الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تعاون القبائل.. فرص نجاح الحكومة الصومالية في مواجهة حركة شباب المجاهدين؟

  • Share :
post-title
مسلحو حركة الشباب (صورة أرشيفية)

Alqahera News - نورا فايد

كشفت الـ 90 يومًا التي مرت على إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، لاستراتيجة مواجهة حركة الشباب الإرهابية، عن تحول واضح في موقف القبائل الصومالية من الحركة الإرهابية ومن خطة الحكومة في مواجهة التنظيم، التي تمثلت في الدعم والتعاون مع السلطة لنجاح محددات خطتها، التي تضمنت تحرير معاقل الحركة، وتجفيف منابعها، وحصارها الفكري.

ورغم التوافق الشعبي بين الحكومة الصومالية والقبائل في مواجهة "شباب المجاهدين الإرهابية"، إلا أن الأخيرة ما زالت تشن بعض الهجمات على مواقع متفرقة بالداخل الصومالي وخارجه، محاولة إعادة تمددها وانتشارها بعد تمكن الحكومة من السيطرة على الكثير من مرتكزاتها. وعليه، يبقى السؤال وهو: ما تأثير تعاون القبائل مع الحكومة في نجاح استراتيجية "شيخ محمود" للقضاء على حركة شباب المجاهدين الإرهابية؟

هجمات متصاعدة:

صعدت حركة الشباب الإرهابية خلال العام 2022 من وتيرة هجماتها، ليس فقط داخل الصومال بل امتدت إلى خارجه، حيث ركزت في أعمالها الإرهابية على استهداف المسؤولين الحكوميين والعسكريين الصوماليين، وكان آخرها في 19 ديسمبر الجاري، إذ شنت عناصر التنظيم هجومًا عنيفًا على قواعد الجيش الصومالي والقوات التابعة لبعثة الاتحاد الإقريقي الانتقالية في بلدة قوريولي وإقليم شبيلي السفلى جنوبي البلاد، ولكن نجحت القوات العسكرية من خلال عملية أمنية للمخابرات في صد هذا الهجوم الذي أسفر عن مقتل 79 مسلحًا.

يذكر أن هجوم "شباب المجاهدين" على القوات التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي، بعد أيام قليلة من عملية أخرى تبناه مسلحي شباب المجاهدين في 11 ديسمبر الجاري، إثر تفجير عبوة ناسفة على مطار مدينة جوهر شمال العاصمة مقديشو، ونجم عنه مقتل مدير المطار وعنصر من قوات الأمن، كما أنه في 28 نوفمبر الماضي، شنت الحركة الإرهابية هجومًا انتحاريًا على فندق قرب القصر الرئاسي في العاصمة الصومالية مقديشو، ويرتاده مشرعون ومسؤولون حكوميون، وهو ما نجم عنه مقتل ثمانية مدنيين.

وكانت آخر العمليات الإرهابية التي ارتكبتها الحركة الموالية لتنظيم القاعدة بدول القرن الإفريقي، في 22 ديسمبر الجاري، إذ كشف قائد الشرطة في شمال شرقي كينيا "جورج سيدا" عن هجوم شنه مسلحو "الشباب" شمال كينيا، بإطلاق عبوة ناسفة وقذيفة صاروخية على سيارة للشرطة فى منطقة بالقرب من بلدة جاريسا التي تقع على بعد حوالي 120 كيلومترًا من الحدود الصومالية، ونجم عن هذا الهجوم مقتل ضابطين ومدني.

ونتيجة ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين في الصومال، فقد دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان "فولكر تورك" في 14 نوفمبر الماضي، الحكومة الصومالية لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة، بالتعاون مع المجتمع الدولي، لتعزيز حماية المدنيين، بما يتماشى مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

مسارات المواجهة:

بناءً على ما تقدم، يمكن الإشارة إلى أن الحكومة الصومالية، تتحرك في عدة مسارات، متخذة مجموعة من الخطوات لمحاصرة التنظيم، والحد من هجماته المتصاعدة في الفترة الأخيرة، يمكن توضيحها على النحو التالي:

(*) استراتيجية شاملة للحكومة الصومالية لدحر الإرهاب: وضع "شيخ محمود" في سبتمبر الماضي، استراتيجية مكونة من أربعة محاور، هدفها الرئيسي القضاء على "شباب المجاهدين الإرهابية" التي ترفض دعوات الحكومة للتهدئة ووقف أعمال الفوضي، وجاء المحور العسكري على قمة هذه الاستراتيجية، من خلال شن قوات الجيش الصومالي عمليات عسكرية واستخباراتية على أماكن تمركز الإرهابيين والتعاون أيضًا مع قوات التحالف الأمريكي والإفريقي على حد سواء لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على هذه الحركة. أما المحور الثاني، فركز على "الجانب الاقتصادي" من خلال تحجيم القدرات المالية لهذه الحركة التي تمكنها من شن المزيد من الهجمات وتجنيد عناصر أخرى داخل وخارج البلاد، بإغرائهم بالأموال مستغلة سوء أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.

في حين ركز المحور الثالث، على "الخطاب الديني" من خلال حث المؤسسات الصومالية المعنية بإعادة صيغة الخطاب الديني، كخطوة رئيسية لمحاربة الأفكار المتطرفة، وأخيرًا، تناول المحور الرابع من الاستراتيجية، "التضييق الإعلامي" على الأذرع الإعلامية لهذه الحركة الإرهابية سواء القنوات التلفزيوينة أو مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعتمد عليهم "الشباب" لتجنيد عناصرهم وحشدهم لشن هجمات إرهابية.

(*) الاعتماد على القبائل في مواجهة الإرهابيين: اعتمد الرئيس الصومالي خلال الأشهر الأخيرة الماضية على "القبائل الصومالية" لمساندته في الحرب على الإرهاب التي يقودها ضد مسلحي شباب المجاهدين، وبالفعل استجابت القبائل لهذا النداء خاصة بعد سلسلة تهديدات وجهها مسلحو الحركة التابعة للقاعدة لوجهاء وأعيان رجال القبائل تحت مزاعم تعاونهم مع حكومة مقديشو الفيدرالية، وفي سبتمبر الماضي، شاركت مليشيا قبلية مسلحة مع قوات الجيش وقدمت لهم جميع وسائل الدعم في عمليات مكافحة الإرهاب التي يشنها ضد عناصر "الشباب" في إقليم هيران بولاية هيرشبيلي، وهو ما ساهم في سيطرة الجيش الصومالي على عدة مناطق بالإقليم، لدرجة أن وسائل الإعلام الصومالية أطلقت على أن نجاح ذلك يرجع لما وصفته بـ"انتفاضة القبائل".

(*) تعزيز التعاون العسكري مع دول الجوار الإفريقي: تجدر الإشارة هنا إلى أن نجاح هذه الخطوة، يتوقف على تضافر الجهود الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بين الصومال ودول الجوار الإفريقي، خاصة المهددة من قبل حركة الشباب التي تركز بشكل خاص على "كينيا" في محاولة للضغط عليها من أجل سحب قواتها من الأراضي الصومالية، والتي تعد جزءا من قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي"أتميس"، إذ تعى الحركة التابعة للقاعدة، أن نجاح التعاون العسكري بين الصومال والدول الإفريقية المجاروة سيعجل من القضاء على الحركة، وفي ضوء هذا، توجه وزير الدفاع الكيني "آدم بري دعالي" في 25 ديسمبر الجاري إلى الصومال بعد أيام قليلة من الهجوم الذي شنه مسلحو الحركة شمال كينيا، وعقد مباحثات مع رئيس ولاية جوبالاند الصومالية "أحمد محمد إسلام"، أكد خلالها تعزيز التعاون المشترك في الحرب على الإرهاب عبر الاستعداد خلال الفترة المقبلة لإطلاق "عملية عسكرية" بمشاركة القوات الكينية ضد مواقع تمركز مسلحي الشباب وإحباط أي هجمات إرهابية يفكرون لارتكابها داخل وخارج البلاد، بما يضمن أمن الحدود بين البلدين.

(*) تقوية الأجهزة العسكرية والأمنية لتحرير المناطق الصومالية: ركز الرئيس "شيخ محمود" عقب توليه الحكم في مايو الماضي، على تعزيز ودعم الأجهزة العكسرية والأمنية الصومالية حتى تتمكن من مواجهة أي هجمات إرهابية محتملة للجماعة الإرهابية، وبالفعل نجحت خلال الأشهر الأخيرة في توجيه ضربات موجعة للحركة، وهو ما تم ملاحظته بالفعل إذ وقع حالة من "الخفوت" على نشاطها، وإن كان ليس بالدرجة الكافية، إلا أنه لا يمكن تجاهل النجاح الذي حققه الرئيس الصومالي في دحر إرهاب الشباب، ونجاح قواته في تحرير عدد من المناطق التي كانت تحت سيطرة الإرهابين،ـ خاصة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان آخرها في 6 ديسمبر الجاري، إذ حرر الجيش الصومالي "منطقة عدن يابال" الواقعة وسط البلاد، والتي كانت بلدة استراتيجية بالنسبة للحركة الإرهابية لكونها تربط بين المناطق الوسطى وجنوب الصومال. ومن إحدى المناطق الهامة التي كانت واقعة تحت سيطرة الحركة ونجحت القوات الصومالية في تحريرها أيضا من خلال عملية عسكرية في 4 ديسمبر الجاري، قرى جولان ودارسلام وهرك – دير ومباح الواقعة في منطقتي هيران وشبيلي الوسطى جنوب الصومال.

(*) حشد الدعم الأممي والأمريكي لمساندة القوات الصومالية: اعتمد "شيخ محمود" على مخاطبة دول المجتمع الخارجي والمنظمات الدولية المعنية، لدعم استراتيجية "الحرب على الإرهاب" في الأراضي الصومالية، ولإدراكه أن هذا الدعم، هو الذي يعرقل محاولات حركة الشباب على البقاء في البلاد، وعليه استجابت بعض الدول لدعوات الرئيس الصومالي، ففي 10 ديسمبر الجاري، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن الجيش الأمريكي بدأ في تنفيذ قرار الرئيس "جو بايدن" الذي أصدره أواخر مايو من العام الماضي بشأن عودة الجنود الأمريكيين إلى الصومال لمواجهة "حركة الشباب" - ( وفقًا لمقترح البنتاجون الذي ينص على وجود حوالي 500 جندى أمريكي في الصومال سبق وانسحبوا في 2020 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب)-، مبينة أن القوات الأمريكية ستعود قرييًا إلى قاعدة "بيدوجلي" الجوية في الصومال، لمساعدة القوات الخاصة المحلية في محاربة مسلحي الحركة التابعة لتنظيم القاعدة.

ومع تصاعد هجمات حركة "شباب المجاهدين" وطلب الرئيس الصومالي الدعم الدولي، فإن مجلس الأمن الدولي أصدر قرارًا في 21 ديسمبر الجاري، يقضي بتمديد القرار رقم 2670 الذي كان من المفترض أن ينتهي في 31 ديسمبر الجاري حتى 30 يونيو 2023 ، والخاص بـ"تأجيل سحب ألفي فرد من بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال ATMIS) ) لمدة ستة أشهر "، وهذا من أجل دعم الحكومة الصومالية لتنفيذ خطة الانتقال السياسي ومكافحة الأعمال الإرهابية لحركة الشباب.

(*) استخدام الدرونز التركية في مواجهة "شباب المجاهدين": في إطار مساعي الرئيس الصومالي لتقوية أدواته العسكرية، فقد استخدم الدرونز التركية لمواجهة الأعمال الإرهابية للحركة المنتسبة لتنظيم القاعدة وطردهم من المناطق الواقعة تحت سيطرتها في بعض الأقاليم الصومالية، وهذا ما أعلنه مستشار الرئيس الصومالي الأمني "حسين معلم محمود" في 26 ديسمبر الجاري، قائلًا، "مشاركة المسيرات التركية في الحرب على حركة الشباب الجارية في البلاد، ومضيفا، الدور التركي لا يقتصر على تقديم المساعدة الجوية للقوات الصومالية، وإنما تزود تركيا أيضا الجيش الصومالي بالمعدات العسكرية وبالتدريبات"، وفقًا لشبكة الصومال اليوم للإعلام.

تحديات قائمة:

في ضوء ما تقدم، يبقي التساؤل الرئيسي، وهو هل تنجح استراتيجية الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" خلال العام 2023، في دحر إرهاب حركة "شباب المجاهدين"؟. للإجابة على هذا التساؤل يمكن القول إن ثمة تحديات قد تواجه الحكومة الفيدرالية الصومالية للقضاء على الحركة التابعة لتنظيم "القاعدة" التي ما زالت تتمركز في مناطق ريفية واسعة، خاصة الواقعة بوسط وجنوب الصومال، من أبرزها، عنصر "الموارد المالية" للحركة التي تقدر وفقًا لما أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية في أكتوبر الماضي، بنحو 100 مليون دولار سنويًا، وهذه الأموال الهائلة تستخدمها الجماعة الإرهابية التي تختار بدقة المناطق التي يعاني سكانها من الفقر والمجاعة، من أجل استغلالهم وتجنيدهم ضمن صفوف الحركة بعد إغرائهم بالأموال.

هذا بجانب تركيزها على الاستفادة من الموارد الزراعية في الصومال وقيامها بالحصول على أموال بطرق غير شرعية من خلال تهريب الفحم والتجارة في المخدرات، وإجبار المواطنين على دفع ضرائب لدعم تمويل الحركة، إضافة إلى ذلك فإن الحركة المتشددة تركز على شن العمليات الإرهابية لكسب المزيد من الوقت لصالحها محاولة استغلال أوضاع البلاد الاقتصادية السيئة، لإضعاف الحكومة الفيدرالية الصومالية في محاولة منها للسيطرة على حكم البلاد لتكرار تجرية "طالبان أفغانستان" التي سيطرت على الحكم أغسطس العام الماضي.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن القضاء على "شباب المجاهدين" ونجاح استراتيجية مواجهتها، يتطلب أن تقوم الحكومة الصومالية خلال العام المقبل، بتحسين أوضاع البلاد الاقتصادية والنهوض بأوضاع المواطنين المعيشية، والتركيز على المناطق التي يستغلها مسلحو الحركة الإرهابيون لجذب تعاطف المدنيين، والاستفادة من إعادة انتشار القوات الأمريكية في الصومال والقرارات الأخيرة لمجلس الأمن الدولي الخاص بتمديد وجود القوات التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي ATMIS)).