الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

النجاح المشروط: سيناريوهات تنفيذ الاتفاق السياسي الإطاري في السودان

  • Share :
post-title
مراسم توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين الأطراف السودانية ديسمبر 2022

Alqahera News - محمود جمال

مثَّلت عودة السودانيين مرة أخرى للتوقيع على اتفاق جديد لإدارة المرحلة الانتقالية المتعثرة منذ سقوط نظام الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، في أبريل عام 2019، فرصة أمام السودانيين للملمة ما فشلوا فيه سابقًا، لا سيما أن هذا الاتفاق جاء بعد حوار موسع بين الأطياف المختلفة برعاية إقليمية ودولية.

نوضح فيما يلي بنود هذا الاتفاق، وسيناريوهات تنفيذه، وانعكاساته على الأوضاع السياسية والاقتصادية في السودان.

بنود الاتفاق:

يُعوّل السودانيون على الاتفاق الإطاري المُوقع في الخامس من ديسمبر 2022 بين المكونين العسكري والمدني لإنهاء حالة الجمود السياسي التي انعكست آثارها على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين. ونُبرز فيما يلي أهم بنود هذا الاتفاق:

(*) المرحلة الانتقالية: اتفق كل من المكون العسكري والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير الموقعين على الاتفاق الإطاري، على تنازل المكون العسكري بشكلٍ كامل عن السلطة لصالح سلطة مدنية تتكون من مستوى سيادي يُمثل رأس الدولة، ولكنه بسلطات شرفية، ومستوى تنفيذي يرأسه رئيس الوزراء، ويضم قادة الأجهزة النظامية للدولة، وستة من قادة الكفاح المُسلح الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وتكون مدة المرحلة الانتقالية سنتين تنتهي بإقرار الدستور والدعوة للانتخابات.

(*) هيكلة الأجهزة النظامية: مثَّل بند إعادة ترتيب أدوار الأجهزة النظامية نقطة خلاف مستمرة بين الطرفين منذ عزل نظام البشير، إلا أن الاتفاق الإطاري سمح بالتوصل لحلولٍ مُرضية في هذا الجانب بمساعدة إقليمية ودولية؛ حيث سُمح بدمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش، وكان ذلك بمثابة خطوة إيجابية نحو توحيد المؤسسة العسكرية وتأكيد مهنيتها وحرفيَّتها وصولًا للهدف الأسمى، وهو تكوين جيش قومي موحد بدلًا من حالة التناحر والفُرقة التي أرسى دعائمها نظام الإنقاذ الذي أسست له الجبهة القومية الإسلامية (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي) عام 1989.

(*) تحقيق العدالة الانتقالية: تضمَّن الاتفاق الإطاري إطلاق عملية شاملة لتحقيق العدالة الانتقالية لتجاوز الماضي، ويكون دور هذه العملية كشف الجرائم، وتحقيق العدالة، وتنفيذ اتفاق سلام جوبا، واستكمال عملية السلام مع بقية الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق السلام.

(*) التعاطي مع نظام الإنقاذ الإسلامي: مثَّل نظام التمكين الذي ثبَّت دعائمه تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي بقيادة عمر البشير، فرصة لتوافق السودانيين حول ضرورة تفكيك أوصاله لتمييزه بين السودانيين، وتسببه في تفكك الدولة السودانية وانقسامها إلى شطرين شمالي وجنوبي، وتفريقه بين السودانيين بناءً على أنماط تدينهم، وانتماءاتهم الأيديولوجية والسياسية. وشملت هذه الاستراتيجية استرداد الأموال المنهوبة، ومراجعة القرارات التي تم بموجبها إلغاء قرارات لجنة تفكيك هذا النظام.

(*) التوافق على الوثيقة الدستورية: شمل الاتفاق السياسي الإطاري توافقًا بين القوى السودانية بجميع أطيافها على إطلاق عملية شاملة تضمن تمثيل جميع السودانيين في مفوضية صناعة الدستور وفق مبادئ الحوار، والاتفاق على الأسس والقضايا التي تشغل السودانيين بمختلف أطيافهم ومناطقهم الجغرافية.

سيناريوهات ما بعد الاتفاق:

يُحدد هذا التقرير ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل هذا الاتفاق، تتأثر بثلاث متغيرات رئيسية، هي: الدعم الدولي والإقليمي للاتفاق، قدرة أطراف الاتفاق على جذب مزيد من القوى الرافضة له للانضمام، بالإضافة إلى قدرة القوى السياسية والعسكرية الموقعة على الاتفاق على الوفاء بالتزاماتها تجاه ضرورة إنجاح المرحلة الانتقالية التي تنتهي بإقرار الدستور وتنظيم الانتخابات العامة. وفي ضوء ذلك، يبرز 3 مسارات لتحديد مستقبل الاتفاق وهي:

(&) النجاح السلس للاتفاق السياسي الإطاري (مُرجح): يٌعوّل هذا السيناريو على اتجاه القوى السياسية السودانية نحو توسيع قاعدة المشاركة؛ إذ استطاع تحالف الحرية والتغيير توسيع قاعدته ليضم مجموعة مهمة من الأحزاب والقوى السياسية السودانية، مثل أحزاب الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والمؤتمر الشعبي، والحزب الاتحادي الأصل إلى جانب نخبة مهمة من مسؤولي الحركات المسلحة؛ الهادي إدريس والطاهر حجر ومالك عقار وأسامة السعيد، بالإضافة إلى ذلك، تبرز جديَّة المكون العسكري في الوصول إلى توافق عام بين أطياف الشعب السوداني، وهو ما أكدته القوات المسلحة السودانية بموافقتها على إعادة ترتيب البيت العسكري من الداخل، ودمج الحركات المسلحة ذات الثقل وسماحهم بتكوين حكومة انتقالية لن يكونوا طرفًا فيها، وإعلائهم لمبدأ تكوين جيش قومي موحد ومهني على أي مبادئ أخرى.

رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا الناظر محمد الأمين ترك

(*) فشل الاتفاق الإطاري تمامًا والعودة للعنف (مُستبعد تمامًا): يربط أنصار هذا المسار فشل الاتفاق برفض مجموعة من القوى التي كانت مؤثرة في عملية التغيير للاتفاق مثل الحزب الشيوعي السوداني، وحركتي "العدل والمساواة" وتحرير السودان، والكتلة الديمقراطية للحرية والتغيير، ورئيس مجلس نظارات البجا الناظر محمد الأمين ترك، وكتلة نداء أهل السودان، وتنظيم الإخوان وتوابعه المنضوية تحت ما يُطلق عليه "التيار الإسلامي العريض". ومع ذلك، يعتبر العديد من المحللين أن هذه الحركات فقدت قاعدتها في الشارع السوداني الذي ملَّ حالة الثورة والتدهور الاقتصادي، وبات ما يشغله الآن العودة لحالة الدولة والاستقرار لتجاوز الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعديد من الطبقات والفئات الاجتماعية بالسودان، وانعكست سلبًا على تدهور سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية؛ حيث وصل الدولار الأمريكي إلى ما يُعادل 580 وحدة من الجنيه السوداني، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وعجز ميزان المدفوعات السوداني، لا سيما أن الخرطوم تعتمد على الاستيراد من الخارج بشكلٍ كبير. يُضاف إلى ذلك أن هناك توجهات من القوى السياسية والعسكرية الموقعة على الاتفاق نحو إقناع مزيد من الأطراف الرافضة للاتفاق للدخول فيه خلال الفترة المقبلة.

(*) تعثر مسار الاتفاق ونجاحه في الأخير (الأكثر ترجيحًا): يتبنى هذا السيناريو وجهة النظر التي تعتبر أن قوى الحرية والتغيير المكون الرئيسي للاتفاق ذاتها منقسمة على نفسها، وهو ما قد ينعكس على تعثر المسار السياسي مستقبلًا. بالإضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكونين المدني والعسكري، إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك حالة من الشك واللايقين التي تسيطر على العلاقة بين الجانبين، وهو ما تعمل الأطراف خارج الاتفاق على تغذيته وتزكيته لإفشال المسار برمته. ويقوم هذا السيناريو كذلك على التجربة السابقة للتحالف بين القوى المدنية والعسكرية. ورغم كل هذه الدوافع، إلا أنه مُستبعد التعثر التام للاتفاق السياسي الإطاري، مع التسليم باحتمالات أن يواجه عقبات ولكنه لن يفشل في الأخير، باعتباره أنه أفضل ما توصلت له القوى السودانية خلال الثلاثة أعوام الماضية. ويكتسي هذا المسار وجاهته من التنازل الكبير الذي قبل به المكون العسكري فيما يختص بخضوع القوات المسلحة لرئيس مدني شرفي لن يتدخلوا في اختياره، والسماح بدمج الحركات المسلحة في الجيش، إضافة إلى الثمن الكبير الذي دفعه الجيش من سمعته وتفرغه لمهامه الأساسية بسبب تداخله في العملية السياسية خلال الفترة السابقة. يٌضاف إلى ذلك، حالة الترحيب الدولي والإقليمي التي حصل عليها الاتفاق السياسي الإطاري؛ إذ ساعدت جمهورية مصر العربية التي تعتبر بمثابة الجار الأقرب للخرطوم في إنجاح هذا الاتفاق، لا سيما أنها شاركت في التقريب بين الفرقاء السودانيين أثناء عملية التفاوض، وهو ما ظهر في دور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في عودة زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، مرشد الطريقة الصوفية الختمية ذات الشعبية الكبيرة في عموم السودان، محمد عثمان الميرغني، إلى الخرطوم في 21 نوفمبر 2022 على متن طائرة خاصة. وكذا دعوة مصر في بيانها اليوم 5 ديسمبر 2022 للمجتمع الدولي إلى دعم الخرطوم ومساعدة السودانيين في إنجاح مسارهم السياسي. في السياق ذاته، رحبت الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة "إيقاد"، وجامعة الدول العربية، والمجموعة الرباعية ودول الترويكا (النرويج والسعودية والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) بتوقيع الاتفاق معتبرة إياه خطوة نحو تحقيق الإصلاح السياسي.

عودة محمد عثمان الميرغني، إلى الخرطوم على متن طائرة مصرية خاصة

في النهاية، تُمثل مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق السياسي الإطاري فرصة حقيقية لفهم تطورات الأوضاع السودانية، لا سيما أن الاتفاق شهد حالة ولادة متعثرة، وهو ما يُنذر باحتمالات فشله في حال أصرَّت القوى السياسية السودانية على تغليب مبدأ المغالبة على المشاركة والتوافق. ورغم أن هناك العديد من المحددات التي تتحكم في رسم سيناريوهات مستقبل هذا الاتفاق إلا أن "المصلحة العامة للدولة السودانية" تبقى هي المحدد الأهم على الإطلاق.