الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التوقيت ودلالاته.. ما دوافع زيارة الرئيس الجزائري إلى الصين؟

  • Share :
post-title
الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" ونظيره الصيني "شي جين بينج"

Alqahera News - نورا فايد

أعلنت الرئاسة الجزائرية في الـ13 من يوليو الجاري، أن "تبون" سيجري زيارة إلى الصين في الفترة من (17-21 يوليو 2023) تلبية لدعوة من نظيره الصيني "شي جين بينج"، بهدف تعزيز العلاقات المتينة وتقوية مختلف وسائل التعاون بين الجزائر وبكين على الأصعدة كافة، وهو ما يعكس رغبة الدولتين الإفريقية والآسيوية في تعزيز عملية الشراكة الاستراتيجية القائمة بينهما وفق اتفاقية تم توقيعها في 2014.

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" كان أعلن في ديسمبر الماضي أنه سيجري زيارة إلى الصين هذا العام، وبعد ثلاثة أشهر على هذا الإعلان، بدأ التحضير لهذه الزيارة من خلال مباحثات في مارس الماضي بين الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية "عمار بلاني" وسفير الصين لدى الجزائر "لي جيان"، ووقتها أكد الطرفان أن هذه الزيارة تعد "نقلة نوعية" في مسار العلاقات الجزائرية- الصينية، كما أنها ستضفي مزيدًا من الشراكة الاستراتيجية بما يحقق طموحات البلدين وشعبيهما.

دلالات الزيارة:

تنبع أهمية الزيارة من توقيتها، إذ تأتي بالتزامن مع جملة من التطورات الجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي، أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، ومع توجه الصين والجزائر خلال السنوات الماضية، وتحديدًا خلال العامين الماضيين للحفاظ على متانة العلاقات القائمة بينهما، وتعزيزها بمزيد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية بل والعسكرية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

(&) تعزيز التوجه الجزائري نحو الشرق: تعد هذه الزيارة هي الأولى للرئيس "تبون" منذ توليه مقاليد الحكم، كما أنها الأولى لرئيس جزائري منذ 15 عامًا، فآخر زيارة إلى الصين أجراها الرئيس السابق "عبدالعزيز بوتفليقة" في أغسطس 2008، ووقتها أعلن عن تدشين "خط جوي" بين البلدين لتسهيل حركة الاستثمار، وكانت هذه الزيارة الثالثة له إلى الدولة الآسيوية، إذ كانت الأولى عام 2000، بينما كانت الزيارة الثانية في 2004، وهو ما يوضح الرغبة الجزائرية المستمرة لتعزيز التوجه نحو الشرق، بل وتوطيد أوجه التعاون المشترك مع الدولة الآسيوية خاصة بالمجال الاقتصادي والاستثماري.

(&) تعزيز مكانة الجزائر على المستوى الدولي: إن توجه الرئيس "تبون" لزيارة الصين، تنبع من الهدف الرئيسي الرامي إلى إبراز المكانة الدولية للجزائر، وفق شعار "بناء جزائر جديدة"، إذ أنها تأتي بعد شهر من زيارة أجراها إلى روسيا في 13 يونيو الماضي، عقد خلالها محادثات مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وعدد من المسؤولين الروس، انصبت على رفع مستوي العلاقات بين الجزائر وموسكو بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما ركزت مباحثات الرئيس "تبون" في موسكو على مناقشة عدد من القضايا الخاصة بمكافحة الإرهاب من جهة، وبعض أزمات دول القارة الإفريقية، خاصة في ليبيا ومالي.

(*) استكمال المباحثات الدبلوماسية بين وزراء خارجية البلدين حول بعض القضايا ذات الأبعاد المشتركة: تأتي هذه الزيارة لوضع الرؤي التنفيذية للمباحثات التي أجراها وزيرا خارجية البلدين أخيرًا في أكثر من مناسبة سواء بالزيارات المتبادلة أو بالاجتماع على هامش بعض المؤتمرات الإقليمية أو الدولية، يأتي منها المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الصيني "وانج يي" مع نظيره الجزائري السابق "رمضان لعمامرة" خلال زيارة الأخير إلى العاصمة بكين في مارس 2022، ووقتها توصل الطرفان إلى المضي قدمًا في إبرام "خطة تنفيذية" متعلقة بـ"مبادرة الحزام والطريق" الصينية التي انضمت إليها الجزائر سنة 2018، وفي سبتمبر الماضي، اجتمع "لعمامرة" مع "وانج يي" على هامش الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وخلال هذا الاجتماع، اتفق وزيرا خارجية البلدين على فتح آفاق جديدة للعلاقات الجزائرية الصينية بما يسهم في تنميتها وتقدمها على الأصعدة كافة، أما في يوليو 2021، أجرى وزير الخارجية الصيني زيارة إلى الجزائر، بحث خلالها سبل تعميق المشاورات السياسية بين بكين والجزائر ورفع مستوى الشراكة الاقتصادية في جميع القطاعات، وتعزيز التعاون لمكافحة جائحة كورونا.

(*) تكريس خطة التعاون الاستراتيجي بين الجزائر وبكين: تأتي هذه الزيارة بعد نحو سبعة أشهر على توقيع الجزائر والصين في نوفمبر الماضي، على "الخطة الخماسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل" بين البلدين خلال الفترة (2022-2026)، وذلك بعد انتهاء فترة عمل "الخطة الخماسية الأولى للتعاون الاستراتيجي" التي تم توقيعها في يونيو 2017، وهذه الخطة التي وصفها مراقبون بأنها "أول تجربة من هذا النوع للدولة الآسيوية مع بلد عربي"، تهدف إلى "مواصلة التعاون بين البلدين في المجالات كافة، كالاقتصاد والتجارة والزراعة والطاقة وأيضًا العلوم والمجالات الثقافية والتكنولوجية وغيرها"، بما يضمن تعزيز وتعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وهناك خطة أخرى موقعة بين البلدين تقوم بالهدف ذاته، وهي الخطة الثلاثية (2022 - 2024).

أهداف مشتركة:

في إطار التطورات سالفة الذكر، يمكن القول إن زيارة الرئيس الجزائري إلى الصين في هذا التوقيت، تحمل جملة من الأهداف، يمكن إبرازها على النحو التالي:

(*) تسريع إنجاز المشروعات الهيكلية المتفق عليها بين البلدين: إن من أبرز أهداف تلك الزيارة، المضي قدمًا في تنفيذ المشروعات الهيكلية المتفق عليها بين البلدين ووضع الخطة الزمنية للبدء فيها، سواء في إطار الخطة الخماسية أو الخطة الثلاثية، أو الخطة التنفيذية لمبادرة "الحزام والطريق"، ومنها، مشروعات (تطوير ميناء الجزائر، ومنجم غار جبيلات جنوب الجزائر، وتعزيز التعاون في المشروعات الخاصة بالفوسفات ووادي الكبريت وتطوير منجم الزنك والرصاص شرق الجزائر) وغيرها. ومن الجدير بالذكر أن الصين كان لها دور في دعم عدد من المشروعات الضخمة والهامة بالجزائر، يأتي منها على سبيل المثال لا الحصر، مشروع تشييد المسجد الكبير بالجزائر بقيمة 1.5 مليار دولار من خلال شركة الهندسة الحكومية الصينية للبناء CSCEC في مايو 2019، ومشروع بناء ميناء الحمدانية، أكبر وأول ميناء في الجزائر على ساحل البحر المتوسط، بتكلفة 6 مليارات دولار في إطار شراكة بين الصين والجزائر في أكتوبر 2020، وغيرها من المشروعات المتعددة.

(&) عقد شراكات استثمارية في مجالات جديدة بين الجزائر وبكين: من المتوقع أن يعقد الرئيس الجزائري خلال زيارته إلى بكين ومن خلال الوفد الاقتصادي المصاحب له، اجتماعات مع رجال الأعمال الصينيين، ستركز بشكل خاص على دعوتهم لتكثيف أنشطتهم الاستثمارية في الأراضي الجزائرية والاستفادة من المزايا التي يمنحها "قانون الاستثمار الجزائري" الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس الماضي، وما يوفره من استقرار تشريعي ويسهم بشكل خاص في تحرير الاقتصاد أمام المستثمرين المحليين والأجانب، لتشجيعهم على رفع مستوى أعمالهم الاستثمارية بالبلاد، خاصة أن الاستثمارات الصينية في الجزائر تجاوزت حاجز الـ7.4 مليار دولار، في عام 2021، بحسب ما أعلنه رئيس الاتحاد الوطني للمستثمرين الشباب الجزائري "رياض طنكة" في تصريحات له، وفي الوقت الراهن، فقد تجاوزات قيمة هذه الاستثمارات الـ10 مليارات دولار.

(&) زيادة مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين: إن من أبرز الأهداف التي ستركز عليها هذه الزيارة هو تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجزائر والصين بما يسهم في رفع مستوي التبادل التجاري بين البلدين، وخاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والتعدين وبناء البنية التحتية، وهو الهدف الذي طالما دعا إليه الرئيس "عبدالمجيد تبون" خلال السنوات الماضية، وهو ما يكشف رغبة الطرفين في رفع مستوي التعاون الاقتصادي فيما بينهما بشكل مستمر، خاصة أن الصين تعد من أبرز الدول التي تعتمد عليها الجزائر كشريك رئيسي لاستيراد السلع الرأسمالية والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، كما كشفت بعض وسائل الإعلام الجزائرية أن الصين، أصبحت منذ عام 2019، أول ممول تجاري للجزائر بنحو 17% (أي ما يعادل 9 مليارات دولار)، ووفقًا لبيانات مرصد التعقيد الاقتصادي الدولي (OEC) فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 14.6 مليار دولار في عام 2021.

(&) بحث مسألة انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس": إن من أبرز أهداف زيارة الرئيس "تبون" هو حشد الدعم الصيني لانضمام بلاده إلى بعض التحالفات الجيوسياسية ذات الأهمية الكبرى على الصعيد الدولي، وهما منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) التي تضم "أوزبكستان، وباكستان، وروسيا، والصين، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان، والهند"، وقد سبق وقدمت الجزائر في أواخر يونيو الماضي طلبًا للانضمام إلى هذه المنظمة كعضو مراقب، أما المنظمة الثانية، التي ترغب الجزائر بشدة في الانضمام إليها وتعمل في الوقت الراهن على حشد الدعم لهذا الهدف، هي مجموعة "البريكس" BRICS (التي تضم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) نظرًا لكون تلك المنظمات ستمنح الجزائر الفرصة للحصول على تسهيلات تجارية واقتصادية.

(&) توطيد أواصر التعاون الأمني والعسكري بين بكين والجزائر: إن من ضمن الأهداف التي تحملها زيارة الرئيس "تبون" إلى الصين، تكمن في توسيع مجالات التعاون العسكري بين البلدين، خاصة أن بعض المصادر الجزائرية المطلعة كشفت لوسائل الإعلام أن الجزائر لديها رغبة في الحصول على المزيد من المنظومات الدفاعية ذات التكنولوجيا الصينية. تجدر الإشارة أن الجزائر سبق وجربت الأسلحة الصينية، ففي سبتمبر 2021، حصلت الدولة الإفريقية على ستة سفن حربية مجهزة برادارات حديثة من النوع الصيني 56 المخصص للبحرية، وفي يناير 2022، طلبت الجزائر من شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية شراء طائرات CH-5 Rainbow القتالية، وفي مارس الماضي، تسلمت الجزائر السفينة F-15A OPV المجهزة بصواريخ بمدى 150 كيلومترًا من الصين.

وتجدر الإشارة إلى أن الهدف الجزائر من ترسيخ التعاون الأمني والعسكري مع الصين هو تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة في ضوء تزايد استهداف الجماعات الإرهابية لعدد من دول القارة الإفريقية خلال الفترة الأخيرة، دفع بالجزائر لتكثيف أنشطتها الأمنية وتمكنت من القبض على عدد من الإرهابيين.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن زيارة الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" إلى الصين بعد شهر من زيارته إلى روسيا، تحمل رسالة إلى أمريكا والدول الأوروبية، مفاداها، أن استدارة الجزائر نحو الشرق، تنبع من إصرارها على توسيع دائرة حلفائها الدوليين لمواجهة أية محاولات من الغرب للضغط عليها لخفض مستوي علاقاتها تحديدًا مع موسكو وبكين، وفي الوقت ذاته، فمن المتوقع أن تستفيد الجزائر من علاقاتها الاستراتيجية مع الصين، في تنمية دول القارة الإفريقية، خاصة أن التعاون الاقتصادي والاستثماري هو أكثر ما يميز العلاقات الجزائرية الصينية، وفي الوقت ذاته، فإن الجزائر ستوظف هذه العلاقة في حلحلة الأزمات التي تشهدها هذه البلدان وعدم تركها فريسة للتدخلات الخارجية التي تريد السيطرة على ثرواتها ومقدراتها.