الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزة

  • Share :
post-title
مجلس الأمن الدولي - أرشيفية

Alqahera News - د. مبارك أحمد

وافق مجلس الأمن الدولي، 25 مارس 2024، على أول قرار بشأن وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، بتأييد أغلبية 14 عضوًا مقابل امتناع عضو واحد عن التصويت وهو الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تستخدم حق النقض "الفيتو" كما حدث في جلسات سابقة ومتكررة للمجلس بشأن وقف النار في غزة. وينص القرار على المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، خلال شهر رمضان، الذي بدأ قبل أسبوعين، على أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار. كما يطالب القرار بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين، وإزالة كل العوائق أمام المساعدات الإنسانية التي من دونها بات سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة معرضين لخطر المجاعة.

ردود فعل متباينة

انقسمت ردود الأفعال بشأن القرار إلى مستويين، يتمثل أولهما في رفض تبني مجلس الأمن مثل هذا القرار ويعبر عن إسرائيل التي رفضت القرار، وعلقت زيارة وفدها الذي كان من المفترض أن يزور واشنطن للتباحث بشأن الهدنة المحتملة، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه، الاثنين 25 مارس 2024، أنه لن يرسل وفدًا إلى واشنطن كما كان مقررًا، بعد امتناع الولايات المتحدة عن استخدام "الفيتو" في تصويت مجلس الأمن، وأضاف نتنياهو أن عدم استخدام واشنطن حق النقض ضد المقترح تراجع صريح عن موقفها السابق، وسيضر بجهود الحرب على حركة "حماس" في غزة، بالإضافة إلى الإضرار بجهود الإفراج عن أكثر من 130 محتجزًا.

وبرغم أن ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، وفي ظل امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت اعتبر أن القرار غير ملزم، إلا أن الخارجية الأمريكية عادت وأشارت إلى أن البيان الإسرائيلي الذي يقول إن قرار مجلس الأمن عرقل محادثات تبادل المحتجزين غير دقيق، كما أكدت أن اجتياح شامل لرفح الفلسطينية سيضر بالمدنيين وسيترك إسرائيل في عزلة دولية.

أما المستوى الثاني فتمثله الدول العربية التي رحبت بصدور القرار، إذ رحبت مصر باعتماد مجلس الأمن القرار، وأكد بيان لوزارة الخارجية أن صدور هذا القرار "رغم ما يشوبه من عدم توازن نتيجة إطاره الزمني المحدود والالتزامات الوارده به، إلا أنه يمثل خطوة أولى مهمة وضرورية لوقف نزيف الدماء ووضع حد لسقوط الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وإتاحة الفرصة لدخول المساعدات الإنسانية"، وطالبت القاهرة بضرورة التنفيذ الفوري لوقف إطلاق النار، وبما يفتح المجال للتعامل مع كل عناصر الأزمة، مؤكدة أنها ستواصل جهودها الحثيثة مع الأطراف الدولية والإقليمية من أجل احتواء أزمة قطاع غزة في أسرع وقت ممكن.

ورحبت الرئاسة الفلسطينية بالتصريحات الأمريكية المتلاحقة التي تطالب بوقف الحرب، وتحذر إسرائيل من الهجوم على مدينة رفح الفلسطينية، واحتمالات وقوع الآلاف من الضحايا المدنيين بشكل غير مسبوق. وأكدت الرئاسة الفلسطينية أهمية هذه التصريحات الأمريكية، خاصةً ما قالته كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، إن كل الخيارات على الطاولة، وكذلك ما قاله لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، إن حماية المدنيين الفلسطينيين من الأذى هو ضرورة أخلاقية واستراتيجية، واصفًا الوضع في غزة بأنه كارثة إنسانية.

دلالات متعددة

رغم وجود انقسام ما بين التأييد والرفض لقرار مجلس الأمن الدولي، إلا أنه يعكس العديد من الدلالات يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) نفاذية ضغوط المجتمع الدولي: على الرغم من أن مجلس الأمن سعى لتبني مشروعات قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، ومنع استهداف المدنيين، وإدخال المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لطالما استخدمت حق النقض (الفيتو)، لمنع تمرير تلك المشروعات بهدف حماية حليفها الاستراتيجي في المنطقة من المسؤولية الدولية عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني.

ومع تبلور جبهة دولية رافضة للسلوك الأمريكي، لدعم إسرائيل في حربها الغاشمة على غزة، التي أدت لارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 32552 شهيدًا و74980 مصابًا منذ السابع من أكتوبر 2023، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، 28 مارس 2024، بما وضع الولايات المتحدة في جانب وباقي دول العالم في جانب آخر، وهي الدول الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، التي بدا دعمها واضحًا خلال محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدول الدولية، في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا وقدمت خلالها الأسانيد على ممارسة إسرائيل لجرائمهم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

(*) تشكيل رأي عام دولي رافض للموقف الأمريكي: يأتي تغير الموقف الأمريكي حتى وإن كان من الناحية الشكلية وعدم استخدام "الفيتو" ضد مشروع القرار الذي تبناه مجلس الأمن بوقف إطلاق النار استجابةً في أحد جوانبه إلى تيار من الرأي العام الدولي، الذي تشكل ويرفض ما تقوم به إسرائيل من جرائم في غزة، ويرفض أيضًا الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل في تلك الحرب، وهذا التيار لم يتشكل فقط في دول العالم المختلفة التي خرجت فيها مظاهرات ترفض العدوان وتندد بالسياسة الأمريكية المزدوجة، بل كان له قطاع معتبر من المؤيدين داخل الولايات المتحدة نفسها، ومنهم موظفون رسميون أرسلوا برقيات للرئيس بايدن يطالبونه بوقف الحرب ووقف الدعم الأمريكي لإسرائيل كما فعل موظفون من البيت الأبيض ومن الخارجية الأمريكية.

(*) أزمة الهيمنة الأمريكية: يعكس الفشل الأمريكي في الضغط على إسرائيل لوقف الحرب باعتبار أنها حليف الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، أزمة الهيمنة الأمريكية المتزايدة، فعقب ست جولات متتابعة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لمنطقة الشرق الأوسط منذ عملية "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر 2023، وزيارة إسرائيل والدول المعنية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يتمكن في أي منها إقناع إسرائيل بوقف الحرب أو منع استهداف المدنيين، بما يعني أن الولايات المتحدة أضحت تعاني أزمة هيمنة تعمقها عوامل داخلية مرتبطة بانقسام مجتمعي حاد ما بين السود والبيض ومطالبات بانفصال ولايات عن النظام الفيدرالي الأمريكي، كما تجلى ذلك الانقسام والعجز بل والفشل في تجاوز خيار المرشحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة الذين يعاني أحدهما ضعف قدارته الذهنية ودخل العقد التاسع من عمره وهو بايدن، وثانيهما داعم للفوضى ورافض للمؤسسية، ويقترب من العقد التاسع من عمره أيضًا وهو ترامب في مجتمع تصل نسبة الشباب بين 18 و44 عامًا فيه إلى أكثر من 60%، ولا تزيد نسبة من تجاوزوا الخامسة والستين عن 13%.

(*) الورقة الانتخابية: تسعى إدارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى توظيف موقفها الجديد والمرتبط بعدم استخدام "الفيتو" ضد مشروع قرار مجلس الأمن إلى توظيف ذلك السلوك كورقة في الانتخابات الرئاسية نوفمبر 2024، التي تبلور المشهد التنافسي لخوضها ما بين الرئيس الحالي جو بايدن كمرشح للحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترامب كمرشح للحزب الجمهوري.

ونظرًا لتزايد شعبية ترامب ووجود كتلة صلبة داعمة له من الناخبين الجمهوريين، فإن الحزب الديمقراطي، ومع ما يرفعه من شعارات تدور حول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، التي سقطت في حرب غزة يحاول استعادة الصورة الذهنية بوصفه مدافعًا عن تلك الحقوق والحريات كقيم يدعمها على المستوى العالمي، لذلك فإن تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام حق النقض ربما يأمل الجمهوريون منه لتحسين مصداقية بايدن أمام ناخبيه، لا سيما وأن كل الفعاليات الانتخابية التي يعقدها الحزب يرفع خلالها لافتات تطالب بوقف الحرب في غزة، حتى وإن كانت القضايا الخارجية لا تهم الناخب الأمريكي بشكل أساسي، إلا أن الحرب على غزة فرضت واقعها على قضايا السباق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول أوروبية أيضًا.

(*) تزايد الخلاف بين بايدن ونتنياهو: يعكس الموقف الأمريكي بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الخلاف المتزايد بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إذ ترفض الولايات المتحدة الأمريكية أي خطط إسرائيلية لاجتياح رفح الفلسطينية، ورفض سياسة الاستيطان الإسرائيلية، فضلًا عن تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، التي أصبحت تُشكل عبئًا على الإدارة الأمريكية الحالية بما جعل نائبة الرئيس الأمريكي تحذر من الاقتحام الإسرائيلي لرفح وتلوح بإمكان فرض عقوبات.

مجمل القول إن فاعلية قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزة يتوقف على مدى قدرة القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية على ممارسة ضغوطها على إسرائيل للانصياع لذلك القرار في ظل تردي الأوضاع الإنسانية داخل قطاع غزة، التي لا تحتاج فقط لوقف إطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، وإنما استدامة ذلك الوقف وفق المقترح الروسي الذي تم تعديله.