الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مخاطر مستقبلية.. حدود تأثير الموارد المالية على أنشطة حركة الشباب الصومالية

  • Share :
post-title
حركة شباب المجاهدين

Alqahera News - نورا فايد

في خِضم الهجمات الإرهابية المتزايدة التي تشهدها الأراضي الصومالية خلال الفترة الحالية على يد حركة "شباب المجاهدين" (ذراع تنظيم القاعدة الإرهابي في شرق إفريقيا) والتي كان آخرها صباح يوم 28 نوفمبر 2022، إذ هاجم مسلحو الحركة "فندق فيلا روز" الذي يقع بالقرب من القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو، وفي ظل ما كشفه عدد من التقارير الدولية عن ارتفاع العائدات المالية للحركة بشكل يضاهي ما تقتنيه الحكومة الصومالية، ارتفعت الأصوات للتساؤل عن مصادر تمويل هذه الجماعة الإرهابية، وكيف يسهم ذلك في تصاعد الهجمات المتشددة؟

دأبت حركة "شباب المجاهدين" منذ ظهورها عام 2004 وتأسيسها الرسمي عام 2006، ثم إعلانها الولاء لتنظيم القاعدة عام 2009؛ على تسخير جميع الأدوات التي تمكنها من حشد أكبر قدر ممكن من الموارد المالية بأي طريقة كانت، لأن هذا هو أساس استمرارها من جهة وشن المزيد من العمليات الإرهابية لتهديد الداخل والخارج من جهة أخرى.

هجوم حركة الشباب على فندق في العاصمة الصومالية مقديشو

وكشفت وزارة الخزانة الأمريكية في أكتوبر الماضي، أن حركة "شباب المجاهدين" تدر نحو 100 مليون دولار سنويًا من خلال طرق متنوعة، منها توسع عمليات الابتزاز لتطال الشركات والأفراد على حد سواء، بجانب منح تسهيلات مالية لعمليات التجارة غير المشروعة، فضلًا عن فرض رسوم على جميع السلع في مناطق سيطرتها؛ كما أن منظمة الأمم المتحدة كشفت في آخر تقديرات لها العام السابق، أن عائدات الحركة الجهادية تصل إلى نحو 10 ملايين دولار شهريًا، وأفادت المنظمة الأممية أيضًا في 2019، أن الحركة الجهادية تنفق ما يزيد على 21 مليون دولار على مقاتليها وأسلحتها وجهازها الاستخباراتي.

في حين كشف معهد "هيرال" (مؤسسة بحثية تركز على القضايا الأمنية مقرها مقديشو) في إحصائية له عام 2020، أن مسلحي "شباب المجاهدين" يجمعون ما لا يقل عن 15 مليون دولار في الشهر، مبينًا أن أكثر من نصف العائدات المالية للحركة تأتي من العاصمة الصومالية مقديشو، وتحديدًا من خلال الضرائب الإجبارية المفروضة على الشركات ورجال الأعمال، ومن يرفض الدفع لمسلحي الحركة يعرض نفسه إما للقتل أو الإجبار على إغلاق أعماله التجارية والفرار من البلاد.

مصادر تمويل متنوعة:

ومما تقدم، تجدر الإشارة إلى أن هناك طرقًا متنوعة تحصل من خلالها "شباب المجاهدين" التي تسيطر على نحو 70% من جنوب ووسط الصومال، وفقًا لما أعلنه "حسن شيخ محمود" الرئيس الصومالي في مايو الماضي، على هذه الأموال الطائلة، يمكن توضيحها على النحو التالي:

(*) فرض ضرائب داخل وخارج الصومال: تعد "الضرائب" أبرز الطرق التي تعتمد عليها "شباب المجاهدين" منذ نشأتها للحصول على ملايين الدولارات، فهي أحد المصادر الأساسية لدخل الحركة الجهادية التي لم تكتف بتحصيل ضرائب من التجار ورجال الأعمال بداخل الأراضي الصومالية، بل اتسع الأمر ليشمل فرض ضرائب على صادرات وواردات السلع في ميناء مقديشو الاستراتيجي، هذا بجانب وجود مسلحي الحركة على حواجز الطرق لتحصيل ضرائب من السائقين ومن المواطنين والعاملين في المنظمات الدولية الراغبين في الدخول إلى البلاد، فقد كشف بعض المواطنين في مخيم "بيدوا" للنازحين، أن حركة الشباب تفرض رسومًا على كل كيس أرز يقدمه التجار إلى المخيم تقدر بنحو 3 دولارات،وبجانب ذلك فإن الحركة تقوم بجباية أموال من المواطنين عنوة تحت مسمي "الزكاة" على مبيعات المنتجات الزراعية والحيوانية.

عناصر من حركة شباب المجاهدين

(*) استثمار الأموال في مجالات متنوعة: أدرك قادة "شباب المجاهدين" أنه من الضروري تنويع مصادر دخل الحركة، ما دفعهم للعمل في مجالات مختلفة لتقوية أنشطتها الاقتصادية من ثمّ الحصول على موارد مالية كبيرة، ولذلك فإن الحركة وجهت الأموال التي تحصل عليها بطرق غير مشروعة سواء من الداخل أو الخارج إلى الاستثمار في مجالات الذهب والعقارات وعمليات غسيل الأموال، حتى باتت التجارة من أبرز مصادر التمويل للجماعة السلفية الجهادية.

(*) الاستحواذ على موارد دول إفريقية: لجأت الحركة الجهادية من خلال تنفيذ عمليات إرهابية في دول منطقة شرق إفريقيا، وتحديدًا المجاورة للصومال (فهي نشطة كينيا وجيبوتي وإثيوبيا، ويمتد نشاطها أيضًا إلى اليمن) إلى وضع يدها على بعض الموارد في هذه البلدان، فعلى سبيل المثال، تواصل الحركة السيطرة على بعض مناطق النفط والغاز في شرق إثيوبيا، وتهدد القطاع السياحي في كينيا (الدولة الساحلية التي تتمتع باقتصاد قوي) مقابل الحصول على أموال من العاملين في هذا القطاع، وإما ارتكاب عمليات إرهابية في حال الرفض، هذا بجانب شن هجمات إرهابية على جيبوتي التي تطل على مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية الحيوية، ومن ثم فإن إحكام السيطرة على مناطق بهذه الدولة يمكّن الحركة من الحصول على موارد مالية هائلة.

نشاط حركة الشباب في منطقة القرن الأفريقي

(*) المخدرات وعمليات الجريمة المنظمة: تعد العمليات والتجارة غير المشروعة من أبرز الأدوات التي تدر عائدًا إلى "شباب المجاهدين"، ولعل تجارة وتهريب المخدرات والأسلحة وبعض السلع وعمليات الجريمة المنظمة، تعد من أبرز الطرق التي تجلب موارد مالية إلى الحركة الجهادية، فقط كشفت منظمة الأمم المتحدة في تقريرها السنوي العام الماضي أن عائدات حركة الشباب من الجريمة المنظمة تقدر بنحو 70 إلى 100 مليون دولار أمريكي سنويًا، كما كشف تقرير لمركز "وودرو ويلسون" في أغسطس الماضي، أن الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة تركز على شبكات تهريب الفحم الصومالي المفروض عليه حظر أممي منذ عام 2012 عبر ميناء كيسمايو الصومالي، وتهريب السكر عبر الحدود الكينية والأسلحة الصغيرة من اليمن عبر البحر الأحمر إلى العمق الإفريقي، والماشية والمخدرات، لتمويل عملياتها الإرهابية.

(*) توسع عمليات القرصنة: تعد هذه الطريقة من أبرز الأدوات التي تعتمد عليها الجماعات الإرهابية كافة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة للحصول على أموال، وبالطبع فإن "شباب المجاهدين" شنّت على مدار السنوات الماضية العديد من عمليات القرصنة البحرية كواحدة من طرق التمويل، إذ كشف مراقبون دوليون أن حركة الشباب كانت ضمن الجماعات التي حصلت عقب عامين من تأسيسها على فدية تقدر بنحو 150 مليون دولار من عمليات القرصنة البحرية ضد السفن في المناطق الساحلية الصومالية، والهدف من هذه العمليات إما ابتزاز أصحاب السفن التجارية للحصول على أموال مقابل المرور، أو خطف بعض قادة السفن وأخذهم رهينة والتفاوض على أموال مقابل الإفراج عنهم.

قراصنة من حركة شباب المجاهدين على سفينة في 2012

(*) السطو على مساعدات منظمات الإغاثة: لم تكتف حركة الشباب بجمع الأموال من الطرق السابق ذكرها، بل عملت كغيرها من الجماعات الإرهابية على استغلال المساعدات المالية والغذائية المقدمة من الدول الغربية ووكالات الإغاثة إلى الشعب الصومالي، والنازحين الذين يعانون من الصراع والفقر والمجاعة والجفاف الناجمة عن التغييرات المناخية التي تشهدها البلد الإفريقي، إذ تجني الحركة الجهادية، وفقًا للمنظمات الدولية المعنية، ملايين الدولارات كل عام من خلال استغلال أموال المساعدات الأجنبية، وهذا ما أكده أعضاء سابقون في حركة الشباب وعملاء المخابرات الصومالية في أكتوبر 2018، بالإشارة أن "شباب المجاهدين" منذ نشأتها وهي تحصل على آلاف الدولارات بشكل يومي من خلال عرقلة منع مرور المواد الغذائية والإمدادات إلى داخل المناطق والبلديات الواقعة تحت سيطرة الحركة الجهادية.

وقال رئيس البعثة الأممية في الصومال "مايكل كيتنج"في وقت سابق من العام الجاري أن "معظم المساعدات الخارجية المقدمة إلى النازحين في الصومال لا تصل إلى وجهتها المقصودة"، وهو ما يعني أن جزءًا كبيرًا من المساعدات يصل لحركة الشباب، الأمر الذي دفع واشنطن في 2018، لإغلاق عدد من المؤسسات التي قد دشنتها سابقًا لتحويل أموال على الشعب الصومالي، وذلك بعد اكتشافها قيام بعض الصوماليين بتحويل هذه الأموال إلى الحركة الجهادية.

انعكاسات محتملة:

في إطار ما تقدم، فإن حركة "شباب المجاهدين"اعتمدت على مصادر التمويل المختلفة لتقوية جبهاتها وشن المزيد من العمليات الإرهابية التي تصاعدت خلال النصف الثاني من العام 2022، خاصة عقب إعلان الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" في مايو الماضي عن استراتيجية لمكافحة الإرهاب في الصومال، وعليه من المتوقع أن ينعكس هذا التمويل على الحركة والحكومة أيضًا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- تحرك أمريكي لتضيق الخناق المالي على الحركة: وضعت وزارة الخزانة الأمريكية في أكتوبر الماضي عددًا من القادة المسؤولين عن إدارة عملية التمويل في الحركة الجهادية على قوائم الإرهاب، لمشاركتهم في عمليات شراء وبيع الأسلحة بطرق غير قانونية، ومنح تسهيلات مالية لبعض الشركات المحلية، والحصول على الأموال من بعض الراغبين في الانضمام للحركة، وفي 2008،علّق الرئيس الأمريكي الـ43 "جورج دبليو بوش" على زيادة الموارد المالية للشباب، قائلًا: "المال هو شريان الحياة للإرهابيين"، وهذا من ضمن الأسباب الرئيسية التي دفعت واشنطن وقتها لبدء أكبر حرب عالمية على تمويل الإرهاب لخنق مصادر تمويل الحركة الإسلامية.

2- تحرك حكومي لتقليص الأذرع المالية للشباب: بدأت الحكومة الصومالية منذ مايو الماضي في تنفيذ استراتيجية الرئيس "شيخ محمود" بشأن شن حرب شاملة ضد حركة الشباب، وكان من أبرز تحركات الحكومة هو التوجه لتقليص النفوذ المالي للجماعة الجهادية، وعليه، أعلنت في أكتوبر الماضي، فرض حزمة من العقوبات على جميع الشركات التي يكشف تقديمها أموالًا لـ "شباب المجاهدين"، وهذا لعرقلة نفوذ الحركة وشل ذراعها المالية التي تمكنها من تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية.

تصاعد العمليات الإرهابية بالداخل والخارج: ساهمت العائدات المالية الهائلة التي تجنيها الحركة السلفية في عدد من النتائج، أولها جذب المزيد من العناصر على صفوفها، وذلك من خلال إغرائهم بالمال مستغلة أوضاعهم المعيشية والاقتصادية السيئة، ما أدي لتوسيع عمليات التجنيد. ثانيها، دعم جبهات القتال بالمال والسلاح لتنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية داخل الأراضي الصومالية لمواجهة تحركات قوات الأمن الصومالية من جهة، وبث المزيد من الانقسامات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وقوى المعارضة السياسية في العاصمة مقديشو من جهة أخرى، وهو ما يفسر سبب تركيز الحركة في استهداف فندق "فيلا روز" الذي يقع بالقرب من القصر الرئاسي، لإيصال رسالة للحكومة مفاداها أن الحركة قادرة على شن هجمات داخل العمق الصومالي.

أما النتيجة الثالثة، فاتجاه الحركة التي تسيطر على نحو ثلث البلاد لجذب عناصر من تنظيمات إرهابية أخرى سبق وفروا من جبهات القتال التي كانون يقطنون بها، كما كشفت التقارير الدولية أن الحركة الصومالية موّلت جزءًا كبيرًا من العمليات التي شنها تنظيم القاعدة في جميع أنحاء العالم من خلال تقديم أموال لدعم عناصر التنظيم، هذا بجانب تقديم "شباب المجاهدين" التمويل اللازم لجماعات متطرفة في موزمبيق ونيجيريا، وفقًا لما أعلنه الرئيس "شيخ محمود" في مايو الماضي، وتدريب الآلاف من المقاتلين في يوليو الماضي كي يبقوا ذراعها في أثيوبيا.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن المال يعد شريانًا وعصب الحياة بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، وعليه فإن الحكومة الصومالية عليها في الوقت الراهن التركيز على تجفيف منابع التمويل لحركة "شباب المجاهدين" كخطوة أولى في استراتيجية مكافحة الإرهاب، لأن نجاحها في ذلك سيحد من تمويل الحركة لعملياتها الإرهابية وسيقلل من عمليات التجنيد، وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض الممارسات الإرهابية التي تقوم بها الحركة الجهادية في الوقت الحالي.