الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تعزيز النفوذ.. دلالات جولة وزير الخارجية الروسي إلى الجنوب الإفريقي

  • Share :
post-title
وزيرة خارجية جنوب إفريقيا "ناليدي باندور " ووزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"

Alqahera News - نورا فايد

أجرى وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" جولة إلى دول الجنوب الإفريقي، بدأها بزيارة جمهورية جنوب إفريقيا في 23 يناير 2023، مرورًا بمملكة إسواتيني، وأنجولا، واختتمها بزيارة مفاجئة إلى إريتريا في 26 يناير الماضي، ما يؤكد حرص موسكو على استمرار وجودها وتعزيز نفوذها داخل بلدان القارة الإفريقية، خاصة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي، وفرض الغرب عقوبات قاسية عليها، بل واتجاه دول أوروبية عدة إلى الانتشار بإفريقيا، أملًا في البحث عن مصدر بديل للنفط الروسي.

دلالات التوقيت:

تجدر الإشارة إلى أن الجولة الخارجية لـ"لافروف" في هذا التوقيت تحديدًا، تأتي بالتزامن مع ثمة تطورات شهدتها بلدان القارة الإفريقية خلال الفترة الأخيرة، أثارت تخوف موسكو، يمكن تناولها على النحو التالي:

(*) تحركات أمريكية للحفاظ على نفوذها في إفريقيا: قبل أيام قليلة من جولة وزير الخارجية الروسي إلى دول جنوب إفريقيا، أجرت وزيرة الخزانة الأمريكية "جانيت يلين" جولة إلى دول غرب وجنوب إفريقيا (السنغال، وزامبيا، وجنوب إفريقيا) في 18 يناير الماضي، استمرت لمدة 11 يومًا، واختيرت السنغال كمحطة أولى في جولة الوزيرة الأمريكية نظرًا للمكانة التي تتمتع بها داخل بلدان القارة، خاصة أنها رئيس الاتحاد الإفريقي لهذا العام، وأفادت واشنطن بأن جولة "يلين" هدفها تعزيز علاقات واشنطن مع هذه البلدان واتجاهها لتطوير شراكتها الاستراتيجية في المجالات الاقتصادية والتجارية مع دول إفريقيا، وعليه، فإن جولة "يلين" تبعث برسالة إلى كل من موسكو وبكين، مفاداها أن واشنطن حاضرة بقوة داخل القارة وستدافع عن أية محاولات تعيق وجودها داخل مختلف أنحاء القارة.

(*) توجه إيطالي نحو شمال إفريقيا لتعزيز إمدادات الغاز: عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وفرض الغرب عقوبات على موسكو، بدأت الدول الغربية تبحث عن مصدر بديل للطاقة الروسية، لذلك أضحت القارة الإفريقية الخيار البديل للغرب، وفقًا لتقديرات غربية لتغطية احتياجاته النفطية من ناحية، وعرقلة أية تحركات روسية تعيق هذه المساعي الأوروبية من ناحية أخرى، وهو ما يفسر سبب توجه كل من وزير الخارجية الإيطالي "أنطونيو تاياني" في 22 يناير الماضي إلى مصر، ثم رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" إلى "تونس، والجزائر ثم ليبيا" في 28 يناير الماضي، إذ كان من أبرز الملفات المطروحة على قائمة مباحثات مسؤولي إيطاليا في دول شمال إفريقيا، "ملف أمن الطاقة"، وهو ما كشفه "تاياني" في مصر، قائلًا: "إيطاليا وأوروبا تتطلعان إلى منطقة شمال إفريقيا لتلبية احتياجاتهما من الطاقة في أعقاب الحرب بأوكرانيا. ولشركة إيني الإيطالية حضور قوي فيما يتعلق بإنتاج الغاز المصري"، أما "ميلوني" فكشفت خلال مباحثاتها مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها "عبدالحميد الدبيبة" عن مساعي بلادها لتوقيع صفقة غاز كبيرة مع ليبيا، بقيمة 8 مليارات دولار لتطوير حقلي غاز ليبيين لضخ 850 مليون قدم مكعب يوميًا.

رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية "عبد الحميد الدبيبة" ورئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني"

(*) مساعٍ صينية لتعميق شراكتها الاستراتيجية مع دول إفريقيا: كما جاءت جولة "لافروف" بعد أسبوعين من جولة قام بها وزير الخارجية الصيني "تشين جانج" في الفترة من 9 إلى 16 يناير الماضي، إلى دول وسط وغرب وشرق وشمال إفريقيا (الجابون، أنجولا، بنين، إثيوبيا) بهدف تعزيز وتعميق الشراكة الاستراتيجية وعلاقات التعاون بين بكين وهذه البلدان الإفريقية في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، التجارية، وأيضًا العسكرية، وهو ما قد يؤثر إلى حد ما على الوجود الروسي بدول القارة، لذلك دفعت الصين بوزير خارجيتها للتأكيد على وجوده بمختلف إفريقيا، هذا في الوقت الذي لم تخف فيه واشنطن رفضها للتحركات الصينية أيضًا نحو دول القارة، خاصة بعد أن تجاوز حجم التجارة بين الصين وإفريقيا 254 مليار دولار في عام 2021.

وزير الخارجية الصيني "تشين غانغ" مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي "موسى فقي محمد"في إثيوبيا
أهداف روسية:

في ظل التطورات السالف ذكرها، يمكن القول إن حرص وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" على القيام بجولة إلى الجنوب الإفريقي هذه المرة بعد أقل من 6 أشهر على جولته الأولى لدول شمال إفريقيا (الكونجو، أوغندا، إثيوبيا، مصر) في يوليو الماضي؛ يعكس رغبة موسكو في تحقيق جملة من الأهداف جراء هذه التحركات الدبلوماسية المتواصلة لدول القارة، يمكن إيضاحها على النحو التالي:

(&) تعزيز التعاون الروسي مع بلدان الجنوب الإفريقي: إن الهدف الرئيس من هذه الجولة، هو رغبة موسكو في تعزيز تعاونها بمختلف المجالات مع بلدان الجنوب الإفريقي، لذلك ركزت مناقشة "لافروف" مع نظرائه في هذه البلدان على تعزيز التعاون المشترك في المجالات التجارية والتكنولوجية والتعليمية بجانب الفضاء والطاقة، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين موسكو وبريتوريا (عاصمة جنوب إفريقيا) وصل في عام 2021 إلى 1.14 مليار دولار، كما طرح التعاون الأمني والعسكري على طاولة مباحثات الوزير الروسي بدول الجنوب، إذ إن الجولة الروسية تأتي بالتزامن مع المناورات العسكرية المشتركة التي ستعقد في الفترة من (17-27 فبراير 2023)، وتشارك فيها جنوب إفريقيا بالتعاون مع روسيا والصين، وهو ما يعكس رغبة موسكو في توجيه ضربة لواشنطن وأوروبا باستقطاب أكبر عدد ممكن من بلدان القارة الإفريقية بعيدًا عن أوروبا.

(&) حشد الدعم لموسكو في حربها ضد أوكرانيا: إن توجه "لافروف" بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية إلى عدد من دول الشمال الإفريقي في يوليو 2022، ثم قيامه بجولة إلى دول الجنوب الإفريقي في يناير 2023، يؤكد حرص النظام الروسي على التوجه نحو البوابة الإفريقية لكسر الحصار الذي فرضه الغرب عليها بقيادة واشنطن، وحشد أكبر أصوات إفريقية داعمة لحربه على كييف، خاصة أنه في الوقت الذي اختارت فيه بعض البلدان الإفريقية الوقوف على الحياد فيما يخص النزاع الروسي الأوكراني، فإن البعض الآخر رفض التصويت ضد القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس الماضي الذي يدين التدخل الروسي في أوكرانيا، ويطالب بمعاقبة موسكو، وكانت إريتريا وأنجولا من الدول التي امتنعت وقتها عن التصويت على هذا القرار، كما رفضت جنوب إفريقيا دعوات الغرب بإدانة الهجوم الروسي وفرض عقوبات على موسكو.

(&) التحضير لعقد القمة الروسية - الإفريقية الثانية: لقد كانت تلك القمة المرتقبة التي تم الإعلان عنها مطلع يناير الجاري وستعقد في مدينة سانت بطرسبرج الروسية في الفترة من 26 إلى 29 يوليو 2023، حاضرة في جولة "لافروف" الأخيرة، الذي قال في مؤتمر صحفي عقب محادثاته مع نظيرته بجنوب إفريقيا "ناليدي باندور "، في 23 يناير الماضي: "تحدثنا عن الاستعدادات للقمة الروسية الإفريقية الثانية.. وستستند نتائجها إلى العمل الذي تم منذ القمة الأولى التي عقدت في مدينة سوتشي الروسية في أكتوبر 2019، وستساعد في الارتقاء بعلاقاتنا إلى مستويات جديدة"، وعليه، فإن جولة "لافروف" أرادت التأكيد على أن بلاده ستعقد قمة تضم مختلف بلدان القارة الإفريقية في الوقت الذي استبعدت فيه واشنطن، حينما عقدت القمة الأمريكية الإفريقية، بعض دول القارة التي وقعت بها "انقلابات عسكرية" من حضور القمة التي عقدت في ديسمبر الماضي، مع وجود أنباء عن قيام وزير الخارجية الروسي خلال فبراير الجاري بجولة لعدد من دول شمال إفريقيا تضم كلًا من "تونس وموريتانيا والجزائر والمغرب"، وهو ما يؤكد حرص الإدارة الروسية على حشد أكبر دعم إفريقي للبلاد في مواجهة واشنطن والغرب.

(&) رسائل روسية إلى القيادتين الأمريكية والفرنسية بشأن فاجنر: إن الهدف من جولة الوزير الروسي إيصال بعض الرسائل إلى كل من واشنطن وباريس بشأن شركة "فاجنر الروسية"، مفادها أن العلاقات الروسية الإفريقية أكبر من وجود شركة أمنية بهذه البلدان، بل إنها أوسع من ذلك، وأن مساعي أمريكا لعرقلة دور موسكو بدول إفريقيا، بإعلان تصنيفها بالتزامن مع جولة "لافروف" في 26 يناير الماضي، إلى "فاجنر" كـ"منظمة إجرامية عابرة للحدود"، تحت مزاعم قيامهم بأنشطة إجرامية في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، لن يوقف التحركات الدبلوماسية الروسية لتعزيز وتطوير علاقات التعاون مع مختلف بلدان القارة، الأمر ذاته بالنسبة لفرنسا، خاصة أن انتشار "فاجنر" في مختلف أنحاء إفريقيا، وتحديدًا بغرب القارة، يقابله رفض شديد من قِبل أمريكا وفرنسا بعدما فشلت قواتهما خلال الفترة الماضية في القضاء على الجماعات الإرهابية المنتشرة بدول الساحل الإفريقي، وهو ما دفع الأخيرة للاستعانة بالشركة الروسية، لذلك فإن "لافروف" لم يتطرق خلال جولته للحديث على قرار تصنيف فاجنر ، لإيصال رسالة أخرى لأمريكا، فحواها أن موسكو لا تهتم بما تتخذه إدارة "بايدن" من إجراءات لتحجيم نفوذه بإفريقيا بأي طريقة كانت.

(&) استقطاب دول إفريقية جديدة إلى البريكس لإضعاف الدولار: تهدف جولة "لافروف" إلى حث دول القارة الإفريقية على الانضمام لمجموعة البريكس، وهو ما تعمل عليه موسكو منذ تسلم جمهورية جنوب إفريقيا مطلع يناير 2023، رئاسة مجموعة "بريكس" التي تضم "البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا"، وخاصة بعد تدشين "بنك التنمية الجديد لبريكس" في 12 ديسمبر الماضي، بهدف وضع حد لهيمنة الدولار الأمريكي، من خلال حصول دول "البريكس" قروض من بنك التنمية الجديد وإجراء معاملاتهم التجارية بعملاتها الوطنية بدلاً من الدولار، وعليه، فإن استقطاب مزيد من الدول الإفريقية للبريكس سيسهم في إضعاف الدولار الأمريكي بل وإضعاف تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية بحق روسيا.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول، إن روسيا تحت إدارة الرئيس "فلاديمير بوتين"، لن تتوقف عن أهدافها لدعم وتعزيز علاقاتها الخارجية بمختلف أنحاء العالم، رغم أية محاولات من أمريكا والغرب لعرقلتها، وهو ما تأكده التحركات الدبلوماسية المتواصلة لوزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، لمختلف دول العالم، التي تؤكد بشكل خاص على أن القارة الإفريقية في الوقت الراهن تمثل "أولوية" في سياسة موسكو الخارجية، وعليه، متوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التحركات الروسية لدول القارة.