الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مسارات متداخلة.. كيف تنتهي اضطرابات باكستان بعد محاولة اغتيال "عمران خان"؟

  • Share :
post-title
انعكاسات محاولة اغتيال عمران خان

Alqahera News - نورا فايد

تعكس محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء السابق، ورئيس حزب حركة الإنصاف الباكستانية (PTI)"عمران خان" في 3 نوفمبر الجاري، بمنطقة وزير آباد في إقليم البنجاب شرق باكستان؛ تفاقم حالة الصراعات السياسية التي تشهدها البلاد منذ الإطاحة بــ"خان" من سدة الحكم، في أبريل الماضي، بناء على اقتراح بحجب الثقة منه في البرلمان، وإصراره بعدها على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة، في حين تشدد الحكومة الباكستانية الحالية بزعامة "شهباز شريف" على أن الانتخابات الباكستانية لن تجرى سوى في موعدها المحدد والمقرر في نوفمبر من العام المقبل 2023؛ حتى تتمكن من استكمال عملية الإصلاحات الاقتصادية التي تعيد اقتصاد البلاد إلى المسار الصحيح.

دلالات التوقيت:

ثمة دلالات يعكسها توقيت محاولة الاغتيال التي نجم عنها مقتل شخص، وإصابة 14 آخرين من بينهم "عمران خان"، الذي جاء بالتزامن مع جملة من الأحداث التي تشهدها الدولة الواقعة في جنوب آسيا، يُعد أهمها:

(*) فوز "خان" في الانتخابات التشريعية: وقعت محاولة الاغتيال بعد أيام قليلة من إعلان مفوضية الانتخابات الباكستانية في أواخر أكتوبر الماضي، فوز "عمران خان" بالانتخابات التشريعية الفرعية التي انعقدت في شمال غرب باكستان، وهو ما شكل "صدمة" للحكومة الحالية ولخصوم رئيس حزب الإنصاف، إذ أثبتت النتائج أن "خان" لا زال يتمتع بشعبية في الشارع الباكستاني رغم حجب الثقة منه، وهو ما يُلقي بظلاله على البلاد خلال الفترة المقبلة، خاصة أن لجنة الانتخابات سبق وأعلنت مطلع أكتوبر الماضي أن "خان " لن يتمكن من تولي منصب رئاسة الوزراء لمدة خمس سنوات، جراء اتهامات موجهة إليه بأنه باع هدايا حكومية وأخفى ممتلكات شخصية أثناء وجوده في الحكم.

(*) مسيرات حاشدة للدعوة لانتخابات مبكرة: تزامنت محاولة الاغتيال مع اليوم السابع من بدء المسيرة التي قادها "خان" مع أنصاره من لاهور، عاصمة إقليم البنجاب ثم تحركوا نحو مدينة جوجارات متجهين نحو العاصمة إسلام آباد، للضغط على حكومة "شريف"؛ من أجل تحديد موعد إجراء انتخابات عامة مبكرة، والتشديد على رفضهم الانتظار لانتهاء مهام الحكومة في أكتوبر 2023، ولذلك عقب إطلاق النار على رئيس الوزراء السابق، قامت حركة الإنصاف بإرجاء المسيرة الاحتجاجية، إلا أن "خان" ظهر في فيديو، وهو في المستشفى ليدعو أنصاره إلى عدم التوقف، قائلًا، "لن تتوقف مسيرتنا حتى نصل إلى العاصمة إسلام آباد".

(*) دعاية إعلامية دينية ضد "عمران خان": تزامنت العملية مع حملة يشنها عدد من الناشطين الباكستانيين، على وسائل التواصل الاجتماعي ضد رئيس الوزراء السابق، بالقول إنه لا يحترم المقدسات الدينية والدليل على ذلك أنه حينما يذكر اسم النبي محمد "عليه أفضل الصلاة والسلام" لا يرفق الصلاة عليه، وهذه الحملة رد عليها أنصار "خان" بالقول إنها ادعاءات كاذبة من الحكومة الحالية هدفها خلق حالة من المشاحنات داخل البلاد لرفض شخص "خان"، وبالرغم من ذلك فإن هذا السبب قد يكون وراء محاولة اغتياله، لأن منفذ الهجوم الذي يدعى "محمد نويد بن محمد بشير" قال في اعترافاته للشرطة الباكستانية إن ما دفعه لارتكاب هذه العملية، أن "خان يدعي النبوة من خلال مقارنة نفسه بالأنبياء ولذلك أردت قتله".

(*) تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية في باكستان: يأتي هذا الهجوم بالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يشهدها البلد الآسيوي الذي وصل حجم التضخم به إلى 26 % وفقا لآخر الإحصائيات في أكتوبر الماضي، هذا بجانب بعض التغيرات المناخية التي انعكست بشكل سلبي على حياة المواطنين، كالفيضانات الهائلة التي غمرت ثلث مساحة البلاد ونجم عنها وفاة أكثر من ألف شخص وتضرر عدد كبير من منازل المواطنين والأراضي الزراعية، وهو ما نجم عنها تكبد البلد خسائر تقدر بنحو 10 مليارات دولار خلال أكتوبر الماضي.

(*) تغيير رئيس أركان الجيش الباكستاني: ارتفاع حدة التوتر التي شهدها البلد الآسيوي، يأتي في الوقت الذي أثيرت فيه تكهنات حول اتجاه حكومة "شهباز شريف" إلى تغير رئيس أركان الجيش الباكستاني "قمر جاويد باجوا"، الذي تنتهي ولايته في29 نوفمبر الجاري، ورغم أن "عمران خان" قد دعا في وقت سابق بضرورة التمديد لـ"باجوا" حتى يتم إجراء الانتخابات المبكرة، إلا أنه عقب زيارة رئيس الوزراء إلى لندن في 9 نوفمبر الجاري بعد أيام قليلة من محاولة الاغتيال، أكد أن الحكومة حسمت الأمر، وتم الاتفاق على تعيين قيادة جديدة للجيش سيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة.

تحركات محسوبة:

في ضوء التطورات السابقة، يمكن القول إن عملية الاغتيال التي لفت بعض المراقبين أنها قد تكون محاولة مزيفة من قبل "عمران خان" لرفع شعبية حزبه والعودة مرة أخرى إلى سدة الحكم، تحمل عدة أهداف سيسعى الأخير إلى تحقيقها،على النحو التالي:

(&) إجبار المؤسسة العسكرية على إنهاء الصراع السياسي: سيسعى "خان" إلى استغلال محاولة اغتياله لتحقيق مكاسب في المستوى العسكري، بإطلاق ادعاءات أن المؤسسة العسكرية تعاني من أزمات جمة، وأن عليه التدخل لإنهاء حالة الصراع السياسي التي تشهدها البلاد وذلك بالإسراع من عملية إجراء انتخابات مبكرة، إذ يعي "خان" جيدًا أن المؤسسة العسكرية التي سبق ومكنته من الوصول إلى السلطة في 2018 بفضل دعم بعض جنرالات الجيش له؛ هي من تستطيع إعادته مجددًا وإنهاء الأزمة التي تشهدها البلاد وإبعاد رئيس الوزراء الحالي عن الحكم، خاصة أنها سبق وقامت بذلك في التسعينيات حينما تفاقم الصراع بين رئيسي الوزراء السابقين نواز شريف وبنظير بوتو، ووقتها تدخل الجيش وأجبرهما على إجراء انتخابات مبكرة.

وعليه فإن "خان" الذي رفع منذ الإطاحة به من حدة هجومه على الجيش والمخابرات الباكستانية واتهمهم بالتآمر مع الولايات المتحدة للإطاحة به، ووجه أنصاره إلى التحرك والحشد ضد المؤسسة العسكرية، وهو ما يفسر سبب تظاهرهم أمام مقر قائد فيلق بيشاور العسكري، بعد محاولة اغتيال زعيمهم، كل ما سبق، قد يعمل خلال الفترة المقبلة على الاستفادة من تعيين قائد جديد للجيش، للضغط على المؤسسة العسكرية، بهدف الإعلان عن موعد لإجراء انتخابات مبكرة.

(&) الادعاء بوجود خلل أمنى داخل باكستان: يعمل أنصار حركة الإنصاف الباكستانية، خلال الأيام القادمة إلى القول بإن الهجوم على مسيرة للمعارضة، سببها حالة الفراغ الأمني التي تشهدها البلاد، وهو ما يتطلب تضافر الجهود والتعاون مع جميع الأحزاب السياسية للاتفاق على إنهاء حالة الصراع التي تشهدها البلاد، والزعم أن هذا لن يتم إلا من خلال إجبار الحكومة على تقديم استقالتها حتى يتسنى تشكيل حكومة جديدة تضع الأهداف الأمنية ومحاربة الفوضى والجماعات الإرهابية التي تؤثر بشكل مباشر على باكستان على رأس أولوياتها، وتقوم بتحويل النظام السياسي للبلاد من برلماني إلى رئاسي، وهذا المطلب الذي يريده "خان" زاعما أن هذا النظام السياسي، هو الأفضل لإصلاح الأوضاع في مختلف المناحي السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تشهدها باكستان.

(&) استغلال الرفض الخارجي لمحاولة الاغتيال: سيركز رئيس الوزراء الباكستاني السابق على الترويج بأن محاولة اغتياله، هي "مؤامرة مدبرة" من قبل الحكومة والجيش وبعض الدول الخارجية، وهذه النقطة قد يستغلها في تغيير موقف الرأي العام من المعارضة، وذلك من خلال اتهامها بالتعاون مع قوى خارجية تريد تنفيذ أعمال إرهابية داخل باكستان، ومن ناحية أخرى الحصول على حشد دولي يجبر مؤسسات صنع القرار في باكستان على إنهاء التوترات السياسية الحالية، خاصة أن عددًا من الدول العربية (السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، مصر، وغيرها) والمؤسسات الإسلامية وعلى رأسها "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" أعلنوا رفضهم لمحاولة اغتيال "خان"، وشددوا على ضرورة وأد الفتنة في باكستان وعدم استخدام العنف في إدارة الخلافات السياسية.

(*) إعادة حشد تعاطف الشارع الباكستاني: من أهم النقاط التي يركز عليها "عمران خان" وأنصاره خلال الفترة الراهنة، هي استغلال حالة التعاطف الشعبي التي شهدها الشارع الباكستاني كرد فعل على محاولة الاغتيال الفاشلة، ومن ثم حشد أكبر عدد ممكن من الناس لدعمه، والتأكيد على أن النظام الحاكم لا يريد سوى إشعال الفتنة ونشر الإرهاب في البلاد، ومن ثم الخروج في تظاهرات حاشدة بجانب المعارضة للضغط على الحكومة الحالية ودفعها لإجراء انتخابات مبكرة تسهم في إنهاء حالة الصراع التي تشهدها باكستان.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن رئيس الوزراء السابق "عمران خان" لن يدع محاولة اغتياله "تمر مرور الكرام" بل سيعمل على الاستفادة منها قدر المستطاع، باستغلال الأدوات السابق ذكرها مع التركيز على استمرار المسيرات الاحتجاجية في الشارع الباكستاني للضغط على القيادة الجديدة للجيش، لإنهاء حالة الصراعات والتوترات السياسية التي تشهدها البلاد بالدعوة لانتخابات مبكرة، لأنه إذا لم يحدث ذلك سيظل "الصدام المباشر" سمة أساسية ستلقي بتأثيرها السلبي على البلد الآسيوي.