الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مكاسب متنوعة.. العوائد الاقتصادية المباشرة المحتملة لمؤتمر المناخ على مصر

  • Share :
post-title
العوائد الاقتصادية المباشرة لمؤتمر المناخ

Alqahera News - شعبان الأسواني

تتزامن استضافة مصر للمؤتمر الـ27 للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27)، خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر 2022، مع التداعيات العالمية الخطيرة للأزمة الروسية-الأوكرانية، وما نجم عنها من تزايد معدلات التضخم مع تزايد احتمالات الركود الاقتصادي، وتصاعد أزمة قطاع الطاقة؛ التي جعلت العديد من الدول تتوجه للوقود الأحفوري، وما يزيد من وطأة الأزمة المناخية العالمية، هو استمرار الدول الصناعية في عدم الالتزام بالمخصصات التي أُقِرَّت في مؤتمر كوبنهاجن عام 2009، والبالغة 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية، للتعويض عن الأضرار الناجمة عن التلوث البيئي.

وتتمثل القضية الشاملة والرئيسة للمؤتمر في محاولة إيجاد طرق إبداعية لتوفير التمويل اللازم لتحويل الاقتصادات العالمية كافة، من نموذج غير مستدام -تم اتباعه لأكثر من قرنين- إلى نموذج مستدام منخفض الانبعاثات، يعتني بالأشخاص الفقراء وكل الفئات التي تعاني من الآثار السلبية لتغير المناخ.

وبالتالي، سيحاول هذا التحليل الإجابة على تساؤل غاية في الأهمية بالنسبة لمصر، هو: ما الانعكاسات الاقتصادية المباشرة المحتملة للمؤتمر؟

جهود مصر للمناخ:

قامت مصر بالعديد من الجهود؛ ضمن خطط الحكومة لتعزيز التصدي لأزمة التغير المناخي وتداعياتها، وتحقيق استدامة الطاقة، وضمن أيضاً استعداداتها لاستضافة مؤتمر المناخ (COP27)، ويمكن تناول أبرز تلك الجهود فيما يلي:

(*) إطلاق استراتيجية الطاقة المستدامة لعام 2035، والتي تهدف إلى تعزيز مساهمة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية، وذلك من خلال 16 مذكرة تفاهم لمشروعات داخل المنطقة الصناعية في العين السخنة ومنطقة شرق بورسعيد، تم توقيعها بهدف إقامة منشآت ومجمعات صناعية لإنتاج الوقود الأخضر واستخدامه في أغراض تموين السفن أو التصدير للأسواق الخارجية، باستثمارات متوقعة أكثر من 20 مليار دولار، والتي من أبرزها المشروعات الواردة في الشكل التالي.

16 مذكرة تفاهم لمشروعات إنتاج الوقود الأخضر

(*) إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050؛ والتي تهدف إلى تقليل الانبعاثات باستخدام وسائل حديثة في جميع القطاعات، والتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة؛ حيث خصصت الاستراتيجية نحو 211 مليار دولار لتخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي، ونحو 113 مليار دولار للتكيف مع التغيرات المناخية.

(*) الاجتماعات والمؤتمرات التحضيرية للقمة؛ فقد نظمت مصر العديد من الفعاليات الفرعية استعداداً لعقد المؤتمر، والتي من بينها؛ منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي؛ الذي نظمته في بداية سبتمبر 2022، من أجل مناقشة قضايا العمل المناخي والتحول الأخضر، والأمن الغذائي مع إيلاء اهتمام خاص بالقارة الإفريقية، وذلك بحضور وزراء المالية والبيئة في الدول الإفريقية وصانعي السياسات وشركاء التنمية، بمن فيهم المبعوث الأمريكي للمناخ جون كيري.

(*) إطلاق مشروع "شرم الشيخ مدينة خضراء"؛ بهدف تحويل شرم الشيخ إلى مدينة سياحية مستدامة بيئياً، وبلغت التكلفة التقديرية للمشروع نحو 7 ملايين دولار.

(*) دليل شرم الشيخ، بهدف المساهمة في حل مشكلة تمويل مشروعات المناخ، والوصول إلى تمويلات عادلة للانتقال للاقتصاد الأخضر، وللوقوف على حجم التمويل اللازم لخفض الانبعاثات، وذلك بما يتماشى مع اتفاقات المناخ في باريس، ويشمل الدليل أهم العوامل في خطط الشركات المرموقة للتحول إلى "صفر انبعاثات"، كما يشمل خطوات تضمن قدرة التمويلات العامة على جذب رؤوس الأموال خاصة في مشروعات الطاقة النظيفة.

(*) ترشيد الاستهلاك، في أغسطس 2022، ذهبت الحكومة إلى أبعد من ذلك، حيث وافقت على إجراءات تهدف إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، وذلك في إطار خطط الحكومة المصرية لحماية البيئية وترشيد آليات تلويثها، والتي تستهدف أيضاً تحقيق وفر من الغاز الطبيعي المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء، بغرض تصديره والاستفادة من العملة الصعبة، وتعزيز احتياطيات العملات الأجنبية.

(*) تقليل البصمة الكربونية للعمليات البريدية، من خلال صندوق البريد الرقمي، ورقمنة خدمات البريد والبريد المُسجل، بهدف إلى الالتزام باستدامة حماية المناخ، وتبنّي ممارسات وسياسات صديقة للبيئة، وخفض النفقات (الورق والحبر والطابعات وغير ذلك) وتعزيز المرونة في تقديم الخدمات للمواطنين في جميع أنحاء البلاد، واعتماد المزيد من السياسات الرامية إلى تحقيق الرقمنة.

(*) منصة إلكترونية، تم إطلاق تطبيق إلكتروني تحت عنوان "نبتا"، يضم المهتمين بشئون البيئة للتعاون لحل أزمة المناخ وإنقاذ الأرض، هذا وتضم المنصة لوحات معلوماتية تعرض خريطة البصمة البيئية للعالم والمشروعات المصرية في الاقتصاد الأخضر والمشروعات القومية

(*) إطلاق المنصة الوطنية للمشروعات الخضراء برنامج “نُوَفِّي”، إحدى أكثر المنصات الجاذبة لقضية المناخ، تم الإعلان عنها في يوليو الماضي، أثناء فعاليات منصة التعاون التنسيقي المشترك لمجموعة شركاء التنمية، ومن المتوقع أن تُحدث المنصة تغيراً في التصدي للتغيرات المناخية باعتبارها هدفاً طموحاً، والأكثر من ذلك أن البرنامج يقدم حلولاً عملية وقابلة للتطبيق في مجال العمل المناخي، ويتضمن البرنامج 9 مشروعات تمثل أولوية للدولة في مجالات المياه والغذاء والطاقة، باستثمارات تصل 15 مليار دولار، ستمثل فرصًا ضخمة تطرحها الحكومة المصرية للقطاع الخاص في مجالات مختلفة، من ضمنها تحلية المياه والإنذار المبكر والطاقة المتجددة.

(*) إنشاء "المجلس الوطني للتغيرات المناخية"، الذي من خلاله سيتم تنفيذ مشروعات عملاقة في عملية التكيف أو في تخفيف حدة التغيرات المناخية، ووضع سياسات مهمة للغاية لتشجيع القطاع الخاص للدخول بقوة في هذا النوع من الاستثمار، مثل تحديد تعريفة الكهرباء وتعريفة تحويل المخلفات إلى طاقة.

(*) إجراءات متنوعة، أصدرت الحكومة المصرية أول سندات خضراء في منطقة الشرق الأوسط، كما بدأت في إنشاء خريطة تفاعلية لمخاطر ظاهرة التغير المناخي، كما وضعت الخطة القومية للموارد المائية 2037، يجري العمل على إنتاج أول سيارة كهربائية مصرية خلال العام المقبل، إذ يأتي ضمن مشروع كبير لاعتماد وقود السيارات على الغاز الطبيعي والكهرباء.

انعكاسات مباشرة:

من المرجح أن يتمخض عن استضافة مصر لقمة المناخ العديد من الانعكاسات الإيجابية المباشرة، التي سكون لها تأثير كبير على الاقتصاد المصري، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:

(&) تكاليف المشاركين؛ يتم تمويل تكاليف الإقامة والمشاركة في مؤتمر المناخ الدولي، من المؤسسات الدولية المشاركة، كما تتحمل الأمم المتحدة جزءًا من هذه الأعباء، فمصر لن تتحمل تكاليف إقامة الوفود المشاركة في المؤتمر، ولكن مصر فقط تقوم بالإنفاق على مرحلة الاستعداد للمؤتمر، أما فيما يخص الوفود فهي مسؤولة بشكل كامل عن نفقاتها، ومصر غير ملزمة بهذا الأمر نهائياً، فالوفود المشاركة في المؤتمر تكون ملزمة بتكاليف إقامتها وانتقالاتها وتذاكر الطيران، وبعملية حسابية بسيطة؛ ستتحصل مصر من إيرادات إقامة المشاركين بالمؤتمر فقط على حوالي 180 مليون دولار؛ البالغ عددهم حوالي 50 ألف مشارك تقريباً، وذلك بمتوسط إقامة 12 يومًا ومتوسط حوالي 350 دولارًا لليوم الواحد للفندق، كما تتلقى الدول المضيفة بعض الدعم من الدول للمساهمة في مرحلة الاستعداد، وهذا ما ظهر في تلقي مصر في 8 أغسطس 2022، نحو 4 ملايين يورو من الاتحاد الأوروبي لدعم حماية البيئة، وذلك كجزء من تمويل المرحلة الثالثة من مشروع الحد من التلوث البيئي (EPAP) التي يمولها الاتحاد في مصر بالتزامن مع مؤتمر المناخ، بميزانية إجمالية قدرها 145 مليار يورو.

إيرادات إقامة المشاركين بالمؤتمر

(&) جذب الاستثمار الأجنبي، إن استضافة مصر حالياً للدورة الـ27 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) بشرم الشيخ، يعكس ثقة العالم بأن مصر قادرة على تنظيم هذا المؤتمر الذي يعد الأهم الذي تعقده الأمم المتحدة، من حيث حجم المشاركة وتأمينه وتنظيمه وتوفير البنية التحتية القادرة على توفير خدمات للمشاركين من خلال تنظيم نحو 1500 حدث على هامش المؤتمر، الأمر الذي سيعمل على تعزيز الاستثمارات وزيادتها، حيث سيسهم في جذب الاستثمارات من شراكات دولية وإقليمية، كما سيعمل على الترويج للصناعة والمنتجات المصرية والحرف والصناعة التقليدية، التي ستُعرض على هامش المؤتمر، فقد حقق صافي التدفق للداخل للاستثمار الأجنبي المباشر ارتفاعًا ليصل إلى 8.9 مليار دولار عام 2021-2022، مقابل 5.2 مليار دولار عام 2020-2021، بنسبة ارتفاع بلغت 71.4 في المئة، ومن المرجح أن يسهم المؤتمر في تعزيز وزيادة تلك الاستثمارات خلال الأعوام المقبلة.

صافي الاستثمار الأجنبي المباشر

(&) تعزيز إيرادات السياحة، تعد الإيرادات السياحية أحد مصادر النقد الأجنبي المهمة لمصر، ومن المرجح أن يعزز المؤتمر من إيرادات السياحة المصرية، لا سيما في السياحة البيئية، فقد نجحت مصر في الحصول على المركز التاسع عالمياً في نسب اعتماد مراكز الغوص للعلامة الخضراء، حيث إنها تعد من الدول القليلة التي نجحت في ذلك خلال فترة قصيرة لا تتجاوز العامين، علاوة على بدء عمل رخصة لإقامة النُزل البيئية (فندق بيئي)، كما أطلقت العديد من المبادرات للحفاظ على البيئة والترويج للسياحة البيئية منها حملة Eco-Egypt بعدد 13 محمية طبيعية. فيما شهدت الإيرادات السياحية ارتفاعًا بنحو 5.8 مليار دولار لتصل نحو 10.7 مليار دولار عام 2021-2022، مقابل 4.9 مليار دولار عام 2020-2021، بما عوّض جزئيًّا تراجع عدد السائحين من روسيا وأوكرانيا منذ اندلاع الأزمة بينهما.

تطور إيرادات السياحة المصرية

(&) زيادة التمويل الأخضر، من المرجح أن ينتُج عن قمة المناخ، تزايد قنوات التمويل الأخضر إلى مصر، وقد ظهرت مؤشرات ذلك في توجه "صندوق بلاك روك الجديد للبنية التحتية" نحو مصر باستثمارات بلغت 673 مليون دولار، إذ يركز ذلك الصندوق على المناخ، كما سيمول الاتحاد الأوروبي مشروعات العمل المناخي في مصر بحوالي مليار يورو على مدى الست سنوات المقبلة مع التركيز على الأمن المائي، هذا إلى جانب سندات الحوكمة البيئية والاجتماعية وسندات التنمية المستدامة، كما ستعزز القمة أيضاً من الجهود الخاصة بالتحوّل إلى النقل النظيف في مصر، من خلال تحويل جميع السيارات في شرم الشيخ والغردقة للعمل بالغاز الطبيعي أو استبدالها بالمركبات الكهربائية التي تخطى مستوى تغطية محطات الشحن الخاصة بها أكثر من 50 في المئة من المحافظات المصرية، وهذا ما حدث بالفعل؛ إذ أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال كلمته في المؤتمر، في 11 نوفمبر 2022، عن تعهد الولايات المتحدة وألمانيا بتقديم 500 مليون دولار لمصر، من أجل التحول إلى الطاقة النظيفة، مع تعهده بتقديم 150 مليون دولار أيضاً للدول الإفريقية من أجل التصدي للتداعيات الناجمة عن التغير المناخي.

(&) تعزيز دور القطاع الخاص، تهدف مناقشة المؤتمر، تحت رئاسة مصر له، لقضية تمويل المشروعات المتعلقة بالمناخ بالتعاون مع الأمم المتحدة، إلى الوقوف على نسبة المساهمة المحتملة للقطاع الخاص، وكبرى الشركات والمؤسسات في هذا المجال، لا سيما وأن الاستثمارات في المشروعات الهادفة إلى معالجة تغير المناخ ينبغي أن تموَّل بنسبة تصل إلى 80 في المئة من قبل القطاع الخاص، والباقي من القطاع الحكومي، لذلك تعمل الدولة المصرية حاليًا على زيادة مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وتهيئة مناخ الأعمال؛ بهدف زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات المُنفذة لنحو 65 في المئة بما يسهم في خلق فرص العمل، وتحقيق مستويات أعلى من الدخل والثروة.

في الختام، لا تضع رئاسة مصر لمؤتمر (COP27)، أي التزامات على حلحلة جميع القضايا العالقة المتعلقة بالمناخ، بل المساهمة في إحداث التغيير، وفي مقدمة ذلك التغيير المزمع قضية التمويل، لذلك فمن المرجح أن تسعى مصر للضغط على الدول المتقدمة لإيجاد إجماع وإقرار منها بشأن تنفيذ تعهداتها المالية السابقة، فلا شك أن نجاح مخرجات المؤتمر والجهود الدولية ذات الصلة، سيكون مرهوناً بمدى وفاء القادة بالتعهدات التي قطعوها خلال مؤتمرات المناخ السابقة، بالإضافة إلى إنشاء آلية مؤسسية لمراقبة تنفـيذها، فضلاً عن ذلك فإنه على الأرجح أن تحقق مصر مكاسب على المستويات كافة، خاصة في القطاع الاقتصادي، لما يتمتع به المؤتمر من زخم دولي كبير.