الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات متنوعة.. تأثير رفع الفائدة وتحرير سعر الصرف على الاقتصاد المصري

  • Share :
post-title
سعر صرف مرن للجنيه المصري

Alqahera News - شعبان الأسواني

قررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري، باجتماعها الاستثنائي في 27 أكتوبر 2022، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس، لتصبح 13.25% و14.25% و13.75٪، على التوالي، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس أيضًا، لتصبح 13.75%.

كما أعلن البنك المركزي تحرير سعر الصرف بما يحدد قيمة الجنيه المصري، مقابل العملات الأجنبية الأخرى، بواسطة قوى العرض والطلب، وذلك في إطار نظام سعر صرف مرن، مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي، والمتمثل في تحقيق استقرار الأسعار، وتمكينه من الحفاظ على مستويات كافية من الاحتياطيات الدولية، مؤكدًا متابعته عن كثب كافة التطورات الاقتصادية واستخدام كافة أدواته النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار.

وفي هذا الإطار، يسعى هذا التحليل إلى تناول أهم أبعاد قرار رفع البنك المركزى لسعر الفائدة، وتحرير سعر الصرف، مع التطرق لأهم تبعات هذا القرار على الاقتصاد المصرى.

أبعاد التوقيت:

يتزامن القرار مع بعض الأبعاد الدولية والمحلية، التي تظهر أهمها فيما يلي:

* عالم مليء بالصدمات

 جاءت قرارات المركزي، بالتزام مع ما يعانيه العالم من العديد من الصدمات والتحديات التي لم يشهد مثيلها منذ سنوات، فقد تفاقمت معدلات التضخم العالمي في أعقاب جائحة كوفيد-19 وسياسات الإغلاق، ثم استتبعها الأزمة الروسية الأوكرانية، ما دفع صندوق النقد الدولي للتوقع بارتفاع التضخم العالمي في عام 2022 ليسجل 7,4%.

ونتيجة لذلك، قامت البنوك المركزية في العالم بتشديد سياساتها النقدية، حيث قام بعضها برفع أسعار الفائدة بشكل أكبر؛ للحد من معدلات التضخم التي لا تزال عند مستويات مرتفعة، ومن أجل كبح التضخم وارتفاع أسعار السلع الذي أصاب العديد من دول العالم منذ نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية، تبنَّت البنوك المركزية في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة موقفًا أكثر تشددًا، من خلال رفع سعر الفائدة.

* سياسة جديدة للبنك المركزي

 نحن الآن أمام مرحلة جديدة، يتخلى فيها البنك المركزي عن سياسة الدفاع عن الجنيه المصري وتثبيت سعره، وهي السياسة التي طبقها طوال السنوات الماضية، مقابل ضبط السوق، وما يعزز من تلك السياسة الجديدة، هي تصريحات حسن عبد الله، القائم بأعمال محافظ البنك المركزي المصري، بشأن قيام البنك بالعمل على إنجاز مؤشر للجنيه أمام سلة عملات أجنبية وذهب، وأن الإجراء يهدف إلى خفض تأثر سعر صرف الجنيه أمام تطورات الدولار. وسبق ذلك، إعلان هشام عز العرب، مستشار محافظ البنك المركزي المصري، على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن، أن تثبيت سعر الجنيه المصري ليس هدفًا، مشيرًا إلى أن كل زيادة 10% في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، تؤدي إلى ارتفاع التضخم في مصر 4%، أما تراجع الدولار 10% مقابل الجنيه فيخفض التضخم 0.5%.

* حلول استباقية للتداعيات والانعكاسات السلبية

تبنت الدولة المصرية وضع حلول استباقية للتداعيات والانعكاسات السلبية، عبر اتخاذ حزمة من الإجراءات المالية والحماية الاجتماعية، للتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار والتضخم على المواطنين، والتي كان آخرها الحزمة الاجتماعية الاستثنائية التي جاءت تنفيذًا للتكليفات الرئاسية، وأعلنتها الحكومة في 26 أكتوبر 2022.

وقامت وزارة المالية بتدبير 67,3 مليار جنيه لصرف حزمة الحماية الاجتماعية الإضافية، اعتبارًا من الشهر المقبل، نوفمبر 2022،لتخفيف الأعباء عن المواطنين، والتي تضمنت: "300 جنيه منحة استثنائية لأصحاب المعاشات لمواجهة غلاء المعيشة بتكلفة سنوية بلغت 32 مليار جنيه، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 جنيه شهريًا، هذا بالإضافة إلى زيادة الحد الأدنى لكل الدرجات الوظيفية بالدولة بقيمة 300 جنيه، و3,3 مليار جنيه إضافية لاستمرار صرف حزمة الحماية الاجتماعية المقررة بالبطاقات التموينية لـ 10,5 مليون أسرة حتى 30 يونيو المقبل بتكلفة إجمالية سنوية 8,5 مليار جنيه".

* تجارب تعويم متعددة:

لم تكن التجربة المصرية في تحرير سعر الصرف هي الوحيدة من نوعها، إذ تعد تجربة تعويم العملة التي شهدتها الولايات المتحدة في أوائل فترة الثمانينيات من القرن الماضي، من أهم وأشهر تجارب تعويم العملة على مستوى العالم، من خلال تطبيق نهج الفوائد المرتفعة باعتبارها وسيلة لممارسة عملية التعويم وتنفيذها.

وتعد تجربة تعويم الدرهم المغربي من أهم التجارب في الفترة الراهنة، إذ بدأت في يناير 2018 سمحت لسعر صرف الدرهم التحرك بهامش 2,5% صعوداً أو هبوطاً أمام عملتي اليورو "بوزن 60%" والدولار الأمريكي "بوزن 40%"، فيما تم تعويم الريال البرازيلي سنة 1999 ليفقد أكثر من 87% من قيمته -حسب بعض التقديرات- ما أدى لارتفاع التضخم بشكل ملحوظ، قبل أن يستعيد استقراره في 2003.

قرارات لجنة السياسة النقدية
انعكاسات متعددة:

تمخض عن قرار البنك المركزي المذكور سابقًا، بعض التداعيات السريعة التي حدثت في نفس يوم القرار، ومن المرجح أن يسهم هذا القرار في إفراز العديد من التداعيات على المديين القريب والمتوسط، ويمكن تناول أبرز التداعيات الناتجة والمحتملة عن القرار فيما يلي:

* إيجابيات رفع سعر الفائدة

 قد يكون رفع سعر الفائدة الأداة النقدية الأبرز لدى كافة البنوك المركزية؛ لكبح التضخم،إذ يستطيع البنك المركزي بهذا القرار تجفيف قدر من السيولة الزائدة وخفض معدلات التضخم، بدلًا من تسارعها وتأثيراتها على المواطن وكذلك على الموازنة العامة للدولة.

الأمر الثاني، ينعكس على وضع الحكومة في الاقتراض، لأنها ستقترض بأسعار أعلى، وهذا قد يقلل من تخارج الأموال الساخنة من مصر، وسيساعد على استقرار قيمة الجنيه المصري، وبالنسبة للمواطن العادي، من شأن القرار أن يسهم في أن ينعم المواطن بمدخراته، وتكون هناك نسبة فائدة مرتفعة، أو شهادات خاصة تطرحها البنوك المصرية، فعلى خلفية القرار الأخير للبنك المركزي، أعلن محمد الأتربي رئيس اتحاد البنوك المصرية ورئيس بنك مصر، في 27 أكتوبر 2022، أن بنكي مصر والأهلي قررا طرح شهادات استثمار بعائد مرتفع يصل إلى 17.25% سنويًا و16.25% ربع سنوي، و16% شهريًا.

* مزايا تحرير قيمة الجنيه: 

يؤثر تعويم العملة على قيمة النقد المحلي، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، بما يؤثر على الأسعار، وحركة التجارة الخارجية والنمو الاقتصادي بوجه عام، ففي حالة تعويم العملة باتجاه انخفاض سعر صرفها، كان لهذا الأمر تأثيرا إيجابيًا على حركة الصادرات، نظرًا لانخفاض أسعارها بالنسبة للمستوردين الأجانب، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب عليها، وينتج عن ذلك انخفاض في الواردات نتيجة لارتفاع أسعار السلع بالنسبة للمستوردين المحليين، وبالتالي يحدث انخفاض في عجز الميزان التجاري.

وتتأثر الصناعة المحلية أيضا نتيجة دخولها مجال تنافسي مع الواردات، التي تنخفض مع الارتفاع النسبي للسلع الأجنبية بالنسبة للمستوردين المحليين، الأمر الذي يعمل بدوره على إحداث زيادة في النمو الاقتصادي، وارتفاع عملية الإنتاج، وهو ما قد يؤدي إلى خفض معدل البطالة، كما أن انخفاض عملة معينة بعد التعويم بنسبة معينة، قد يؤدي إلى انخفاض تكلفة الاستثمار الأجنبي، وكذلك انخفاض تكلفة السياحة والصادرات بنفس نسبة انخفاض العملة تقريبًا؛ ما يشير إلى تحسنهما وزيادة حاصلاتهما.

* نتائج سريعة 

جنت مصر نتائج إيجابية سريعة عقب قرارات البنك المركزي، فقد أعلنت الحكومة المصرية عن الحصول على تمويلات دولية بقيمة 9 مليارات دولار بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولى مدته تصل إلى 4 سنوات، يتضمن إصلاحات اقتصادية شاملة، وشملت التمويلات 3 مليارات من صندوق النقد الدولي، ومليار دولار من صندوق الاستدامة والمرونة، و5 مليارات من الشركاء الدوليين.

وجاء الاتفاق بعد سد الفجوة التمويلية خلال الأربع سنوات المقبلة، ما يشير إلى الاعتراف الدولي بقوة واستقرار الاقتصاد المصري، هذا بالإضافة إلى استهداف الحكومة مضاعفة الاحتياطيات النقدية خلال هذه الفترة، وصعود جميع مؤشرات البورصة المصرية بقوة قبيل منتصف تعاملات جلسة نفس يوم قرارات المركزي، إذ قفز مؤشر EGX30، بأكثر من 3,63% ليصل إلى مستوى 10935 نقطة، وصعد مؤشر EGX70 بنسبة 2,76%، فيما صعد مؤشر EGX100 الأوسع نطاقًا بنسبة 2,21%، وتجاوزت التداولات حاجز 1,21 مليار جنيه خلال أول ساعتين من جلسة تداولات الخميس.

* إشادات دولية ومحلية

 أشاد روبن بروكس، كبير الاقتصاديين بمعهد التمويل الدولى، وكبير خبراء بنك جولدمان ساكس، بقرار البنك المركزي المصري، باعتماد مرونة سعر الصرف للجنيه المصري، مؤكدا على أن القرار سيساعد فى ضبط سوق الصرف، ودعا إلى عدم تخفيضه مرة أخرى وتركه للعرض والطلب.

وأكد أشرف القاضي رئيس المصرف المتحد، أن قرارات البنك المركزي ستزيد الثقة في الاقتصاد القومي، وتشجع تحويلات المصريين ودخول الأجانب والاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة مع سحب السيولة للتقليل من الطلب على العملة الأجنبية عن طريق رفع سعر الفائدة، كذلك تفعيل آلية "الإنتربنك" لتوفير العرض من العملات الأجنبية وسداد احتياجات العملاء والبنوك وتوفيرها؛ لفتح الاعتمادات المستندية وسداد الالتزامات الخارجية للاستيراد، كما يرى خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية، أن تحرير سعر صرف الجنيه سيرفع تنافسية المنتج المصري في الخارج، ويعتبر محفزًا لتوسع الشركات في التصدير.

في النهاية، يمكن القول إن قرار رفع سعر الفائدة وتحرير أسعار صرف الجنيه المصري، يحمل في طياته فوائد مهمة على الاقتصاد الوطني، لكن هذا القرار قد يحتاج إلى العمل الدؤوب خلال الفترة القادمة، وتهيئة الظروف المناسبة لتعظيم المكاسب من القرار، من خلال خطة تسريع جهود توطين الصناعات وخطة إحلال الواردات وتعظيم الصادرات، وذلك عبر زيادة الإنتاج في جميع القطاعات والتصنيع والتصدير، فضلًا عن خطة دعم وتسهيل إجراءات الاستثمارات المحلية والأجنبية في البلاد وتطوير المشروعات الصناعية المحلية، من خلال وثيقة سياسة ملكية الدولة، والتي تضم القطاعات والصناعات التي تخطط الحكومة للتخارج منها لصالح القطاع الخاص.