الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد عام من توليه منصبه.. شولتس يواجه "ابتلاع الضفادع" والغضب الشعبي

  • Share :
post-title
المستشار الألماني أولاف شولتس

Alqahera News - مروة الوجيه

في 8 ديسمبر الماضي، أتم المستشار الألماني أولاف شولتس، عامًا على توليه منصبه بعدما أمضت سالفته أنجيلا ميركل (التي تركت العالم السياسي) 16 عامًا من قيادة ألمانيا، وإذا صح القول، من قيادة أوروبا كلها بيد من حديد، استطاعت خلالها أن تثبت قوة بلادها، وتحافظ على قوة اتحاد أوروبا في أوقات عصيبة، لكنها ليست مثل التى يمر بها الاتحاد في الوقت الراهن.

في تقرير لصحيفة "التايمز" البريطانية أوضح الكاتب أوليفر مودي، العديد من الأزمات التي يواجهها المستشار الألماني، والتي أدت إلى صعود الغضب الشعبي تجاهه، بل تطور الأمر إلى محاولة "انقلاب" مجموعات "الرايخ" ضده.

الصحفي البريطاني بدأ مقاله التحليلي بجملة "eine Kröte schlucken"، التي تعني "أن تبتلع ضفدعًا"، بمعنى أن تضحي بأحد اهتماماتك لتحقيق هدف أسمى، وقد تكون العبارة المنافسة لعام 2022. ومع ذكرى تولي أولاف شولتس منصبه ستفكر كل من الأحزاب الثلاثة التي تشكل تحالفه الحاكم في العام الذي اضطروا فيه إلى ابتلاع الكثير من الضفادع.

غضب الأحزاب

بدأ شركاء التحالف الرئاسي الإفصاح عن غضبهم من بعض قرارات شولتس، ووفق تقارير، فإن أكثر من ثلثي الناخبين أوضحوا أنهم غير راضين عن الحكومة، خاصة مع دخول البلاد في حالة من الركود الاقتصادي، كما أكدت استطلاعات الرأي الألمانية تقدم المعارضة المحافظة بنحو 10 نقاط على أحزاب الحكومة الحالية.

وأوضح تقرير "التايمز" أن حزب الخضر وافق على وقف تنفيذ مشروعات ضد الطاقة الذرية، واتفاق لشراء الغاز من قطر، وذلك في ظل معاناة أوروبا بسبب أزمة الغاز والتدفئة، ومع توجه الحكومة الألمانية إلى استخدام الفحم بديل عن الغاز الروسي، الأمر الذي أدى لأن تكون الكهرباء في ألمانيا من بين الأكثر تلوثًا في أوروبا، وهو ضد مبادئ حزب الخضر بصورة قوية.

أما الحزب الديمقراطي الحر، الذي يسيطر على وزارة المالية، فقد هزته أسواق السندات مقابل 300 مليار يورو إضافية في الاقتراض العام، وهو ما يعادل 6 أضعاف حجم ميزانية بريطانيا المصغرة غير الممولة.

عام التقييم

إخفاقات شولتس لم تكن متوقعة للكثيرين، سواء في الشارع السياسي الألماني أو من قِبل الشعب، لكن من الضروري أن يتم عمل "كشف حساب" لأول عام من رئاسة أقوي دول أوروبا اقتصاديًا، وبالنظر إلى الحجم الهائل للتحديات، فإن الأمر يستحق تقييم ما حققه تحالف شولتس وما لم يحققه خلال عامه الأول في السلطة.

تقرير "التايمز" البريطانية

1- أوكرانيا

تعرضت ألمانيا لانتقادات شديدة من قبل الدول الأوروبية بسبب "دعمها الفاتر" لأوكرانيا، واعتبره البعض انعكاس لعلاقاتها الطويلة والعميقة مع روسيا.

ومع بداية الحرب قدمت برلين فقط 5000 خوذة للجنود المقاتلين في كييف، وهو الأمر الذي سخر منه السفير الأوكراني ووصفه بأنه "سياسة رمزية خالصة".

ومع ذلك، بعد يومين من بدء الحرب الروسية الأوكرانية، قدمت برلين 500 صاروخ ستينجر و1000 صاروخ بانزرفوست.

ومنذ ذلك الحين، تعهدت برلين بتقديم أكثر من 1.2 مليار يورو كمساعدات عسكرية ووفّت بمعظم وعودها، بما في ذلك Iris-T SLM، أحد أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدمًا في العالم، ومدافع جيبارد المحمولة المضادة للطائرات، والتي يقال إنها تحظى بتقدير كبير من الأوكرانيين في ساحة المعركة.

ويذكر أن ألمانيا قد بدأت في تنفيذ برنامجها "رينجتوستش" الذي يقوم بتوفير مركبات مدرعة ألمانية للحلفاء الأوروبيين الذين أرسلوا دباباتهم الخاصة من الحقبة السوفيتية إلى أوكرانيا، فتم تسليم أكثر من 100 دبابة وعربة قتال مشاة إلى اليونان وسلوفاكيا وسلوفينيا وجمهورية التشيك.

وعلى الرغم من كل ما تحاول ألمانيا تقديمه لأوكرانيا، الا أن الأوكرانيين وحتى بعض الشخصيات داخل تحالف شولتس يشعرون بالإحباط بسبب رفضه الثابت للسماح بإرسال مدرعات القتال من نوع "ماردر"، وقد اقترحت الولايات المتحدة بلطف أن الوقت قد حان للتبرع ببعض دبابات القتال الرئيسية "ليوبارد 2" للاتيفيا وإستونيا تحديدًا، لكن مازالت ألمانيا لم تقر هذا حتي الآن.

وكانت لاتيفيا وإستونيا قد تبرع كل منهما لأوكرانيا بـ 1% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفي دول لا تقارن اقتصادها باقتصاد برلين، إلا أن المستشار الألماني لم يعلن عن تقديم خطوة مماثلة لكييف، رغم أن هذه الخطوة لن تؤثر في اقتصاد بحجم ألمانيا.

2- التسليح والناتو

أوضح تقرير الصحيفة البريطانية، أن المستشار الألماني عمل على إبراز مصطلح جديد خلال خطاباته وهو "العصر الجديد" الذي قال إنه فُرض على بلاده بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

المصطلح الذي استخدمه شولتس ترجم إلى تخصيص"صندوق خاص" بقيمة 100 مليار يورو لإعادة التسلح، أي ما يعادل ضعف ميزانية الدفاع السنوية لألمانيا، وتعهد شولتس بإنعاش حلف الناتو وإنشاء أقوى قوات مسلحة تقليدية في الحلف بعد الولايات المتحدة.

وحدد المستشار الألماني خطوات التسليح بإنشاء أسطول جديد من طائرات F-35 المقاتلة ذات القدرة النووية، والمصممة لحمل الرؤوس الحربية الذرية الأمريكية في حالات الطوارئ، كما سيكون هناك نظام للمراقبة الفضائية، وسيتم تحديث البنية التحتية للقيادة والتحكم بشكل شامل بتكلفة 20.7 مليار يورو، وستحصل القوات الجوية على مسيّرات مسلحة وطائرات هليكوبتر للنقل الثقيل من طراز شينوك، وطرّادات بحرية جديدة، وفرقاطات وغواصات، ومركبات قتالية.

ويتطلع شولس أيضا إلى إنشاء نظام دفاع صاروخي قوي للحلف الأطلس مثل Arrow 3، الذي يشكل العمود الفقري للقبة الحديدية الإسرائيلية.

ووفق "التايمز" فإن العديد من المحللين يتفقون على أن هذه خطوة مفيدة نحو إصلاح قدرات ألمانيا، دون توسيعها بشكل جذري.

ومع ذلك فإن الصعوبات كثيرة، فطلب F-35 يعاني بالفعل من مشكلات فنية، كما ستحتاج برلين إلى إنفاق ما لا يقل عن 20 مليار يورو على الذخيرة الأساسية فقط لتلبية متطلبات الناتو، لكن لا يزال من غير الواضح من أين ستأتي هذه الأموال؟ حيث إن ميزانية الدفاع الألمانية العادية في طريقها إلى الانخفاض إلى حد ما عن نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

3- أزمة الغاز الروسي

على مدى الأشهر التسعة الماضية، كان روبرت هابيك، وزير الاقتصاد والطاقة الخضراء، الأكثر تضحية لسياسات شولتس، فمنذ توليه منصبه وهو يسعى لتنفيذ خطته الخضراء بإنتاج 80% من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2023، لكنه وجد نفسه بدلًا من ذلك يستجدي الدول المصدّرة للبترول للحصول على الغاز، ويفرض رسومًا إضافية على منتجي الكهرباء الخضراء، ويطيل عمر ثلاث محطات للطاقة النووية، في بعض الأيام فقط جاء أكثر من 50% من طاقة ألمانيا من حرق الفحم.

وتكمن مشكلة الطاقة في ألمانيا بأزمة الغاز الروسي الذي يشكل نحو 55% من واردات ألمانيا وكان المحرك لقطاعها الصناعي الضخم، وكان ينظر إليه في السابق على أنه نقطة انطلاق موثوقة على الطريق نحو مستقبل أكثر خضرة، لكنه اختفى الآن فعليًا من سوق الطاقة الألمانية بعد تعليق خط أنابيب نورد ستريم 2، الرمز الثابت لهذه التبعية بسبب الحرب الروسية.

وكانت الأولوية القصوى للحكومة الألمانية هي ضمان الحصول على ما يكفي من الغاز لتجاوز هذا الشتاء، وتم تكليف وحدة من التجار على عجل بشراء كل شحنة يمكنهم الحصول عليها من الغاز، بغض النظر عن تكلفتها أو مصدرها، بما في ذلك روسيا، وكانت هذه الخطة باهظة الثمن، لكنها نجحت، حيث امتلأت مخازن احتياطي الغاز بحلول شهر أكتوبر، قبل الموعد المحدد بشكل مريح للحكومة الألمانية والشعب.

في الوقت نفسه، حثّت الحملات الإعلامية العامة الألمان على القيام بواجبهم باستخدام كميات أقل من الغاز، وانخفض الاستهلاك المنزلي بنسبة تصل إلى 31% عن المعدل الطبيعي في هذا الوقت من العام، وفي الوقت نفسه، تم سحب محطات الطاقة القديمة التي تعمل بالفحم من التقاعد لتزويد حمولة أساسية من الكهرباء قابلة للتمويل.

لكن من جهه أخرى، كانت خطة الإنقاذ لها تبعات سيئة، حيث تم فرض رسوم إضافية على فواتير المنازل مما تسبب في غضب شعبي قوي، كذلك توقفت منشآت مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية الجديدة، وبدت التعقيدات في أسواق الطاقة أحيانًا أكثر من اللازم بالنسبة لوزير الاقتصاد والطاقة وفريقه، الذين كانوا بطيئين في إدراك أن أسعار الغاز المرتفعة ستؤدي حتمًا إلى ارتفاع تكلفة مصادر أخرى للكهرباء، أولئك الذين كانوا يودون أن تحافظ ألمانيا على مفاعلاتها لمدة عامين آخرين يتهمون وزير الطاقة الآن بـ"إفساد هذا الخيار لأسباب أيديولوجية".

4- تذبذب الاقتصاد

منذ عام 2011، استندت ألمانيا على مبدأ "كبح الديون"، وهو بند مذكور في دستورها لمنع الحكومة من اقتراض أكثر من 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي في عام واحد، على الرغم من اقتراض دول أخرى، مستغلة انخفاض أسعار الفائدة، تمسك الألمان بموقفهم.

ثم جاءت جائحة كورونا وتم تحرر المبدأ الألماني حتى تتمكن برلين من اقتراض أكثر من 400 مليار يورو للتعامل مع الاضطرابات الاقتصادية الناتجة، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت القيود التي كانت مفروضة لا تزال منطقية في عصر الأزمات المتشابكة أم أن الحكومة الألمانية ستتغاضى عن مبادئها أو ما ذُكر في دستورها؟.. خاصة بعد تصريح الحكومة الألمانية باستعدادها لاقتراض مبلغ يصل إلى 300 مليار يورو - 100 مليار يورو للجيش و200 مليار يورو للتخفيف من آثار فواتير الطاقة المرتفعة - وهو ما يعادل ما يقرب من ثلث إجمالي الإنفاق الحكومي السنوي.

5- السياسة الخارجية

لم تتوقف أزمات شولتس عند هذا الحد، بل بدأت السياسة الخارجية لأكبر دولة أوروبية تتسم بالتذبذب والتخبط، وقد حاول المستشار الألماني توضيح استراتيجيته من خلال مقال من 5000 كلمة نشرها في مجلة الشؤون الخارجية لتوضيح فكرته عن دور ألمانيا المستقبلي في العالم، لكنه أثار أسئلة بقدر تلك التي أجاب عنها، وقد بدت أن الحرب الأوكرانية قد أخلت بسياسة ألمانيا الخارجية ولم تجد بعد توازنًا جديدًا.

وقد استعرض تقرير "التايمز" بعضًا من تخبطات السياسة الألمانية، فقد ألقى شولتس بثقله وراء توسع الاتحاد الأوروبي ليشمل أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا وست دول غرب البلقان، على الرغم من أن برلين أكدت أنها لا تريد تخفيف معايير العضوية، وفي المقابل، أراد المستشار تجريد الدول الأعضاء من سلطة استخدام حق النقض ضد قرارات مهمة بشأن قضايا مثل الضرائب والسياسة الخارجية وسيادة القانون.

كما وعد بأن تصبح ألمانيا "الضامن للأمن الأوروبي الذي يتوقعه حلفاؤنا منا"، وفق تصريحات شولتس السابقة، لكن من الناحية العملية يبدو أن هذا الوعد لم يقدم جديدًا سوى مبادرات لواء "الرد السريع" الجاهز للقتال ومقره جزئيا في ليتوانيا، وSky Shield، وهي خطة تقودها ألمانيا للحصول على دفاعات جوية وصاروخية مشتركة لـ 15 دولة أوروبية.

ومثل الرئيس الفرنسي ماكرون، حافظ شولتس على اتصالات هاتفية متقطعة مع الرئيس بوتين بينما تمسك على نطاق واسع بالخط الغربي المشترك بشأن روسيا، لكن رحلته إلى الصين الشهر الماضي - وهي الأولى من نوعها لزعيم مجموعة السبع منذ أكثر من ثلاث سنوات – اعتبرت بمثابة حقل ألغام دبلوماسيًا لأوروبا وحليفها الأمريكي، لكنه شعر بالسعادة لإقناع الرئيس الصيني بتحذير روسيا من استخدام الأسلحة النووية.