أعاد إلى الأذهان حادث انتحار ممثلة التليفزيون الهندية الشابة تونيشا شارما، أمس، الحوادث المُشابهة التي أقدم عليها فنانون كثيرون سواء في هوليوود أو بوليوود، ليعود ويتجدد السؤال: لماذا يظن كثيرون أن المشاهير والأغنياء لا يعانون كيف يعانون وهم لديهم كل شيء، ما الذي يحتاجونه ولا يستطيعون الحصول عليه، فالمال والشهرة أسباب ضمنت لهم السعادة الأبدية من وجهة نظر الجميع.
لكن على العكس، فقد أثبت التاريخ الذي ما زال يكرر نفسه حتى الآن أن مُمتهني المهن الإبداعية كالتمثيل والغناء والتأليف من أكثر فئات البشر تعرضًا لمرض الاكتئاب، ذلك المرض الذي يشبّهه كثير من علماء وأخصائي علم النفس "بسرطان الروح"، المرض الذي من الممكن أن يدفع المريض به لإنهاء حياته المثالية -من وجهة نظر الجميع- في أقل جزء من أجزاء الثانية.
كم من المرات توقف العالم مُندهشًا أمام حادث انتحار لفنان كانت شهرته واسعة، ليتردد السؤال نفسه كل مرة لماذا فعل هذا؟ وما الذي كان ينقصه؟، ليكتشف السائلون بعد وقت قصير أنه كان يعاني مرضًا نفسيًا في أغلب الأحيان يتضح أنه اكتئاب.
لا يُفرق الاكتئاب بين غني وفقير، سليم الجسد أو معتل الصحة، شخص نكرة أو مشهور يعرفه العالم أجمع، رجل أو امرأة، بل إنه حتى يُصيب الأطفال بأشكال ولأسباب مختلفة وفي أحيان كثيرة معقدة، فالاكتئاب بالضبط كما السرطان عندما يصيب الجسد بغتة دون إنذار ودون أسباب تشخيصية واضحة، يظل ينتشر داخل خلايا الجسد البشري حتى يقضي عليها، وهذا ما يفعله الاكتئاب، ولكن مع روح الإنسان هذه المرة وليس جسده عندما يتسلل لها، ويفقدها الرغبة في الحياة وبالتالي يسهل على المكتئب الإقدام على قرار مغادرة الحياة التي لم يعد يجد لها معنى أو قيمة.
في السطور التالية نسترجع بعضًا من حوادث انتحار لفنانين تربعوا على عروش النجومية لسنوات عدة وامتلكوا مواهب استثنائية.
مارلين مونرو.. صخب الحضور والغياب
أيقونة الأنوثة التي أصبحت حلم الجميع، فالرجال يحاولون الوصول إليها والنساء يحاولن التشبه بها.. جمال رائع وحضور طاغٍ على الشاشة وقبول فطري، وتركت كل هذا خلفها وانتحرت بعد أن بلغت من العمر 36 عامًا فقط.
قبل وفاتها، عانت مارلين مونرو الاكتئاب الحاد والوحدة الشديدة، منذ طفولتها بعد أن هجرها والدها ومرضت والدتها بمرض عقلي استلزم إيداعها مصحة نفسية، وانتقال نورما جين التي اشتهرت فيما بعد باسم مارلين مونرو بين دور الرعاية المختلفة إلى أن عرفت طريقها إلى الإعلانات ثم مجال التمثيل الذي تعرضت فيه لأقسى أنواع الاستغلال الجسدي والمعنوي، ما عظّم شعور الوحدة داخلها ودفعها لإنهاء حياتها في النهاية للتخلص منه.
أفاد تقرير وفاتها بأنها ماتت من التسمم الحاد الناتج عن تناولها كمية كبيرة من عقار الباربيتورات، وقيدت الوفاة على أنها انتحار.
داليدا.. صوت المشاعر الوحيدة
يولاندا كريستينا جيجليوتي أو داليدا، أحد أشهر وأجمل الأصوات الغنائية التي عرفها العالم، الفنانة المصرية الإيطالية التي ولدت لأبوين مهاجرين وقضت سنوات طفولتها بحي شبرا.
عانت داليدا لسنوات طويلة الاكتئاب نتيجة فقدانها الحب في كل مرة، كانت تظن أنها أخيرًا وجدته، إذ انفصلت عن زوجها الأول Lucien Morisse، ثم التقت الممثل والرسام الفرنسي Jean Sobieski الذي أحبته جدًا، ولكن سرعان ما تركها وتزوج من امرأة أخرى، لتُصدم داليدا وتنعزل عن العالم.
ثم تُغرم داليدا بالمغني الإيطالي المبتدئ Luigi Tenco الذي حاولت أن تساعده وتشجعه للاستمرار في الغناء، ولكن بعد فشله في أول حفل له أطلق على نفسه الرصاص، وكانت داليدا أول شخص يرى جثته غارقًا في دمائه، لتظل ترى هذا المشهد المؤلم والقاسي حتى آخر أيام حياتها، ثم تكرر الأمر معها، عندما انتحر آخر رجل أحبته لتتكرر المأساة مرة أخرى.
لم تحتمل داليدا الوحدة ولا مشاعر الفقد التي باتت تحاوطها، أصيبت بالاكتئاب الشديد وانعزلت، ثم قررت إنهاء حياتها، وتركت رسالة كتبت فيها "سامحوني الحياة لم تعد تُحتمل"، ويقال إنها تناولت نوع الأقراص الذي تناولته مارلين مونرو وهو عقار الباربيتورات.
روبين ويليامز.. المضحك المبكي
كان روبين ويليامز سببًا من أسباب ارتسام البسمة على وجوه ملايين البشر حول العالم بالضبط، كما كانت نهايته السبب في انهمار دموعهم بعد إعلان وفاته منتحرًا داخل منزله في أغسطس 2014.
حينما كان يُسأل ويليامز عن أسوأ مخاوفه في الحياة كان يجيب إجابة واحدة ألا وهي "أسوأ مخاوفي في الحياة هو أن أصبح مملًا أو جامدًا"، وتعد هذه الإجابة هي كلمة السر في حياة روبين ويليامز، فمنذ بدايته اتضح جليًا لكل من شاهده أو تعامل معه أو حتى لجمهوره أن مصدر اختلافه وقوته وتمكنه هو قدرته على التعبير والتحكم في جسده، بل قدرته الذهنية غير العادية على الحفظ والارتجال، وعندما جاء عليه الوقت الذي أيقن أنه فقد القدرة على تطويع ذهنه والتحكم في جسده، كان هو الوقت الذي تأكد له فيه أنه على وشك نهاية مشواره، وهو ما أكده كل من كانوا حول ويليامز في آخر أيامه، وعاصروا معه مراحل تطور الأمراض التي أصيب بها قبل وفاته.
في البداية اعتل قلب ويليامز وتسبب ذلك الأمر في خضوعه لجراحة قلب مفتوح عاجلة وخطيرة، وبعد أن تم تعافيه من آثار الجراحة وعودته بشكل محدود لأداء العروض الكوميدية على المسرح، فوجئ ويليامز وعائلته بإصابته بمجموعة من الأمراض التي تسببت في وفاته حسبما صرحت زوجته لأول مرة بعد وفاته بعام، وذكرت أنه قبل عام تقريبًا من وفاته أصيب ويليامز بمرض الباركنسون أو الشلل الرعاش.
وهو اضطراب يحدث تدريجيًا في الجهاز العصبي ويؤثر في الحركة، ويتطور تدريجيًا، حيث يسبب الخرف وهو مرض تتضرر فيه الوظائف الإدراكية والعقلية، ويمس تدريجيًا الذاكرة، والقدرة على التفكير، والإحساس بالزمان والمكان، والقدرة على التعرف على الأشخاص والأشياء، وعقب ذلك يطرأ انخفاض تدريجي على القدرة للقيام بأعمال يومية والتواصل مع المحيط، وكجزء من تطور المرض يُعاني المريض ظواهر البلبلة والغضب والشك حتى من نوبات عنف، وهو ما مر به ويليامز، إذ تروي زوجته أنها فوجئت به قبل فترة وجيزة من وفاته وجرح نفسه، ولم يكن في حالة إدراك ووعي بما يحدث له.
لكن تذكر زوجة ويليامز أن السبب الرئيسي في وفاة زوجها هو إصابته بمرض خرف أجسام ليوي، الذي من أعراضه أنه يُرسل رسائل متضاربة للمخ في التوقيت نفسه، ما يتسبب في إحداث خلل في القدرات العقلية للمريض، فلا ينعم بصفاء الذهن أبدًا، إلى جانب شعوره بحالات من الهذيان وبطء في الحركة، وتصلب العضلات ورجفة لا إرادية.
أكدت أن هذا ما لم يستطع ويليامز أن يتحمله، وأضافت أنه لو كان ويليامز أقبل فعلًا على خطوة الانتحار، فهو لم يكن في كامل وعيه، ولكنه كان تحت تأثيره معاناته مع هذا المرض، وقالت إن مرض خرف أجسام ليوي، هو ما قتل روبين ويليامز.
هيث ليدجر.. فاجعة محيرة
بعد نجاح عريض حققه من خلال عدد من الأدوار المميزة والمتميزة سواء على شاشة السينما أو التليفزيون وبعد يوم واحد فقط من انتهائه من تصوير دوره الذي يُعدُّ حتى الآن واحدًا من الأدوار الأيقونية على شاشة السينما، وهو دور الجوكر في فيلم The Dark Knight للمخرج كريستوفر نولان، فوجئ العالم بخبر وفاة النجم الأسترالي الشاب هيث ليدجر، بعد أن عثرت عليه عاملة منزله في سريره فاقدًا الوعي.
في البداية كانت الأخبار تفيد بأنه توفي نتيجة تناوله جرعة زائدة من عقار مهدئ، ولكن اتضح فيما بعد أن وفاته حدثت نتيجة تسمم حاد بسبب مزجه عددًا من أنواع العقاقير المختلفة، ما رجّح فرضية الانتحار.
جيا خان.. نجمة ساطعة في سماء بوليوود
كانت جيا خان واحدة من نجمات السينما الهندية، وكان يتوقع لها الجميع مستقبلًا باهرًا في عالم بوليوود، ولكنها فاجأت الجميع بانتحارها شنقًا، إذ اكتُشفت جثتها متدلية من مروحة سقف في غرفة نومها بمقر إقامتها في مدينة مومباي الإثنين 3 يونيو 2013، عندما لم تكن لا والدتها ولا شقيقتها في المنزل، وأفاد تقرير الوفاة النهائي بأنها انتحرت نتيجة الاكتئاب والإحباط الشديدين.
في 7 يونيو 2013، عثرت أختها على رسالة انتحار من ست صفحات تشير المذكرة إلى أنها خططت لإنهاء حياتها، بعد عملية إجهاض.
بعد انتحارها بفترة وجيزة، احُتجز سوراج بانتشولي، الذي كان من المعروف أنه كان على علاقة عاطفية بها لاستجوابه عن مدى علمه المسبق بانتحارها أو ربما ضلوعه في تشجيعها على الإجهاض والانتحار، ويذكر أن جيا خان كانت تبلغ من العمر 25 عامًا عندما توفيت.
