الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

في وداع محاور المشاهير.. مفيد فوزي صار "حديث المدينة"

  • Share :
post-title
المحاور المصري الراحل مفيد فوزي

Alqahera News - إيمان بسطاوي

صوته لا تخطئه أذن، وأسلوبه المتفرد ميّزه عن غيره، يبحث ويدقق في كل شيء، يغوص في دواخل شخصيات مَن يحاورهم، وبأدائه المُشاكس يُخرج ما في أعماقهم، خلطة سحرية تفردّ بصنعها الإعلامي والكاتب الصحفي الكبير مفيد فوزي، الذي غيّبه الموت اليوم عن دنيانا بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز الـ89 عامًا، تاركًا خلفه مكتبة ضخمة من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية والصحفية توثّق وتؤرّخ لشخصيات وأحداث في تاريخ مصر والعالم العربي.

لفتت نبرة صوت مفيد فوزي الدافئة انتباه ناظر مدرسته الثانوية في محافظة بني سويف جنوب مصر، أثناء إلقائه الإذاعة المدرسية، ليتشكل بداخله الحلم الذي أصبح واقعًا، حيث خطفه الميكروفون، وانضم للإذاعة المصرية ليصبح أحد أبنائها النابغين، ويفخر بانتمائه لها، واصفًا إياها بـ"فن الهمس المسموع".

ظل مفيد فوزي محتفظًا بالراديو على مكتبه، حيث يقول في أحد لقاءاته التلفزيونية: "الإذاعة لها سطوة وبريق، فهي تذيع أهم وآخر الأخبار، فكنا نلهث وراء صوت جلال معوض وأحمد سعيد وآمال فهمي وسامية صادق وأبلة فضيلة، الراديو صديق المستمع وأنا أسمعه سواء كنت مريضًا أو سعيدًا أو حزينًا، والتكنولوجيا لن تُخرسه".

مفيد فوزي والفنان المصري الراحل فؤاد المهندس

كانت الفوازير بوابة انتقال مفيد فوزي من الصحافة للعمل بالإذاعة، مصادفة غريبة قادته للعمل بها، وفي موقف يمكن وصفه بأنه "رُب ضارة نافعة"، ما بين دموع الحزن والفرح تبدل حال الإعلامية آمال فهمي، بعد أن وجدت مفيد فوزي منقذًا لها بعد رحيل بيرم التونسي الذي كان يكتب لها الفوازير، وخاصة أنه لم يكن يتبقى سوى أيام قليلة على موسم رمضان، ليغوص "فوزي" في عالم الإذاعة بكل ما يمتلكه من سحر.

كان مفيد فوزي أول من أدخل الصحافة المتلفزة على الشاشة، فانتقل من كونه كاتبًا صحفيًا لمحاور تلفزيوني، اتسمت موضوعاته بالعمق والبحث والتدقيق والتقصي، ليكون نبراسًا لعدد كبير من الأجيال، ويهتدى برأيه الكثيرون، ويسير على نهجه الأجيال الجديدة بعد ذلك، وما بين العُمق والسلاسة والقدرة على إيصال المعنى وقف مفيد فوزي بكل ثقة ليؤكد أن مصر لا تنضب من المواهب والنوابغ.

حاور مفيد فوزي كبار النجوم والساسة والقادة والمثقفين والبسطاء أيضًا، امتلك قوة اللفظ وصواب النطق، فنسج من كلماته خيوطًا ذهبية أعطته ثقلًا وميّزته عن الجميع، ليدخل القلوب دون استئذان، كان اسمه كافيًا ليحظى بثقة من يحاوره.

على مدار أكثر من 50 عامًا من العطاء، حاور "فوزي" كبار النجوم والمبدعين والمثقفين، فكان أول لقاء أجراه على التلفزيون من خلال برنامجه "عصر الفن" مع الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما أجرى لقاء نادرًا مع الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب في برنامج "الموسيقار وأنا"، والذي قدّمه على عدة أجزاء ليكشف عن جوانب مختلفة في شخصية عبد الوهاب.

يعتبر مفيد فوزي واحدًا من ذاكرة مصر التاريخية، وشاهدًا على العصر وعلى شخصيات مؤثرة وصانعًا لأهم اللقاءات بمصر والعالم العربي، مثل برنامجه "صديقي الموعود بالعذاب" عن الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، وفؤاد المهندس وأمينة رزق، ويوسف وهبي، وعادل إمام وفاتن حمامة وعمر الشريف وغيرهم الكثير.

الراحل مفيد فوزي مع ابنته حنان

لم يتوقف "فوزي" بمحاورة رجال الفن والثقافة فقط، ولكن كان للساسة والعلماء والكتّاب لقاءات معه، وساعده أسلوبه الشجاع في أن يصنع اسمًا لامعًا، ولكنه بقدر ما اكتسب صداقات، تسبب في غضب البعض منه، ففي لقاء جمعه مع الفنان عمرو دياب غضب الأخير منه واعتذر عن الحلقة على الهواء بعد أن وجّه له مفيد فوزي انتقادًا لأغانيه، لكن مخرج البرنامج نجح في تهدئته واستكمل اللقاء.

كما أن لـ"فوزي" واقعة شهيرة مع كوكب الشرق أم كلثوم، والتي كانت سببًا في رفته من عمله بالإذاعة، مؤكدًا في أحد لقاءاته الصحفية أنها لم تكن تحبه، حيث يقول: "أم كلثوم لم تكن تستلطفني ولم أقم بعمل أي حوار معها لأنها كانت تغار من علاقتي بالفنان عبد الحليم حافظ باعتباره من أصدقائي المقربين".

مفيد فوزي وعمرو دياب

كانت نغمة موسيقى تتر برنامج "حديث المدينة" للإعلامي الراحل أحد أهم علامات حقبة التسعينيات، كما كانت مقدمته الشهيرة أيضًا أحد أهم علامات برنامجه حيث يبدأ قائلا :"الناس في بلدي يتساءلون.. يتحدثون"، وكذلك عبارته الأشهر في إجراء حوار حين يقول" تسمح لي أسألك".

وصل مفيد فوزي إلى البسطاء في الشارع المصري، وبحث في أحوالهم وآلامهم وآمالهم، من خلال هذا البرنامج الذي قدمه على مدار 20 عامًا، حيث بدأت أولى حلقاته عام 1994، ليظل يقدمها حتى أسدل الستار عليها في عام 2013.
‏يقام عزاء الفقيد الراحل الكاتب الكبير مفيد فوزي غدا الاثنين في السادسة مساء بقاعة كنيسة المرعشلي بضاحية الزمالك في القاهرة، ومن المقرر أن يشيع جثمانه ظهر اليوم بالكنيسة نفسها، ليرحل جسده ولكنه خلّد اسمه بمشوار حافل سيكون شاهدًا على مواقف وأحداث وشخصيات كثيرة من تاريخ مصر.