الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فرص السلام.. هل اقترب موعد تسوية الصراع الروسي الأوكراني؟

  • Share :
post-title
الرئيسين الروسي والأوكراني خلاف محادثات سابقة بصيغة النورماندي الرباعية

Alqahera News - د. مبارك أحمد

يأتي إعلان ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، رفض اقتراح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لتحقيق السلام ووصفه الاقتراح بأنه عبارة عن ثلاث خطوات نحو تعزيز العدائية، وأنه ما لم تقبل أوكرانيا بالواقع الجديد فإن التقدم نحو السلام غير ممكن، ما لم تؤخذ الحقائق الجديدة على أرض الواقع في الاعتبار، وأن الانسحاب من أوكرانيا قبل نهاية العام أمر غير وارد.

جاء مقترح الرئيس الأوكراني، في كلمته عبر الإنترنت، أمام قمة مجموعة السبع، في 12 ديسمبر 2022، ليقوم على ثلاثة إجراءات رئيسية لتسريع إحلال السلام في أوكرانيا وفقًا لما ذكره زيلينسكي، الإجراء الأول في المقترح بعنوان "قوة جديدة" لزيادة الدعم الدفاعي الغربي لبلاده من صواريخ بعيدة المدى ودبابات قطع المدفعية الصاروخية، معتبرًا أن ذلك لن يسمح بالتصعيد من الجانب الروسي، والإجراء الثاني "مرونة جديدة" لدعم الاستقرار المالي والاجتماعي وأمن الطاقة في أوكرانيا من خلال تزويد كييف بمساعدات جديدة، فيما عنون الإجراء الثالث بـ"الدبلوماسية الجديدة" التي ستستخدمها أوكرانيا لدفع عملية تحرير شعبها وأرضها.

دعوات متكررة للسلام:

أدت تداعيات الصراع الروسي الأوكراني إلى تنامي الدعوات المطالبة بالجلوس على مائدة المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، لا سيما وأن كل أقاليم العالم ودوله عانت من التداعيات الاقتصادية للصراع، في ظل ركود عالمي أصاب جميع الاقتصادات بلا استثناء. كان من أبرز تلك الدعوات دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومطالبته للرئيس الصيني شي جي بينج، خلال قمة مجموعة العشرين، التي عُقدت في مدينة بالي الإندونيسية، نوفمبر 2022، بإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالجلوس على مائدة المفاوضات. كما وجه أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، دعوات متكررة بضرورة التوصل لحل سلمي للأزمة، مؤكدًا أن العالم يواجه أكبر أزمة سلام وأمن عالمية في السنوات الأخيرة، وحان الوقت للعودة إلى طريق الحوار والمفاوضات من أجل السلام، وإنقاذ شعب أوكرانيا وخارجها، وأن الأمم المتحدة والنظام الدولي برمته يتم اختبارهما ويجب اجتياز هذا الاختبار. كما وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال افتتاح قمة المناخ العالمية، بمدينة شرم الشيخ، نوفمبر 2022، نداءً باسمه وباسم القادة المشاركين في فعاليات القمة، حول ضرورة وقف الحرب الروسية الأوكرانية، ودعا إلى وقف هذا الدمار والخراب والقتل، لتأثر كل الدول بتداعياتها.

خسائر متنوعة:

جاءت دعوات السلام المتكررة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، نتيجة للخسائر الجسيمة التي مُنيت بها العديد من الدول، سواء المنخرطين فيها أو المتأثرين بتداعياتها، وكان من أبرز تلك الخسائر:

(*) خسائر أوروبية: أسهم الصراع الروسي الأوكراني في تعقيد المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الاقتصادات الأوربية في ظل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، حيث كانت الإمدادات الروسية من الغاز تغطي 40% من استهلاك القارة الأوربية. كما عكس الصراع هشاشة الأمن الأوروبي في ظل اعتماده على الضمانة الأمريكية من خلال مظلة حلف الناتو. لذلك اتجهت العديد من الدول الأوروبية لزيادة مخصصات الموازنات العسكرية، للحفاظ على أمنها في ظل تعقيدات الصراع الروسي الأوكراني، على أمن واستقرار تلك الدول وفي مقدمتهم ألمانيا. وهو الأمر الذي جعل عدد من المحللين يتخوفون من اندلاع سباق تسلح سيعد خَصمًا من مخصصات التنمية العالمية.

كلمة الرئيس الأوكراني في قمة مجموعة السبع

(*) خسائر أوكرانية: كان إصرار أوكرانيا وسعيها إلى الانضمام لحلف الناتو أحد العوامل الرئيسية لشن روسيا العملية العسكرية على أراضيها، مما أدى إلى خسارة أوكرانيا لما يقرب من 20% من تلك الأراضي، بعد تصديق البرلمان الروسي على معاهدات تجعل مناطق دونيتسك، ولوجانسك، وخيرسون، وزابوريجيا جزءًا من الأراضي الروسية. يُضاف إلى ذلك الخسائر الاقتصادية الهائلة في البنية التحتية، التي تجاوزت وفقًا لبعض التقديرات 750 مليار دولار، فضلًا عن الخسائر الكبيرة في صفوف العسكريين والمدنيين ونزوح ولجوء الملايين من سكان مناطق العمليات إلى دول الجوار وغيرها. لذلك عبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مداخلته أمام مؤتمر باريس لدعم أوكرانيا، الذي انعقد عبر تقنية الفيديو كونفرانس في 13 ديسمبر 2022، عن حاجة بلاده لمساعدات فورية تقدر بنحو 800 مليون يورو لمساعدة أوكرانيا من أجل تمكينها من اجتياز فترة الشتاء القارس. كان المؤتمر أتاح، وفق تصريحات وزيرة كاترين كولونا، الخارجية الفرنسية، جمع هبّات بنحو مليار يورو "1.05 مليار دولار" لمساعدة السكان على تحمل فصل الشتاء في بلد دمرت الضربات الروسية منشآته للطاقة، وأوضحت أنه من أصل مبلغ المليار يورو سيخصص 415 مليونًا لقطاع الطاقة، و25 مليونًا للمياه، 38 مليونًا للغذاء، و17 مليونًا للصحة، و22 مليونًا لوسائل النقل.

(*) خسائر روسية: في 21 سبتمبر 2022، أعلن سيرجي شويجو، وزير الدفاع الروسي، أن قواته فقدت نحو ستة آلاف جندي في المعارك منذ اندلاع الحرب بأوكرانيا. ومع إقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالخسائر في صفوف الجنود الروس فقد اتخذ قرارًا بالتعبئة الجزئية للجيش الروسي لمحاولة تعويض تلك الخسائر. وعلى المستوى الاقتصادي تكبدت روسيا خسائر تجاوزت تريليون دولار بعد فرض العقوبات الغربية على موسكو، حيث فرضت الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واليابان عقوبات طالت القطاعات الاقتصادية والتجارية، مما تسبب في خسائر حادة للاقتصاد الروسي، منها تجميد أموال روسية في البنوك الأوروبية، وتحديد سقف لأسعار النفط الروسي في الأسواق العالمية، ثم جاء إعلان الاتحاد الأوروبي، نهاية مايو 2022، لحظر نحو 90% من واردات النفط الروسية بنهاية 2022.

مكاسب متعددة:

برغم الخسائر المتعددة التي أدت إلى نزيف اقتصادي عالمي، وتأثر عدد من اقتصادات الدول، إلا أن ثمة أطراف حققت مكاسب متنوعة من اندلاع الصراع الروسي، هي:

وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين في لقاء مع الرئيس الأوكراني-أرشيفية

(&) الولايات المتحدة الأمريكية: ثمة اتجاه يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في استدراج روسيا إلى المستنقع الأوكراني، لتحقيق هدفين رئيسيين، أولهما الحد من الصعود الروسي على مسرح السياسة الدولية بعد أن نجحت في حسم ملفات إقليمية ودولية، منها على سبيل المثال دعمها الجانب السوري منذ 2011، وتزايد الوجود الروسي في إفريقيا، الذي اتضح من خلال تصويت عدد من دول القارة لصالح روسيا في الأمم المتحدة، وثانيها استعادة الضمانة الأمريكية للأمن الأوروبي بعد أن تزايدت الدعوات الأوروبية بضرورة إنشاء جيش أوروبي مستقل لحماية أمن القارة، وهو التوجه الذي كانت تطالب به كل من ألمانيا وفرنسا، لا سيما وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصف حلف الناتو بأنه يعاني من "موت دماغي". وبالتالي فإن اندلاع الصراع الروسي الأوكراني أسهم بشكل مباشر في عودة أوروبا للمظلة الأمنية الأمريكية، بعد وقف تعزيز العلاقات الاقتصادية الأوروبية الروسية، التي تجلت في خطي غاز نورد ستريم الممتد من روسيا إلى ألمانيا وربما منها إلى باقي القارة الأوربية، كما أن اتجاه عدد من الدول الأوروبية لزيادة مخصصات موازناتها العسكرية سيصب لمصلحة الشركات الأمريكية العاملة في مجال الصناعات العسكرية.

(&) الصين: شكلت الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة مواتية للصين لتحقيق طموحاتها على المستوى العالمي، فالحرب أعادت إلى الأذهان مشهد الحربين العالميتين الأولى والثانية الناجمتين عن الصراع المعقد ما بين الدول الأوروبية، وكانت مسرح عملياتهما الرئيسية أراضي القارة الأوروبية، ولحقت بها معظم أقاليم العالم الأخرى، وكان لنتائج الحربين تأثير مباشر على إعادة صياغة النظام الدولي لصالح القوى المنتصرة. وبرغم أن الدوافع الروسية المعلنة بالحفاظ على الأمن القومي الروسي ومنع تمدد حلف الناتو على تخوم روسيا، فضلًا عن الرغبة في إعادة تشكيل النظام الدولي لصالح التعددية القطبية، وأن آسيا ستكون هي المحرك الرئيس للنظام العالمي الجديد، وهي الأهداف التي تتماشى مع التوجهات الصينية، إلا أن الصين وخلال التصويت على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، في جلسة للأمم المتحدة، مارس 2022، التزمت الحياد وامتنعت عن التصويت، وهو ما يعني أنها لا تسعى للتورط في صراع ممتد مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية، بل تسعى لتوظيف مكاسب الصراع الروسي الأوكراني لصالح الصعود الصيني المتأني لقمة النظام الدولي.

الرئيسان الصيني والروسي-أرشيفية

(&) مقاتلو الفوضى: جاءت دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بتشكيل لواء دولي من المتطوعين الأجانب للمساعدة في محاربة القوات الروسية لتصب في مصلحة مقاتلي الفوضى المنتشرين في عدد من الصراعات الدولية المتفجرة، فقد أشار بيان صدر عن زيلينسكي، في فبراير 2022، وعقب اندلاع الحرب بأن كل الأجانب الراغبين في الانضمام للمقاومة الأوكرانية لحماية الأمن العالمي مرحب بهم من قبل القيادة الأوكرانية، للحضور إلى أوكرانيا والانضمام إلى صفوف قوات الدفاع الإقليمية. في المقابل أعلن مقاتلون من الشيشان انخراطهم لدعم الجيش الروسي في حربه ضد أوكرانيا. ومع مشاركة المقاتلين الأجانب من المرتزقة والمتطوعين سيؤدى ذلك إلى إطالة أمد الصراع وستكون نتائجه سلبية على أمن القارة الأوروبية، وستُضاف معضلة العائدين من أوكرانيا إلى قوائم العائدين من مناطق الصراعات المختلفة، وما لذلك من تداعيات مستقبلية على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.

مجمل القول؛ إن تحليل المكاسب والخسائر للأطراف المنخرطة أو المشاركة في الصراع الروسي الأوكراني يعكس صعوبة التوصل لصيغة سلام بين روسيا وأوكرانيا على المدى القريب، وأن عنصر الحسم لدفع الطرفين للجلوس إلى مائدة المفاوضات سيرتبط بوصول الطرفين إلى نقطة الإنهاك المتبادل أو نجاح روسيا في تحقيق أهداف العملية العسكرية بأوكرانيا، ويعزز من هذا التصور مقولة المفكر الاستراتيجي كارل كلاوزفيتز، بأن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى، بمعنى أن أي عمل عسكري يجب أن يقف وراءه هدف سياسي وفي ظل تنوع أهداف الأطراف المنخرطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع، فإن استدامته ستظل مرهونة بحدوث تسويات كبرى لمناطق النفوذ الدولية ما بين القوى المهيمنة على تفاعلات النظام الدولي، وتلك الراغبة في الاعتراف بنوع من التعددية القطبية. وحتى تحدث تلك التسويات سيظل الصراع مفتوحًا على كل الاحتمالات في ظل التأرجح ما بين دعوات السلام والدعم الغربي المكثف لأوكرانيا، وحتى إن طال أمد الصراع فستصبح المفاوضات في نهاية المطاف هي الحل الأمثل للخروج من ذلك المأزق المعقد، وبقدر الحقائق على أرض الواقع ستكون نتائج تلك المفاوضات التي من المرجح أن تكون بداية لحقبة جديدة بشأن تفاعلات النظام الدولي والتحالفات الجديدة التي شكلها الصراع الروسي الأوكراني على أرض الواقع.