الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف أثرت الحرب الأوكرانية على سلاسل إمداد السلاح في العالم؟

  • Share :
post-title
اختناق محتمل لسلاسل إمداد السلاح عالميًا

Alqahera News - ضياء نوح

سدد تفشي جائحة كورونا وتوابع سياسة "صفر كوفيد" الصينية، ضربة عنيفة لسلاسل الإمداد الحيوية نتيجة لتزايد الاعتماد على الصين كمصنع للعالم، وتوشك الحرب الروسية الأوكرانية على أن تعمق تلك الأزمة بتعطيل محتمل لإتمام بعض صفقات التسليح والإضرار ببنية التصنيع العسكري لكبار المنتجين، التي من شأنها أن ترفع منسوب التوتر في البيئات الرخوة للأمن العالمي، مع تحويل كثير من الصفقات باتجاه أوكرانيا، ما ينعكس مباشرة على أمن البحار والمحيطات في أكثر البؤر توترًا، وعلى رأسها بحر الصين الجنوبي ومياه الخليج العربي.

خطر محدق

ضغط الحرب الروسية الأوكرانية على الأصول العسكرية للدول المنخرطة في الأزمة بشكل مباشر أو الداعمة لأحد طرفيها من كبار المنتجين والمصدرين للأسلحة مثل القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، بينما احتفظت قوى أخرى بتنمية مواردها وأصولها العسكرية بعيدة عن الصراع، وعززت وصولها إلى أسواق جديدة، على غرار الصين وكوريا الجنوبية اللتين تسعيان لسد احتياجات دول أخرى من حصص التوريد الروسية والأمريكية.

(*) تايوان: يرى المراقبون الغربيون أن الحرب في أوكرانيا شغلت الولايات المتحدة عن الحفاظ على تسليح تايوان، وردع أي توجه صيني لضم الجزيرة باستخدام القوة، إذ بلغت إجمالي عقود التسليح المستحقة لتايوان لدى الولايات المتحدة منذ 2015، نحو 14 مليار دولار حتى ديسمبر 2021، فيما وصلت حاليًا إلى مستوى 19 مليار دولار. وتأتي أولى تلك الصفقات المتأخرة في ديسمبر 2015 لتوريد 208 من صاروخ "جافلين" مضاد للدبابات، وطلب آخر في ذات التوقيت لتوريد 215 صاروخ "ستينجر" المضاد للطائرات. وفي أغسطس 2019 وقّعت تايبيه مع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية عقدًا بقيمة 8 مليارات دولار لتوريد 66 مقاتلة من طراز "إف 16". وآخر تلك العقود جاء عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ اتفقت السلطات التايوانية في مارس 2022 مع شركة بوينج الأمريكية على توريد صواريخ هاربون للدفاع الساحلي بقيمة تقترب من 500 مليون دولار، بأجل تسليم يمتد من 2026 حتى 2028، حسب وسائل إعلام أمريكية وتايوانية.

صاروخ هاربون

وأبدت تايبيه قلقها من تداعيات التأخر في تنفيذ عقود التسليح المبرمة مع الجانب الأمريكي، ودعت المتحدثة باسم الحكومة في أكتوبر الماضي بالالتزام بمواعيد التسليم، ما يعكس حساسية الموقف في مضيق تايوان واختلاف مسرح العمليات عن نظيره الأوكراني نتيجة قرب الجزيرة من البر الصيني الرئيسي وأولوية التحرك الوقائي أو الاستباقي لعملية الغزو نتيجة لقدرة الصين على قطع خطوط الإمداد لقوات الجزيرة وقطع صلاتها بالعالم خلافًا للوضع في أوكرانيا، حيث الحدود الممتدة مع الدول الأعضاء في حلف الناتو.

(*) شرق أوروبا: على ضوء الحرب وتوريد دول الجوار جزءًا من أسلحتها إلى أوكرانيا، انفتحت بولندا على صناعات الدفاع الكورية الجنوبية، حيث تعاقد منذ يوليو الماضي مع شركتي "هيونداي روتيم" و"هانهوا للفضاء" لتوريد 180 دبابة قتال من طراز "كيه 2"، ومدافع هاوتزر ذاتية الحركة من طراز "كيه 9" و48 مقاتلة من طراز "إف إيه 50"، وآخرها أنظمة صواريخ متعددة الإطلاق من طراز "تشونمو" بقيمة إجمالية تجاوزت 15 مليار دولار. وبررت بولندا لجوءها إلى الجانب الكوري بعيدًا عن حلفائها الغربيين، بداعي تسريع وتيرة تسلم طلبياتها الدفاعية، حيث ستتسلم 12 مقاتلة (من إجمالي 48 مقاتلة من طراز "إف إيه 50") خلال العام المقبل، كما طلبت وارسو مزيدًا من الأسلحة المتعاقد عليها مع الجانب الكوري بنحو ألف دبابة و600 مدفع، حسب تقرير لشبكة "يورونيوز" في منتصف سبتمبر الماضي.

المقاتلة الكورية الخفيفة إف إيه 50
أسباب التأخير

تعود المخاوف من اتساع نطاق الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر في البؤر الساخنة حول العالم، وعلى رأسها مسرح العمليات البحرية في "الإندو-باسيفيك" وبحر البلطيق ومياه الشرق الأوسط من مياه الخليج حتى البحر الأحمر، فضلًا عن تصاعد مخاوف نشوب مواجهة نووية سواء في أوروبا أو في آسيا نتيجة زيادة إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية باتجاه بحر اليابان ومرور بعضها فوق الأراضي اليابانية، إذ توجهت الدول لتعزيز أمن إمداداتها العسكرية وتوسيع إنفاقها الدفاعي، ما عزّز المخاوف بشأن توقيتات التنفيذ والتشديد على الالتزام بآجال التوريد المتفق عليها، ويمكن توضيح أسباب ذلك على النحو التالي:

(&) سلاسل الإمداد: وتتعلق بالأبعاد الدقيقة للصناعات الدفاعية من مكونات إلكترونية حيوية يمثل تراجعها أو انقطاعها خطرًا على خطط إنتاج الأسلحة لكبار المنتجين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي ازدادت مخاوفها من احتمال سيطرة الصين على مصانع الرقائق الإلكترونية المتطورة التي تنتجها تايوان، وما يحيط بتلك الصناعة من تعقيد في تكامل سلاسل القيمة من التصميم والتصنيع بين مجموعة من الشركات الدولية في الولايات المتحدة وأوروبا وتايوان. وفي مقابلة لرئيسها التنفيذي جريج هيز، مع مجلة بوليتيكو، مطلع ديسمبر الجاري، كشفت شركة رايثون الدفاعية الأمريكية مباحثات جارية بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا لتسليم أنظمة دفاع جوي من طراز "ناسامز" إلى أوكرانيا في غضون 3 إلى 6 أشهر، مقابل تعويضهم بتلك الأنظمة ضمن خطط التصنيع التي ربما تمتد لعامين.

صواريخ ناسامز

وكشفت مجلة الدفاع الوطني الأمريكية أن الولايات المتحدة فقدت منذ 1998، نحو 5 ملايين وظيفة وأغلقت 91 ألف مصنع في قطاع الصناعات الدفاعية، ما يعرض عمليات الجيش الأمريكي وقواعده الخارجية للخطر حال نشوب أي مواجهات عسكرية واسعة النطاق في المستقبل القريب.

(&) استنزاف المخزونات: ارتفعت التحذيرات من تناقص مخزونات أسلحة الجيوش من روسيا إلى الدول الأوروبية حتى الولايات المتحدة، إذ أعلن البنتاجون، في 30 سبتمبر 2022، أن أغلب الأصول العسكرية (صواريخ جافلين وستينجروهايمرس ومسيرات سويتش بلايد) لأوكرانيا بقيمة إجمالية 12.5 مليار دولار، جاء من مخزونات الجيش الأمريكي وبعضها سُحب من القواعد الخارجية المنتشرة حول العالم. كما استنزفت الحرب ما يزيد عن 350 مدفع هاوتزر روسيًا، وفق التقديرات الغربية، وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 25 نوفمبر الماضي، أن ثلث المدافع الغربية العاملة لدى الجيش الأوكراني (المقدرة إجمالًا بنحو 350 مدفعًا)، خرجت من الخدمة جراء كثافة إطلاق القذائف المدفعية على القوات الروسية (2000 إلى 4000 قذيفة يوميًا). ودفع نقص الذخائر للجوء إلى موردين جدد، ففي ضوء تزويد الجيش الأمريكي لنظيره الأوكراني بما يزيد عن مليون قذيفة مدفعية عيار 155 مم، اتّجهت واشنطن إلى الجانب الكوري الجنوبي لشراء 100 ألف قذيفة، ومن غير المؤكد إذا كانت تلك الصفقة لتعويض المخزونات الأمريكية أم لدعم الجانب الأوكراني رغم معارضة سيول أي مشاركة لها في الأزمة الأوكرانية، ولو بصفة غير مباشرة، كما تحدثت وسائل الإعلام الأمريكية عن توجه روسي مماثل لاستيراد قذائف من كوريا الشمالية، رغم نفي بيونج يانج ذلك.

معارك مدفعية ضارية

(&) ارتفاع الإنفاق الدفاعي: في ظل تلك المخاوف ارتفع حجم الإنفاق الدفاعي لعدد من الدول خاصة أوروبا، إذ أعلنت سيرجي شويجو، وزير الدفاع الروسي، زيادة طلبيات الدفاع للعام المقبل مرة ونصف، عن مستوى العام الحالي 2022. وفي مارس الماضي أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، تخصيص 100 مليار يورو لتحديث الجيش وزيادة ميزانية الدفاع لمستوى 2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو توجه عدد من الدول الأوروبية خاصة الجناح الشرقي المجاور لروسيا وأوكرانيا، وسيعتزم الحلفاء زيادة مخصصات الدفاع لمحددات حلف الناتو بنحو 2%، فيما تتجه بولندا لزيادة إنفاقها إلى مستوى 3% عام 2023 ونحو 5% في الأعوام المقبلة.

وفي آسيا، قالت وكالة "رويترز" إن اليابان تعتزم رصد ما يعادل 330 مليار دولار خلال الأعوام الخمس المقبلة، في إطار خطة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا لرفع مستوى الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

التداعيات على الأمن البحري

باتت البحار المفتوحة والمحيطات مسرح العمليات الأكثر سخونة لاعتبارها أبرز ساحات التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، في ظل الأهداف الواضحة لواشنطن في الحفاظ على موقعها في النظام العالمي وتعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة الصين التي بدورها تحتفظ بسياسة الغموض الاستراتيجي، وتستفيد -بشكل أو بآخر- من الأزمات المحيطة في تعزيز جيشها ودعم صناعاتها الدفاعية التي تحتل المرتبة الرابعة عالميًا في مبيعات الأسلحة بحصة 4.6% التي من المتوقع أن ترتفع على حساب نظيرتها الروسية، مع توجه الأخيرة إلى تلبية الاحتياجات الوطنية. ومع الضغوط المتزايدة على المنتجين الأمريكيين من عقود تسليح ضخمة ومتعددة، من المحتمل أن تعزز الأسلحة البحرية الصينية مبيعاتها.

الإندو-باسيفيك.. ساحة تنافس استراتيجي

(#) التوازن في الإندوباسيفيك: تسعى بكين للاستفادة من الصواريخ الكورية في تشتيت التحالف الإقليمي المناهض لها، وإبقاء اليابان تحت التهديد، ما يؤدي إلى رفع تكلفة أي مواجهة محتملة حول تايوان لصالح بكين التي من المرجح -حال خضوعها للبر الرئيسي الصيني- ستغير موازين القوى، وتهدد اليابان اقتصاديًا وجيوسياسيًا في ظل النزاع بين بكين وطوكيو حول جزر في مقاطعة أوكيناوا اليابانية (جزر سينكاكو يابانيًا أو دياويو صينيًا) شمال شرقي تايوان، ولعل الميزة الأهم التي تتمتع بها الصين هي الغموض والقدرة على الحسم، وهو ما يدفع الولايات المتحدة للتمسك بتوسيع تحالفاتها الأمنية، وتقوية الترابط الإقليمي لتعزيز قدرتها على الردع.

(#) التوترات البحرية: ازدادت عمليات التخريب البحري في نطاق بحر البلطيق ومياه الخليج العربي وخليج عُمان، التي تستهدف خطوط نقل الطاقة، من ناقلات النفط إلى خطوط الغاز باتجاه أوروبا التي رفعت مستويات التأهب في تلك المنطقة، ولفتت أزمة تفجير "نورد ستريم"، وتوجه الدول الأوروبية لتطوير جيوشها، إلى توسيع مراقبة وتأمين خطوط نقل الغاز إلى القارة العجوز التي يبلغ طولها بريًا وبحريًا 6 آلاف ميل، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، كما وسَّعت من وتيرة إدماج الأنظمة البحرية المسيرة المتكاملة تجنبًا لإنهاك القدرات القتالية للدول المشاطئة.

خطوط الطاقة الأوروبية

وكشفت الصحيفة دوريات مستمرة لقوات الشرطة والجيوش الأوروبية حول مرافق الطاقة الحيوية وخطوط الغاز البحرية في النرويج وإيطاليا وألمانيا والدنمارك، عقب التفجيرات التي طالت "نورد ستريم" في 26 سبتمبر 2022.

كما دفعت تلك الأجواء المشحونة لبروز استفزازات بين القوى البحرية الكبرى بغية الوقوف على مدى الاستجابة الخصوم للتهديدات العسكرية في أكثر من جبهة، وربما بداعي تخفيف الضغوط في تلك الجبهة، ومنها اختفاء الغواصة النووية الروسية بيلجرود، والمواجهة بين الطراد الصاروخي الأمريكي وقوات بحرية وجوية صينية في 29 نوفمبر الماضي في بحر الصين الجنوبي وتبادل الاتهامات بين الجانبين، إذ اتهمت القيادة الجنوبية لجيش التحرير الشعبي الصيني، الولايات المتحدة بانتهاك سيادة بكين ودخول مياهها الإقليمية، بينما ردت قيادة الأسطول السابع الأمريكي، متهمةً الصين بانتهاك سيادة دول الجوار، وأن مهمة الطراد الحفاظ على حرية الملاحة في منطقة "الإندو-باسيفيك".

وختامًا؛ رفعت الحرب الروسية الأوكرانية المخاوف بشأن سلاسل الإمداد للأسلحة والمعدات العسكرية مع مؤشرات تباطؤ في التسليم وتأخر فعلي عن مواعيد التسليم في مناطق رخوة، وغيَّرت من نمط استجابة الدول لتلك التحديات، فاتَّجهت بعض الدول للبحث عن مزودين آخرين، وبحثت دول أخرى عن توسيع قاعدة الإنتاج المحلي بالتعاون مع دول صاعدة، لكن اللجوء المكثف لتعزيز الإنفاق الدفاعي لدول كانت على الحياد أو منزوعة التسليح، عزَّز اختناق سلاسل التوريد، وسيفاقم التنافس الاستراتيجي، وسباق التسلح من التوترات في البحار المفتوحة والمحيطات.