الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات محتملة.. هل تتأثر الانتخابات التونسية بموقف اتحاد الشغل من إجراءات الرئيس؟

  • Share :
post-title
نور الدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد التونسي للشغل

Alqahera News - نورا فايد

في الوقت الذي يبذل فيه الرئيس التونسي قيس سعيد، جهده لاستعادة الدولة التونسية، بإجراء انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر 2022، وذلك بعد حله للبرلمان السابق في مارس الماضي، واعتماد دستور جديد للبلاد في أغسطس 2022، ثم إصدار قانون انتخابي في سبتمبر الماضي، يعكس الأوزان الحقيقية للأحزاب في البرلمان- وقعَ تحول في موقف الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، فبعد أن كان داعمًا لجميع الإصلاحات التي ينفذها "قيس سعيد" في إطار الجمهورية الجديدة، أصبح رافضًا لأية قرارات تصدر عن الرئاسة التونسية أو الحكومة برئاسة "نجلاء بودن".

يأتي هذا في الوقت الذي تعارض فيه جبهة الخلاص الوطني (تضم عددًا من الأحزاب المعارضة، بالإضافة إلى حركة النهضة الإخوانية) لقرارات "سعيد"، وهو ما يعني وجود تحديات تواجه العملية الانتخابية في تونس، قد يمكن تجاوزها في حالة تراجع اتحاد الشغل التونسي عن موقفه.

في ضوء ما تقدم، سيتطرق هذا التحليل إلى الإجابة عن تساؤل رئيسي بشأن مدى تأثير الخلاف بين اتحاد الشغل التونسي وحكومة "قيس سعيد" على الانتخابات التشريعية المقبلة، منطلقًا في بداية الأمر لتوضيح أسباب حدوث الخلاف بينهم.

عوامل التغير:

يرجع التحول في موقف المنظمة النقابية التونسية خلال الفترة الماضية إلى جملة من العوامل، يمكن توضيحها على النحو التالي:

(*) تجاهل دور الاتحاد في مرسوم الحوار الوطني: كانت بداية ظهور الخلاف إلى العلن بين الرئيس التونسي "قيس سعيد" واتحاد الشغل في أواخر مايو الماضي، حينما رفض الاتحاد -الذي يتمتع بأغلبية شعبية ونقابية- المشاركة في الحوار الوطني وفقًا للصيغة التي أعلنها الرئيس"سعيد"، بشأن تشكيل الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، إذ اعتبر الاتحاد وقتها، في بيان لمتحدثه الرسمي سامي الطاهري، أن هذا الحوار هو محاولة لفرض "سلطة الأمر الواقع" على الكيانات السياسية في البلد، حيث لم تقم المؤسسة الرئاسية باستشارة جميع الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية التي تتمتع بتأثير داخل تونس ومنها اتحاد الشغل، حول الأسس الحاكمة لما سيتطرق إليه الحوار من إجراءات دستورية وإصلاحات سياسية، وقال "الطاهري" إن "الدعوة إلى أي حوار وطني يجب أن تكون بالتشاور، وليس عبر المراسيم وبصفة فردية ونتائجه معلومة مسبقًا"، مضيفًا: "لم يتم التشاور مع الاتحاد مطلقًا قبل صدور مرسوم الحوار الوطني".

(*) رفض الاتحاد لقانون الموازنة العامة للعام 2023: لطالما كان لاتحاد الشغل موقف معارض لقانون الموازنة التي تُعدها الحكومة التونسية للسنة الجديدة، ففي أواخر ديسمبر 2021، حينما أعلنت الأخيرة أن موازنة العام 2022 ستكون بعجز يقدر بنحو 3 مليارات دولار، بنسبة 6.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ثار الاتحاد واعتبر أن هذا القانون "صيغ في حجرات مظلمة، ودون استشارة أي طرف، ويعني هيمنة رؤية ليبرالية متوحشة على الملفات الاجتماعية والاقتصادية للدولة"، وفقًا لـ"الطاهري".

وفي الوقت الذي تعاني فيه تونس من ضغوط مالية ناجمة عن الأزمة السياسية التي تشهدها منذ أحدث يوليو العام الماضي، عاد الخلاف مجددًا بين الاتحاد التونسي والحكومة الذي عارض التعديلات التي أدخلتها الأخيرة على قانون الموازنة لعام 2023، معتبرًا أن هذا من شأنه تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، وذلك بفرض مزيد من الضرائب على القطاعين العام والخاص، وهو ما سيزيد من معاناة المواطنين، الذي يعانون بالفعل من تدهور لأوضاعهم المعيشية والاقتصادية، انعكست على تراجع قدرتهم الشرائية للعديد من السلع خلال الأيام الأخيرة، وهو ما عكسته كلمة الأمين العام للاتحاد التونسي "نور الدين الطبوبي" خلال تجمع نقابي في 30 نوفمبر الماضي، قائلًا إن "معركة الاتحاد القادمة هي مراجعة الجدول الضريبي للعمال في قانون الموازنة المالية لسنة 2023".

رئيسة الحكومة التونسية وأمين عام اتحاد الشغل

(*) تعثر الحكومة التونسية في إجراء إصلاحات اقتصادية: يرجع احتدام الخلاف بين الاتحاد النقابي وحكومة "نجلاء بودن" إلى تعثر الأخيرة -حتى الآن- في إدارة الأزمات الداخلية التي تمر بها البلاد على المستويات كافة، وخاصة الاقتصادية منها، وهو ما دفعها وفقًا لـ"الطبوبي" إلى دعوة مكتب دراسات فرنسي لتقديم استشارة للحكومة، تشمل خطة لوضع أدوات محددة تسهم في إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية، كما أن الاتحاد لديه رؤية أن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها حكومة "بودن" للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار لسد عجز الموازنة، وحل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها الدولة التونسية، أسهمت حتى الآن في تفاقم أوضاع البلاد، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين.

(*) اتهام الاتحاد للحكومة بتهميش الاتفاقيات الموقعة بينهما: هناك حالة من التهميش بل والتنصل تقوم بها الحكومة التونسية فيما يخص اتفاقياتها الموقعة مع اتحاد الشغل، الذي دعا مؤخرًا لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر رئاسة الحكومة في ساحة القصبة بالعاصمة تونس، تحت إشراف الجامعة العامة للإعلام (تابعة للاتحاد) لدعوة حكومة "بودن" إلى الالتزام بتطبيق اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل منذ 2019، ومن ضمن بنود هذا الاتفاق الذي ترفض الحكومة تنفيذه، وفقًا للاتحاد، البند المتعلق بتسوية أوضاع العاملين في قطاع الإعلام.

تداعيات محتملة:

عكست العوامل السالف ذكرها -والتي نجم عنها تحول الاتحاد إلى موقف المعارضين للرئيس التونسي "قيس سعيد" ولحكومته ولجميع الإجراءات التي تتخذها- رغبة أكبر منظمة نقابية في البلاد التي لطالما كانت على وفاق مع رأس السلطة التونسية، إلى إيصال رسالة مفادها، أنها لن تقبل في الوقت الحالي السياسات التي تصفها بـ"الفردية" للرئيس قيس سعيد، ولن توافق على قيام الأخير بتحديد تحركات "الشغل التونسي" داخل البلاد، وفقًا لما أكده أمين الاتحاد "الطبوبي" في 3 ديسمبر الجاري، مشددًا على أن "الاتحاد لم يعد يقبل بالمسار السياسي الحالي بسبب التفرد بالحكم والغموض".

وفي ضوء هذه التطورات، فإن تنامي حالة الخلاف والتصدع بين سلطات الدولة التونسية والاتحاد العام للشغل، من شأنها أن تؤدي إلى جملة من التداعيات، خاصّة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المزمع انعقادها في 17 ديسمبر الجاري، على النحو التالي:

(*) توظيف التيارات المعارضة الخلاف لعرقلة الانتخابات: ستتجه جميع الأحزاب المعارضة لقرارات مؤسسات الدولة التونسية إلى توظيف الخلاف بين الأخيرة والاتحاد العام للشغل، لتحقيق أهداف ومصالح خاصة، أهمها انخفاض معدل التصويت في الانتخابات إلى أقصى درجة، وفي محاولة منها للضغط على السلطة التونسية دعت 5 أحزاب تونسية معارضة وهي: العمال، الجمهوري، التيار الديمقراطي، التكتل، والقطب، في 3 ديسمبر الجاري، بالإضافة إلى حركة النهضة الإخوانية بزعامة "راشد الغنوشي" إلى ضرورة مقاطعة الانتخابات.

جبهة الخلاص الوطني

(*) استمالة الداخل و الخارج ضد ممارسات مؤسسات الدولة: لإنجاح أهداف المعارضة، قد تتجه جبهة الخلاص الوطني إلى التعاون مع الاتحاد التونسي وتكوين جبهة قوية تسهم إما في انصياع "قيس سعيد" لمطالبهم، فقد سبق أن دعت الجبهة، اتحاد الشغل -قبل خلافاته مع الحكومة- إلى الاصطفاف بجانب المعارضة السياسية في مواجهة "قيس سعيد"، والدعوة إلى حوار وطني شامل، لأن العكس يضعف المعارضة ويسهم في تعميق أزمات البلاد الداخلية والخارجية، وعليه فإن نجاح جبهة الخلاص في ضم الاتحاد لجانبها قد يسهم في تقوية صفوف المعارضة، ومن ثم اتساع رقعة الاحتجاجات والبدء في توظفيها نحو الخارج، إذا لم يستجب لها الداخل، وهذا بإيصال رسالة للمجتمع الدولى وخاصة المعارضين لسياسة "قيس سعيد"، إلى إنقاذهم مما يحدث في بلادهم، والضغط على سلطات الدولة التونسية للاستجابة للمطالب الشعبية والمعارضة.

تأسيسًا على ما سبق؛ يمكن القول إن لهجة التصعيد والتهديد بين الاتحاد العام التونسي للشغل والرئيس "قيس سعيد" قد ترتفع خلال الفترة المقبلة، ولكنها قد لا تؤثر بشكل كبير في عرقلة عملية الانتخابات البرلمانية المقبلة، خاصة بعد نفي الأمين العام للاتحاد "نور الدين الطبوي" في 8 ديسمبر الجاري لمزاعم البعض أن الاتحاد دعا لمقاطعة الانتخابات، قائلًا: "الاتحاد لم يدع إلى مقاطعة الانتخابات، بل أعطت الهيئة الإدارية للاتحاد المنعقدة منذ الاستفتاء حرية التصويت الفردي للمنخرطين"، ولذلك على رئيس الدولة إذا أراد إنجاح عملية الاستحقاق الانتخابي، محاولة جذب الاتحاد التونسي لجهته مرة أخرى، نظرًا لامتلاك الأخير -الذي يتمتع بحشد شعبي ونقابي- القدرة في التأثير على مسار عملية المشاركة والتصويت في الانتخابات.