الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات العودة: ماذا يعني حضور سوريا للقمة العربية الـ32؟

  • Share :
post-title
مقعد سوريا في الجامعة العربية

Alqahera News - نورا فايد

تشهد القمة العربية الـ32 المبرم انعقادها في 19 مايو 2023، بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، حدثًا مهمًا هذه المرة، يتمثل في دعوة الرئيس السوري "بشار الأسد" لحضور القمة بعد غياب دام 12 عامًا، الأمر الذي سيؤثر بالتأكيد على مسار حلحلة الأزمة السورية خلال الفترة المقبلة، كما يعكس رغبة عدد كبير من دول المنطقة العربية لإعادة "لم الشمل" العربي، وتوحيد العمل العربي المشترك بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتحقيق تطلعات شعوبها.

ظروف العودة:

تجدر الإشارة إلى أن آخر قمة عربية حضرها الرئيس السوري كانت في 2010 بمدينة سرت الليبية، وعليه، فإن إعلان الرئاسة السورية في بيان لها في 10 مايو الحالي، عن تلقي الرئيس "الأسد" دعوة رسمية من العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" للمشاركة في القمة الـ32، قد سبقه جهود إقليمية قامت بها عدد من دول المنطقة خلال الفترة الماضية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، يأتي من أبرزها ما يلي:

(*) اجتماع "عمّان" التشاوري: عقد وزراء خارجية مصر، والعراق، والأردن والسعودية وسوريا، اجتماعًا في 1 مايو الحالي، بالعاصمة الأردنية عمّان، تم خلاله مناقشة عدد من القضايا التي تخص المنطقة، وقد جاءت الأزمة السورية على رأسها، إذ شدد وزراء الخارجية العرب في مخرجات الاجتماع على ضرورة تسوية الأزمة السورية التي دخلت عامها الثاني عشر، وتوطيد التعاون بين سوريا ومختلف بلدان المنطقة، هذا بالإضافة إلى حث النظام السوري على ضرورة توفير الحماية اللازمة لسوريا مع دول الجوار، ووضع خطة تسهم في إحباط عمليات تهريب المخدرات التي تهدد عددًا من دول المنطقة خاصة الأردن والسعودية والعراق، كما تم الاتفاق على تشكيل فريق أمني سوري أردني لوضع هذه الخطة، ومكافحة تهريب حبوب "الكبتاجون" المخدرة إلى المنطقة.

(*) اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة: بعد أقل من أسبوع على اجتماع "عمّان" التشاوري، عقد مجلس الجامعة العربية في 7 مايو الحالي، جلسة استثنائية على المستوى الوزاري بالعاصمة المصرية القاهرة بخصوص سوريا، وترأسها وزير الخارجية المصري "سامح شكري"، وخلالها تباحث الوزراء العرب حول أبرز تطورات الأوضاع في سوريا بشكل عام، ومسألة عودتها إلى الجامعة العربية، وجاءت مخرجات الاجتماع بتوافق وزراء الخارجية العرب في إعادة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة بعد غيابها منذ 2011، وهو القرار الذي لاقى ترحيبًا كبيرًا بين عدد من الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي، إذ كانت روسيا والصين من أبرز المرحبين بقرار العودة، معتبرين أنها خطوة مهمة ستسهم في تعزيز التضامن العربي وتسريع وتيرة التنمية للعالم العربي.

(*) استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسوريا: إن حضور دمشق للقمة العربية يأتي بعد أيام قليلة من إعلان المملكة في 10 مايو الحالي، استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية لدى سوريا بعد مرور أكثر من عقد على قطع العلاقات بينهما، وهذا القرار سبقه مجموعة من التحركات بين الجانبين السوري والسعودي، أبرزها، زيارة وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" في 18 أبريل الماضي إلى دمشق للمرة الأولى منذ قطع العلاقات، وقد سبقها بأسبوع زيارة لنظيره السوري "فيصل المقداد" إلى السعودية وعدد من دول المنطقة العربية (مصر، تونس، الجزائر)، فضلًا عن مباحثات سعودية سورية في مارس الماضي لاستئناف الخدمات القنصلية والدبلوماسية بين البلدين، وهذه التحركات مجتمعة هدفها تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطوير العمل العربي المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

انفراجة عربية:

في خضم التحركات السالف ذكرها، يمكن القول إن دعوة الرئيس "الأسد" لحضور القمة العربية، سيخلد في ذاكرة العرب، من خلال التأكيد على عدة ملاحظات، أولها، إثبات أن تكاتف الدول العربية وبذلها جهود مشتركة وتحركات متعددة، يثمر في نهاية الأمر بنتائج إيجابية تعود بالنفع على المحيط العربي بأكمله، إذ إن عودة سوريا إلى الجامعة، الذي وصفه البعض بمثابة "انتصار" للجهود العربية، لم يحدث فجأة بل سبقه تحركات عدة من مختلف دول المنطقة.

أما الملاحظة الثانية، فتفيد بأن المساعدات الإنسانية ساهمت في الانفراجة التي شهدتها العلاقات السورية –العربية، وعززت قرار المصالحة بين سوريا وعدد من دول المنطقة خاصة الإمارات والسعودية اللذين أعادا علاقاتهما الدبلوماسية مع دمشق، ولعل كارثة "زلزال كهرمان مرعش" الذي ضرب شرق سوريا في فبراير الماضي، وتكاتف بلدان المنطقة لتقديم جميع وسائل الدعم للنظام السوري، المثال الأبرز على ذلك، ما دفع البعض لوصفه بـ"زلزال الفرصة".

أما الملاحظة الثالثة، فالتأكد أن قرار الإقصاء ليس حلًا بل سيعمّق الخلافات وسيفاقم معاناة الشعوب، وأن سياسة الاحتواء هي الأنسب لمواجهة أي خلاف عربي عربي، والملاحظة الرابعة والأخيرة، أنه رغم رفض بعض القوى الغربية وعلى رأسهم واشنطن للمحاولات العربية للانفتاح على سوريا بل وإعادتها إلى الجامعة العربية، إلا أن العرب لم يتأثروا وأصروا على إعادة سوريا ولملمة الشمل العربي، في ضربة واضحة لأمريكا.

انعكاسات العودة:

في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن عودة سوريا للجامعة العربية وحضورها للقمة العربية الـ32، سينجم عنه جملة من الانعكاسات داخل وخارج سوريا، يأتي من أبرزها ما يلي:

(&) إعادة الدور العربي لتسوية الصراع السوري: إن مشاركة دمشق في القمة العربية سيدفع دول المنطقة للعودة مجددًا إلى حلحلة الصراع السوري، وذلك بوضع الآليات اللازمة للتوصل لحل سياسي ينهي هذه الأزمة ويسهم في تدشين "عملية سياسية توافقية" بين الحكومة السورية وقوى المعارضة بالداخل السوري، من خلال تكثيف عملية التشاور بين دول المنطقة وتأكيد أن الحفاظ على أمن واستقرار سوريا وهويتها العربية لن يحدث إلا بقيادة عربية خالصة للأزمة السورية، بعد سنوات من تحركات إما أممية أو روسية –إيرانية- تركية، دون أي فائدة، ويرجع ذلك لاستغلال هذه البلدان للأزمات والصراعات التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الماضية لزيادة نفوذها بشكل غير مقبول في سوريا وبعض البلدان العربية المأزومة.

(&) الحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها: من اللافت أنه في الاجتماعات التي تم إبرامها لمناقشة قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، تم حث النظام السوري على ضرورة إنهاء أية تدخلات خارجية بالشأن الداخلي السوري، مع المطالبة بإنهاء وجود الجماعات المسلحة بالأراضي السورية، وعليه، فإن الدول العربية ستكثف جميع جهودها للتعاون مع الرئيس "الأسد" من أجل تحقيق هذا الأمر، للحفاظ على سيادة سوريا، بما ينعكس إيجابيًا على أمن واستقرار مختلف بلدان المنطقة العربية التي كانت تهددها تلك الميليشيا المسلحة.

(&) جهود عربية لإعادة إعمار سوريا: إن من أبرز المخرجات المتوقع صدورها من القمة العربية الـ32، أن يتم التوافق العربي على البدء في إعادة إعمار سوريا، بشكل يساعد في أمرين، أولهما، مواجهة المعاناة الإنسانية للشعب السوري الذي تدهورت أوضاعه المعيشية والاقتصادية بشكل كبير بعد 2011، ما دفع سوريين عدة إلى ترك بلدهم للبحث عن ملاذ آمن لتحسين أوضاعهم، والأمر الثاني، هو مواجهة أية تحديات تقابل إعادة الإعمار والتعاون العربي المشترك لتخفيف وطأة العقوبات الأمريكية أو على الأقل الضغط على واشنطن لعدم فرض عقوبات أخرى على النظام السوري.

(&) مساعٍ عربية لزيادة نفوذها بالأراضي السورية: تعي الدول العربية أن دمشق لا تزال "بيئة غير آمنة" للاستثمار بها، لكن الخيار البديل، الذي قد تتجه إليه بعض الدول هو الاستمرار في إرسال جميع المساعدات الإنسانية التي تحتاجها سوريا، بجانب مساعدة النظام السوري في تحسين أوضاعه الاقتصادية والاستثمارية، وذلك بتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية ودمشق، بشكل يسهم في مساعداته على حل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها وكيفية الخروج من هذا "النفق المظلم"، خاصة أن سوريا تمتلك الثروات التي إذ تم توظيفها بطريقة صحيحة وإذ تم إبعادها عن القوى الإقليمية والجماعات التي تسيطر عليها بالقوى، فإن الأوضاع بالأراضي السورية ستتحول بشكل تام.

(&) حل أزمة اللاجئين ومشكلة تهريب المخدرات والإرهاب: من المتوقع أن تكثّف دول المنطقة تعاونها مع النظام السوري خاصة بالمجال الأمني، لتأمين الحدود بين سوريا والدول المجاورة، ووضع خطة تسهم في مواجهة أزمة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية، ووضع حد للجماعات الإرهابية التي تحاول العودة مجددًا إلى سوريا كـ"تنظيم داعش" لإقامة دولة الخلافة المزعومة، بالإضافة إلى أن حضور سوريا للقمة قد يدفع بعض الدول للتوافق مع الحكومة السورية بشأن مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهي الرغبة التي ظهرت لدى بعض البلدان خلال الفترة الماضية كـ"لبنان، والأردن، وتركيا"، ولذلك فإن الدول العربية يمكنها تقديم الدعم اللازم لدمشق لتوفير الظروف المناسبة لعودة مواطنيها مرة أخرى إلى بلدهم.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الوضع الراهن يحتم على دول المنطقة العربية توظيف عودة سوريا إلى محيطها العربي بشكل ينعكس إيجابيًا على حلحلة مختلف الملفات العالقة التي تفاقمت خلال الفترة الأخيرة، التي تسبب بعضها ليس فقط في تهديد سوريا وسيادتها، بل ترك تأثيرًا سلبيًا على جميع دول المنطقة، وعليه، فإن مشاركة الرئيس السوري "بشار الأسد" في القمة العربية الـ32، يعد الفرصة الأنسب، للملمة الشمل العربي.