الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

شراكات مستقبلية.. دوافع تعزيز بريطانيا لعلاقاتها مع إفريقيا

  • Share :
post-title
جيمس كليفرلى وزير خارجية بريطانيا

Alqahera News - د. مبارك أحمد

يأتي إعلان بريطانيا عن استراتيجيات طويلة الأمد لتطوير علاقاتها مع إفريقيا، ليعكس الرغبة البريطانية فى تعزيز وتنويع علاقاتها الخارجية مع الأقاليم الصاعدة اقتصاديًا، فى ظل التحديات التي تواجه القارة الأوروبية على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية التى كانت لها تداعيات شديدة الوطأة على اقتصادات الدول الأوروبية بشكل عام وبريطانيا على وجه الخصوص، فوفقًا لبيان وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في 11 نوفمبر 2022، فإن المملكة المتحدة ستتبنى شراكات طويلة الأمد لتطوير علاقاتها مع دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وأنه يتوجب أن تطور علاقاتها مع الدول ذات النفوذ المتزايد، والتى ستشكل مستقبل العالم. وترجمة لتلك التوجهات على أرض الواقع، أعلنت مؤسسة تمويل التنمية فى بريطانيا، وصندوق الضمان الإفريقي في 9 ديسمبر 2022 عن شراكة في اتفاقية بين الجانبين تقدر بخمسة وسبعين مليون دولار للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فى جميع أنحاء القارة الإفريقية.

دوافع متعددة:

تتنوع دوافع الاهتمام البريطاني بإفريقيا، وهو ما يمكن الإشارة إليه في العناصر التالية:

(*) تعويض خسائر البريكست: يأتي الاهتمام البريطاني بإفريقيا لتعويض خسائر بريطانيا الاقتصادية من الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحاجة الشركات البريطانية إلى إيجاد أسواق ووجهات استثمارية بديلة في الأسواق الناشئة. ففي 20 يناير 2020 استضافت بريطانيا قمة الاستثمار البريطاني الإفريقي بمشاركة 21 دولة إفريقية، والتي هدفت إلى تأمين صفقات استثمارية من خلال شراكات جمعت بين ممثلي الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية لتعزيز فرص الاستثمار في جميع أنحاء إفريقيا في قطاعات التعليم والصحة والشباب، وتوفير فرص العمل التي تعتبر من الاحتياجات الملحة لإفريقيا. كان قد سبق عقد القمة في عام 2018 قيام رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق تريزا ماى التي تبنت طرح فكرة القمة بجولة في عدد من الدول الإفريقية هي: جنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا، وغانا، ثم المغرب والجزائر وغانا وأنجولا ومصر، متعهدةً بجعل الاستثمار في إفريقيا أولوية لبريطانيا، وقد وصلت الاستثمارات البريطانية في إفريقيا إلى أكثر من 38 مليار جنيه استرليني في العام نفسه، وزادت نسبة التجارة بين بريطانيا وإفريقيا 7.7% عام 2019.

(*) وفرة الفرص الاقتصادية في إفريقيا: تمتلك إفريقيا مقومات اقتصادية ضخمة تحتاج لمساعدة دول القارة في كيفية استغلالها لصالح شعوبها، حيث يقع أكثر من نصف الأراضي الصالحة للزراعة على مستوى العالم فى القارة، كما أن عدد السكان القارة يبلغ 1.421 مليار نسمة فى نوفمبر 2022، بما يمثل 17.8 م فى المئة من عدد سكان العالم، كما أن شباب القارة دون الخامسة والعشرين يشكلون قرابة 65 فى المئة من سكانها. بما يجعلها قوة مستقبلية واعدة في سوق العمل. لذلك ترى بريطانيا أن القارة الإفريقية تشكل مصدرًا للأيدي العاملة الرخيصة، كما تعد مصدرًا حيويًا للموارد الطبيعية، وسوقًا متناميًا للصادرات والاستثمار يفتقر إلى الاستغلال الأنسب. حيث يمكن للقارة أن تُسهم في سد الاحتياجات البريطانية من المواد الخام اللازمة للتنمية، باعتبار إفريقيا تستحوذ على ما يقرب من 10 في المئة من احتياطي البترول عالمياً، و5.7 في المئة من احتياطات الغاز الطبيعي عالميًا.

(*) محورية الاهتمام الغربي بإفريقيا: تتزامن المساعي البريطانية نحو تعزيز العلاقات مع القارة الإفريقية مع استضافة الرئيس الأمريكي جو بايدن لقمة القادة الإفريقية الأمريكية بواشنطن في الفترة من 13-15 ديسمبر 2022، وقد عبّر الرئيس بايدن عن أن تلك القمة تظهر التزام الولايات المتحدة الأمريكية الدائم تجاه إفريقيا، فضلًا عن زيادة التعاون معها في الأولويات العالمية المشتركة. كانت القمة الإفريقية الأمريكية الأولي التي عُقدت في 2014، والتي استضافها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أكدت على أهمية العلاقات مع القارة الإفريقية.

(*) مواجهة النفوذ الصيني والروسي فى إفريقيا: يشكل التوجه البريطاني إزاء إفريقيا رغبةً في مواجهة التمدد الصينى والروسي في القارة الإفريقية. فمنذ عام 2000 تعقد الصين في بكين منتدى التعاون الصيني الإفريقي كل ثلاث سنوات بشكل منتظم. وفي عام 2018 عقدت القمة الصينية الإفريقية بمشاركة 50 دولة إفريقية. وقد بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين الصين وإفريقيا نحو 254.3 مليار دولار في عام 2021، وفقًا لبيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية. أما بالنسبة للوجود الروسي فى إفريقيا، ففى أكتوبر 2019 عقدت القمة الروسية الإفريقية في سوتشى وبحضور نحو 54 رئيس دولة وحكومة إفريقية. وتبنى البيان الختامي للقمة اتفاق الأطراف على تحويل القمة إلى آلية ثابتة لتعزيز الشراكة، مع الاتفاق على عقد لقاءات مماثلة مرة كل 3 سنوات وبالتناوب في استضافتها بين روسيا وأحد بلدان القارة، فضلًا عن الرغبة فى إمكانية زيادة حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا من 20 مليار دولار إلى 40 مليار دولار.

النفوذ الصيني والروسي فى أفريقيا
تحديات ماثلة:

تواجه بريطانيا العديد من التحديات في سعيها لتطوير علاقاتها بالقارة الإفريقية، لعل أبرزها:

(&) ضعف تمويل التنمية في إفريقيا: تواجه بريطانيا بعد الأزمة الأوكرانية الروسية العديد من التحديات الاقتصادية والمرتبطة بارتفاع التضخم وزيادة الأسعار، وعجز الموازنة الذى وصل إلى 40 مليار جنيه أسترليني (46 مليار دولار)، ووفقًا لمكتب الإحصاء الوطني البريطاني فإن المعدل السنوي لتضخم أسعار المستهلكين في بريطانيا ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ 41 عامًا عند 11.1 في المئة خلال أكتوبر 2022 ليفوق بذلك كل التوقعات، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بأسرع معدل منذ عام 1977. وقد أسهمت الأزمة الاقتصادية في عدم استقرار الحكومات المنتخبة، فبعد أقل من ستة أسابيع لتوليها المنصب قدمت رئيسة الوزراء ليز تراس استقالتها، ليتولى ريشى سوناك رئاسة الحكومة البريطانية. ولا شك أن المعضلة الاقتصادية التى تواجه بريطانيا ستنعكس على تمويل المشروعات التنموية في الدول الإفريقية.

(&) التنافس الدولي على إفريقيا: تواجه إفريقيا تنافسًا دوليًا عكسته العديد من القمم مع القوى الكبرى، التي كان أهمها القمة الفرنسية الإفريقية الـ28 في مونبيليه بفرنسا أكتوبر 2021، والقمة الصينية الإفريقية سبتمبر 2018، والقمة الروسية الصينية أكتوبر 2019، والقمة الألمانية الإفريقية نوفمبر 2019، والقمة البريطانية الإفريقية فى يناير 2020، والقمة الأمريكية الإفريقية الأولى 2014 والثانية فى نوفمبر 2022. ويشكل توجه القوى الكبرى نحو عقد تلك القمم دليلًا دامغًا على ما تمتلكه القارة من قدرات اقتصادية، وسعى القوى الكبرى لتنويع علاقاتها مع القارة السمراء باعتبارها سوقًا اقتصادية ناشئة. وبرغم أهمية ذلك التنافس إذا تمت إدارته لصالح دول القارة لتنويع ارتباطاتها الخارجية، إلا أنه قد يؤدى إلى توظيف تلك الدول فى لعبة الصراعات الدولية المتفجرة.

القمة الفرنسية الأفريقية الـ 28 في مونبيليه بفرنسا أكتوبر 2021

(&) الصورة الذهنية الاستعمارية: ثمة صورة ذهنية لدى قطاع معتبر من مواطني الدول الإفريقية عن الاستعمار الغربي، وما خلّفه من مشكلات مزمنة لا تزال قائمة بين المجتمعات الإفريقية، سواء فيما يخص ترسيم الحدود أو التأثير على الهوية الإفريقية أو نزح ثرواتهم. فالدول الغربية وفى مقدمتهم بريطانيا لديها سجل استعماري حافل فى العديد من الدول الإفريقية مثل جنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا، وقد اعتبر البعض أن عودة بريطانيا لإفريقيا تشبه استعادة لمشروع سيسل رودس فى أواخر الثمانينيات، حيث تمكنت بريطانيا من خلاله بفرض سيطرتها على عدد من الدول الإفريقية. وهو الأمر الذى يشكل حائلًا دون تقبل الشراكات الاقتصادية الجديدة واعتبار تيار إفريقي بأنها آلية استعمارية جديدة، ولكن بشكل يتناسب مع واقع العصر الجديد القائم على التغلغل الاقتصادى والثقافي للمجتمعات الأكثر هشاشة.

مجمل القول إن سعي بريطانيا لتطوير علاقاتها بالدول الإفريقية يأتي في إطار رغبتها لخلق أسواق بديلة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتأمين إمدادات المواد الخام التي تحتاجها كمحركات للتنمية، فضلًا عن مشاركتها في تبني الاستراتيجية الغربية الرامية للحد من الوجود الروسي والصينى في إفريقيا، باعتبارها من الأسواق الواعدة اقتصاديًا. وهو الأمر الذى يتطلب من الدول الإفريقية اعتمادها على الذات بديلًا للمعونات الخارجية، والتي يتم توظيفها في سياق الصراعات الدولية على قمة النظام الدولي.