الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مصالح محددة.. ما دلالات القصف الإيراني المتواصل على كردستان العراق؟

  • Share :
post-title
قصف إيراني لمواقع كردية شمالي العراق

Alqahera News - نورا فايد

منذ منتصف نوفمبر الجاري، يجدد الحرس الثوري الإيراني من هجماته على إقليم كردستان العراق، لاستهداف جماعات من المعارضة الكردية، يعدّهم النظام الإيراني "منظمات إرهابية" تهدد أمن واستقرار بلاده، وتحرض على ارتكاب أعمال العنف داخلها، وتصاعدت هذه الهجمات في الفترة من (14 -21 نوفمبر 2022) في إطار ما أطلقته قوات الملالي بعمليتي "ربيع 1" و"ربيع 2" هدفها الأساسي القضاء على الجماعات الانفصالية الكردية المعارضة لإيران أو دفعها لمغادرة الأراضي العراقية.

دلالات التوقيت:

استأنف الحرس الثوري الإيراني، في 21 نوفمبر الجاري، هجماته على إقليم كردستان العراق، عقب أسبوع فقط من قصفه مقرات تابعة للأحزاب الكردية في بلدة كويسنجق شرق أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، بـ"الصواريخ والطائرات المسيرة"، وجاء هذا بالتزامن مع جملة من التطورات، يمكن ذكر أهمها على النحو الآتي:

الصواريخ الباليستية الإيرانية أحد أبرز مهددات الأمن الإقليمي

(*) احتجاجات المدن الكردية الإيرانية: يأتي هذا القصف بالتزامن مع ارتفاع حدة الاحتجاجات التي شهدتها المدن ذات الأغلبية الكردية في إيران، منها، جوانرو، وبيرانشهر ودهكلان وبوكان، التي خرجت في 21 نوفمبر 2022، لمناهضة الأعمال القمعية التي ارتكبتها قوات الأمن الإيرانية بحق المتظاهرين في مدينة مهاباد الواقعة في المنطقة الكردية غرب البلاد، الذين يواصلون احتجاجاتهم منذ مقتل الفتاة العشرينية الكردية "مهسا أميني" على يد دورية شرطة الأخلاق الإيرانية، إذ ترى طهران أن عناصر من الحزب الشيوعي الكردي الإيراني "كومله" وراء أعمال العنف والشغب التي تشهدها المدينة الكردية.
(*) رفض أمريكي لوزراء مواليين لإيران في الحكومة العراقية: جاء القصف الإيراني بعد أيام من إعلان بعض وسائل الإعلام الأمريكية، توجيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في 17 نوفمبر الحالي، دعوة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوادني، تضمن رفض واشنطن وجود بعض المسؤولين والوزراء الموالين لفصائل إيرانية مسلحة في العراق الذين تضعهم أمريكا على قائمة الإرهاب في الحكومة العراقية الجديدة، ومنهم، وزير التعليم العالي الجديد، ورئيس المكتب الإعلامي لـ"السوداني"، إذ أفادت واشنطن بأنهم ينتميان لـ"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" العراقي (ميليشيا موالية لطهران في بلاد الرافدين).
(*) تأكيد حكومي عراقي لمكافحة الفساد والإرهاب: تأتي الهجمات الإيرانية بالتزامن مع تأكيد رئيس الوزراء العراقي "السوداني" منذ توليه منصبه أواخر أكتوبر الماضي، على محاربة الإرهاب والفساد المستشري في البلاد، إذ أصدرت حكومته في 16 نوفمبر الجاري قرارًا لمكافحة الفساد في بلاد الرافدين الذي وصفه بأخطر التهديدات التي تواجهها البلاد على مدار السنوات الماضية، كما أجرى في 20 نوفمبر الحالي، مباحثات مع السفيرة الأميركية في بغداد "ألينا رومانوسكي"، تناولت تعزيز التعاون بين واشنطن وبغداد في مجالات مكافحة الإرهاب والفساد، وعليه فإن هجوم 14 نوفمبر الحالي يُعدُّ أول هجوم تشنّه طهران على كردستان منذ تولي "السوداني" منصبه.
(*) تهديد إيران بشن عملية عسكرية في كردستان: تزامن القصف الإيراني بعد ثلاثة أيام، من التهديد العلني الذي أطلقه قائد فيلق القدس الإيراني "إسماعيل قاآني" خلال زيارة غير معلنة إلى بغداد في 18 نوفمبر الحالي، إذ قال خلالها: "إذا لم تلبِ بغداد المطالب، فإن إيران ستشن حملة عسكرية مع القوات البرية، وتواصل قصف قواعد المعارضة في كردستان"، وبعد هذا التصريح، توالت التهديدات من المسؤولين الإيرانيين بتأكيد استمرار قصف كردستان حال لم تتوقف الجماعات المعارضة الكردية عن تدخلاتها داخل الأراضي الإيرانية.

الأطفال في مرمى الهجمات الإيرانية

(*) غارات تركية على مواقع الأكراد في العراق: في الوقت الذي تستهدف فيه طهران مواقع الأكراد في الشمال الشرقي من بلاد الرافدين، فإن تركيا تستهدف هي الأخرى في الوقت الحالي الشمال الغربي من البلاد، إذ أعلنت وزارة الدفاع التركية، في 20 نوفمبر الجاري، أنها ستواصل سلسلة الغارات التي أطلقتها قبل أسبوع لاستهداف المسلحين الأكراد في شمال العراق وسوريا، ردًا على التفجير الذي استهدف منطقة تقسيم بمدينة إسطنبول الذي قيل إن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية السورية وراء هذا الهجوم الذي نجم عنه مقتل 6 أشخاص وإصابة آخرين.

تحركات مدروسة:

في ظل هذه التطورات، يمكن القول إن هناك ثمة من الأسباب تدفع إيران إلى استهداف إقليم كردستان العراق بشكل متواصل منذ سنوات، منها على النحو التالي:
1- التغطية على الفشل الداخلي والخارجي: يسعى نظام الملالي من جراء تصاعد عمليات القصف على الأكراد، لتحقيق أمرين، أولهما التغطية على الاحتجاجات الداخلية التي تشهدها إيران منذ أكثر من شهرين بسبب واقعة مقتل "مهسا أميني" على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار العملة المحلية جراء العقوبات الأمريكية التي ضيقت الخناق على الملالي، وألقت بظلالها السلبية على اقتصاده، وهذه محاولة منه لصرف نظر المواطنين من ناحية عن الاحتجاجات ومحاولة الحصول على دعمهم من جهة أخرى بالقول إنه يخوض حربًا خارجية ضد بعض الجماعات التي تهدد أمن واستقرار البلاد.
أما الأمر الثاني، وهو قمع المعارضة الكردية في كردستان التي يتهمها نظام الولي الفقيه بالتسبب فيما تشهده الاضطرابات الداخلية في البلاد، وهذا الأمر لطالما أكده المسؤولون الإيرانيون العسكريون، فقد قال أحدهم، في وقت سابق، إن قواتهم الأمنية اعتقلت خلال الاحتجاجات الحالية أكثر من 100 شخص لهم بالمعارضة الكردية وتسببوا في تفاقم احتجاجات الداخل، بجانب وجود هدف رئيسي لدى هذا النظام بأن قواته ستواصل قصف كردستان العراق حتى تغادر المعارضة الكردية الإيرانية المنطقة بشكل دائم أو يتم نزع سلاحها، لإحباط أي محاولة من شأنها نجاح الأكراد والشيعة العراقيون (المعارضين لإيران) في تقرير مصيرهم وإقامة "النظام الفيدرالي" الذي يريدونه، وهو ما يعدّه المرشد الأعلى تهديدًا أمنيًا لبلاده، لأنه حال وقع سيشجع حركات الاستقلال في كردستان الإيرانية. 

2- ذريعة التصدي للتهديدات الإسرائيلية: تُعدُّ إسرائيل من ضمن الأهداف التي تدفع إيران إلى استهداف إقليم كردستان، إذ أعلنت طهران في يونيو الماضي، قبيل اندلاع الاحتجاجات، أن قصفها بالصواريخ والطائرات المسيرة لمدينة أربيل عاصمة كردستان، جاء من أجل مواجهة أنشطة القوات الإسرائيلية ضدها في المنطقة، وأيضًا في منتصف مارس الماضي، قصف الحرس الثوري موقعًا في أربيل بصواريخ باليستية، قال وقتها إن الموقع كان "مركز تجسس إسرائيلي" تابعًا لـ"الموساد".
وهذا كان ردًا على مقتل اثنين من القوات الإيرانية على يد إسرائيل في سوريا مطلع مارس 2022، فضلًا أن النظام الإيراني يدّعى بشكل متواصل أن حكومة كردستان ذات صلة وعلاقة وطيدة بإسرائيل، وأن الأخيرة هي التي تحرض الجماعات المعارضة الكردية لتهديد إيران داخليًا وخارجيًا، والزعم أيضًا بأنها هي مَن تُشجّع على استقلال إقليم كردستان لخدمة مصالحها، الهادفة لتأمين النفط الذي تحتاجه من الإقليم ونقل الطاقة المائية منه عبر الأردن، والمراقبة على أنشطة وتحركات بعض دول المنطقة، ومع ذلك فإن استمرار الهجمات الإيرانية ربما تكون في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى.

آثار القصف الإيراني لمقر الموساد المزعوم في أربيل

3- مواجهة التوجهات الأمريكية في كردستان العراق: تزعم إيران أن أنشطة واشنطن في كردستان، خاصة المشاريع الاقتصادية والتنموية بما في ذلك النفط والغاز، تُهدد أمنها واستقرارها لوجودها على حدود إيران من جهة وتحقيق مصالح أمريكا من جهة أخرى، خاصة أن لديها رؤية بأن الأكراد العراقيين تربطهم علاقات جيدة بأمريكا، وتعدّهم أبرز الداعمين لسياساتها في المنطقة؛ وعليه يتخوف نظام الملالي من أن يسهم ذلك في جعل كردستان العراق وأمريكا أقرب إلى بعضهما، ما يفسر سبب محاولة القوات الإيرانية أكثر من مرة استهداف مبنى القنصلية الأمريكية في أربيل عاصمة إقليم كردستان، وهذه الهجمات ربما تكون محاولة من نظام الملالي في الوقت الراهن للضغط على أمريكا والدول الأوروبية لاستئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا التي توقفت خلال الفترة الماضية.
4- إحباط محاولات عراقية لاستهداف وكلائها في الداخل: في بعض الأوقات ربما تشن طهران هجمات على كردستان من أجل التصدي لبعض محاولات الحكومة العراقية لإبعاد الجماعات الشيعية العراقية الموالية لها عن عملية صنع القرار في بلاد الرافدين.
فعلي سبيل المثال حينما تحالف زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر" منتصف هذا العام مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لمواجهة نفوذ وكلاء إيران لعرقلتهم جميع المساعي الهادفة لتشكيل حكومة عراقية جديدة دون إشراكهم؛ أصدرت طهران أمرًا عاجلًا لقواتها بمهاجمة كردستان، ولم تتوقف تلك الهجمات إلا حينما شكَّل الحزب الكردستاني تحالفًا مع الإطار التنسيقي (مكون من جماعات شيعية موالية لإيران)، وشكَّل أخيرًا الحكومة العراقية الجديدة برئاسة "محمد شياع السوداني" أواخر أكتوبر الماضي.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن إيران لن تتوقف عن هجماتها تجاه إقليم كردستان العراق، ما لم يكن هناك رادع قوي من أجهزة صنع القرار في بلاد الرافدين، بجانب ضغوط خارجية لاستمرار تضيق الخناق على نظام الملالي، حتى يتراجع عن تهديد أمن واستقرار الدول الخارجية بذريعة تحقيق أهداف داخلية.

Tags: