لطالما ساعد التطور التكنولوجي الإبداع البشري عبر عقود وسنوات عدة بأدوار مختلفة، منها توفير وسائط وأدوات أكثر جودة وسهولة في الاستخدام وأيضًا بإمكانيات حديثة، لكن مع التوسع في التكنولوجيا الرقمية، ثم الذكاء الاصطناعي، مثّل الأخير تهديدًا كبيرًا للمبدعين في مجال الغناء والموسيقى، بعد أن توافرت العديد من التطبيقات التكنولوجية، والتي يمكنها طرح أغنيات بأصوات وأسلوب مطربين معروفين، سواءً على قيد الحياة أو رحلوا عن عالمنا.
وبعد أن استخدم المبدعون الموسيقيون التكنولوجيا الحديثة، للتعبير عن رؤاهم من خلال الأصوات والآلات والأجهزة المختلفة، باتت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تشكّل خطرًا على هذا الإبداع، إذ فوجئ عشاق الموسيقى مؤخرًا بإطلاق أغنية Heart on My Sleeve بأصوات المغنيين دريك و"ذا ويكند"، على بعض منصات البث المباشر ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تحاكي أسلوب أداء النجمة سيلينا جوميز، وتبدو كأنها من إبداع بشري وليس آلة.
وفي رد فعل حاسم، تصدى دريك و"ذا ويكند" للأغنية المزيفة الجديدة، وأرسلا إنذارات إلى المنصات التي تبثها بدعوى انتهاك حقوق الملكية، وبالفعل حذفتها الكثير من المنصات.
تدفق الأغنيات المزيفة
نماذج اقتحام الذكاء الصناعي صناعة الموسيقي في مجالات التلحين والتأليف والغناء متعددة، إذ تشهد صناعة الموسيقى حاليًا حالة من التدفق أو التدافع لأغنيات الذكاء الاصطناعي، وفوجئ الشاعر الأسترالي نيك كيف برسالة له في مطلع العام الجاري تحمل محاولة أحد التطبيقات كتابة أغنية بنفس أسلوبه، ليكون رده حاسمًا وقتها إذ وصف الأمر بـ"الهراء" و"الاستهزاء البشع".
كما وضعت التطبيقات صوت النجمة ريانا على أغنية CUFF IT بطريقة المطربة بيونسيه، إذ شارك حساب بموقع تويتر مقتطفًا من الأغنية، وشًوهد المقطع أكثر من 850 ألف مرة وأثار ردود فعل كثيرة، وانتشرت أغنية لـ كاني ويست بعنوان Hey There Delilah، وأيضا كانت إيمي واينهاوس، وفرقة نيرفانا، وجيمي هندريكس، وإيمنيم، ضمن حزمة من الفنانين قُلدت أصواتهم باستخدام التكنولوجيا.
مواجهة ومعارك قانونية
وعانت المنصات الموسيقية في الفترة الأخيرة مما يشبه الفوضى بعد أن غمرتها أغنيات الذكاء الاصطناعي يوميًا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدث بل عبثت روبوتات بعدد مرات الاستماع إلى أغنيات معينة لتزيد منها، مما اضطر المنصات إلى اتخاذ إجراءات حاسمة تمثلت في التخلص من الآلاف من هذه الأغنيات المزيفة، كما عززت أسلوب الرقابة على نظامها الأساسي.
وأطلق لوسيان جرينج، الرئيس التنفيذي لشركة Universal، مؤخرًا، تحذيرات عدة بعد انتشار ظاهرة أغنيات الذكاء الاصطناعي، مطالبًا بوضع ضوابط صارمة لوقف الفوضى في مجال صناعة الموسيقى، متوقعًا أن تكون هناك معارك قانونية في المستقبل تتعلق بحقوق النشر.
تحذيرات ستينج
وتوالت التحذيرات من صناع الموسيقى ومنهم المطرب البريطاني ستينج، الذي قال في تصريحات صحفية، إن الموسيقيين يواجهون معركة للدفاع عن أعمالهم ضد صعود أغنيات الذكاء الاصطناعي، متوقعًا أن تتزايد وتيرة المعركة خلال العامين المقبلين، واضعًا عنوانًا لها "رأس مالنا البشري ضد الذكاء الاصطناعي".
وأضاف المغني البريطاني الشهير: "أشعر بالملل من هذه الأغنيات، ربما يصلح الأمر مع الموسيقى الراقصة الإلكترونية، لكن بالنسبة للأغنيات عن المشاعر لن أتأثر بها".
رهاب التكنولوجيا
حالة الرهاب من التطور التكنولوجي ليست جديدة، فبالعودة سنوات إلى الوراء نلمس أن الأمر نفسه تكرر مع ظهور أجهزة الحاسب الآلي وأيضًا بعض الماكينات الصناعية، وهل تحل الآلة محل الإنسان، لكن الأمر حاليًا يتعلق أيضًا بالعواطف والمشاعر التي تعبر عن النفس البشرية، ولحظاتها المتعددة ما بين سعادة وحزن واشتياق وانتصار وهزيمة، هل كل ذلك ستعبر عنه آلة أو تطبيق إلكتروني؟
هذه الطروح والتساؤلات هزت صنّاع الإبداع، وفي محاولة لضمان استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدامها بطرق تدعم الثقافة والفنون البشرية، أعلن تحالف واسع عن إطلاق حملة الفن البشري، تضم أكثر من 40 عضوًا، بما في ذلك النقابات الكبرى والجمعيات التجارية وخبراء يمثلون المبدعين وأصحاب الحقوق، لتمثّل الحملة صوتًا في النقاش المتزايد حول التقنية الجديدة وضمان أنها لن تحل محل الإبداع البشري أو تضعفه.
ووضعت المجموعة مبادئ تدعو إلى ممارسات أفضل للذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على احترام الفنانين وعملهم وشخصياتهم، والالتزام بالقانون الحالي، بما في ذلك حقوق النشر والملكية الفكرية.
وشارك بمؤتمر الإعلان عن الحملة في أوستن عاصمة ولاية تكساس الأمريكية، الممثل وكاتب الأغاني الغزير دان نافارو، والمغني وكاتب الأغاني المرشح لنيل جائزة جرامي، جيسي ويلسون، وخبير التكنولوجيا إيرين ريلي، وجمعية صناعة التسجيلات الأمريكية، وجمعية الموسيقى المستقلة البريطانية.
آراء مغايرة
لكن وسط هذه الانتقادات والتحذيرات، ظهرت بعض الأصوات التي تقف مع أغنيات الذكاء الاصطناعي، ومنها نيل تينانت رئيس فريق Pet Shop Boys، إذ يرى أنه قد يمد يد العون للموسيقيين لحل أزمة التأليف، خصوصًا عندما يقف الإبداع عند مرحلة ما.
كما تساند مطربة البوب جرايمس أغنيات الذكاء الاصطناعي، وقالت عبر حسابها بموقع "تويتر" إنها ستحصل على نسبة من الأرباح.