023 إلى سقوط أكثر من 800 قتيل، وخمسة آلاف مصاب. بما دفع بمساعٍ وجهود عربية لتسوية الأزمة والعودة إلى الحوار والمسار الانتقالي السياسي، ووفقًا للسفير حسام زكي فإن وضع السودان يمثل وضعًا ضاغطًا ومؤسفًا، واستمراره يؤثر بالسلب على استقرار دولة مهمة في المنظومة العربية ،والأمل فى أن جهود وقف هذا الصدام المسلح تتكلل بالنجاح، ومنها الجهد السعودي الأمريكي الذى تكلل بالتوصل لهدنة، ولكن المأمول أكثر من ذلك في أن يكون هناك عمل مضن لكى نسعى للتوصل إلى وقف مستمر لإطلاق النار ، وأن هناك مجموعة اتصال عربية مشكلة بقرار الجامعة العربية فى 7 مايو 2023 تضم مصر والسعودية والأمين العام للجامعة العربية، ويتوقع أن تجتمع اللجنة على مستوى وزراء الخارجية على هامش القمة، لبحث كيفية التحرك قدما لتحقيق هذا الهدف.

(*) القضية الفلسطينية: وفقًا لمندوب فلسطين في جامعة الدول العربية السفير مهند العكلوك، فإن لجنة وزارية ستعقد على هامش أعمال القمة العربية، لبحث عدة ملفات مهمة تخص القضية الفلسطينية، حيث ستترأس تلك اللجنة الجزائر باعتبارها الرئيس الحالي للقمة العربية، وتضم: مصر ، الأردن، فلسطين، المغرب، موريتانيا ،لبنان، قطر، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط لبحث الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ومتابعة حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وحشد الدعم الدولي اللازم، وتوسيع الاعتراف بدولة فلسطين فى إطار حل الدولتين.

مجمل القول إن انعقاد القمة العربية على مستوى القادة بشكل دوري يسهم فى تدعيم دور الجامعة العربية كمؤسسة رسمية للنظام الإقليمي العربي والحفاظ على مناعته وهويته الثقافية، ومنع تذويبها فى أطر أخرى موسعة، وهو ما يتطلب البناء على ما تحقق من تعزيز الإرادة العربية فى التصدى لمشكلات وتحديات النظام الإقليمى والذى تمثل فى عودة سوريا التى تعد من الدول المؤسسة للجامعة العربية، وعقد الاتفاقات والمصالحات مع دول الجوار العربي، لوقف تمددها فى دول الأزمات العربية، وبما يحافظ على وحدة وسلامة وسيادة الدولة الوطنية العربية الذى شكل ولازال توجه مصر الرئيسي ازاء تفاعلات النظام الإقليمى العربي.