الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مسارات متشابكة.. آفاق التقارب في العلاقات المصرية التركية بعد لقاء "السيسي" و"أردوغان"

  • Share :
post-title
لقاء السيسي وأردوغان على هامش افتتاح كأس العالم بقطر 2022 بحضور أمير دولة قطر

Alqahera News - محمود جمال

لعل المتتبع لمسار السياسة الخارجية المصرية منذ 2014، يلاحظ أن توجهاتها الرئيسة اتخذت من محددات التعاون، التنسيق، وبناء الثقة، أساسًا لها، وذلك لاعتبارات تتعلق بانشغال صانع القرار المصري بتقديم مصلحة الدولة العليا على الخلافات السياسية الضيقة. وقد نجحت القاهرة في فرض هذه المقاربة عبر تحقيقها نجاحات مختلفة في هذا الاتجاه، وهو ما تأكد باستعادة القاهرة لمقعدها في الاتحاد الإفريقي بسرعة، ونيل ثقة القادة الأفارقة لترأس الاتحاد عام 2019، وطرح نفسها للأطراف الغربية كشريك استراتيجي يُمكن الوثوق به، وهو ما تُوِّج بالفوز بمقعد عضو غير دائم بمجلس الأمن لعامي 2016-2017، وانتهت بالتقارب مع قطر كأحد مخرجات "قمة العلا" وإرساء ذلك التقارب بالزيارات المتبادلة بين زعيمي البلدين، ومؤخرًا حدوث تحسن العلاقات المصرية التركية، التي تشهد حوارًا مفتوحًا لتنقية الأجواء بين البلدين منذ مطلع عام 2021. وتكللت جهود الحوار بين البلدين باللقاء الثنائي الذي جمع الرئيسين المصري والتركي بالدوحة، على هامش حضورهما لافتتاح فعاليَّات كأس العالم قطر 2022.

تأسيسا على ما سبق، نحاول في هذا التحليل تسليط الضوء على آفاق التقارب في العلاقات المشتركة بين البلدين، وكذلك إبراز التحديات.

مؤشرات جوهرية:

ثمة مؤشرات يعكسها لقاء الرئيسين المصري والتركي على هامش حضورهما لافتتاح فعاليات كأس العالم في قطر، كالتالي:

(*) إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة: يُمثل استعادة القاهرة وأنقرة لعلاقاتهما السياسية تأكيدًا لإعادة الاعتبار للنظرية الواقعية التي تؤكد على دور الدولة ككيان سياسي محوري يتفاعل مع محيطه لتحقيق مصالح أفراده، بدلًا من الاعتماد على مقولات النظرية الليبرالية التي تؤكد على دور الأفراد والجماعات، والتي طغت على التحليلات والكتابات السياسية منذ 2011، وهو العام الذي شهد انهيارًا لمفهوم الدولة ومحاولة إحلالها بالجماعات الأيديولوجية والأحزاب العقائدية. فلقاء القمة بين الرئيسين المصري والتركي؛ وإن بدا متأخرًا، إلا أنه يؤكد سمو حالة الدولة وما تحمله من قيم تحقق الاستقرار الجماعي للمجتمع، على المجموعات الأيديولوجية التي لا تنظر سوى للمنتمين لها بعيدًا عن مصالح بقية أفراد المجتمع.

العلاقات المصرية التركية بعد لقاء زعيما البلدين

(*) فرصة لمراجعة المواقف: أدركت تركيا أن سياستها منذ عام 2011 لم تعد تُجدي في تعاطيها مع القاهرة لا سيما أن الحكومة المصرية، حرصت طيلة هذه الفترة على الحفاظ على تواصلها المباشر مع الشعب التركي ومجتمعه المدني، ويتأكد ذلك بتعزية الرئيس المصري للشعب التركي في ضحايا منجم فحم تركي في أغسطس 2014، وإعلان مصر لتضامنها مع الشعب التركي في الأحداث الإرهابية التي تعرض لها منذ عام 2014. جدير بالذكر أن أنقرة استغلت تنظيم الإخوان الإرهابي منذ 2011 للهيمنة على السلطة في الدول العربية، وبالتالي شعرت أنقرة بفشل المخطط بعد تحطم هذا المخطط إثر عزل تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013. ولم تنفع هذه السياسة طيلة السنوات الفائتة، وهو ما جعل صُناع القرار في كلا البلدين ينظرون للمصالح المشتركة بعيدًا عن المصالح الأيديولوجية والحزبية الضيقة.

(*) رغبة تركية في التقارب مع الدول العربية: يشهد الاقتصاد التركي منذ عام 2017، ضغوطا اقتصادية شديدة، منها انهيار الليرة تاريخيًا متأثرة بتراجع دخل الدولة من العملات الصعبة بسبب تدهور قطاع السياحة نتيجة التدهور الأمني، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وعددٍ من الدول العربية كالقاهرة، والرياض، وأبو ظبي، والمنامة، إضافة إلى هروب الأموال الساخنة، وآثار جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والصعوبات التي تتحملها الموازنة التركية لاستيراد النفط والغاز. انطلاقًا من ذلك، سعت أنقرة إلى تحسين علاقاتها مع الدول العربية لا سيما الخليجية لاستعادة مواسمها السياحية لسابق عهدها، وتزايد التبادل التجاري مع الدول العربية. وقد بدأت أنقرة بفتح قنوات تواصل مع القاهرة باعتبارها مدخلًا لتطبيع علاقاتها مع العرب.

(*) تأكيد مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية: تؤكد السياسة المصرية على ضرورة احترام خصوصيات الدول، وعدم التدخل فيها باعتبارها شأنًا داخليًا لا يجوز السطو عليه عبر فرض الإملاءات والتغيير من الخارج. ودائمًا ما أكدت القاهرة على أنقرة هذا المبدأ كأساس لأي علاقة مستقبلية بين الدولتين. ويبدو أن أنقرة أدركت الدرس، ولكنه جاء متأخرًا بعد ضياع العديد من الفرص الاستثمارية والتنسيق المشترك الذي كانت ثماره ستعود على البلدين.

المصالح المشتركة:

يرى بعض المراقبين، أن عددًا من المصالح المشتركة بين تركيا ومصر، قد تكون عاملاً رئيسيًا في دفع مستوى العلاقات بين البلدين نحو الأمام، خاصة وأن النظام التركي المُقبل على انتخابات جديدة في ظروف دولية وإقليمية وداخلية مضطربة، بدأ يبحث عن تشابكات عربية وإقليمية إيجابية تحسن من صورته أمام شعبه، نحدد أهمها كالتالي:

(*) الدور المصري في منطقة شرق المتوسط: حرم الصراع القائم بين أنقرة وثلاثي شرق المتوسط (مصر واليونان وقبرص) أنقرة من استغلال احتياطيات الغاز المحتمل اكتشافها في مناطقها الاقتصادية الخالصة، وذلك لعدم قدرتها على ترسيم حدودها المشتركة، ومن ثم البدء في جني الثمار. وبدلًا من ذلك لجأت أنقرة لعقد اتفاقات غير شرعية مع حكومات غير دستورية في ليبيا لفرض الأمر الواقع، وهو الأمر الذي كلفها كثيرًا على مستوى علاقاتها الخارجية لا سيما مع مصر ودول الاتحاد الأوربي. انطلاقًا من ذلك، أدركت أنقرة أن القاهرة هي مفتاحها للولوج إلى حقول الغاز في مناطق البحر المتوسط، وذلك عبر تمكن القاهرة من تنقية الأجواء بين كل من تركيا واليونان وقبرص لما تمتلكه من ثقة لدى هذه الأطراف، خاصة أن مصر لم تقترب في اتفاقاتها مع هذه الأطراف من الحقوق التركية، وهو ما صرَّح به وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" الذي أبدى تقديره لاحترام مصر للجرف القاري التركي خلال عمليات التنقيب شرق المتوسط.

منتدى غاز شرق المتوسط يتحول لمنظمة حكومية

(*) الطموحات المصرية التركية في التحول لمراكز طاقة عالمية: بدأت مصر تخطو بإيجابية كبيرة نحو التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، وقد اتخذت خطوات فاعلة في هذه الاتجاه مثل إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، وعقد اتفاق لاستيراد الغاز الإسرائيلي وتسييله وإعادة تصديره للسوق الأوروبية. وفي هذا السياق، تبرز حاجة أنقرة للاستفادة من سوق الغاز المصري؛ إذ تشير التقارير إلى بدء تصدير الغاز المصري للسوق التركي منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين عام 2021. في الاتجاه ذاته، تحاول أنقرة اتباع نفس نهج القاهرة؛ حيث توصلت مع روسيا إلى اتفاق بشأن تأسيس مركز للغاز الروسي على الأراضي التركية، وذلك لضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا كتعويض لتضرر خط غاز السيل الشمالي. ويبدو من ذلك أن الطرفين لديهما نفس التوجه، وهو ما يفرض عليهما التنسيق، خاصة أن الجانبين يجمعهما مع موسكو علاقات إيجابية.

من مراسم توقيع اتفاق الحبوب بين أنقرة وموسكو وكييف

(*) الدور التركي كوسيط محايد في نقل الحبوب الأوكرانية: تستفيد مصر من اتفاق الحبوب الذي أبرمته أنقرة مع موسكو وكييف؛ إذ تعتمد مصر في وارداتها من الحبوب على صادرات الحبوب الأوكرانية، خاصة أن استيراد الحبوب من أوكرانيا بلغ 1.2 مليار دولار من أصل 1.84 من إجمالي حجم التبادل التجاري بين الطرفين. وترى القاهرة أن هذا الاتفاق سيخفف من حدة أزمة الغذاء العالمية لا سيما على الدول الفقيرة، والتي تنامت آثارها جراء الحرب الروسية الأوكرانية.

(*) التبادل التجاري بين البلدين: رغم حالة الفتور السياسي التي سادت العلاقات التركية المصرية منذ يونيو 2013، إلا أن التبادل التجاري بين الجانبين استمر في التزايد. وفي هذا السياق، بلغ حجم الصادرات التركية إلى مصر خلال عام 2018 نحو 3 مليارات دولار، ووصل حجم الصادرات المصرية للسوق التركي نحو 2.19 مليار دولار، وارتفع حجم التبادل بعد تحسن العلاقات الدبلوماسية، ومن المتوقع أن تشهد التجارة البينية بين البلدين طفرة كبيرة خلال الفترات المقبلة.

تحديات قائمة:

ثمة تحديات ما زالت قائمة في مسار تشبيك العلاقات المصرية التركية بصورة قوية خلال الفترة المقبلة، نحدد أهما على النحو التالي:

(*) الموقف من تنظيم الإخوان الإرهابي: تعتبر جماعة الإخوان الإرهابية، أهم الملفات المؤثرة في توتر العلاقات إلى حد القطيعة بين البلدين، حيث شكلت الجماعة محورًا مهمًا في التقارب المصري التركي بعد يناير 2011، بينما هي نفسها كانت وما زالت أول أسباب القطيعة بينهما، خاصة بعد يوليو 2013؛ إذ تمثل الجماعة للنظام التركي امتدادًا لأيديولوجية حزب العدالة والتنمية الحاكم، فضلًا عن اعتبار "أردوغان" تنظيم الإخوان لما له من انتشار واسع، أحد أهم أركان مشروعه لاستعادة مجد السلطنة العثمانية من خلال الترويج له ولتركيا في العالم العربي. وقد اصطدمت هذه الطموحات التركية بموقف رفض من بعض القوى العربية الفاعلة في المنطقة وبالأخص مصر؛ ما أسهم في تدهور العلاقات الثنائية بينهم. في هذا السياق ورغم الخطوات التركية الفاعلة في الاستجابة للتخوفات المصرية بإيقاف وترحيل بعض من القيادات المتهمة في العديد من القضايا أمام القضاء المصري، إلا أنه لا زالت توفر للتنظيم وعناصره المطلوبة أمام القضاء المصري الملاذات الآمنة، وهو ما يتعارض مع السياسة المصرية التي تصنف التنظيم داخل مصر على أنه إرهابي. لذا من المتوقع أن يظل هذا الملف شائكًا بين الطرفين رغم ما قطعوا فيه من خطوات إيجابية.

(*) التخوفات الأمنية والدور التركي في ليبيا: يُعد الملف الليبي خطًا أحمر للسياسة المصرية، لا سيما أنها تشترك معها في أكثر من 1000 كم. في هذا السياق، هناك مخاوف ذات طبيعة أمنية من جانب مصر حول علاقات تركيا مع بعض التنظيمات الإرهابية في سوريا وليبيا والعراق. وفي نفس هذا الإطار، تتزايد التخوفات الأمنية المصرية من دعم تركيا للجماعات الإسلامية المسلحة في ليبيا عبر الميليشيات المنقولة من مناطق أخرى، والتي تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.

في الختام، يُمكن أن يشير التطور الأخير في العلاقات بين القاهرة وأنقرة، إلى فرصة لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بشكلٍ عام، لا سيما أنها برمتها تعاني حالة من اضطرابات سياسية منذ 2011 انعكست آثارها على الإقليم ككل. وفي هذا السياق، يبدو أن آفاق التقارب بين الجانبين، يعد مؤشرًا يوحي باستقرار المنطقة لفترة طويلة بعد حالة الصراع وغياب الاستقرار التي سادت خلال العقد الماضي.