الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التعهدات الخمسة.. أولويات الحكومة العراقية الجديدة

  • Share :
post-title
محمد شياع السوادني رئيس الحكومة العراقية

Alqahera News - د. مبارك أحمد

شكَّلت موافقة البرلمان العراقي على منح الثقة للحكومة الجديدة وبرنامجها الذي عرضه رئيسها محمد شياع السوداني في 27 أكتوبر 2022، تجسيدًا لنجاح ائتلاف إدارة الدولة الذي تشكل على خلفية الحوار الوطني بين القوى السياسية العراقية في إنهاء حالة الجدل السياسي التي أعقبت إجراء الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في أكتوبر 2021، وأخفقت القوى السياسية لما يقرب من عام في اختيار رئيس جديد للحكومة.

وإذا كانت التوافقات السياسية نجحت في تسمية رئيس الحكومة العراقي الجديد، فإن نجاح برنامجها يتوقف على مدى قدرة الحكومة على ترجمة البرنامج على أرض الواقع، وتحقيق الرضا العام ومطالب حراك الشارع العراقي.

واشتمل البرنامج على عدد من التعهدات التي تمثّلت في العمل على إصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية ومعالجة الفقر والبطالة ومكافحة الفساد المالي والإداري، وتفعيل دور هيئات الاستثمار والنهوض بالصناعة، وإعمار المناطق المحررة من التنظيمات الإرهابية، وتعزيز سيادة العراق وحماية مصالحه.

وتأكيدًا لتلك التعهدات جاء حوار محمد شياع السوداني مع مجموعة من الإعلاميين في 12 نوفمبر 2022، لتأكيد تلك الالتزامات، وطرح ما أسماه خمس أولويات لحكومته.

التعهدات الخمسة:

تشتمل التعهدات التي طرحها محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة العراقية الجديد، على خمسة عناصر، هي:

(*) معالجة الفقر: وفقًا لتقديرات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، هناك تسعة ملايين عراقي تحت خط الفقر، بما يعني أن 25% من عدد السكان يعانون الفقر المدقع. وعليه، أشار "السوداني" إلى أن هناك شريحة كبيرة من المواطنين العراقيين، تعاني أوضاعًا معيشية صعبة، لذا سيتم اتخاذ قرارات خاصة لدعم الشرائح الفقيرة بصورة سريعة. وترجع عدد من التحليلات أسباب تفشي الفقر إلى عدد من العوامل، أبرزها: التركيز على مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، وما رافق تلك المواجهات من دمار عدد من المناطق التي تم تحريرها، ونزوح كبير لمئات العائلات من منازلهم، فضلًا عن تداعيات جائحة كورونا التي أدّت لعمليات إغلاق عدد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتغيرات المناخية الحادة التي يعاني منها العراق، وانعكست على قدراته الزراعية، واتساع نطاق الجفاف والتصحر.

(*) مكافحة البطالة: تشير تقديرات وزارة التخطيط العراقية، وفقًا لإحصائية القوى العاملة، إلى أن البطالة في العراق وصلت إلى 16.5%، وأن المواطنين بعمر الـ15 عامًا يشكلون نحو 64% من إجمالي عدد السكان، يشكل الذكور منهم بحدود 50% والإناث 50% وهي نسبة متساوية تقريبًا. وفئة الشباب في عمر 15-24 شكَّلت 21%، وفي عمر 25 سنة فأكثر، شكلت 43% من إجمالي السكان. وللمفارقة يتسم الهرم السكاني في العراق بهيمنة المكون الشبابي الذي يُعد من أكثر الفئات انتشارًا للبطالة بينهم. لذلك جاء تعهد رئيس الحكومة الجديد محمد شياع السوداني، بمعالجة ملف البطالة الذي يُعدُّ من القضايا الموروثة من عهود سابقة ممتدة، وتحتاج للعلاج السليم.

(*) إنجاز المشروعات المؤجلة: وفقًا لمحمد شياع السوداني، فإن المشروعات المؤجلة تحتاج إلى تمويل يقدر بنحو 36 تريليون دينار عراقي، بما يقدر بنحو 30 مليار دولار أمريكي، ما ستحاول الحكومة إنجازه خلال الفترة المقبلة، كما سيتم رصد مبالغ مالية للمحافظات في إطار قانون الأمن الغذائي. ووفقًا لعدد من المحللين، فإن العراق يعاني معضلة الأمن الغذائي بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي أدَّت إلى وقف سلاسل التوريد الغذائية، بما انعكس على ارتفاع الأسعار في الأسواق العراقية. وعليه، أعلنت الحكومة العراقية في مارس 2022، إجراءات عدة لحماية الأمن الغذائي، منها إطلاق حصتين للمواد الغذائية في البطاقة التموينية، وضبط الأسعار في الأسواق واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، فضلًا عن تخصيص منحة حكومية بقيمة 100 ألف دينار عراقي (نحو 68 دولارًا) باسم منحة غلاء المعيشة، تمنح للمتقاعدين ممن يتقاضون أقل من مليون دينار شهريًا، وموظفي القطاع الحكومي الذين يتقاضون مرتبًا أقل من 500 ألف دينار عراقي، وكذلك المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية.

(*) الإصلاحات الاقتصادية: وفقًا لتقرير المرصد الاقتصادي العراقي الصادر عن البنك الدولي في يونيو 2022، فإن العراق بدأ يخرج تدريجيًا من الركود العميق الذي مرّ به في عام 2020 بسبب جائحة كورونا، وما صاحبها من انهيار أسعار النفط، وأنه على الرغم من التوقعات بنمو الاقتصاد العراقي بنسبة 5.4% في المتوسط سنويًا بين عامي 2022 و2024، فإن توقعات الاقتصاد الكلي تحيط بها درجة كبيرة من المخاطر للاعتماد الكبير على النفط الذي يمكن أن يضر بالدوافع المحلية، لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية. لذلك يرى محمد شياع السوداني، أن الإصلاحات الاقتصادية تتطلب إنشاء صندوق العراق للتنمية، وتشجيع القطاع الخاص على التنفيذ المباشر للمشروعات.

(*) مكافحة الفساد: أعلن محمد شياع السوداني في 16 نوفمبر 2022، تشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد، بهدف تسريع مواجهة ملفات الفساد الكبرى، واسترداد المطلوبين بقضايا الفساد وإعادة الأموال العامة المعتدى عليها. ووفقًا لبيان الحكومة، فإن الهيئة تشكيل استثنائي يهدف إلى مكافحة الفساد طبقًا للمنهاج الوزاري بآليات غير تقليدية تتجاوز السلبيات السابقة.

آفاق واعدة:

تتمتع الحكومة الجديدة بدعم الإطار التنسيقي الشيعي، فضلًا عن القوى السياسية المنضوية في ائتلاف إدارة الدولة؛ وهو ما جعل الحكومة تحظى بثقة أغلبية مجلس النواب. وتزامن طرح برنامجها الذي حظي بموافقة أغلبية المجلس، بتحسن الوضع المالي في العراق خلال الفترة الأخيرة، إذ ارتفعت احتياطات البنك المركزي إلى أكثر من 70 مليار دولار، وانخفاض معدل الديون الداخلية إلى نحو 50 مليار دولار، كما انخفض الدين الخارجي إلى 20 مليار دولار. ويعود التحسن المالي لدولة العراق في الفترة الأخيرة إلى تعافي أسواق النفط العالمية، إذ يمتلك العراق خامس أكبر احتياطي للنفط على المستوى العالمي في عام 2021. ويُعد العراق ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط في منظمة "أوبك"، حيث وصل معدل إنتاجه خلال شهر يناير 2022، إلى ما يقرب من 4.310 مليون برميل يوميًا، فيما بلغ معدل صادراته 3.677 مليون برميل يوميًا.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مؤشرات التعافي الاقتصادي، رغم أنها تعتمد على قطاع النفط شديد الحساسية للأزمات، فإنها تؤهل العراق لاستعادة قدراته الاقتصادية وتحسين مناخ الاستثمار من خلال تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وإعطاء فرصة للمبادرات التنموية، بهدف تطوير البنية الأساسية، وتهيئة الإطار التشريعي لتحقيق تنمية متوازنة بين الدولة المركزية وأقاليمها الاتحادية.

مجمل القول إن الأولويات الخمسة للحكومة العراقية الجديدة ترتبط بمحورية الأبعاد الاقتصادية والتنموية، كقطاعات رائدة للتنمية المستدامة في العراق. وهو ما يتطلب تضمين الأبعاد السياسية ضمن تلك الأولويات لا سيما أن أزمات العراق ترتبط بالتحديات السياسية التي واجهته منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، مرورًا بالتغلغل الإيراني في مفاصل الدولة، وصولًا للحراك العراقي، فضلًا عن هيمنة المكون الطائفي على الممارسات السياسية؛ وهو الأمر الذي يتطلب من الحكومة وضع استراتيجية لاستعادة الدولة العراقية على أسس وطنية بعيدًا عن الولاءات التقليدية سواءً كانت طائفية أو مذهبية أو مناطقية.