الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

خيارات محدودة.. ما حدود الدور الصيني في الأزمة السودانية؟

  • Share :
post-title
السودان والصين

Alqahera News - ضياء نوح

أعربت الخارجية الصينية يوم الأحد 16 أبريل عن قلقها من تطورات المشهد في السودان، وحثت طرفي الصراع على وقف إطلاق النار والحيلولة دون تفاقم الوضع. ويعكس حرص الصين على التفاعل مع الأحداث المتصاعدة في السودان اهتمامها بتعزيز رؤيتها للأمن العالمي وإبراز دورها كقوة راعية للسلام، فضلًا عن اهتمامها المبكر بتحقيق أفضلية صينية في خِضمّ سباق القوى العظمى بمنطقة القرن الإفريقي.

وتأتي حساسية موقف الصين بالنظر للاهتمام المتزايد بالسودان خلال الفترة الأخيرة واتجاه القيادة الانتقالية لتعزيز العلاقات معها رغم مساعي التقارب مع الولايات المتحدة والقوى الغربية بقيادة القوى السياسية المدنية. وللوقوف على رؤية بكين للتطورات في السودان واتجاهات التعامل مع المشهد المضطرب، يتناول التحليل التالي أهمية السودان الاستراتيجية لبكين كمنطلق لاستكشاف المسار المحتمل لتعامل الصين مع المشهد السوداني المتأزم.

أهمية السودان للصين

بالنسبة للصين تعد السودان حلقة وصل مهمة بين المحيطين العربي والإفريقي، مع إيلاء بكين اهتمامًا بلعب دور قوة السلام العالمية من خلال مبادراتها للوساطة بين السعودية وإيران وبين أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية، ولعل المتغير الأبرز في منطقة القرن الإفريقي يتمثل في تعيين الصين شيويه بينج مبعوثًا خاصًا للمنطقة، وطرح دور بلاده كراعية محتملة للسلام بين دول القرن الإفريقي خلال عقده المؤتمر الأول للسلام والتنمية في القرن الإفريقي بأديس أبابا في يونيو 2022.

(*) موقع حيوي في البحر الأحمر: يتزايد الاهتمام بموقع وإطلالة السودان على البحر الأحمر باعتباره ممرًا حيويًا لنحو 13% من التجارة العالمية، كما يمثل ممرًا رئيسيًا ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومن ثمّ يشكل استقرار السودان وبقاء سواحله آمنة وبعيدًا عن تنافس القوى العظمى ضمانًا حيويًا لتجارة ومصالح الصين في منطقة القرن الإفريقي وأمن قاعدتها البحرية في جيبوتي.

(*) ثروات ضخمة: بانفصال جنوب السودان تضاءلت أهمية السودان لدى بكين بفقدانها 75% من النفط، إذ تطلعت إلى إثيوبيا كمرتكز أساسي لها في منطقة القرن الإفريقي، غير أن الخرطوم لا تزال الممر الرئيسي لنفط الجنوب عبر موانئ البحر الأحمر.

الرئيس الصيني ورئيس مجلس السيادة السوداني

علاوة على ذلك تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري للسودان، وتعمل في الأراضي السودانية نحو 130 شركة صينية في مجالات التعدين والنفط والزراعة، ويبلغ عدد الرعايا الصينيين نحو 700 شخص من عمال وطلاب بجامعة إفريقيا العالمية، حسب صحيفة "جنوب الصين" الصباحية.

وعلى رأس الاهتمامات الصينية يأتي قطاع التعدين، لوجود عدة شركات صينية في مقدمتها شركة "وانباو" للتعدين. ويأتي استخراج الذهب بقدرة إنتاج سنوي بلغت 50 طنًا بتقديرات عام 2021، ويتوافر المعدن الأصفر في عموم الجغرافيا السودانية، فضلًا عن القدرات الواعدة لقطاع التعدين في الاستفادة من مخزون المعادن الحرجة التي يتزايد الاهتمام بها في سياق التحول العالمي نحو الطاقة الخضراء وتشمل معادن الليثيوم والكوبالت التي تستخدم في صناعة بطاريات المركبات الكهربائية.

اختبار صعب

في الوقت الذي تعزز فيه جمهورية الصين الشعبية دورها كراعٍ للسلام، عينت بكين شيويه بينج مبعوثًا خاصًا للسلام في القرن الإفريقي في فبراير 2022، وعقدت المؤتمر الأول لـ"السلام والحوكمة والتنمية بين الصين والقرن الإفريقي" في يونيو الماضي بالعاصمة الإثيوبية، معززة ركائز خطابها برفض التدخلات الخارجية واستعدادها للوساطة بين دول المنطقة، فضلًا عن تقديم التكامل الاقتصادي الإقليمي في إطار مشروعات الحزام والطريق كوسيلة مستدامة لبناء السلام في المنطقة.

(#) طبيعة الأزمة: تصطدم مساعي الصين لإحلال الهدوء في السودان، بحساسية الموقف الصيني من الصراعات الداخلية ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومثلت الحرب الأهلية في إثيوبيا خلال العامين الماضيين تحديًا حقيقيًا لتلك الجهود بالنظر لعلاقاتها المتنامية مع الحكومة الفيدرالية وعدم رغبتها في التورط بصراعات داخلية قد تضر بالمصالح الصينية القائمة. علاوة على ذلك توقف نجاح المبادرات الصينية على وجود بيئة مواتية للتفاوض والحوار في بيئة صراعات كامنة أو بين أطراف منهكة من حالة صراع ممتد، نظرًا لعدم لجوئها لتوظيف أدوات الضغط على أي من الطرفين. وعلى الرغم من العلاقات الممتدة بين الصين والسودان، إلا أنه من غير المرجح أن تقدم الصين أي دعم أو صفقات لأي من طرفي الأزمة قد تعكس انخراطًا مباشرًا في مجريات الأزمة.

المبعوث الصيني للقرن الإفريقي شيويه بينج في الخرطوم-سبتمبر 2022

(#) نهج الصين: لا تزال مبادرات الوساطة الصينية تفتقد للتكامل على الرغم من تمسكها بخلق مصالح مشتركة بين أطراف النزاعات عبر المواءمة بين إحلال السلام وفرص التنمية، كما أنها لم تستند في جهود الوساطة بالمؤسسات والتنظيمات الإقليمية على غرار دعمها للسلام بدولة جنوب السودان عبر الحوار مع "منظمة إيجاد" ودول الجوار مثل السودان وأوغندا اللتين رعتا اتفاق السلام الموقع 7 يوليو 2018.

وعلى الصعيد السياسي والأمني لا تزال الولايات المتحدة هي الطرف الدولي الأكثر تأثيرًا في منطقة القرن الإفريقي عمومًا وفي السودان خصوصًا مع متابعتها تطورات عملية الانتقال ودعمها للآلية الثلاثية (بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيجاد) وضغوطها لتقريب وجهات النظر بين المكونين المدني والعسكري عبر الآلية الرباعية مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والمملكة المتحدة والترويكا مع المملكة المتحدة والنرويج.

وإجمالًا؛ تفرض طبيعة الأزمة موقفًا صينيًا حذرًا من التدخل وداعيًا لوقف إطلاق النار، في ظل محدودية الأدوات الفعّالة لدى بكين لمواجهة الصراعات الداخلية التي تصطدم بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، وتتوقف فاعلية الدور الصيني المحتمل في دعم جهود الوساطة الإقليمية مثل مبادرة مصر وجنوب السودان أو الجهود الجماعية لمنظمة إيجاد مع الأطراف والمنظمات الإقليمية المعنية بحل الأزمة في السودان.