الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تنظيم الصفوف.. كيف تستغل التنظيمات الإرهابية زلزال تركيا وسوريا؟

  • Share :
post-title
معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية

Alqahera News - نورا فايد

فجر يوم الإثنين الموافق السادس من فبراير 2023، علت أصوات البكاء والصراخ والأنين تحت ركام الأراضي التركية والسورية التي صارت حطامًا بين عشية وضحاها، جراء زلزال بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، ضرب ولاية "كهرمان مرعش" جنوب شرقي تركيا، نجم عنه وقوع الآلاف من الضحايا والجرحى في تركيا وسوريا، بجانب الانهيارات التي شهدتها أعداد كبيرة من المباني بالبلدين، ليصبح الزلزال الأقوى منذ عام 1939، على حد قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفي الوقت الذي تعالت فيه أصوات التضامن على مستوى العالم أجمع معلنة استعدادها لتقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات للمناطق المنكوبة، ظهرت التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي كعادته، لاستغلال فاجعة الزلزال، لصالحه غير آبه بحجم الكارثة، وهو ما يطرح تساؤلات عدة، منها؛ إلى أي مدى يمكن أن تستغل التنظيمات الإرهابية فاجعة الزلزال لتحقيق مخططاتها؟ بمعنى آخر؛ هل يكون الزلزال في خدمة الإرهاب؟.

تحركات إرهابية:

في البداية، تجدر الإشارة إلى أن التنظيمات الإرهابية بمختلف توجهاتها وأفكارها سواء أكانت سُنية أو شيعية، أو غير ذلك، فإنها، لا تفكر في الوقت الراهن، سوى في كيفية توظيف كارثة الزلزال بالبلدين المنكوبين لصالح تحقيق مخططاتها، مستغلة حالة الفوضى التي قد تنجم عنها جراء انشغال الأجهزة الأمنية والعسكرية التركية والسورية حاليًا بكيفية مواجهة تلك الكارثة والتداعيات الناجمة عنها، وهو ما قد يدفعها لتعميق الكارثة بتنفيذ أعمال إرهابية خاطفة لم تستطع تحقيقها إلا في مثل هذا التوقيت، وظهرت مؤشرات على اتجاه الإرهابيين نحو ذلك، خلال الساعات الأولى من وقت وقوع زلزال "تركيا وسوريا"، يمكن رصدها على النحو التالي:

(*) هروب سجناء "داعش" من سجن قرب الحدود التركية: ظهرت أول تبعات الزلزال في سجن ببلدة "راجو" شمال غربي سوريا، قرب الحدود التركية، الذي يضم نحو ألفي نزيل من بينهم مقاتلون من الأكراد، وما يقرب من 1300 من مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي استغل فاجعة الزلزال الذي ضرب عدة مناطق سورية خاصة القريبة من الحدود التركية، بدفع عناصره للتمرد داخل السجن، حتى يسهل عملية هروبهم إلى الخارج، وهو ما وقع بالفعل، إذ كشفت مصادر داخل السجن الذي يسيطر عليه فصائل سورية موالية لتركيا، لوكالة "فرانس برس"، 7 فبراير الجاري، عن فرار 20 سجينًا على الأقل أغلبهم أعضاء في تنظيم "داعش" الإرهابي، إذ قال المصدر للوكالة الفرنسية، "بعد الزلزال تضرر سجن "راجو " ووقع تصدع في الجدران والأبواب، وبدأ السجناء في التمرد، خاصة التابعين لـ"داعش" الإرهابي وسيطروا على عدد من أقسام السجن".

وما يؤكد أن التنظيم الإرهابي كان ينتظر الحدث الذي يسهل من عملية إخراج مسلحيه من سجن "راجو"، الهجوم الذي شنه أواخر ديسمبر الماضي، على مقرات أمنية بمدينة الرقة، لتحرير مسلحيه من السجن الواقع بشمال سوريا، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أحبطت هذا الهجوم الذي نجم عنه وقتها مقتل عنصرين من "داعش" الإرهابي و6 مقاتلين من "قسد"، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

(*) مهاجمة "العمال الكردستاني" للحدود التركية السورية: بعد ساعات قليلة من وقوع الزلزال المدمر، خرجت وزارة الدفاع التركية في 7 فبراير الجاري، لتعلن مهاجمة عناصر من "حزب العمال الكردستاني" (الذي تصنفه تركيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا فصيلًا إرهابيًا)، نقطة حدودية على الحدود مع سوريا، واتهمت الوزارة في بيانها، الحزب الكردي باستغلاله للزلزال لشن هجمات إرهابية. وجاء في البيان، "منظمة العمال الكردستاني، المجردة من الإحساس بالإنسانية، استغلت الزلزال وشنت هجومًا غادرًا من قاذفة صواريخ متعددة الفوهات من تل رفعت إلى منطقة مسؤوليتنا في مركز أونشوبينار الحدودي على الرغم من أن جنودنا لم يصابوا أو يتكبدوا خسائر، فقد تم تنفيذ ضربة انتقامية ضد أهداف إرهابية"، وبناءً على ذلك فإن هناك بعض التكهنات التي ترجح قيام تنظيم "صقور حرية كردستان" المقرب من الحزب بشن هذا الهجوم، خاصة أن هذا التنظيم شن خلال السنوات الماضية، بعض الهجمات في وسط تركيا مستهدفًا قوات الأمن التركية.

(*) إطلاق تنظيم "الإخوان" الإرهابي دعوات لجمع تبرعات لضحايا الزلزال المدمر: تعد "الأموال" المصدر الرئيسي للجماعات الإرهابية، فهي شريان وجودها واستمرارها، ولذلك فإن بعض التنظيمات استغلت الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وحالة التضامن سواء على المستوى الشعبي أو الدولي لتقديم مساعدات وتبرعات للشعبين المنكوبين، بإعلان أرقام هواتف لمن يرد التبرع للضحايا والمصابين، إذ نشر بعض الناشطين المقيمين في تركيا والمحسوبين على جماعة الإخوان الإرهابية، تغريدات بها أرقام لمن يريد التبرع، وفي هذا الإطار، فإن وسائل إعلام مصرية، كشفت أن القيادي الإخواني الهارب في مدينة إسطنبول التركية "يحيى السيد إبراهيم موسى" المعروف بـ"يحيى موسى"، أطلق دعوات لمن يريد التبرع لصالح ضحايا الزلزال، وتوقعت أن ينهب القيادي الإخواني هذه التبرعات وقد يسافر بها إلى خارج البلاد، خاصة وأنه في مطلع ديسمبر الماضي، سلم الإنتربول المصري بقطاع التعاون الدولي بوزارة العدل مذكرة عاجلة لنظيره الدولي، يطالبه فيها بضرورة إلقاء القبض على "يحيى موسى" المتهم بالتخطيط لاغتيال النائب العام المصري الراحل "هشام بركات"، ومتهم بتزوير أوراق سفر بعض عناصر الجماعة لتسهيل عملية انتقالهم إلى الأراضي التركية.

احتمالات العودة:

وفي ظل التحركات السالف ذكرها، فإنه من المتوقع أن تستغل الجماعات الإرهابية واقعة "الزلزال المدمر"، من خلال القيام بجملة من الأعمال التصعيدية، يمكن إبرازها على النحو التالي:

(&) اتجاه إرهابيي "داعش" لإعادة تنظيم صفوفهم في تركيا وسوريا: متوقع أن تستغل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي واقعة الزلزال وتأثيره المدمر على تركيا وسوريا، وسيعمل على إعادة تنظيم صفوفه في هذه البلدان، وقد تكون البداية بالأراضي التركية، خاصة أنه قبل يوم من وقوع الزلزال احتجزت الأجهزة الأمنية التركية، 5 فبراير الجاري، 15 شخصًا مشتبهًا بانتمائهم للتنظيم الإرهابي وتم إحالتهم إلى القضاء، لاتهامهم بالتخطيط لاستهداف قنصليتي السويد وهولندا، إضافة إلى دور عبادة مسيحية ويهودية في الأراضي التركية، وهو ما أثار قلق بعض الدول الأوروبية، مما دفعها لإغلاق قنصلياتها في إسطنبول بشكل مؤقت، كما وجهت السفارة الأمريكية بأنقرة تحذيرات لرعاياها لأخذ الحذر والحيطة من أي هجمات إرهابية مرتقبة في تركيا، وهو القرار الذي رد عليه "أردوغان"، قائلًا: إن "البعثات الدبلوماسية الغربية في تركيا ستدفع ثمن إصدارها تحذيرات أمنية وإغلاقها المؤقت لقنصلياتها في البلاد".

ولكن بعد وقوع الزلزال بات الحيز الأكبر من تركيز تركيا على كيفية مواجهة هذه الكارثة وما خلفته من خسائر جمة، وهذه النقطة تحديدًا، قد تكون مدخل التنظيمات الإرهابية لتنفيذ جرائمها، إذ إن تلك التنظيمات لطالما تبحث عن مناطق تعاني من تدهور وفوضى وعدم استقرار وسوء للأوضاع المعيشية والاقتصادية، للتغلغل والانتشار فيها، وهو ما وقع بسوريا حينما أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي دولته المزعومة في 2014.

(&) استغلال التنظيمات الإرهابية لحالة "الاستياء الشعبي" في دول الزلزال: بعد وقوع الزلزال، خاصة إذا كان "عالي الشدة" ويترك أعدادًا كبيرة من الضحايا والمصابين، فضلًا عن خسائر من الممتلكات وفي البنية التحتية؛ قد ترتفع "حالة الاستياء الشعبي" بسبب عدم قدرة المتضررين من الزلزال على تحمل انعكاسات الأزمة، وهذه الحالة من المحتمل أن تستغلها بعض التنظيمات الإرهابية في حشد المواطنين ضد حكوماتهم، وبالتالي قد تستخدم التنظيمات الإرهابية منصاتها الإعلامية في تسليط الضوء على الانتقادات التي وجهها العلماء المتخصصين في مجال الزلازل على مستوى العالم إلى مصممي العمارات التي انهارت في تركيا، لفشلهم في التزام وتطبيق الشروط الواجب توفرها في تصميم المباني كي تكون أكثر تحملًا لأي زلزال، وعليه فإن على البلدين المنكوبين لمواجهة أي استغلال إرهابي ومحاولته الظهور على الساحة السياسية بهم؛ العمل على تلبية جميع احتياجات المتضررين من الزلزال بأقصى سرعة ودون أي تفرقة، ومحاولة إنعاش النشاط الاقتصادي سريعًا، لأن في هذه الحالة تكلفة الفرصة البديلة للتمرد والإرهاب ستنخفض بسرعة، وتدحض نقاط الضعف التي تعد مدخلًا للإرهاب.

التنظيمات الإرهابية-أرشيفية

(&) استيلاء التنظيمات الإرهابية على المساعدات الإنسانية في سوريا: عقب وقوع زلزال تركيا وسوريا، سارعت منظمات الإغاثة الإقليمية والدولية، لتقديم مساعدات لشعبي البلدين المنكوبين، وهو ما قد تحاول التنظيمات الإرهابية الاستيلاء عليه، باعتباره غنيمة ومصدر اقتصاد لها خلال فترة الشتاء التي تتقلص فيها مواردها حسب المتخصصين، ففي "سوريا" لا يزال تنظيم "داعش" الإرهابي يتواجد بقوة، ويشن بين فترة وأخرى أعمالًا إرهابية، وهناك أيضًا، تنظيم "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" الإرهابية، سابقًا، وتضم مجموعة من الفصائل المسلحة في شمال سوريا)، وبالتالي احتمالات تعرض منظمات الإغاثة لهجمات من قبل التنظيمات الإرهابية، خاصة في سوريا، هو ما دفع وزيرة الخارجية الألمانية "أنالينا بيربوك"، 7 فبراير الجاري، لمطالبة روسيا القريبة من الحكومة السورية إلى مساعدة منظمات الإغاثة في دخول المساعدات الإنسانية ودون أي عقبات إضافية إلى البلاد، كما أن "خالد حبوباتي" رئيس الهلال الأحمر السوري، أعلن في 7 فبراير الجاري، استعداد منظمته لتقديم مساعدات إغاثية إلى المناطق السورية، سواء التابعة للنظام أو المعارضة كافة، لكن بشرط أن تسهل منظمة الأمم المتحدة ذلك.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية المنتشرة بمختلف أنحاء العالم؛ تستغل البلدان التي تعاني من تدهور في أوضاعها الاقتصادية والمعيشية والدول المأزومة التي تشهد صراعات، بجانب استغلال حالة عدم الاستقرار التي قد تتركها كارثة طبيعية كـ"الزلزال" للانتشار وتنفيذ أعمال إرهابية لصالحها، وعليه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة، عودة لتصاعد نشاط بعض الجماعات الإرهابية في البلدين، اللذين عليهما استنفار جميع أجهزتهم الأمنية والعسكرية وتأمين حدودهم ومناطقهم الداخلية لمجابهة أي أعمال إرهابية محتملة.