الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"حوار المنامة".. كيف أثرت الأزمة الأوكرانية على الروابط الأوروبية-الشرق أوسطية؟

  • Share :
post-title
رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي تلقي الكلمة الرئيسية لحوار المنامة

Alqahera News - ضياء نوح

كشف حوار المنامة الأمني، الذي عقدت أعمال نسخته الثامنة عشر بالعاصمة البحرينية الأسبوع الجاري، عن تزايد هشاشة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بسبب الحرب الروسية والأوكرانية، حيث باتت التشابكات الأمنية والسياسية مع مناطق التماس الجغرافي، موضع تركيز الخبراء وصانعي السياسات المشاركين في الحوار.

وتجدر الإشارة إلى أن حوار المنامة، هو أحد أهم الملتقيات الأمنية وأبرزها على صعيد منطقة الشرق الأوسط، إذ يُعقد بانتظام منذ عام 2004 بالمنامة تحت إشراف وزارة الخارجية البحرينية وتنظيم المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ويبحث قضايا الأمن الإقليمي ومدى تأثر المنطقة بالأوضاع الدولية.

وفي هذا الإطار يتناول هذا التحليل تحولات المشهد الإقليمي بالمنطقة في ضوء قراءة كلمات الخبراء وصناع القرار في النسختين الأخيرتين لهذا الملتقى عامي 2021، و2022.

مشهد ممتد:

تتسم بنية الأمن الإقليمي بالهشاشة مع ثبات التهديدات النابعة في مجملها من السلوك الإيراني، الموصوف بالعدوانية داخليًا وخارجيًا، ومحدودية آليات مواجهته أو ربما لغياب التوافق حول تلك الآليات، ومن ملامح المشهد الإقليمي برزت تلك القضايا خلال العامين الماضيين، كما يلي:

(*) الأمن البحري: ركزت مساهمات مسئولي الشئون الخارجية والدفاع على بيئة الأمن البحري الإقليمي مع تعاظم تهديدات الحوثيين للملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب وفي بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، من خلال زرع الألغام البحرية وتسيير الزوارق المفخخة لاستهداف سفن ومنشآت دول التحالف العربي، بجانب ممارسة أعمال القرصنة على السفن التجارية العابرة واستهداف الموانئ النفطية اليمنية وابتزاز المجتمع الدولي بناقلة النفط المتهالكة "صافر".

وزير خارجية اليمن متحدثًا عن تهديد الحوثيين للملاحة البحرية

ومن التركيز على البيئة الأمنية في البحر الأحمر، يظل الشريان التجاري الحيوي لنحو 13 % من التجارة الدولية مهدداً، في ضوء استمرار الأزمة اليمنية والنزاعات في منطقة القرن الإفريقي، كما يمتد هذا التهديد لمياه الخليج العربي وخليج عُمان مع تصاعد عمليات المسيرات الإيرانية ضد ناقلات النفط والتحرش بالقطع البحرية الأمريكية في المنطقة.

أمين عام مجلس التعاون الخليجي متحدثًا عن السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار الإقليمي

(*) الدبلوماسية والردع: يواصل الجانب العراقي دوره في الوساطة وتقريب وجهات النظر بين إيران من جهة وحلفائها الإقليميين والدوليين من جهة أخرى رغم الضغوط التي يواجهها رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، من شركاء الائتلاف الحكومي الموالين لإيران من جهة لقطع الطريق على بوادر التقارب مع واشنطن ولتثبيت المعادلة القديمة من إضعاف الحكومة لتنفيذ مصالح تلك القوى وفصائلها المسلحة وفرض قطيعة على إرث حكومة الكاظمي.

بريت ماكجورك متحدثًا عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط

وجدد بريت ماكجورك، منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي، سياسة بلاده في منطقة الشرق الأوسط والقائمة على أولوية الحلول الدبلوماسية، والعمل مع الحلفاء الإقليميين على تقوية المنطقة وبناء تحالفات لمواجهة التحديات المشتركة في ضوء الحديث عن بنية دفاع جوي وبحري إقليمي.

وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس

(*) الشراكات الأمنية الجديدة: كان تركيز النسختين الأخيرتين على الشراكات الأمنية التي بنتها دول المنطقة وخاصة دول الخليج مع شركاء جدد مثل التعاون السياسي والأمني بين دول الخليج ومصر من جهة واليونان من جهة أخرى والتي أوجدت حالة من الترابط بين منطقتي الخليج العربي وشرق المتوسط، وانعكست في توسيع التعاون العربي مع أوروبا في مواجهة تداعيات أزمة الطاقة التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي عززت من دور أثينا في أخذ الشواغل العربية بعين الاعتبار في أروقة صنع القرار الأوروبي.

تأثير الحرب الروسية الأوكرانية:

خلقت الأزمة الروسية الأوكرانية موقفًا مغايرًا لأوروبا على صعيد التقارب مع قضايا الشرق الأوسط، والانخراط بصورة أكبر مع دولها في مسائل أمنية واقتصادية ملحة، أو الإيحاء بوحدة التحديات والمواقف من خلال ربط وزير الشئون الخارجية الفنلندي بين سلوك روسيا في أوكرانيا واجتياح العراق للكويت، وهو ما انعكس في التالي:

(&) مساحات التفاهم الأوروبي العربي: كان لافتًا حديث رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حول الموقف من النظام الإيراني ودوره المزعزع للاستقرار الإقليمي، وقد أسهم في ميلاد تلك القناعة الانخراط الإيراني في الأزمة الأوكرانية من خلال تزويد موسكو بطائراتها المسيرة من طراز شاهد 136 التي شاركت في قصف المنشآت المدنية بأبوظبي في يناير 2022 انطلاقًا من اليمن، مما يدفع لإدراك الرؤية الخليجية بعدم فصل الملف النووي عن تهديدات البرنامج الصاروخي وتطور الطائرات المسيرة المسلحة والمفخخة التي تساهم في زعزعة الأمن والسلم الدوليين.

فون دير لاين وتغير الإدراك الأوروبي لتهديد المسيرات الإيرانية

ولعل التحول الأبرز في هذا الإطار أن صيغة الحوار الأوروبي مع الجوار باتت أكثر انفتاحًا على التجمعات الإقليمية، حيث دفعت تلك التحديات إلى إعلان وثيقة الشراكة الاستراتيجية مع الخليج الصادرة عن رئيسة المفوضية ومسئول الشئون الخارجية والسياسة الدفاعية جوزيب بوريل في 18 مايو الماضي لفتح المجال أمام تعميق الشراكات في مجالات المناخ والطاقة والتعاون الاقتصادي والأمني، كما ساهمت في تحريك المياه الراكدة في ملف التجارة الحرة بين دول الخليج وكل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ضمن مساعي تأمين سلاسل الإمداد ومواجهة تداعيات ما بعد الجائحة والحرب في أوكرانيا.

(&) التحول الهائل في التكنولوجيا العسكرية: باتت التحولات في التكنولوجيا العسكرية محل اهتمام صناع السياسات الدفاعية، كما أوضحت كلمات المسئولين العسكريين ومن بينهم مساعد وزير الدفاع المصري للعلاقات الدولية اللواء محمد صلاح الدين وقائد القيادة المركزية الأمريكية إريك كوريلا. ركز المسئولون الدفاعيون على دور الأنظمة المسيرة والأسلحة ذاتية التوجيه والإطلاق، والتي تغير تدريجيًا وجه الحروب والمعارك باستبدال بعض المعدات التقليدية، وتطرح إشكالية حول المعايير الأخلاقية لسباق التسلح والاعتماد المستقبلي على ذلك النمط في مسئوليات القتال خاصة في المدن والمناطق السكنية.

حديث مساعد وزير الدفاع المصري وقائد القيادة المركزية الأمريكية في حوار المنامة

ودفعت تهديدات المسيرات الإيرانية، لإنشاء قوة مهام بحرية مشتركة (القوة 59) على امتداد مسرح العمليات البحرية في منطقة الشرق الأوسط تحت قيادة الأسطول الأمريكي الخامس بالمنامة تعتمد على تكامل الأنظمة المسيرة الجوية والبحرية فوق وتحت سطح البحر للتصدي لأنشطة الطيران الإيراني المسير بصورة فعالة.

(&) تباين الرؤى في ملف الطاقة: شكلت مخاوف أوروبا من تراجع الإمدادات نقطة تحول في سياسة الطاقة الأوروبية، لكنها ولدت سجالًا لم ينته بين دول الخليج العربي المنتجة للنفط ودور أوروبا المستهلكة، ففيما تنزع القوى الأوروبية لتوسيع التعاون في مشروعات الطاقة الخضراء، تعارض دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الموقف الغربي الساعي لخنق الاستثمارات الجديدة في مجالات الطاقة الأحفورية ممثلة موارد النفط والغاز.

جانب من حديث وزير الخارجية الكويتي عن سياسة تحالف أوبك بلس

وبرغم التباين بين الموقفين الأوروبي والخليجي، إلا أن مساحة من الالتقاء حول المصالح المشتركة تظل في المتناول، إذ لم تتخذ الدول الأوروبية ذات الموقف الأمريكي من قرار أوبك بلس بخفض الإنتاج، كما تحتاج القارة لموارد المنطقة المالية منها والطبيعية لتأمين سلاسل إمداد الطاقة النظيفة من الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.

وختامًا؛ يظل الأمن هو السلعة الاستراتيجية الأهم عالميًا، التي يتطلب الحفاظ عليها تنسيق الجهود بين الدول ومكافحة التهديدات العابرة للحدود على غرار الإرهاب والأنشطة المزعزعة للاستقرار بواسطة الميليشيات المسلحة المدعومة من دول بعينها، وهو ما ساهم في تسليط الضوء على التحديات المشتركة بين دول منطقة الشرق الأوسط والقارة الأوروبية، وأهمية استثمار الحوار المشترك للتلاقي حول موقف توافقي في إطار أجندة عمل شاملة تجمع التعاون في مجالات الطاقة على اختلافها، وتعزيز العمل المناخي الدولي بجانب التعاون الأمني في صيغته الشاملة.