الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الفرص الاقتصادية المتبادلة لزيارة سلطان عُمان لمصر

  • Share :
post-title
زيارة سُلطان عُمان إلى مصر

Alqahera News - رضوى محمد

في الثاني والعشرين من مايو 2023 انتهت زيارة السُلطان هيثم بن طارق، سُلطان عُمان، لجمهورية مصر العربية. تأتي هذه الزيارة التي استمرت يومين؛ لتبحث سبل التعاون في مُختلف المجالات بين البلدين، خاصة المجال الاقتصادي، وهو ما سيعمل على رفع سُبل التعاون بينهما في مجالات جديدة، من المُرجح أن تحقق فرصًا استثمارية مُتبادلة، بعد توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة.

في ضوء ما سبق، يهدف هذا التحليل إلى التعرف على أوجه ومحاور التعاون الاقتصادي بين مصر وعُمان، بالإضافة إلى معرفة الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع عُمان في هذه الزيارة، وتوضيح الانعكاسات المتوقعة لهذه الاتفاقيات على اقتصاد البلدين.

التبادل التجاري بين الدولتين:

شهد التبادل التجاري بين مصر وعُمان طفرة تاريخية خلال الفترة الحالية، ويأتي ذلك بسبب العلاقة الوثيقة بين الدولتين، ويُمكن معرفة دلائل التبادل التجاري بين الدولتين من خلال النقاط التالية:

(*) حجم التبادل التجاري: يتضح من الشكل رقم (1) أن حجم الصادرات بين مصر وعُمان قُدرت بنحو 13.2 مليون دولار في يناير 2022، بينما قُدر حجم الواردات بـ70.8 مليون دولار، وعلى الرغم من انخفاض قيم التبادل التجاري بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، فإن حجم التبادل التجاري بين مصر وعُمان قد شهد طفرة كبيرة خلال عام 2022، وارتفع حجم التبادل التجاري إلى 1.08 مليار دولار خلال عام 2022 بالمقارنة بـ650.8 مليون دولار خلال عام 2021، وبهذا ارتفع بنسبة 65.9%، وتفصيلًا لهذا التبادل التجاري بين قيمة الصادرات والواردات، بحسب ما جاء في الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد بلغت قيمة الصادرات 202.1 مليون دولار خلال عام 2022 مقابل 163.3 مليون دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 24%، وفي المقابل بلغت قيمة واردات مصر من عُمان 869.3 مليون دولار خلال عام 2022، بالمقارنة بـ487.5 مليون دولار خلال عام 2022 بنسبة ارتفاع قدرها 78%، ويتضح من هذه الأرقام زيادة معدلات التبادل التجاري بين مصر وعُمان، وأن الدولتين تعتمدان على بعضهما البعض في توفير العديد من السلع الاستراتيجية.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء

(*) السلع محل التبادل: تنوعت السلع المصدرة لعُمان خلال عام 2022 وهي: الخضروات والفاكهة بقيمة 60 مليون دولار، وأدوات وأجهزة للبصريات بقيمة 17.7 مليون دولار، وأثاث خشبي بقيمة 12.2 مليون دولار، وآلات وأجهزة كهربائية بقيمة 11.6 مليون دولار، وألبان ومنتجاتها بقيمة 11 مليون دولار، بينما تتركز السلع المستوردة من عُمان في الآتي: خامات معادن بقيمة 665.1 مليون دولار، لدائن ومصنوعاتها بقيمة 56.7 مليون دولار، حديد وصلب بقيمة 56.5 مليون دولار، أسماك وقشريات بقيمة 29 مليون دولار، ألمونيوم ومصنعاته بقيمة 21.3 مليون دولار. ويتضح من حجم السلع المستوردة بين مصر وعُمان حدوث تزايد كبير ومتنوع في السلع المُتبادلة بين الدولتين، مما يسهم في تحقيق كل دولة اكتفاءها من احتياجاتها الأساسية من السلع المهمة.

حجم الاستثمارات:

مقارنة عام 2022 بما سبقه، يؤكد على حدوث طفرة في حجم الاستثمارات بين مصر وعُمان خلال هذا العام، وذلك على النحو التالي:

(&) الاستثمارات العُمانية في مصر: كشف تقرير عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن حجم الاستثمارات العُمانية في مصر 77 مليون دولار خلال عام 2022، كما بلغت قيمة الاستثمارات العُمانية في مصر 1.2 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالي 2022/ 2023 مقابل 0.6 مليون دولار خلال الربع الرابع من العام المالي 2021 /2022 بنسبة ارتفاع قدرها 100%، مما يدل على الارتفاع الكبير في حجم الاستثمارات العُمانية داخل مصر، والتي تسببت في ارتفاع معدلات النقد الأجنبي الداخلة إلى مصر بقيم لا يستهان بها، وبالإضافة إلى ذلك هناك 70 مشروعًا عُمانيًا موزعًا على المحافظات المختلفة، إذ يبلغ رأس مال المشروعات العُمانية في مصر 193 مليون دولار، مما يدل على كبر حجم الاستثمارات العُمانية داخل مصر، ويُفضل المستثمرون العُمانيون العمل في قطاعات معينة، أبرزها الصناعة والسياحة والإنشاءات، كما ستحتضن سلطنة عُمان معرض "الأهرام" للصناعات المصرية في الفترة من 31 مايو إلى 3 يونيو المقبل، ويأتي ذلك في إطار تشجيع البلدين على الاستثمار، مما سيُعطي فرصة للقطاع الخاص المصري العُماني باكتشاف الفرص الاستثمارية، كما أنه يُتيح المجال لتعريف المواطنين في كلتا الدولتين على المنتجات، مما سينعكس بشكل كبير على زيادة الاستثمارات بين البلدين.

(&) الاستثمارات المصرية في عُمان: بلغت قيمة هذه الاستثمارات نحو 700 مليون دولار خلال عام 2021 بحسب ما صرح به رئيس الغرفة التجارية، وقد ارتفعت إلى 860 مليون دولار في عام 2022، موزعة على 142 شركة مصرية، وكانت هذه الاستثمارات تشمل مجالات إنشاء الطرق والصرف والبنية التحتية والاستثمار العقاري والسياحي. كما توجد مساعٍ حثيثة بين البلدين لإنشاء مجلس مشترك للأعمال، هذا بالإضافة إلى أن شركة المقاولات المصرية، نفذت مشروعًا مهمًا من مشروعات المياه داخل سلطنة عُمان، بقيمة بلغت 107 ملايين ريال عُماني أي بنحو 8.4 مليار جنيه مصري، إذ يتضمن المشروع تصميم وتنفيذ مشروع نظام نقل المياه من صحار إلى محافظة الظاهرة بسلطنة عُمان.

(*) التعاون في مجال الطاقة:وقعت شركة "أكوا باور" السعودية مُذكرة تفاهم مع جهاز الاستثمار العُماني؛ ليكون مستثمرًا في مشروع طاقة رياح السويس بقدرة 11جيجاوات، فوفقًا لهذه المذكرة، سيمتلك جهاز الاستثمار العُماني نسبة 10% من المشروع، إذ يُقدر إجمالي قيمته بنحو 1.5 مليار دولار، وستمتلك شركة "حسن علام" القابضة حصة تبلغ 25%، في حين ستمتلك شركة أكوا باور السعودية الحصة الباقية، وسيكتمل المشروع في 2026 وسيكون أكبر مشروع مزرعة رياح في الشرق الأوسط، مما سيوضح المساهمة الكبيرة للبلد الشقيق عُمان في توفير الطاقة النظيفة والمتجددة داخل مصر.

تأسيسًا على ما سبق، يُمكن القول إن العلاقات المصرية العُمانية مُتشعبة وتتميز بالقوة، فلا تنحصر العلاقات في قطاع واحد أو اثنين، ولكن تشمل العديد من القطاعات، ويمكن توضيح التعاون بين البلدين من اتجاه تحويلات المصريين بالخارج، فقد أوضحت تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن قيمة تحويلات المصريين العاملين بعُمان بلغت 161.9 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021 بالمقارنة بـ160.4 مليون دولار خلال العام المالي 2019/2020 وذلك بنسبة ارتفاع قدرها 1%، بينما بلغت قيمة تحويلات العُمانيين العاملين في مصر 2.6 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021 بالمقارنة بـ3 ملايين خلال العام المالي 2019/2020 بنسبة انخفاض قدرها 15%. وتدل قراءة هذه المؤشرات على أن عُمان تستقبل العديد من العاملين المصريين بداخلها، كما أن مصر تحتضن أعدادًا كبيرة من العاملين العُمانيين، مما يوضح أن كلتا الدولتين تسهم في رفع معدلات التوظيف وتخفيض مؤشرات البطالة.

فرص استثمارية متبادلة:

شهدت زيارة سلطان عُمان إلى مصر، توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية المهمة، التي انبثقت عن ملتقي رجال الأعمال المصري – العُماني، ويمكن توضيح الاتفاقيات التي تم توقيعها على النحو التالي:

(&) اتفاقية إزالة الازدواج الضريبي:وقعت مصر مع سلطنة عُمان اتفاقية إزالة الازدواج الضريبي على الدخل، إذ تسمح هذه الاتفاقية للدول المُتعاقدة بتقاسم حق فرض الضريبة على الدخل المتحقق من الأشخاص المقيمين فيها، فوجود الازدواج الضريبي يؤثر على النمو الاقتصادي داخل الدولة، ويقلل من حركة التجارة بينهما، إذ إن خضوع الشخص الواحد إلى الضريبة في السنة نفسها وفي أكثر من دولة سيؤثر على الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى الدولة، وهو ما يبرر سبب تسابق الدول فيما بينها على توقيع مثل هذه الاتفاقيات، فقيام مصر بتوقيع هذه الاتفاقية مع عُمان سوف يعمل على توطيد العلاقات الاقتصادية داخل البلدين.

(&) اتفاقية التعاون في المجالات المتعلقة بالسياسات والتطورات المالية: تُعد هذه الاتفاقية من الاتفاقيات المهمة التي عقدتها مصر مع سلطنة عُمان؛ نظرًا للتطورات التكنولوجية الحالية التي فرضت واقعًا جديدًا في الأمور المالية، فمن المتوقع أن تشتمل هذه الاتفاقية على تبادل الخبرات فيما يتعلق بسياسات التحول الرقمي، لما له من تأثير مباشر على التطورات المالية، بالإضافة إلى تبادل التجارب فيما يتعلق بسياسات الإصلاح وتحرير النظم المالية، وهو ما قد يعمل على رفع كفاءة القطاعات المالية وتحسين فعالية الأجهزة البنكية في تعبئة الموارد المالية وتوجيهها نحو استثمارات أكثر إنتاجية، بما يحقق المزيد من الاستثمارات في كلتا الدولتين.

(&) تعاون استثماري متنوع:حددت الزيارة أوجه التعاون المستقبلي بين مصر وعُمان، التي ستنصب على تنشيط الاستثمارات والتجارة البينية وتعظيم الاستفادة من اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي "الكوميسا"، هذا إلى جانب تـأكيد الجانبين على أهمية دراسة تحقيق التكامل الصناعي المُشترك، وإقامة معرض للمنتجات العُمانية في مصر، وذلك لاستغلال المزايا التنافسية لكلتا الدولتين، هذا فضلًا على إنشاء مركز للدراسات والبحوث الاقتصادية المصرية في سلطنة عُمان.

تأسيسًا على ما سبق، وبقراءة الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، يُمكن التأكيد على أنه من المحتمل أن تحقق هذه الاتفاقيات فرصًا استثمارية متبادلة، وذلك على النحو التالي:

(-) زيادة الاستثمارات بين البلدين: من المحتمل أن تُسفر عن هذه الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع عُمان عن زيادة حجم الاستثمارات بين البلدين، فوجود اتفاقية إزالة الازدواج الضريبي بين البلدين، سوف تُسهل حركة رؤوس الأموال والتكنولوجيا بين الدولتين، مما سيعمل على زيادة تدفقات رؤوس الأموال بينهما، سواء في القطاع الرسمي أو في القطاع غير الرسمي، ومن هنا تمويل العديد من المشروعات المهمة في كلتا الدولتين؛ إذ نستنتج من الأرقام التي تتضمن حجم الاستثمارات بين البلدين، التي تم ذكرها سابقًا، أن الاستثمارات العُمانية في مصر ليست بالحجم المستهدف بالمقارنة بالاستثمارات المصرية في عُمان، وهو ما يضع احتمالًا أن الاتفاقية ستساعد على تدفق المزيد من الاستثمارات العُمانية إلى مصر، وأيضًا زيادة الاستثمارات المصرية في عُمان بشكل أكبر، فهناك فرصة كبيرة للشركات العقارية المصرية للدخول إلى سوق عُمان؛ لنقل الخبرات المصرية في مجال العقارات إلى السلطنة، مما يتسبب في رواج الإنشاءات العمرانية في السلطنة، ومن ناحية أخرى ستجد الشركات العقارية المصرية طريقها نحو الاستثمار في عُمان بشكل كبير، وهو ما قد يعمل على زيادة أرباح هذه الشركات، كما أن الاتفاقيات المبرمة سوف تتيح الفرصة أمام السلطنة للاستفادة من تجربة مصر في توطين صناعة الهيدروجين الأخضر وصناعة الرياح، باعتبار ذلك يمثل استفادة من المزايا التنافسية لكل دولة، إذ إن مصر في طريقها للتحول إلى أكبر منتجي الرياح في القارة. فقراءة المؤشرات التي يوضحها الشكل رقم (2) تُشير إلى التطور الذي حققته مصر في مجال توليد الطاقة من المصادر المتجددة، وهو ما يُمكن أن تستفيد منه السلطنة بشكل كبير.

الشكل (2) من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات الهيئة العامة للاستعلامات

(-) تبادل الخبرات الاقتصادية:من المُرجح أن يترتب على إبداء الجانب العُماني رغبته في إنشاء مركز للدراسات والبحوث الاقتصادية المصرية في سلطنة عُمان، تبادل الخبرات الاقتصادية في العديد من القضايا الاقتصادية التي يرغب البلدان تطويرها، مما سيعمل على تكوين رؤية اقتصادية مرنة تدعم حل الكثير من المشكلات الاقتصادية في الدولتين.

(-) زيادة المعاملات المالية بين الدولتين: من المُحتمل أن يترتب على توقيع اتفاقية التعاون في المجالات المُتعلقة بالسياسات والتطورات المالية، زيادة المعاملات المصرفية بين الدولتين، والعمل على تطبيق المزيد من الحوكمة المالية في العلاقات ذات الطابع المادي بينهما، من خلال تبادل الخبرات الناجحة في هذا المجال.

في النهاية،يُمكن القول إن زيارة سلطان عُمان إلى مصر، بصحبة خبراء اقتصاديين رفيعي المستوى، تدلل على رغبة عُمانية في فتح آفاق لشراكة اقتصادية أوسع مع مصر، عن طريق الاتفاقيات الاقتصادية التي تم التعاقد عليها في مصر، والتي ستعمل على تحقيق العديد من المنافع الاقتصادية للدولتين.