الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مؤثرات متكررة: هل يتراجع نشاط التنظيمات الإرهابية خلال شتاء 2023؟

  • Share :
post-title
إرهابيون ـ صورة تعبيرية

Alqahera News - نورا فايد

في الوقت الذي حسم فيه بعض المحللين الرؤية، التي تقول إن "التنظيمات الإرهابية تولد من رحم التغيرات المناخية"، وفي ظل التطورات الجارية على الساحتين الدولية والإقليمية التي تأتي بالتزامن مع "شتاء" يعد الأبرد بالقارة الأوروبية، ونزاع روسي أوكراني لم يصل لنتيجة بعد، بل أثّر على جهود مكافحة الإرهاب الدولية، وأزمة نفطية عالمية استغلتها الجماعات الإرهابية خاصة المنتشرة في البلدان العربية التي تتمتع بموارد نفطية هائلة، وتنظيمات إرهابية تحاول العودة مجددًا للتغلغل في دول المنطقة العربية- تتجه الأنظار للتساؤل حول مدى تأثير شتاء 2023 على نشاط التنظيمات الإرهابية، أي هل يتراجع أم يتصاعد؟.. خاصة في ظل توقعات بأن يشهد العام الجاري تصاعدًا في العمليات الإرهابية، مع قيام المجتمع الدولي بوضع تشريعات جديدة لمكافحة الإرهاب.

مؤشر النشاط الإرهابي خلال العام 2022

للوقوف على معرفة نشاط الإرهاب خلال العام الجاري، يبنغي أولًا رصد أبرز العمليات والهجمات التي نفذتها التنظيمات الإرهابية بالمحيطين العربي والإفريقي على مدار العام الماضي، خاصة أن زيادة بعض الهجمات ارتبط بجملة من العوامل، أبرزها، استغلال تلك التنظيمات لعملية عدم الاستقرار السياسي والصراعات الدولية وعملية تغيير المناخ، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

(*) الأعمال الإرهابية في شتاء 2022: شهدت الأشهر الثلاثة الأولي من العام الماضي (يناير، فبراير، مارس 2022)، تصاعدًا في العمليات الإرهابية لأبرز التنظيمات (داعش، القاعدة، الحوثيين، شباب المجاهدين، بوكوحرام)، فقد بلغ إجمالي العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في القارة الإفريقية في الربع الأول من 2022، نحو "164" عملية، ونفذت في (الصومال، كينيا، النيجر، تشاد، نيجيريا، الكاميرون، بوركينافاسو، مالي، السنغال، بنين، الكونغو، موزمبيق)، إذ وقع في نيجيريا وحدها خلال هذه الفترة 33 عملية إرهابية، وفقًا لـلإحصاءات الصادرة عن "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف".

وبالنسبة لدول المنطقة العربية، فقد وقع خلال الربع الأول من العام الماضي، 209 عمليات إرهابية بدول المنطقة مقارنة بـ169 عملية في الفترة نفسها من العام 2021، وتصدرت دول الصومال، العراق، سوريا المؤشر من حيث ارتفاع عدد العمليات الإرهابية بهم، وفقًا لإحصاءات مؤسسة "ماعت" للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، وقامت ميليشيا الحوثي في اليمن وحدها بارتكاب نحو 39 عملية إرهابية في منطقة الخليج العربي، إذ افتتحت يناير الماضي، باستهداف دولة الإمارات بثلاثة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، كما شهدت هذه الفترة عودة تنظيم "داعش" لبلاد الرافدين بشن هجوم كبير راح ضحيته 11 جنديًا من قوات الجيش العراقي بمحافظة ديالي في يناير 2022، وفي أواخر الشهر ذاته، هاجم مسلحو "داعش"سجن "غويران" الواقع في مدينة الحسكة السورية.

سجن الحسكة السوري

(*) الأعمال الإرهابية في ربيع 2022: شهد الربع الثاني من العام الماضي خلال الفترة من أبريل إلى يونيو 2022 نحو 123 عملية إرهابية بدول المنطقة العربية، منخفضة قليلًا عن الربع الأول، وفقًا للإحصاءات الصادرة عن مؤسسة "ماعت"، ويرجع هذا لأمرين؛ أولهما توقيع الهدنة الإنسانية بين المجلس الرئاسي اليمني وميليشيا الحوثي باليمن في أبريل الماضي، أما الأمر الثاني فيتمثل في إجراء الانتخابات الرئاسية في الصومال وتولي "حسن شيخ محمود" رئاسة الدولة الإفريقية، ووضعه استراتيجية لمكافحة الإرهاب، أما في شهري أبريل ويونيو الماضيين، فقد وقعت 74 عملية إرهابية في إفريقيا، وخاصة (الكونغو، إثيوبيا، الصومال، بنين، مالي، نيجيريا، النيجر، بوركينا فاسو)، وفقًا للإحصاءات الصادرة عن مرصد الأزهر.

(*) العمليات الإرهابية في صيف 2022: شهد الربع الثالث من العام الماضي (يوليو إلى سبتمبر 2022) ارتفاعًا في معدل الأعمال الإرهابية، فقد وقعت 135 عملية بدول المنطقة العربية، ارتكب تنظيم داعش منهما 35 عملية، ويرجع هذا لمقتل عدد من قيادات التنظيم في سوريا، من بينهم زعيم داعش في سوريا، ماهر العقال، في 12 يوليو الماضي في غارة أمريكية بطائرة مسيّرة شمال غرب سوريا، وقتل الجيش السوري لقيادي داعشي في جنوب سوريا يدعي أبو عمر الجبابي، منتصف أغسطس الماضي بمدينة طفس بريف درعا الشمالي الغربي. وفي شهري أغسطس وسبتمبر وقع ما يزيد على 66 عملية إرهابية بدول القارة الإفريقية ما بين تفجيرات واغتيالات، وارتكبت حركة شباب المجاهدين في الصومال منها ما يزيد على 21 عملية.

(*) العمليات الإرهابية في خريف 2022: شهد الربع الأخير من العام الماضي (أكتوبر إلى ديسمبر 2022) تصاعدًا في العمليات الإرهابية، ففي شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين فقط، وقعت 101 عملية إرهابية ما بين عمليات انتحارية وتفجيرات واغتيالات، خاصة في مناطق غرب وشرق إفريقيا، ومنطقة الساحل والصحراء، حيث عاد تنظيم القاعدة لاستعادة نشاطه في دول القارة الإفريقية لمواجهة منافسه "داعش"، وشهدت الأشهر الأخيرة من العام الماضي، تصاعد العمليات الإرهابية للقاعدة في بوركينافاسو، فضلًا عن عودة داعش لاستعادة نشاطه في بلاد الرافدين، بلغت العمليات الإرهابية ذروتها للتنظيم الإرهابي، أواخر 2022 خاصة في بلاد الرافدين وفي سوريا وتحديدًا بمناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومناطق النظام السوري، كرد فعل على استراتيجية الحكومة العراقية برئاسة "محمد شياع السوداني" لدحر الإرهاب في العراق، أما اليمن، فقد وقعت هجمات من قبل ميليشا الحوثي على منشآت نفطية بالبلاد، خاصة بعد انقضاء الهدنة الأممية مطلع أكتوبر الماضي، كما عاد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشن سلسلة من الهجمات خلال الربع الأخير من العام الماضي؛ لاستهداف القوات الجنوبية، بعد إطلاقها عملية "سهام الشرق"، لدحر الإرهاب جنوبي اليمن.

ميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت جنوبي اليمن
نشاط الإرهاب في يناير 2023

نلحظ مما تقدم، ومن خلال تصاعد العمليات الإرهابية في شتاء العام الماضي، أن الهجمات والجرائم الإرهابية يمكن أن تحدث في أي مكان وفي أي وقت ودون سابق إنذار، بل على العكس فقد افتتحت التنظيمات الإرهابية، العام الجديد، بسلسلة من العمليات الإرهابية في يناير الجاري، أبرزها، هجومين بسيارتين مفخختين في 4 يناير الجاري، بوسط الصومال، راح ضحيته 19 شخصًا، ووفقًا لمصادر عسكرية فإن "حركة شباب المجاهدين" وراء هذه الهجمات، وبالانتقال إلى اليمن فقد شن مسلحو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في 6 يناير 2023: هجومًا إرهابيًا على مواقع تمركز القوات الجنوبية في مديرية مودية شرق محافظة أبين الجنوبية وتحديدًا بالقرب من "وادي عوامرن".

انفجار في الصومال يناير 2023

وفي الوقت ذاته، نجحت بعض دول المنطقة في إحباط عمليات إرهابية، وهو ما يكشف عن مساعي التنظيمات الإرهابية خلال العام الجاري، ففي الفترة من 1 إلى 10 يناير 2023 ضبطت القوات الجزائرية 13 عنصرًا داعمًا للجماعات الإرهابية، وتدمير مخبأ للإرهابيين كان به عدد من الأسلحة، وفي 11 يناير الجاري، أعلنت القوات المغربية تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم “داعش”، تتكون من ثلاثة عناصر ينشطون في كل من إسبانيا والمغرب.

دوافع التصعيد

وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول إن ثمة عوامل قد تدفع التنظيمات الإرهابية للتصعيد خلال الربع الأول من العام الجاري (شتاء 2023) يمكن توضيحها على النحو الآتي:

(*) استغلال تزايد عمليات الهجرة غير الشرعية: إن الظروف المناخية السيئة التي تشهدها بلدان القارة الإفريقية وخاصة دول الساحل والصحراء، وينجم عنها تدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بهذه البلدان، مما يزيد من عمليات الهجرة غير الشرعية، تعد فرصة للتنظيمات الإرهابية لاستغلال المهاجرين غير الشرعيين في تحصيل موارد مالية منهم لتأمين المرور الأمني لعلمية الهجرة التي تتزايد في هذه الفترة من العام، فضلًا عن أن مخيمات النازحين المنتشرة في غرب سوريا التي تعاني من تدهور في الأوضاع المعيشية والخدمية وبشكل شديد في فصل الشتاء، تعد فرصة سانحة للتنظيمات الإرهابية للتغلغل داخل هذه المخيمات، واستغلال النازحين للانضمام لصفوف عناصر التنظيم الإرهابي، ومن ثمّ توسيع قاعدته وتنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية، وعليه، فإن استمرار معدلات الهجرة غير الشرعية خلال العام الجاري، سوف يزيد من معدلات العمليات الإرهابية بدول المنطقة.

(*) عدم استقرار الأوضاع في الدول العربية المأزومة: لطالما استغلت التنظيمات الإرهابية حالة "الجمود السياسي" التي تشهدها بعض بلدان المنطقة العربية خاصة "سوريا، ليبيا، اليمن" للتوسع والتغلغل داخلها، مستغلة عدم وجود حكومة موحدة، وحالة الانقسام والتشرذم التي تشهدها، التي تؤثر بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بهذه البلدان، وهو ما يدفعها لتنفيذ عمليات إرهابية لإيجاد مساحة داخل هذه البلدان، وعليه فإن استمرار الأزمات والصراعات بهذه البلدان، يعني مزيدًا من الأنشطة الإرهابية خلال العام الحالي، وهو ما لاحظناه في تنامي نشاط جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة بالأراضي اليمنية، وتوسع نشاط "داعش" في سوريا، ومن ناحية أخرى تستغل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة "عبدالحميد الدبيبة" في غرب ليبيا، للميليشيا المسلحة لضمان استمرار سيطرتها على العاصمة الليبية طرابلس.

(*) استمرار النزاع الروسي الأوكراني: أثّر هذا النزاع منذ اندلاعه أواخر فبراير الماضي، على جهود مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي، جراء تسببه في تدهور الأوضاع الاقتصادية عالميًا، والتأثير السلبي على سوق النفط العالمية ما ساهم في ارتفاع أسعار النفط، ودفع بعض البلدان الأوروبية للبحث عن مصدر بديل للنفط الروسي، بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على موسكو، وفي ضوء هذا السياق فإن بعض التنظيمات الإرهابية استغلت حالة التشرذم التي يشهدها المجتمع الدولي جراء هذه الحرب وعملت على توظيفها لصالحها سواء من خلال محاولتها اختراق دول القارة العجوز، وفقًا لما كشفته بعض تقارير المخابرات الغربية بأن بعض المتطرفين وخاصة من إفريقيا والشرق الأوسط، أبدوا اهتمامًا بهذه الحرب، بل وذهب بعضهم كمهاجرين، وهو ما قد يكون مخططًا لتنفيذ عمليات إرهابية بدول القارة الأوروبية، أو استغلال انشغال دول المجتمع الدولي بما يحدث بالأراضي الأوكرانية والعودة إلى التموضع، وتحديدًا بدول منطقة الشرق الأوسط، وهو ما حدث بالفعل إذ عاد "داعش" مجددًا لشن هجمات لاستعادة مواقعه في سوريا والعراق، وعمل "القاعدة" على توسيع هجماته سواء باليمن أو بعض الدول الإفريقية لاستعادة نفوذه، وعليه، فإن استمرار النزاع الروسي الأوكرانية سيسهم بشكل أو بآخر في استمرار العمليات الإرهابية خلال العام الجاري.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية لا تتأثر بدرجة كبيرة بالتغيرات المناخية وتقلل من عملياتها الإرهابية، بل على العكس تستغل ذلك للتمدد والانتشار بشكل أوسع، إذ إن التوترات التي تشهدها أي منطقة بالعالم، تعد فرصة سانحة لتلك الجماعات باختلاف عقائدها للتمركز وإثبات وجودها وقدرتها على التهديد، وعليه، فإن استعراض نشاط العمليات الإرهابية خلال العام الماضي وما نجم عنه من عودة بعض التنظيمات للساحة، يعد مؤشرًا واضحًا على أنها ستكون ذات فاعلية وتأثير في العام الجاري، وهو ما يضع على دول المجتمع الدولي عبء وضع تشريعات وخطوات فعالة تسهم في وضع حد للانشطة الإرهابية في بداية العام أي "في شتاء 2023".