الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محاولة للتمدد.. لماذا تتزايد هجمات القاعدة في بوركينا فاسو؟

  • Share :
post-title
رجل يرتدي الزي العسكري في محيط منطقة احتجاجات - أرشيفية

Alqahera News - نورا فايد

تشهد بوركينا فاسو منذ مطلع العام الماضي 2022، تصاعدًا كبيرًا في وتيرة جرائم العنف والإرهاب، التي بلغت ذروتها في شهري أكتوبر ونوفمبر، خاصّة من تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، فبينما يعمل الأخير على إعادة نفوذه في دول المنطقة العربية مع الحفاظ على موطئه في دول الساحل والصحراء، يتجه التنظيم الآخر للتوسع والتمدد في الأراضي البوركينية بشنّ المزيد من الهجمات الإرهابية؛ في محاولة منه للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الدولة الواقعة غرب إفريقيا، مستغلًا ما تعانيه من هشاشة في أوضاعها الأمنية والسياسية وأيضًا الاقتصادية، فضلًا عن الصراعات العرقية.

من الجدير بالذكر أن بداية ظهور تنظيم القاعدة في بوركينا فاسو، كان في يناير 2016، من خلال عملية وُصفت وقتها بـ"أعنف وأجرأ الهجمات الإرهابية في المنطقة"، حيث شن مسلحو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هجومًا إرهابيًا على فندق "سبلينديد" في العاصمة "واجادوجو"، نجم عنه مقتل 30 شخصًا، وبعد هذه العملية الإرهابية وسّع القاعدة من نفوذه ودمج تنظيمات أخرى إلى صفوفه، كان أبرزها (أنصار الدين والمرابطون)، ووسع التحالف الجديد هجماته في دول الساحل والصحراء.

تصعيد إرهابي:

حادث انفجار لغم أرضي (صورة أرشيفية)

ركز تنظيم القاعدة في عملياته الإرهابية الأخيرة على استهداف المسؤولين الحكوميين والعسكريين، والمدنيين الرافضين لفكره التطرف، محاولًا شل القدرات العسكرية للجيش البوركيني من ناحية وإعاقة النظام الحاكم عن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة. وعليه، فإن آخر الهجمات النوعية التي شنها "القاعدة" أو إحدى الجماعات الموالية له في الدولة الواقعة غرب إفريقيا، تضمنت:

(*) استهداف المدنيين شرق بوركينا فاسو: في 26 ديسمبر الماضي، كشف حاكم المنطقة الشرقية في بوركينا فاسو الكولونيل "هوبرت ياميوغو" عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 5 آخرين جراء انفجار لغم أرضي في حافلة كانوا يستقلونها بقرية "بوجوي" التي تبعد نحو 220 كيلومترًا عن شرق "واجادوجو"، متجهين إلى بلدة كانتشاري الواقعة على مقربة من الحدود مع النيجر، مبينًا أن الهجوم الإرهابي مشتبه تنفيذه من قبل عدد من مسلحي تنظيم القاعدة الإرهابي، خاصة أن المنطقة التي وقع فيها الهجوم تشهد منذ فترة قتالًا بين القوات الحكومية والمتمردين التابعين لتنظيم القاعدة والعناصر التابعة له. وفي ضوء استهداف التنظيمات الإرهابية للمدنيين، فقد وقع هجوم آخر في 7 ديسمبر الماضي، نجم عنه مقتل 9 مدنيين وإصابة 2 آخرين، جراء قيام مسلحيّن يستقلان دراجات نارية بإطلاق النيران على سكان قرب قرية "كوربيليه" الواقعة شمال البلاد.

(*) مهاجمة القواعد العسكرية والمقرات الأمنية: ركز المسلحون على توجيه أعمالهم الإرهابية صوب رجال الجيش والشرطة، ففي 7 ديسمبر الماضي، هاجمت عناصر إرهابية مركز الشرطة الواقع بين "كوربيليه وكونغوسي" شمال بوركينا فاسو، ونجم عنه مقتل 7 من رجال الأمن، كما أنه في 28 أكتوبر الماضي، هاجمت جماعة مقربة من "القاعدة" قاعدة عسكرية في جيبو شمالي البلاد، وهو ما نجم عنه مقتل 10 جنود وتحرير 67 سجينًا إضافة لسرقة أكثر من 400 قطعة سلاح، وفي مطلع أكتوبر الماضي، استهدف عناصر من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (فرع القاعدة في منطقة الساحل الإفريقي) قافلة كانت تقل 10 جنود، قُتلوا جميعًا جراء انفجار الحافلة.

(*) استهداف قوافل الإمدادات الغذائية: في إطار تنوع الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة، فقد هاجم مسلحون تابعون لـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في 26 سبتمبر الماضي، قافلة إمدادات غذائية كانت متّجهة إلى بلدة جيبو الواقعة شمال بوركينا فاسو، وهو ما نجم عنه مقتل 37 شخصًا من بينهم 27 جنديًا، والسبب في هذا الهجوم أن التنظيم الإرهابي كان يريد إيصال رسالة مفادها أن النظام الحاكم غير قادر على توفير الأمن للدولة، الأمر الذي دفع بعدد من المواطنين للنزوح إلى دول مجاورة، وهو ما يريده التنظيم الإرهابي حتى يسهل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من المناطق.

عوامل محفزة:

تجدر الإشارة مما تقدم، إلى أن استمرار نمو معدل الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو منذ 2015، أدى إلى سيطرة تنظيمي القاعدة وداعش على نحو 40% من أراضيها، وذلك وفقًا لموقع "سايت SITE" الأمريكي المتخصص في رصد الحركات الإسلامية المتشددة، وهو ما يرجع إلى استغلال تلك التنظيمات وخاصة "القاعدة" لجملة من العوامل أسهمت في توسع نشاطه الإرهابي، يمكن توضحيها على النحو التالي:

(*) عدم استقرار أروقة السلطة السياسية: يستغل "القاعدة" تأثيرات الوضع السياسي الداخلي، التي تتمثل أهم ملامحه في عدم قدرة أي نظام حاكم على استكمال مدته الرئاسية أو البقاء لفترة طويلة في الحكم تمكنه من وضع الاستراتيجيات اللازمة للنهوض بأوضاع البلاد في المناحي كافة، ففي أغلب الأوقات التي تشهد فيها البلاد هجومًا إرهابيًا، يحدث تغيير في السلطة، يصحبه تغير في استراتيجية مكافحة الإرهاب المستخدمة. وعليه فإن التغيير السريع في السلطة بدولة بوركينا فاسو، أدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي استغلتها الجماعات الإرهابية للتوغل والانتشار، وهو ما يفسر سبب استمرار تلك الجماعات في غالبية بلدان القارة الإفريقية المضطربة.

(*) هشاشة المؤسسات الأمنية: أسهمت عملية التغيير السريع للسلطة في ضعف البنية الأمنية في الدولة الإفريقية، وهذا أكثر ما استغله تنظيم القاعدة لتنفيذ عملياته بسهولة، ودفعه للتركيز في شنّ هجماته الإرهابية إما على قتل العسكريين أو رجال الأمن من خلال استهداف القواعد العسكرية أو مقرات الشرطة أو نقاط المراقبة، وعليه لوحظ أن "المناطق الشمالية الحدودية" كانت محل تركيز من قبل الإرهابيين خلال الفترة الماضية، سواء بشن هجمات إرهابية أو القيام بأعمال غير مشروعة كتهريب المخدرات والذهب أو تهريب عناصرها إلى الخارج، ويرجع هذا للهشاشة الأمنية التي تشهدها تلك المناطق، وهذا ما يفسر سبب إعلان "تراوري" عقب أيام قليلة من توليه السلطة عن جملة من الخطوات في نوفمبر الماضي لتعزيز قدرة القوات الأمنية والعسكرية، إذ دشن 6 فرق عرفت باسم "كتائب التدخل السريع"، للقيام بمهام عاجلة تسهم في مواجهة أية تهديدات متطرفة على الأراضي البوركينية، وتتصدى لأعمال "الجريمة المنظمة" الواقعة على المناطق الحدودية، إضافة لتوفير الأمن اللازم للقوافل والمساعدات الإنسانية واللوجستية القادمة من الخارج.

أزمة النزوح في بوركينا فاسو (صورة أرشيفية)

(*) استغلال تفاقم الصراعات العرقية: لطالما ركزت الجماعات الإرهابية على إيجاد موطئ قدم لها في الدول التي تعاني من اقتصاد منهار وموارد شحيحة أو نزاعات عرقية وطائفية ومناطقية، ولذلك فقد لعبت النزاعات العرقية التي شهدتها دول الساحل والصحراء خلال العام الماضي والتي برزت بشكل واضح بالمناطق الحدودية الواقعة بين النيجر وبوركينا فاسو، دورًا في تفاقم أعمال العنف والإرهاب في هذه المناطق، فوفقًا لمنظمة " أكليد Acled" المتخصصة في جمع البيانات حول النزاعات المسلحة، شهدت الفترة من (مايو 2019- مايو 2020) 1620 حادثة بين الرعاة (العاملين في الزراعة والرعي والماشية) والسكان المحليين والميليشيات المتمردة والإرهابية، وهذا الأمر دفع عدد من الناشطين لمطالبة السلطة البوركينية بإجراء "مصالحة مجتمعية" لمواجهة تلك الصراعات والعمل على توحيد صفوف المجتمع.

(*) تدهور الأوضاع الاقتصادية والسيطرة على الثروات الطبيعية: استغل تنظيم القاعدة الإرهابي سوء الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها بوركينا فاسو (أفقر الدول الإفريقية) لتوسيع نفوذه من خلال أمرين، هما مهاجمة القرى خاصة التي بها ثروات وموارد طبيعية، ولذلك فإن "احتياطات الذهب" التي تملكها الدولة الواقعة غرب إفريقيا تعد من أبرز الأسباب وراء ارتفاع معدل الهجمات الإرهابية، وهو ما يدفع "تنظيم القاعدة" للسيطرة عليها لدعم جبهاته، ثم ابتزاز السكان بهذه المناطق والحصول على ما يطلقون عليه "جبايات" وإجبارهم على الانضمام لصفوف التنظيم الإرهابي من خلال إغرائهم بالأموال، وهو ما يدفع العديد للموافقة بسبب أوضاعهم المعيشية السيئة، وفي الوقت ذاته ينخدع بعض المواطنين بشعار إقامة "الخلافة الإسلامية" ومحاكمة النظام الكافر الذي يرفعه تلك التنظيمات، ولذلك أطلق الجيش البوركيني في 24 أكتوبر الماضي عقب سيطرة "إبراهيم تراوري" على الحكم، عملية "تجنيد وطنية" لضم 50 ألف متطوع من المدنيين لتعزيز صفوف القوات المسلحة من ناحية، وعدم وضعهم فريسة للتنظيمات الإرهابية من ناحية أخرى.

(*) دحر نفوذ التنظيمات الإرهابية المنافسة لـ"القاعدة": إن من أبرز الأسباب وراء تنامي هجمات "القاعدة" في الوقت الراهن، هو عدم ترك الساحة الإفريقية لمنافسه الرئيس تنظيم "داعش"، خاصّة أنه خلال الفترة الماضية برزت مؤشرات عن رغبة الأخير في التوغل داخل بوركينافاسو، لدرجة أن عددًا من المراقبين أطلق على ما تقوم به التنظيمات الإرهابية في دول القارة بـ"صراع الزعامة والنفوذ والتمدد"، وهذا التنافس الإرهابي وضع "بوركينا فاسو" خلال العام الماضي، في مقدمة دول الساحل التي شهدت هجمات إرهابية نفذها أحد التنظيمين لإثبات قدرته وهيمنته والاستحواذ على موارد التمويل وإبراز أنه المسيطر على هذا البلد، وتجدر الإشارة إلى أن "القاعدة" استغل انشغال وتركيز بعض دول المجتمع الدولي مع "داعش" خلال الفترة الأخيرة، ودفع بعناصره للانتشار وتوسيع عملياته في الأراضي البوركينية.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن بوركينا فاسو تحت قيادة الضابط العسكري "إبراهيم تراوري" ستشهد خلال الفترة المقبلة، مواجهات بين الأجهزة العسكرية والأمنية من ناحية، والتنظيمات الإرهابية خاصّة تنظيمي "القاعدة وداعش" من ناحية أخرى، لأن هذه الجماعات لن تتخلى بسهولة عن مخططها الهادف لإقامة "دولة إسلامية" في إفريقيا، وهو ما يدفعها أيضًا لمحاربة أي وجود لقوى أجنبية على أراضيهم، لرؤيتهم أن تلك التدخلات الخارجية تعرقل من مخططهم الإرهابي المزعوم.