الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تعزيز المكانة.. دلالات الحضور المصري في قمتي "بريكس" و"العشرين"

  • Share :
post-title
الرئيس المصري في قمة العشرين

Alqahera News - د. محمد أبو سريع

بعد الزخم الذي لقيته مجموعة دول الاقتصادات الناشئة "بريكس"، وما حملته قمتها الـ15، التي عُقدت الشهر الماضي، في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، إذ وجهت رسائل واضحة بتوسيع نطاق العضوية، سيكون من الصعب تغيير أهداف وطموحات دولها الخمس، إضافة إلى الدول الست التي أُعلن انضمامها بحلول يناير 2024، ودول أخرى طامحة في الانضمام، خاصة فيما يتعلق بزيادة دور هذه المجموعة على الساحة الدولية بما يحقق هدفها نحو التحول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب وأكثر إنصافًا من النظام الأحادي القطبية، إذ أعلن رئيس جمهورية جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، دعوة كل من مصر، السعودية، الإمارات، الأرجنتين، إيران، وإثيويبا لنيل العضوية الكاملة في مجموعة "البريكس"، بدءًا من 1 يناير 2024.

وتأتي قمة "العشرين" في دورتها الثامنة عشر التي انتهت فعالياتها اليوم الأحد 10 سبتمبر، بعد أيام قليلة من دعوة مصر للانضمام إلى تجمع "بريكس"، وتعكس مشاركة الرئيس المصري في هذه القمة، الثقل الذي باتت تتمتع به مصر دوليًا وإقليميًا وقدرتها على المناورة في ظل حالة استقطاب غير مسبوقة من جانب القوى الكبرى المتصارعة حاليًا، وهو ما يمثل تقدير العالم للخطوات الصائبة التي تسير بها مصر في جمهوريتها الجديدة.

وفي ضوء ما سبق، يطرح هذا التحليل عدة تساؤلات، أهمها: إلى أي مدى سينعكس التوسع الأخير في عضوية مجموعة "بريكس" على أعمال مجموعة "العشرين"؟، وما أهم العوامل التي تعزز دور مصر على الساحة الدولية عبر التجمعات الدولية؟ وما إمكان انضمام مصر مُستقبلًا لمجموعة العشرين "G20" بعد نجاحها في الانضمام لمجموعة "بريكس"؟

قواسم مشتركة:

تضم قائمة الدول المشتركة بين تكتل "بريكس" ومجموعة العشرين، كلًا من: "الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا"، إضافة إلى اثنين من الوافدين الجدد، هما السعودية والأرجنتين، بمعنى أن من بين 19 دولة في مجموعة العشرين، يوجد 7 دول تتمتع بعضوية مجموعة "بريكس" وهو ما يتجاوز ثلث دول مجموعة العشرين، التي من المتوقع أن ينضم إليها دول أخرى من مجموعة "بريكس" في الأعوام المقبلة، من بينها مصر.

فمن شأن توسع مجموعة "بريكس" أن يُسهم في تعزيز مواقف التكتل بمجموعة العشرين، خاصة بعد قمة جوهانسبرج الأخيرة، التي أقرت دعوة ست دول للانضمام إلى المجموعة، وأن تتزايد قوة ونفوذ مجموعة "بريكس" في المنصات الدولية، من بينها مجموعة العشرين.

يأتي ذلك في وقت تشغل فيه مجموعة من الدول الأعضاء ضمن تكتل "بريكس" من بينهم عضوان من الوافدين الجدد الذين ينضمون للتكتل، عضوية مجموعة "العشرين"، وبما يساعد على تعزيز وضعية دول مجموعة "بريكس" وفاعليتها في التجمعات الدولية، الأمر الذي يتيح لها الدفاع عن مبادئها وإعلاء صوت الجنوب العالمي.

يرى أعضاء "بريكس" أهمية استمرار مجموعة العشرين في أداء دورها كمنتدى متعدد الأطراف للتعاون الاقتصادي والمالي الدولي، يضم الأسواق المتقدمة والصاعدة والدول النامية، وتسعى الاقتصادات الكبرى من خلاله إلى إيجاد حلول مشتركة. وتأمل مجموعة بريكس أن تكون حاضرة ضمن اجتماعات العشرين بفاعلية؛ لبناء حالة جديدة من الزخم العالمي، وأن تنجح العشرين في مساعيها لحماية الجوعى، وإنقاذ العالم من أزمة الديون الخارجية وأزمة التغير المناخي وتحديات الأمن السيبراني.

مستقبل مصر وما بين القمتين:

تعكس المشاركة المصرية في قمة العشرين ومن قبلها عضوية "البريكس"، مدى استقلالية القرار الاستراتيجي المصري، فضلًا عن المعطيات الإضافية التي وفرتها السياسات المتبعة من القيادة السياسية، ما أسهم في تعزيز مكانة القاهرة الجيوستراتيجية ووضعها على المسار الصحيح، وفي ضوء ذلك يمكن تحديد أهم العوامل التي تعزز دور مصر على الساحة الدولية بل وإمكان انضمامها مستقبلًا لمجموعة "العشرين G20"، على النحو التالي:

(*) مستقبل الاقتصاد المصري: رغم التحديات الاقتصادية الراهنة التي تواجه الاقتصاد المصري بفعل الأزمات العالمية الممتدة التأثير، تتوقع المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية أن مصر ستكون خلال سنوات بين الدول السبع الأقوى اقتصادًا في العالم.

وتتوافق هذه المؤسسات على أن مصر ستشغل أحد مقاعد الدول العشر الأكبر اقتصادًا في العالم غير أن تقديراتها تتفاوت بشأن توقيت هذه الخطوة بين الأعوام من 2030 حتى عام 2075، أخذًا في الاعتبار وتيرة وحجم المشروعات الحالية التي تشهدها مصر وتلك المخطط تدشينها في الفترة المقبلة.

وجاء أحدث تقرير لمؤسسة "جولدمان ساكس" المالية العالمية، الصادر في ديسمبر 2022 ليشير إلى أن مصر ستقفز بين عامي 2050 و2075 لتتمركز بين الاقتصاديات العشر الأكبر في العالم، موضحًا أنها ستحتل عام 2050 المرتبة الثانية عشرة (12) بناتج قومي إجمالي يناهز ثلاثة تريليونات و500 مليار دولار أمريكي، قبل أن تصبح سابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2075، من حيث الناتج القومي الإجمالي بناتج يبلغ 10 تريليونات و400 مليار دولار.

توقعات جولدمان ساكس لترتيب أكبر اقتصادات العالم

وربما كان تقرير بنك ومؤسسة "ستاندرد تشارترد" لعام 2019 سباقًا في تقديراته وتوقعاته أكثر تفاؤلًا بشأن المدى الزمنى الذي ستصل فيه مصر إلى المرتبة السابعة عالميًا في ضوء المعطيات المتاحة بشأن خطط مصر الاقتصادية الحالية والمستقبلية، وسلّط التقرير الضوء بقوة على مصر الواعدة ووصفها بأنها أكبر مفاجأة. وأشار التقرير إلى أن مصر ستحتل المرتبة السابعة ضمن قائمة أكبر 10 اقتصادات عالمية بحلول عام 2030 بناتج قومي يصل إلى تريليون و200 مليار دولار. وأظهر ذلك التقرير أن الاقتصاد المصري سيتجاوز اقتصادات روسيا واليابان وألمانيا.

(*) انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" بشكل فعلي بدءًا من يناير 2024: ستستفيد مصر بانضمامها للمجموعة بزيادة دورها على الساحة الدولية، في إطار رغبة أعضاء المجموعة في تعزيز مكانتها على مستوى العالم من خلال التعاون النشط فيما بينها، من خلال العمل على تحقيق العديد من الأهداف التي يأتي في مقدمتها ما يلي: السعي إلى زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة "بريكس"، وتعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي، بالإضافة إلى الالتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من أجل تمثيل أفضل لها داخل المؤسسات المالية. هذا بالإضافة إلى العمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار وكذلك السعي إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، والاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.

فبعد نجاح مصر في الانضمام لهذه المجموعة، سيتزايد دورها على الساحة العالمية خاصة في القضايا والموضوعات المرتبطة بالأهداف سالفة الذكر، كنتيجة طبيعية لتمتعها بقوى إضافية داعمة لها تكتسبها الدولة المصرية عبر عضويتها في "بريكس".

(*) الإدراك المصري بأهمية التعاون مع مجموعة "العشرين": يجسد هذا الإدراك المشاركة المصرية النشطة والمؤثرة في مختلف اجتماعات هذه المجموعة من أجل تعزيز العمل الدولى المشترك، لا سيما وأن المجموعة تمثل 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية، ونحو ثلثي سكان العالم، وهو ما يجعلها أهم أطر اتخاذ القرار الاقتصادي على المستوى الدولي.

فقد حرصت مصر على التعاون والتنسيق الوثيق مع الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين بشأن الموضوعات ذات الأولوية المشتركة، وبشكل خاص إعداد وإطلاق مبادرة من المجموعة حول تعزيز الأمن الغذائي العالمي، ودعم مؤسسات التمويل الدولية لجعلها أكثر كفاءة في مواجهة الأزمات العالمية المتعاقبة، فهناك قضايا عدة تأتي من بين الأولويات المشتركة للدولتين وتندرج على جدول أعمال العشرين، من بينها دفع أجندة إصلاح منظمة التجارة العالمية، وإعداد خطة عمل لدفع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وإنشاء المجموعة لمركز تميز للأغراض البحثية في مجال الهيدروجين الأخضر، ووضع توصيات للانتقال العادل في الطاقة، والتوصل إلى إطار لدفع إدماج الاقتصادات النامية في سلاسل القيمة العالمية.

وأكدت مصر خلال مشاركتها في العديد من اجتماعات العشرين الكبار أهمية وجود دور فاعل وبنّاء للمجموعة في ظل أوضاع اقتصادية دولية راهنة غاية في التعقيد، أبرزت اعتزامها التعاون مع المجموعة في الموضوعات ذات الأولوية بالنسبة لمصر، وعلى رأسها دعم وتفعيل مخرجات مؤتمر شرم الشيخ لتغير المناخ "COP 27"، ووفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها وتعهداتها بشأن التمويل، وتعبئة الاستثمارات الخاصة في القطاعات التنموية ذات الأولوية بالنسبة للدول النامية، خاصة الطاقة والغذاء والبنية الأساسية، بما في ذلك دفع استخدام التمويلات المبتكرة والمختلطة، وتسهيل نفاذ الاقتصادات النامية للتكنولوجيا المتقدمة في مجالات دفع الإنتاج والإنتاجية بقطاع الزراعة، وانتهاج السياسات الداعمة لزيادة إدماج الصناعات الصغيرة والمتوسطة بالدول النامية في منظومة التجارة الدولية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وناريندرا مودي رئيس وزراء الهند

(*) سياسة مصر الخارجية الفعّالة إقليميًا ودوليًا: يرى المراقبون أن السياسة الخارجية المصرية في ظل القيادة السياسية الطموحة، باتت لها سمات فريدة تميزت ببعد النظر والقراءة المبكرة لمسار المتغيرات على الساحة الدولية وفي الدوائر الإقليمية، إذ نجحت مصر خلال 10 سنوات من العمل المتواصل أن تتبوأ مكانتها ودورها الإقليمي الفاعل، فتمكَّنت باقتدار من تجاوز مرحلة استعادة التوازن إلى استعادة النفوذ والتأثير، وأن تكون طرفًا مؤثرًا في مُحيطها الإقليمي وعلى الساحة الدولية. ليصبح لدى الدولة المصرية سياسة خارجية تتفاعل إقليميًا ودوليًا بمرونة وحكمة تجاه التغيرات والأزمات التي تطرأ على العالم.

وفي ضوء ذلك، لم يكن من المستغرب أن يتم دعوة مصر كـ"دولة ضيف" لقمة مجموعة العشرين، فبخلاف دورها القيادي وتسارع وتيرة نمو اقتصادها والإنجازات التي تحققت في أرضها خلال السنوات الاخيرة، فإن الدوائر السياسية والاقتصادية الدولية باتت تدرك أن مصر المستقبل هي أرض الفرص وأحد اللاعبين المؤثرين على الساحة الدولية. وفي هذا الإطار حرصت الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين على توجيه الدعوة لمصر للمشاركة كضيف لهذه الرئاسة في كل اجتماعات مجموعة العشرين، خلال فترة رئاسة الهند التى تستمر لمدة عام.

استراتيجية بناء الإنسان:

تسعى الدولة المصرية في الجمهورية الجديدة إلى بناء الإنسان بما يلبي طموحات المصريين، ويمثل ذلك الهدف نقطة التقاء مع مساعي الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين منذ ديسمبر الماضي، إذ عملت على أن تكون أجندة المجموعة شاملة وطموحة وعملية وحاسمة، بحسب ما أكد ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، فمنذ اليوم الأول لتولي بلاده رئاسة المجموعة، دعا مودي حينها إلى التكاتف لجعل رئاسة الهند لـمجموعة العشرين رئاسة "مداواة الجراح والوئام والأمل"، كما طالب بالعمل مع كل الأطراف لتشكيل نموذج جديد للعولمة المتمحورة حول الإنسان.

ويفسر ذلك توسيع جدول أعمال مجموعة العشرين التي ركزت في البداية إلى حد كبير على قضايا الاقتصاد الكلي الواسعة، لكنها طورت جدول أعمالها منذ ذلك الحين، ليشمل التجارة وتغير المناخ والتنمية المستدامة والصحة والزراعة والطاقة والبيئة وتغير المناخ ومكافحة الفساد وغيرها بما يًسهم في الارتقاء ببناء الإنسان، وهو ما يتوقف على مدى نجاح مجموعة العشرين في أداء تلك المهام، إذ تعد المنتدى الأول للتعاون الاقتصادي الدولي، وتعلب دورًا مهمًا في تشكيل وتعزيز الهيكل العالمي والإدارة بشأن جميع القضايا الاقتصادية الدولية الرئيسية.

في النهاية؛ يمكن القول إن انضمام مصر إلى البريكس وكذا مشاركتها في قمة العشرين، يعد شهادة إضافية من كبريات الاقتصادات العالمية، على أن مصر تسير على الطريق الصحيح، وهو الأمر الذي يمثل تأكيدًا لمكانة مصر وما تملكه من فرص واعدة ومقومات سياسية واقتصادية وتجارية رائدة على المستويين الإقليمي والدولي، بما يؤهلها لتعزيز علاقاتها مع مجموعة العشرين باعتبارها محفلًا اقتصاديًا وتنمويًا وسياسيًا مهمًا. ومن الحصول على عضوية تجمع "بريكس" إلى المشاركة بفعالية في أعمال وقمة مجموعة "العشرين"، تسير الدولة المصرية بخطى ثابتة نحو المزيد من كسب الأرض على الساحة الدولية بما يفسح المجال أمامها لتحقيق أهدافها.