الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

وساطة مُحفِزة.. انعكاسات الدور المصري على دعم الاستقرار في ليبيا

  • Share :
post-title
رئيس مجلس النواب المصري يتوسط رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين

Alqahera News - محمود جمال

جدد نجاح القاهرة في استضافة رئيسي مجلسي النواب و"الأعلى للدولة"، في الخامس من يناير 2023 الأمل لدى الشارع الليبي الهادف إلى تعافي بلاده من حالة الانقسام التي دامت نحو اثني عشر عامًا، والبدء في المسار السياسي لتحقيق الاستقرار واستعادة مؤسسات الدولة الليبية لأدوارها تجاه مواطنيها. وزادت حالة التفاؤل بعد توصل كل من عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية إلى وضع الخطوط العريضة للمسار السياسي لحل الأزمة، كأحد ثمار اجتماعات المسار الدستوري التي استضافتها القاهرة على مدار عام ونصف العام. 

وينطلق الحل بتوافق الطرفين على إقرار الوثيقة الدستورية، والتوافق حول القاعدة الدستورية كخطوات أولية لإتمام العملية الانتخابية. نحاول في هذا التحليل رصد الدور المصري لدعم الاستقرار في ليبيا، وانعكاساته على التوافقات الداخلية، خاصة في ظل إقرار رئيسي المجلسين، عقيلة والمشري، بإيجابية الدور المصري على استقرار الدولة الليبية وبناء مؤسساتها.

محددات واضحة:

يؤكد الدور الخارجي للقاهرة منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة في يونيو 2014 على ضرورة بناء المؤسسات كضمانة لاستقرار الدول لا سيَّما في المنطقة العربية، التي شهدت حالة من السيولة أفضت إلى تحديات أمنية وسياسية جسيمة، أثَّرت سلبًا على دور الدولة العربية، وهددت استقرارها، والتزاماتها الداخلية والخارجية. نرصد فيما يلي محددات الدور المصري الخارجي في ليبيا:

المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي

(*) تحقيق السلام المُستدام عبر بناء المؤسسات: تعتبر القاهرة أن أساس استقرار الدولة الليبية يبدأ من بناء مؤسسات وطنية جامعة لكل الأطياف الليبية، باختلاف اتجاهاتها وتوجهاتها. في هذا السياق، بدأت جهود القاهرة بدعم بناء المؤسسات الأمنية الليبية لقطع الطريق أمام سياسات جلب المرتزقة من الخارج، باعتبار أن هذه الخطوة ستمثل في نهاية المطاف معضلة للأمن القومي الليبي على وجه خاص والعربي بشكلٍ عام. كان قد صرَّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه بالقبائل العربية في يوليو 2020 عن استعداد الكلية الحربية المصرية لاستضافة الليبيين لإعدادهم وتهيئتهم ليكونوا نواة لجيش وطني ليبي قوي. ولا تخفي مصر أهمية استقرار الأوضاع في ليبيا، باعتبارها تتشارك معها حدودًا برية وبحرية ممتدة. في هذا السياق، صرَّح المستشار حنفي جبالي رئيس مجلس النواب المصري، بعد استقباله لرئيسي مجلس النواب والدولة الليبيين في 5 يناير 2023 بمقر مجلس النواب المصري بالقاهرة، بدعم القاهرة لأي تسوية سياسية في ليبيا، تُفضي إلى بناء المؤسسات ودعم سيادة واستقرار ليبيا باعتبارها الامتداد الطبيعي للأمن القومي المصري.

(*) الحفاظ على وحدة الدولة: لطالما انشغلت مصر طوال الفترة الماضية بمسألة وحدة الأراضي الليبية، باعتبارها خطًا أحمر لا يُمكن تجاوزه. في هذا السياق، شجعت القاهرة الأطراف الليبية -على الدوام- على ضرورة الحوار والتفاهم حول الأولويات الوطنية العليا، المُتمثلة في ضرورة توحيد المؤسسات الليبية، خاصّة الأمنية والاقتصادية، باعتبارهما من أوائل الثغرات التي يُمكن أن تُهدد وحدة الدولة الليبية؛ لذا كانت مصر حريصة نحو سدّ هذه الثغرة لتأكيد هوية الدولة الليبية غير القابلة للتقسيم.

توافق مصري ليبي حول رفض تنامي دور الميليشيَّات (صورة أرشيفية)

(*) مجابهة الإرهاب والجريمة المنظمة: تنشغل مصر بملف مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة لا سيَّما في ليبيا؛ إذ تمتلك القاهرة حدودًا برية مع ليبيا تمتد إلى 1115 كيلو مترًا، وفقًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، وكانت القاهرة تتخوف من تحول هذه الحدود إلى ساحات مفتوحة للتنظيمات الإرهابية أو عصابات تجارة الأسلحة والبشر للإضرار بأمنها القومي، وهو الأمر الذي جعل مسألة تحقيق الاستقرار والتوافق في ليبيا ضرورة وليس حالة من الرفاهة.

(*) تحقيق الاستقرار لإعادة البناء: تُركز جهود القاهرة في الأزمة الليبية، على مبدأ الاستقرار كأساس لاستعادة الدولة الليبية لمقوماتها التي تُمكنها من ممارسة أدوارها السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. في هذا السياق، ساهمت القاهرة باستضافة اجتماعات المسار الدستوري الذي انتهى في 5 يناير 2023 ببيان مشترك موقع من رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة، يؤسس لإقرار الوثيقة الدستورية، والقاعدة الدستورية كخطوة أولى لإجراء الانتخابات، وكذلك إعلان القاهرة، الذي كان له أثر كبير في إنهاء الانقسام وقتها.

خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية

(*) التشجيع على الحوار: استضافت القاهرة على مدار عام ونصف العام اجتماعات المسار الدستوري برعاية أممية، وتُوِّجت هذه الوساطة بالتقريب بين مجلسي النواب والأعلى للدولة وتوافقهما، الذي برز في بيان مشترك صدر عقب اجتماعهما في القاهرة في الخامس من يناير 2023، ويُعتبر البيان بمثابة نقطة الانطلاق نحو إعادة بناء المؤسسات الليبية على أسس متينة، تُركز على وحدة الهدف وحتمية المصير. في هذا السياق، صرَّح "المشري" في لقاء مُسجل مع قناة "القاهرة الإخبارية" أن مصر كانت دومًا داعمة ومُشجعة لأي حوار بين الفرقاء الليبيين يُمكن أن يُفضي لحل الأزمة وتسويتها.

(*) تأكيد مبدأ السيادة: تؤكد السياسة المصرية دائمًا على احترامها لخصوصيَّات الدول، واعتبار شؤونها الداخلية من الحقوق الطبيعية التي لا يُمكن التنازل عنها أو التأثير فيها عبر فرض الإملاءات والتغيير من الخارج. ودائمًا ما أكدت القاهرة في لقاءاتها مع الليبيين على هذا المبدأ، حيث أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقاءاته المختلفة مع كل الأطراف الليبية، على احترام مصر لخيارات الشعب الليبي، ورفض القاهرة لأي تدخل في شؤون الدول، باعتباره مظهر من مظاهر السيادة التي لا يجب أن يُزاحم أي أحد الأطراف الليبية فيها.

مجلس الأمن يصوِّت على تمديد البعثة الأممية في ليبيا (أرشيفية)

(*) التنسيق مع الأطراف الخارجية الفاعلة: تعمل القاهرة على التنسيق المستمر مع الأطراف الدولية المنخرطة في الشأن السياسي الليبي، خاصة المبعوث الأممي لليبيا، وجيران ليبيا المعنيين بأمنها مثل تونس والجزائر؛ حيث دفعت القاهرة إلى إخراج بيان القمة العربية، التي انعقدت في الجزائر أوائل نوفمبر 2022، للتأكيد على دعم الحوار الليبي الليبي. وتٌبرز اللقاءات المتكررة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيريه في كلٍ من الجزائر وتونس الإيمان المصري بضرورة استمرار التواصل مع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية لتحقيق الاستقرار.

(*) رفض أي دور للمرتزقة: تقوم سياسة مصر بوجهٍ عام على التعامل مع الدول ومؤسساتها دون غيرها؛ فلم تتعامل القاهرة يومًا مع الجماعات أو الميليشيات. في هذا الصدد، لم تٌفوت القاهرة فرصة دون المطالبة بأولوية خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من بؤر الصراع في ليبيا؛ حيث بات المرتزقة الأجانب مصدر تهديد لأي جهود تُبذل لحلحلة العملية السياسية، لا سيما أن استمرار الصراع يُمثل مكسبًا استراتيجيًا لهم ولعائلاتهم. لذلك جاء الدور المصري دائمًا معارضًا لهذا الاتجاه، وداعمًا لمطالب الأطراف الليبية باختلاف أطيافها، والمجتمع الدولي، المؤكدة على ضرورة إخراج المرتزقة من ليبيا كبداية للحل.

وفي 30 أكتوبر 2021، انطلقت في القاهرة اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5" لبحث إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من البلاد، وذلك بمشاركة المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا يان كوبيش، وممثلين عن دول جوار ليبيا، تناول الاجتماع في وقتها الخطط اللازمة والآليات التي يتفق عليها من أجل مغادرة المرتزقة والمقاتلين والعناصر الأجنبية في الجنوب، ضمن الخطة العامة لخروج كل المرتزقة من ليبيا.

ملامح إيجابية:

استمرارًا لسياسة القاهرة تجاه محيطها الإقليمي والعربي، تبرز العديد من المؤشرات التي تؤكد نجاح هذه السياسة في كسب الثقة الإقليمية والدولية في الدور المصري في ليبيا كطرف محايد ونزيه يُمكن التعويل عليه، ومن أبرز ملامح إيجابية الدور المصري في ليبيا ما يلي:

الرئيس المصري خلال لقائه مشايخ وأعيان القبائل الليبية (صورة أرشيفية)

(*) التواصل المستمر مع جميع الأطراف: منذ اليوم الأول لبروز بوادر أزمة حقيقية بين الأطراف الليبية، ركزت القاهرة جهودها على التواصل مع جميع الأطراف دون غلق لأي بابٍ منها مهما كان حجم الخلاف أو التوافق، وبرز ذلك في التواصل مع المجلس الأعلى للدولة، والمجلس الرئاسي، والحكومات الانتقالية المعترف بها في مناطق الشرق الليبي دون أن يؤثر ذلك على تواصلها مع مجلس النواب، والجيش الوطني الليبي. وما بين تواصل القاهرة مع الشرق والغرب الليبيين كان هناك مسار هام يقوم على الحوار المباشر مع القوى المجتمعية الليبية، وشيوخ القبائل ورموزها؛ حيث اجتمع الرئيس المصري مع مشايخ وأعيان القبائل الليبية في يوليو 2020، وحثّ الرئيس المصري شيوخ القبائل في هذا اللقاء على دعم بناء الدولة الليبية.

(*) كسر الجمود السياسي في الحالة الليبية: تشير النتائج التي توصل لها مجلسا النواب والدولة الليبيين في القاهرة برعاية مصرية إلى فاعلية الدور المصري في تجميع الفرقاء الليبيين في هذا التوقيت الحاسم، الذي تشهد فيه الأزمة الليبية حالة من الجمود السياسي؛ إذ لم يتمكن رئيس الوزراء المكلف فتحي باشاغا من الدخول إلى طرابلس لعقد اجتماعات حكومته، فيما يبدو عبد الحميد الدبيبة محاصرًا في طرابلس مع فقده مزيدًا من السيطرة على مناطق الغرب الليبي، وهو ما أدى بقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر إلى التهديد باتخاذ مجموعة من الخطوات لحلحلة الأوضاع السياسية وفك حالة الجمود.

بيان مشترك لرئيسي مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة عقب اجتماعهما بالقاهرة

(*) كسب ثقة الأطراف الليبية كافة: ساعدت سياسة القاهرة المُنفتحة على جميع الأطراف الليبية سواءً في مناطق الشرق أو الغرب بما في ذلك القبائل والعشائر الليبية في إنجاح الوساطة المصرية، باعتبارها طرف موثوق به. في هذا السياق، أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية في لقاءٍ تلفزيوني مع القاهرة الإخبارية في 6 يناير 2023 أن دور مصر كان مشجعًا على الحوار، وأعلن "المشري" أن أعضاء المجلس الأعلى للدولة لم يلحظوا أي تدخل مصري في الحوار الذي جرى مع مجلس النواب في القاهرة، بل كان الدور المصري محفزًا على التوافق. وظهر تقدير الأطراف الليبية للدور المصري في البيان المشترك الذي توجه بالشكر لمصر وقيادتها لاحتضانها الحوار بين الأطراف الليبية، وتوفيرها للأجواء الملائمة لإجراء مباحثات المسار الدستوري التي أفضت إلى الاتفاق.

(*) قدرة القاهرة على بناء الثقة بين الأطراف الليبية: يُمكن أن نعتبر مسألة فقدان الثقة واحدة من أبرز محفزات تأخر التوافق بين الأطراف الليبية بشكلٍ عام؛ حيث سعى كل طرف لامتلاك السلاح وإبرام الاتفاقات العسكرية، باعتبار أن ذلك هو الضامن الرئيس لوجوده على الساحة السياسية الليبية. وعلى العكس من ذلك، نجحت القاهرة في التغلب على أزمة الثقة التي كانت مسيطرة على علاقة الأطراف الليبية المختلفة في وساطتها الأخيرة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين، وهو الأمر الذي تأكد بتجاوز الجانبين كل العراقيل والتحديات بينهما، مثل الخلاف على مسألة إقرار مجلس النواب لقانون المحكمة الدستورية قبل تراجعه عن إصداره بعد رفض المجلس الأعلى للدولة للخطوة.

في الختام، لم يكن بجديد على القاهرة أن يستقر حل الأزمة الليبية على أرضها، خاصّة بعد نجاحها في تبني وساطة جادة بين رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين تُفضي إلى بناء الثقة، وبدء مسار الحل السياسي في البلاد. وقد ساعد القاهرة في الوصول إلى ذلك سياستها الثابتة تجاه الأزمة الليبية، والتي تقوم على ضرورة التواصل مع جميع الأطراف الليبية وفتح قنوات الاتصال، باعتبارها يُمكن أن تتحول في أي وقت إلى فرص لبناء السلام عبر الحوار وتبادل الأفكار للخروج من الأزمة السياسية في أي وقت، وهو الأمر الذي تأكد فعليًا مع مرور الوقت.