الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سيناريوهات محتملة.. كيف ينتهي الصراع بين القوى المتنافسة على سوريا؟

  • Share :
post-title
القوات الدولية بسوريا

Alqahera News - د. مبارك أحمد

يدخل الصراع على سوريا مرحلة جديدة، ترتبط بمحاولات القوى الإقليمية والدولية توظيف تواجدها على رقعة الشطرنج السورية؛ لترتيب نفوذها في نظام دولي لا زال قيد التشكيل، بدت ملامحه تتبلور فى محاولات مستمرة من القوى المناوئة للهيمنة الأمريكية بالسعي لخلق نظام دولي متعدد الأقطاب، وقد شكل التدخل الروسي فى سوريا سعيًا لتحقيق هذا الهدف ضمن أهداف أخرى، وجاءت العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا مؤخرًا لتعكس تلك الرغبة عندما بشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناطق النفوذ الجديدة، وأن العالم أضحى متعدد الأقطاب، وأن آسيا تلعب الدور الرئيسي فى هذا النظام الجديد، فيما استدعى الرئيس الأمريكى جو بايدن فكرة ومشروع خصومه الجمهوريين عن القرن الأمريكي، قائلاً: "القرن الواحد والعشرين سيكون قرنًا أمريكيا بامتياز".

تأسيسًا على هذا الإدراك المتنامي بدت كافة مسارح العمليات فى دول الإقليم فى مرمي صراعات القوى الكبرى والإقليمية، ومنها سوريا التى شهدت فى الآونة الأخيرة العديد من الهجمات على أراضيها كان أحدثها فى 16 أكتوبر الجاري، حيث تجددت العمليات العسكرية الروسية على مناطق العمليات التركية فى سوريا، وقامت المقاتلات الروسية بتنفيذ غارات جوية بالصواريخ، استهدفت محيط مدينتي عفرين وأعزاز ومقرًا عسكريًا تابعًا لفصائل المعارضة الموالية لتركيا شمال غرب حلب، كان قد سبقها فى 23 أغسطس 2022 إعلان الجيش الأمريكى، وفق بيان له، عن شن غارات جوية استهدفت مجموعة مدعومة من إيران في دير الزور بسوريا، وذلك ردًا على هجوم إيراني استهدف مناطق نفوذ وعناصر أمريكية فى منتصف أغسطس2022.

دوافع متباينة:

تتنوع دوافع القوى المتنافسة على سوريا وفقًا لإدراك مصالح كل طرف، وهو ما يمكن إبرازه فى التالي:

(*) روسيا: جاء التدخل العسكري الروسي فى الصراع السوري منذ عام 2015 انطلاقًا من استراتيجية دعم الحلفاء الاستراتيجيين وفى مقدمته النظام السورى الذى يرتبط بعلاقات وثيقة وراسخة مع موسكو، كما هدف بوتين إلى استعادة الدور الروسي فى السياسة العالمية ضد الهيمنة الأمريكية على مفردات المشهد الدولي ورغبته فى العودة إلى المياه الدافئة فى البحر المتوسط، وتفاعلات منطقة الشرق الأوسط. لذلك تمثلت مناطق التمدد الروسي فى المناطق التى تقع تحت سيطرة النظام، فضلاً عن الوجود فى قاعدتى حميميم وطرطوس وقاعدة جوية فى اللاذقية، وبرغم التفاهمات الروسية مع إيران وتركيا، إلا أن الهجمات العسكرية الروسية التى شنتها مؤخرًا ضد مناطق تتمركز فيها فصائل من المعارضة الموالية لتركيا، عكست الرغبة الروسية فى تأكيد حضورها فى الملف السورى برغم قرارها بخفض القوات فى سوريا، كما أنها تمثل رسالة للقوى المتنافسة على سوريا برفض أي توازنات على الأرض لا تتوافق مع المصالح الروسية.

(*) الولايات المتحدة الأمريكية: بدأ التدخل العسكري الأمريكي في الصراع السوري ميدانيًا منذ 2014 لمواجهة تمدد تنظيم "داعش" الإرهابي وحماية الحلفاء من الأكراد، كما قررت إدارة الرئيس ترامب مع بداية توليه السلطة يناير 2017 أن تكون أكثر انخراطا في الأزمة السورية، سواء من خلال العمليات التى يقوم بها الجيش الأمريكي أو فى إطار التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". ويهدف الوجود الأمريكي في سوريا إلى الحفاظ على مناطق النفوذ والتأثير لمواجهة التمدد الروسي والإيراني والتنسيق مع الأكراد باعتبارهم رقما موازنا في المعادلة السورية. لذلك سعت الولايات المتحدة للإبقاء على قوات أمريكية للدفاع عن قوات سوريا الديمقراطية " قسد" الكردية الحليفة، وتمكينها من فرض سيطرتها على منابع النفط السورية فى منطقة شرق الفرات، رغبةً فى توظيف هذا الدور كورقة ضغط على سوريا فى التسوية المقبلة. وتتمثل مناطق النفوذ الأمريكية في الحسكة، والرقة، ودير الزور، وريف دمشق، كما تهيمن الولايات المتحدة الأمريكية على شرق الفرات التي تعتبره منطقة عمليات لها، وتتمركز القوات الأمريكية في قاعدة التنف السورية.

(*) تركيا: شنت تركيا منذ عام 2016 أربع عمليات عسكرية للتوغل في سوريا، حيث استهدف التوغل الأول كل من تنظيم "داعش" ووحدات حماية الشعب الكردية السورية. وهى جزء من قوات سوريا الديمقراطية، وفى 2017 توسع الوجود التركي على الأراضي السورية ليشمل 12 موقعا فى منطقة إدلب بشمال غرب سوريا، وفى عامى 2018، 2019 قامت تركيا بشن هجمات على مناطق عفرين وبلدتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين.

(*) إيران: شكل التحالف الاستراتيجى بين دمشق وطهران ركيزة أساسية لتفاعل العلاقات بين البلدين على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. وربما مثل التدخل الإيرانى فى الصراع السورى فرصة مواتية لطهران لخدمة مشروعها الرامى للتمدد فى العواصم العربية، وهو ما سبق أن عبر عنه علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني فى مارس 2015 بأن "إيران أصبحت الآن إمبراطورية وعاصمتها بغداد".

(*) التنظيمات الإرهابية ما بعد "داعش": على الرغم من الإعلان عن تحرير المناطق الرئيسية في سوريا والعراق من سيطرة تنظيم "داعش" منها تحرير الرقة السورية عاصمة التنظيم في أكتوبر 2017، إلا أن وجود جيوب للتنظيم في المناطق المحررة سيظل أحد مسببات تعقيد الأزمة، فضلاً عن الإعلان عن تنظيمات أخرى تسير على خطى "داعش" مثل تنظيم الرايات البيضاء الذى يتخذ من مناطق سورية وعراقية كملاذات لمقاتليه. وهو ما قد يعنى احتمالية أن يتجه تنظيم "داعش" إلى الانقسام لأفرع متناثرة مع دعم وتمويل لبعض الخلايا التابعة له في نطاقات خارج مناطق تمركزه في الرقة ودير الزور، ليستهدف مناطق لم تكن تحت سيطرته من قبل كالاتجاه لمناطق الغرب أو الجنوب السوري، وهو ما سيخضع بالأساس لأجندات القوى الدولية والإقليمية، ومدى اتجاهها نحو إعادة إنتاج "داعش" بأنماط أخرى، ليتم توظيفها في الصراع الممتد على سوريا.

سيناريوهات محتملة :

هناك سيناريوهان، يمكن طرحهما لمستقبل الصراع بين القوى المتنافسة على سوريا، هما كالتالي:

(*) السيناريو الأول: سيناريو التهدئة، وهو يقوم على توافق القوى المتصارعة في سوريا على حسم تناقضاتها، من خلال الاعتراف بمصالح كل طرف ونفوذه، لاسيما وأن الوكلاء المحليين لتلك القوى أصابها الإنهاك وعدم قدرة أى منها على حسم الصراع لصالحه، فضلا عن استعادة النظام السورى السيطرة على معظم المناطق، ويجد هذا السيناريو مبرراته في العديد من المؤشرات أبرزها: نجاح صيغة أستانا يناير 2017 في إنهاء حالة المواجهة المسلحة المباشرة بين طرفي الصراع السورى "النظام والمعارضة"، وهي صيغة تعاون أمني يقوم على آلية خفض التصعيد فى مناطق المواجهة المسلحة بين النظام والمعارضة بضمانة ثلاثية من قبل روسيا وتركيا وإيران. يضاف إلى ذلك استمرار المبعوث الأممي لسوريا جير بيدرسون في جهودة لتحقيق التسوية بين الفرقاء في سوريا. وهو ما جاء في إحاطته لمجلس الأمن الدولي نهاية يونيو 2022 ودعوته للمجلس إلى الوحدة لاحتواء تلك المخاطر، ودعم الأهداف الإنسانية، وتعزيز خطوات ملموسة على طريق التسوية قائلاً "لا تنسوا سوريا.. جِدوا الوحدة فيما يتعلق بسوريا.. ساعدوا السوريين على البدء في الخروج من هذا الصراع المأساوي"، مطالبًا برؤية للتوصل لحل سياسي شامل يتماشى مع القرار 2254. من هنا يصبح للدعوات المطالبة بعودة سوريا إلى مجالها العربي واستعادة مقعدها فى جامعة الدول العربية أهمية واضحة، لقطع الطريق على التدخلات الخارجية التى أضرت بسوريا والسوريين معًا.

(*) السيناريو الثاني: سيناريو التصعيد، وهو يقوم على فرضية مؤداها أن الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا سيجعل من سوريا ساحة جديدة لاختبارات السيطرة والنفوذ ما بين القوى الدولية والإقليمية خاصةً بعد التطورات التي شهدتها الأزمة الأوكرانية والتلويح الروسي باستخدام السلاح النووى لحسم الصراع. ويعزز من هذه الفرضية أن استقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقوات من تلك المتواجدة بسوريا ربما يفتح الباب أمام القوى المتصارعة لتنفيذ أجنداتها على الأرضى السورية، من خلال قضم أراضى سورية جديدة كما تفعل تركيا أو من خلال قيام إيران بتعزيز التغلغل العسكرى والاقتصادي والثقافي وتوظيف ميليشياتها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية فى سوريا والمنطقة.

مجمل القول إن الصراع الدولي والإقليمى على سوريا سيتوقف على مدى قدرة الداخل السوري على تعزيز مناعته ضد تجاذبات الخارج، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال حوار وطنى شامل بين كافة الفرقاء السياسيين لتعلو مصلحة الوطن على المصالح المذهبية والعرقية والمناطقية، وهو ما يتطلب قطع الطريق على القوى المتحفزة لملء الفراغ بعد القرار الروسي بسحب بعض القوات الروسية من سوريا، وبالتالي يصبح الحل الأنسب هو عودة سوريا إلى الحاضنة العربية.