الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رغم المخاطر المحتملة.. لماذا تصر اليابان على صرف مياه فوكوشيما المشعة في المحيط الهادئ ؟

  • Share :
post-title
خزانات مياه الصرف المشعة المعالجة فى فوكوشيما

Alqahera News - محمود غراب

تستعد اليابان لتصريف كمية هائلة من مياه الصرف المشعّة المعالجة في المحيط، قريبا، بعد موافقة هيئة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة على خطة مثيرة للجدل تأتي بعد 12 عامًا على انهيار المفاعل الثلاثي في ​​محطة "فوكوشيما دايتشي" للطاقة النووية.

بداية المشكلة

وألحقت كارثة تسونامي عام 2011 أضرارًا جسيمة بمحطة "فوكوشيما دايتشي"، وتراكم هناك أكثر من مليون طن من المياه العادمة المعالجة.

وتسبب الزلزال الذي بلغت قوته 9.0 درجات في 11 مارس 2011، بحدوث تسونامي هائل دمّر أنظمة الإمداد بالطاقة والتبريد للمحطة، ما تسبب في ذوبان المفاعلات الثلاث، وإطلاق كميات كبيرة من الإشعاع.

وتسرّبت المياه المستخدمة في تبريد قلب المفاعلات إلى أقبية مباني المفاعل، واختلطت بمياه الأمطار والمياه الجوفية. وتمّ جمع 130 طنًا من المياه الملوثة يوميًا، ومعالجتها، ثمّ تخزينها في خزانات يبلغ عددها الآن حوالي ألف خزّان موزع على أراضي المصنع.

وتقول الحكومة اليابانية وشركة طوكيو للطاقة الكهربائية القابضة "تيبكو" المشغلة لمحطة "فوكوشيما دايتشي"، إن الخزانات يجب أن تفسح المجال للمنشآت لإيقاف تشغيل المحطة، مثل مساحة تخزين حطام الوقود المنصهر وغيرها من النفايات شديدة التلوث.

واستخدمت شركة "تيبكو" المياه لتبريد قضبان وقود مفاعلات فوكوشيما النووية، حيث تم ملء أكثر من 1000 خزّان، بـ 1.32 مليون طن متري من المياه - وهو ما يكفي لملء أكثر من 500 حمام سباحة. وأصبحت الخزانات ممتلئة بنسبة 96%، ومن المتوقع أن تصل طاقتها إلى 1.37 مليون طن فى الخريف.

وترى اليابان أن هذا ليس حلاً مستدامًا على المدى الطويل، وتريد إطلاق هذه المياه تدريجيًا في المحيط الهادئ على مدار الثلاثين عامًا القادمة، وتصرّ على أنها آمنة للتخلص منها.

المخاطر المحتملة

وعلى الرغم من أن إطلاق مياه الصرف المعالجة في المحيط يعد ممارسة روتينية للمحطات النووية، فهذه النفايات النووية تحديدًا ليست عادية؛ لأنها نتيجة ثانوية لحادث.

وقالت "تيبكو" إن مياه الصرف المشعة تحتوي على بعض العناصر الخطرة، ولكن يمكن إزالة معظمها من المياه. وتقوم الشركة بتصفية مياه فوكوشيما من خلال نظام معالجة قياسي، والذي يقلل من معظم المواد المشعة إلى معايير السلامة المقبولة، ولا تمنع تلك العملية استمرار وجود التريتيوم والكربون 14 في المياه.

ويعتبر التريتيوم والكربون 14، من الأشكال المشعة للهيدروجين والكربون، ويصعب فصلهما عن الماء، وكلاهما ينبعث منهما مستويات منخفضة جدًا من الإشعاع، ولكن يمكن أن تشكلا خطرًا إذا تم استهلاكهما بكميات كبيرة. والمشكلة الحقيقية هي أن "التريتيوم المشع" لا يمكن إزالته، ولا يوجد حاليًا أي تقنية متاحة للقيام بذلك.

وتقول لجنة السلامة النووية الكندية، إن "التريتيوم" نفسه أضعف من أن يخترق الجلد - ولكن يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، إذا استهلك "بكميات كبيرة للغاية".

وأقرت اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية، بأن "أي تعرض للإشعاع يمكن أن يشكل بعض المخاطر الصحية" - لكنها أضافت أن "الجميع يتعرض لكميات صغيرة من التريتيوم كل يوم."

وانتقد "روبرت إتش. ريتشموند" مدير مختبر "كيوالو" البحري في جامعة هاواي في مانوا، الخطة اليابانية، ووصفها بأنها "غير حكيمة" وسابقة لأوانها.

وريتشموند ضمن مجموعة من العلماء الدوليين الذين يعملون مع منتدى جزر المحيط الهادئ لتقييم الخطة اليابانية- بما في ذلك زيارات إلى موقع فوكوشيما، والاجتماعات مع تيبكو والسلطات اليابانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ونقلت شبكة " سى. إن. إن" الإخبارية الأمريكية عن ريتشموند قوله، إن أحد المخاوف يتمثل في أن تخفيف المياه العادمة قد لا يكون كافيًا لتقليل تأثيرها على الحياة البحرية. وقال إن الملوثات مثل التريتيوم يمكن أن تمر عبر مستويات مختلفة من السلسلة الغذائية - بما في ذلك النباتات والحيوانات والبكتيريا - وتكون "متراكمة بيولوجيًا"، مما يعني أنها ستتراكم في النظام البيئي البحري.

وأضاف أن محيطات العالم تتعرض بالفعل لضغوط بسبب تغير المناخ وتحمض المحيطات والصيد الجائر والتلوث. وقال إن آخر شيء تحتاجه هو أن تعامل مثل "أرض نفايات".

ولفتت "سي. إن. إن" إلى أن المخاطر المحتملة لن تؤثر على منطقة آسيا والمحيط الهادئ فقط، إذ وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2012 دليلاً على أن التونة ذات الزعانف الزرقاء قد نقلت النويدات المشعة - النظائر المشعة مثل تلك الموجودة في مياه الصرف الصحي النووية - من فوكوشيما عبر المحيط الهادئ إلى كاليفورنيا.

تضمينات يابانية

لكن الحكومة اليابانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية تقولان، إن المياه الملوثة ستضعف بدرجة كبيرة، وستطلق ببطء على مدى عقود. وهذا يعني أن تركيز "التريتيوم" الذي يتم إطلاقه سيكون على قدم المساواة أو أقل من الكمية التي تسمح بها البلدان الأخرى، ويلبي اللوائح الدولية للسلامة والبيئة.

وتشير الحكومة اليابانية و"تيبيكو" إلى أن التريتيوم يحدث بشكل طبيعي في البيئة، من الأمطار إلى مياه البحر إلى مياه الصنبور، وحتى في جسم الإنسان - لذا فإن إطلاق كميات صغيرة في البحر يجب أن يكون آمنًا.

وتسعى اليابان إلى تصريف مياه الصرف المشعة، بطريقة خاضعة للرقابة، لتجنّب خطر تسرب المياه الملوثة في حالة حدوث زلزال كبير آخر أو تسونامي. وسيتمّ تصريف المياه عبر أنبوب من الخزّانات إلى حوض ساحلي ليتم تخفيفه بمياه البحر، ثمّ تصريفه عبر نفق تحت البحر إلى نقطة تبعد كيلومترًا واحدًا من الشاطئ.

وتستعد اليابان لتصريف هذه المياه إلى المحيط الهادئ في وقت قريب، بعد حصولها على تأييد الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.

وقالت وكالة الطاقة الذرية، أول أمس الثلاثاء، بعد مراجعة استمرت عامين، فإن خطط اليابان تتماشى مع معايير السلامة العالمية وسيكون تأثيرها الإشعاعي على الناس والبيئة "لا يذكر".

رفض الخطة اليابانية

وعلى الرغم من تأييد الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة خطة اليابان، لا تزال الأصوات المحذرة من التلوث المحتمل تتصاعد، وأثيرت ردود فعل قلقة وغاضبة في الداخل والخارج.

كشفت مجموعات صناعة صيد الأسماك والمأكولات البحرية في اليابان، أنها تخشى أن يتجنب المستهلكون شراء المأكولات البحرية بعد تنفيذ الخطة.

كما اتهمت الصين اليابان بالتعامل مع المحيط على أنه "مجاريها الخاصة"، ووجهت انتقادات لتقرير الوكالة الدولية قائلة إن نتائجه "أحادية الجانب".

وعارض خبراء حقوق الإنسان المعينون من قبل الأمم المتحدة الخطة، كما أصدرت مؤسسة" السلام الأخضر" المتخصصة في مجال البيئة، تقارير ترفض ما تنوي اليابان فعله، زاعمة أن ما سيتم غير كاف لإزالة المواد المشعة.

وهناك أيضًا بعض العلماء الذين لا يؤيدون الفكرة، ويقولون إنها تتطلب مزيدًا من الدراسات حول كيفية تأثيرها على قاع المحيط والحياة البحرية.

اليابان تحاول إقناع جيرانها

وتسعى السلطات اليابانية و"تيبكو" إلى إقناع النقاد من خلال شرح عملية العلاج، وستتواصل "بمستوى عالٍ من الشفافية"، كما وعد رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا.

وأشارت اليابان، من خلال موقع وزارة الخارجية، إلى أن المحطات النووية الأخرى في المنطقة، وبخاصة تلك الموجودة في الصين، تصرّف المياه بمستويات أعلى بكثير من التريتيوم.

وتستند اليابان إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أصدره رئيس الوكالة رافائيل جروسي أثناء زيارته للبلاد، كأقوى مبرر لإصرارها على الخطة.

وجد التقرير، الذي جاء بعد تحقيق دام عامين، أن شركة "تيبكو" والسلطات اليابانية تفي بمعايير السلامة الدولية في العديد من الجوانب بما في ذلك المرافق وعمليات التفتيش والمراقبة البيئية وتقييمات النشاط الإشعاعي. وقال جروسي إن الخطة سيكون لها تأثير إشعاعي ضئيل على الناس والبيئة.

وأفادت بعض التقارير أن اليابان يمكنها البدء في تصريف المياه في بداية أغسطس المقبل، مع منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية ختم الموافقة.