الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات مخيفة.. سيناريوهات تعامل روسيا مع العقوبات الغربية المنتظرة على نفطها

  • Share :
post-title
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأزمة العقوبات الغربية على النفط الروسي

Alqahera News - شعبان الأسواني

في الـ5 من ديسمبر 2022، قد تشهد أسواق الطاقة تغيرات كبرى، فمن المقرر أن تفرض مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، والاتحاد الأوروبي حظرًا على واردات الخام الروسي المنقولة بحرًا، منذ ذلك اليوم، وأيضًا حظرًا على منتجات النفط الروسية، اعتبارًا من 5 فبراير 2023، في إطار الإجراءات الأوروبية لحرمان روسيا من عائدات النفط؛ التي تُقدر بمليارات الدولارات، لتجفيف مصادر تمويل حربه ضد أوكرانيا، الأمر الذي قد يجبر روسيا -أحد أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم- على البحث عن أسواق بديلة، فضلًا عن الإجراءات الروسية التي ستكون كرد فعل للعقوبات الغربية على النفط الروسي، التي لا تزال غير متوقعة حتى الآن.

في ضوء ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق لأبرز التداعيات المحتملة عن تلك العقوبات، وفي سبيل ذلك سيتم التطرق لأبرز أبعاد توقيتها، فضلًا عن أبرز السيناريوهات المحتملة.

أبعاد شائكة:

يتزامن الحديث عن العقوبات الغربية المزمعة، بالعديد من الأبعاد التي قد تبدو شائكة إلى حد بعيد، ويمكن تناول أبرزها فيما يلي:

(*) تراجع أسعار النفط، حصدت أسعار النفط خلال الأيام الأخيرة، خسائر كبرى، كانت آخرها في 21 نوفمبر الجاري، حيث تراجعت أسعار النفط، إلى أدنى مستوى لها في 10 أشهر؛ بسبب إعلان تقارير بشأن قيام منظمة أوبك بدراسة زيادة في الإنتاج؛ حيث ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن المملكة العربية السعودية ومنتجي أوبك، يناقشون زيادة الإنتاج بما يصل نصف مليون برميل يوميًا؛ إذ انخفض خام برنت، المعيار الدولي، بنسبة 6%؛ ليسجل 82.79 دولار للبرميل، فيما انخفض غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنسبة مماثلة تقريبًا؛ ليسجل 75.48 دولار للبرميل.

(*) ارتفاع الصادرات الروسية، أشار تقرير سوق النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، نوفمبر 2022، إلى أن إجمالي صادرات النفط الروسية ارتفعت بنحو 165 "ألف برميل/اليوم"، خلال أكتوبر 2022، لتسجل 7.7 "مليون برميل/اليوم"؛ حيث عوضت صادراتها إلى الهند والصين وتركيا نسبيًا ما خسرته من كميات مُصدرة إلى الاتحاد الأوروبي، فقد زادت واردات الدول الثلاثة من النفط الخام من روسيا بنحو 1.2 "مليون برميل/اليوم" بحلول الصيف الماضي، فيما ذكر التقرير أن عائدات الصادرات النفطية الروسية ارتفعت بنحو 1.7 مليار دولار خلال الشهر ذاته؛ لتسجل 17.3 مليار دولار؛ بفضل زيادة أسعار النفط الخام والمنتجات النفطية.

(*) ملء الخزانات، تُسارع القارة الأوروبية، خلال الفترة الراهنة، إلى ملء خزاناتها النفطية بالديزل الروسي، قبل بدء حظر الاتحاد الأوروبي، في فبراير 2023، حيث لا تزال المصادر البديلة للنفط الروسي محدودة للغاية، فقد ارتفعت شحنات الديزل الروسية المتجهة إلى منطقة التخزين إلى 215 ألف برميل يوميًا، منذ مطلع نوفمبر إلى 12 نوفمبر 2022، بمعدل زيادة بلغ 126٪ عما كانت عليه في أكتوبر 2022، فمن الضروري إعادة بناء الخزانات النفطية في أوروبا مرة أخرى، فقد انخفضت مخزونات النفط التجارية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في نهاية الربع الثالث من عام 2022، بنحو أربعة أيام عن المستوى المسجل قبل تفشي جائحة كوفيد-19؛ مُسجلةً 58 يومًا فقط من الطلب الآجل، فمن المتوقع أن يؤدي إبقاء الإنتاج ثابتًا عند هذا المستوى إلى زيادات طفيفة في مخزونات النفط العالمية، بمتوسط أقل من 200 ألف برميل يوميًا، خلال الربع الحالي وحتى النصف الأول من العام المقبل.

(*) تخفيضات أوبك +، من الأبعاد المرتبطة أيضًا بتلك العقوبات، التخفيضات التي تقوم بها "أوبك+"، فقد انخفضت الصادرات السعودية وحدها، وفقًا لبيانات من شركة تحليلات الطاقة "كبلر"، بنحو 430 ألف برميل يوميًا، أي بما يقرب من 6%، بحلول منتصف نوفمبر مقارنة بالشهر السابق، فيما رصدت شركة "فورتكسا" للاستشارات، انخفاضًا بنحو 676 ألف برميل يوميًا، الأمر الذي لا محالة سيهدد تجديد مخزونات النفط العالمية، فإمكان إعادة ملء المخزونات من عدمها تعتمد على عمق تخفيضات "أوبك" ومرونة الطلب على النفط خلال الشتاء.

تداعيات مخيفة:

ويساعد وضع سقف مقترح لأسعار النفط في تخفيف التوترات الجيوسياسية بأوكرانيا، ومع ذلك لا يزال هناك عدد لا يحصى من الشكوك والتحديات اللوجستية، فقد تُفرز تلك العقوبات، هذه المرة تداعيات غاية في الخطورة، التي تتمثل أبرزها فيما يلي:

(&) توقعات خطيرة، توقعت وكالة الطاقة الدولية، أن ينخفض إنتاج روسيا النفطي بنحو 1.4 (مليونبرميل/اليوم) في عام 2023، ليسجل أقل من 10 ملايين برميل يوميًا، فقد بلغ متوسط إنتاج روسيا من النفط خلال الفترة (يناير – أكتوبر) 2022 نحو 10.7 مليون برميل يوميًا، الأمر الذي على الأرجح سيؤدي لزيادة أسعار النفط العالمي، ففي 14 نوفمبر الجاري، رفعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) توقعاتها، لسعر نفط برنت لعامي 2022 و2023، متوقعةً أن يبلغ متوسط ​​سعره 102.13 دولار للبرميل هذا العام و95.33 دولار للبرميل في العام المقبل، فيما يتوقع البعض أن يتحرك خام غرب تكساس الوسيط في نطاق 81.5-85 دولارًا للبرميل في المدى القريب، وعند 81.5-81 دولارًا للبرميل للعقود الآجلة.

(&) حالة من عدم اليقين، توقعت وكالة الطاقة الدولية في 15 نوفمبر 2022، أن تخلق العقوبات الأوروبية التي تلوح في الأفق، حالة من عدم اليقين غير المسبوقة لأسواق النفط التي لا تزال تعاني بالفعل من أزمتي كوفيد وأوكرانيا، كما ستضيف مزيدًا من الضغوط على أرصدة النفط العالمية، وعلى وجه الخصوص، أسواق الديزل المرتفعة بالفعل بشكل استثنائي، الأمر الذي سيعزز التحديات الاقتصادية العميقة، على مستوى العالم، فقد أكد الكرملين، في وقت سابق، أنه سيتوقف عن بيع النفط لأي دولة تطبق مقترح سقف الأسعار، فيما أكد ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، أن فرض قيود على أسعار النفط الروسي ستدمر السوق العالمية للنفط.

(&) تخفيضات انتقامية، لا تزال روسيا مستمرة في التلويح بالتوقف التام عن بيع النفط وتخفيض الإنتاج بشكل حاد إذا وُضع سقف لأسعار نفطها، فقد حذر بنك جيه بي مورجانتشيس وشركاه (JPMorgan Chase& Co)، من أن العقوبات الغربية قد تدفع بروسيا إلى تطبيق تخفيضات انتقامية في الإنتاج، معتبرًا أن ذلك أسوأ سيناريو ممكن، فعندها سيبلغ سعر النفط نحو 380 دولارًا للبرميل، وما يعزز من هذا الاحتمال أن روسيا لا تزال متمتعة بدعم حلفائها، فقد ذكرت وكالة "بلومبرج" أن أكبر شركات النفط الصينية تسعى حاليًا للحصول على المساعدات الحكومية من بكين؛ للحفاظ على تدفق الواردات الروسية بعد عقوبات جديدة على موسكو من المقرر أن تبدأ الشهر المقبل.

(&) تراجع الواردات الأوروبية من النفط الروسي، حذرت ألمانيا، في 18 نوفمبر 2022، من نقص النفط المحلي عندما يدخل حظر الاتحاد الأوروبي واسع النطاق للنفط الروسي حيز التنفيذ، أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن واردات روسيا من النفط إلى الاتحاد الأوروبي تراجعت لنحو 1.4 مليون برميل يوميًا في أكتوبر 2022 مقارنة بنحو 2.5 مليون برميل يوميًا في يناير 2022، ومن المرجح أن يستمر في الانخفاض عقب حظر الاتحاد الأوروبي للنفط الخام الروسي، في 5 ديسمبر المقبل، ما دفع الاتحاد الأوروبي، للإعلان في وقت سابق، أن الولايات المتحدة وكازاخستان يمكن أن تُساعدا جزئيًا في تعويض العجز الذي سيبلغ نحو 1.1 مليون برميل يوميًا، كما تخطط النرويج لزيادة الإنتاج من أكبر حقول النفط في أوروبا الغربية، حقل "يوهان سفيردروب" النرويجي، ديسمبر المقبل، فتطوير المرحلة الثانية للحقل قد يضيف نحو 200 ألف برميل يوميًا عندما يصل الذروة العام المقبل.

(&) تأمين طاقة زائف، حذرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في 14 نوفمبر 2022، من خطورة انغماس أوروبا في شعور زائف بالرضا عن أمن الطاقة، فمن المحتمل أن تكون مواقع التخزين الأوروبية في مثل هذا الوقت من العام المقبل، ممتلئة بنسبة 65% فقط، بالنظر إلى التداعيات المحتملة للعقوبات الغربية على النفط الروسي، فبالرغم من أن أوروبا أحرزت تقدمًا هائلًا في التكيف دون الطاقة الروسية خلال فترة زمنية قصيرة، حيث تُشكل إمدادات خطوط الأنابيب الروسية الآن 9% فقط من إمدادات الاتحاد الأوروبي، انخفاضًا من 40% العام الماضي، لكن ذلك تسبب في أضرار كبرى، فقد أُغلقت المصانع وعانت الأسر من انخفاض في مستويات المعيشة، إذ سجلت بريطانيا في 18 نوفمبر 2022، أكبر تراجع في مستويات المعيشة منذ 66 عامًا، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، التي خلفتهم العقوبات ضد روسيا.

(&) بارقة أمل للأسواق الناشئة، ثمة علاقة عكسية بين أسعار النفط العالمية والسندات السيادية في الأسواق الناشئة، فقد أفادت وكالة "رويترز"، أبريل 2020، بأن المستثمرين سحبوا 7.4 مليار دولار من صناديق أسهم الأسواق الناشئة في آخر أسبوع من أبريل، وهو ما يعود لأسباب منها الانهيار في أسعار النفط، فمع التوقعات بارتفاع أسعار النفط خلال الفترات المقبلة، توقع بنك "مورجان ستانلي"، في وقت سابق من شهر نوفمبر 2022، أن تحقق الأسواق الناشئة انتعاشًا خلال العام المقبل، وما قد يعزز من ذلك أن عائدات السندات في الأسواق الناشئة حققت في 21 نوفمبر 2022، انتعاشًا لم تشهده منذ يونيو 2005، أكثر من 17 عامًا.

سيناريوهات مستقبلية:

في ضوء الغموض الذي يحيط بما ستؤول إليه الأحداث في المستقبل، جراء تطبيق العقوبات الغربية الجديدة على النفط الروسي، فيمكن التعرض هنا لأبرز السيناريوهات المستقبلية المحتملة، فيما يلي:

(#) السيناريو الأول: استسلام روسيا، تأتي وجاهة سيناريو نجاح سياسة الحد الأقصى للأسعار التي ترى استسلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتطبيق تلك السياسة، من فرضية حاجته الماسة لجني أكبر قدر ممكن من الإيرادات، فهو يحتاج لبيع النفط الروسي، وسيكون لديه الدافع للقيام بذلك حتى بأسعار مخفضة للغاية، لعجز المنتجين الروس الإقدام على خفض الإنتاج "بسبب صعوبة إيقاف الإنتاج في سيبيريا ونقص التخزين"، كما يعتمد هذا السيناريو على فرضية عدم زيادة واردات الصين من النفط الروسي، لأنها تستورد بالفعل كمية كبيرة منه، يرى هذا السيناريو أنه قد يكون هناك ارتفاع مؤقت في الأسعار، بينما سيتم تسوية كل هذا، لكن في النهاية، ستكون الأسعار أقل ولن يحصل بوتين على الإيرادات التي يحتاجها للاستمرار في أوكرانيا.

(#) السيناريو الثاني: صمود روسيا، فرضية هذا السيناريو قائمة على أن بوتين حتى لو كان يائسًا من بيع النفط، لن يتصرف بدافع اليأس، فيتوقع هذا السيناريو أن يرفض بوتين بيع النفط الروسي بالتسعيرة التي سيفرضها الغرب، مكتفيًا بالإمدادات البحرية إلى الهند والصين وتركيا وغيرها إلى أن يوافق الجميع على دفع سعره، سيفعل ذلك حتى مع وجود خطر الإضرار بحقول النفط الروسية أو تخزين النفط، لذلك يتوقع هذا السيناريو أن الأمر قد يؤول إلى ارتفاع سعر النفط في السوق، لكن الزيادة قد لا تكون مؤقتة، فكلما استمر المأزق، كلما ارتفع سعر النفط الروسي المنخفض.

في النهاية: فإنه من السابق لأوانه التكهن بما ستؤول إليه الأحداث عقب فرض العقوبات الغربية المرتقبة على النفط الروسي، لذلك من المرجح أن تستمر أسعار سوق النفط في حالة تقلب وتذبذب شديد، حتى تنتهي مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، والاتحاد الأوروبي، من إقرار الآلية المزمعة لتحديد أقصى سعر لها، فبمجرد أن تدخل السياسات حيز التنفيذ، يجب على الجميع أن يكونوا مستعدين لأحد السيناريوهين، أي ارتفاع أسعار النفط؛ التي ستؤثر على كل أسعار المعيشة، لكن يظل الأمل في المستقبل، فبالنظر إلى توقعات العقد المقبل، فإنه من المتوقع أن يبلغ سعر النفط نحو 30 دولارًا للبرميل بحلول عام 2032.