الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

في ذكرى وفاته.. حمدي أحمد الثائر فنيًا

  • Share :
post-title
الممثل المصري حمدي أحمد

Alqahera News - محمود ترك

انتابت الممثل المصري حمدي أحمد مشاعر الغُربة الفنية في السنوات الأخيرة من حياته، قبل رحيله في مثل هذا اليوم 8 يناير عام 2016، هذه الأحاسيس التي لم يعرفها عند مجيئه إلى القاهرة قادمًا من مسقط رأسه محافظة سوهاج بصعيد مصر، إذ نظر حوله فلم يجد جيل المبدعين الذين ظهروا معه وشاركهم بطولة العديد من الأعمال الفنية، خصوصًا أنه كانت له فلسفة خاصة في اختيار أدواره.

المواءمة الفنية ومشاركة جيل الشباب في أعمالهم التي نجح فيها بعض من أبناء جيل حمدي أحمد في السينما والدراما التلفزيونية، لم يستطع الفنان الراحل أن يحققها، لذا قلّت أعماله وانحسر ظهوره، لنراه فقط في 6 أعمال بآخر 10 سنوات من عمره، مكتفيًا برصيده الفني الحافل برسائل وقضايا مهمة ناقشها من خلال شخوصه التي قدمها.

يرجع سبب ذلك أيضًا إلى الإيمان الراسخ لدى حمدي أحمد بأن سينما الفكر أهم من سينما الحدوتة، حسبما يؤكد في لقاء تلفزيوني قديم، وأنه عندما وجد نصًا سينمائيًا يحمل فكرة وقضية تحمّس له على الفور ليقدمه عام 2011 تحت عنوان "صرخة نملة" بطولة الفنان المصري عمرو عبد الجليل، وتأليف طارق عبد الجليل وإخراج سامح عبد العزيز، لأنه ينتقد ظواهر مجتمعية ويُسلّط الضوء على المُهمشين.

يتسق "صرخة نملة" مع مبادئ حمدي أحمد في اختيار أدواره الفنية طيلة مشواره، الذي كانت بدايته الحقيقية من خلال شخصية "محجوب عبد الدايم" في فيلم "القاهرة 30" المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، أول رواية واقعية يكتبها الأديب الراحل ويكشف فيها حجم الفساد المنتشر بالمجتمع في ثلاثينيات القرن الماضي.

مثّل الفيلم الصادر عام 1966 بطاقة تعارف الجمهور وصنّاع السينما على الوجه الفني الجديد حديث التخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية، إذ لم يكن معروفًا قبلها والتقطته عين المخرج المصري صلاح أبو سيف من مسرحية "4 في الزنزانة" التي شارك في بطولتها مع عباس فارس وسهير البابلي، ثم تتبعه ليتأكد من صدق اختياره ويشاهده في عمل مسرحي بعنوان "الحصاد" تأليف عبد الحميد جودة السحار.

اختيار صلاح أبو سيف للوجه الجديد أمر جاء على غير رغبة الأديب العالمي الفائز بنوبل للآداب، إذ كان يريد نجمًا شهيرًا بحجم الفنان شكري سرحان، لذا جاءت أول مقابلة بينهما فاترة، لكن بعد دقائق من اللقاء شعر نجيب محفوظ بأن الممثل الجالس أمامه سينجح في المهمة، وبشجاعة كبيرة اعترف بعد ذلك بأن أداء حمدي أحمد كان مفاجئًا وأجاد فيه بشكل كبير فتح أمامه الطريق إلى السينما.

ورغم أن حمدي أحمد وقتها كان مازال في بداية مشواره، أدهش نجيب محفوظ بوجهة نظره حول تفاصيل دقيقة في شخصية "محجوب عبد الدايم" الذي يتخلى عن شرفه مقابل المنصب والمال، إذ كانت الشخصية مُدانة بشدة في الرواية، لكن الوجه الجديد وازن بين جعلها مُتهمة وأيضًا وثيقة اتهام ضد المجتمع القاسي، وذلك بأداء تمثيلي دون أن يُغير كلمة واحدة في السيناريو، إذ كان يرى أنها ليست شخصية أحادية فكل شخص داخله الخير والشر والظروف التي تدفعه إلى الخطأ.

رغم هذه التفاصيل الدقيقة في فيلم "القاهرة 30" صرّح حمدي أحمد في الكثير من لقاءاته التلفزيونية بأن أداء الشخصية لم يكن صعبًا، نظرًا لأن السيناريو يخدم الشخصيات ويُتيح لها حرية الإبداع، فيما يرى أن دوره في فيلم "الأرض" أصعب بكثير، إذ جسّد فيه شخصية "محمد أفندي" المدرس في مجتمع الفلاحين، ممثلًا للطبقة البرجوازية الصغيرة التي تريد الإفلات من واقعها لتعيش في مستوى أعلى لطبقة أخرى، واصفًا إياه بالدور المركب.

واللافت للنظر هنا أن الفنان الراحل سبق أن قدّم قصة عبد الرحمن الشرقاوي "الأرض" من خلال المسرح لكنه جسّد بها دور "شاويش الهجانة".

دور الفنان الراحل في فيلم "الأرض" الصادر عام 1970، يعد تجسيدًا لمبادئه الفنية والرسائل التي يريد أن يُعبّر عنها من خلال الفن، فهو مهتم بقضايا بلده، حتى قبل أن يدخل مجال الفن، إذ تظاهر مع الشباب ضد الاحتلال الإنجليزي في الأربعينيات من القرن الماضي وتعرّض للسجن حينذاك وعمره وقتها 16 عامًا، وعلى طول مشواره الفني اهتم بالتعبير عن قضايا الفلاحين والعمال والطبقة المتوسطة.

كان حمدي أحمد يرى دائمًا أن الفن دوره التثقيف والتنوير والتربية، الأمر الذي نراه واضحًا مرة أخرى مع صلاح أبو سيف في فيلم "البداية" عام 1986، بطولة أحمد زكي وجميل راتب ويسرا وصفية العمري، ليُناقش الفيلم موضوعات تتعلق بسيطرة السلطة ورأس المال على ثقافة المجتمع والبسطاء.

المبادئ هل تعد أمرًا ضروريًا للإنسان أم من الأفضل أن يتخلى عنها أحيانًا أو دائمًا؟ سؤال طرحه شباب الجامعة في مشهد من فيلم "القاهرة 30"، أجاب عليه حمدي أحمد بشكل واقعي وحقيقي باختياراته الفنية ليرحل عن عالمنا رافضًا التخلي عن مبادئه.