الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تبدأ روسيا العام الثاني في الحرب؟

  • Share :
post-title
نيران المدافع لا تهدأ منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا- أرشيفية

Alqahera News - محمود جمال

بدأت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، في ظل تزايد مستوى التصعيد بين أطراف الصراع، ففي الوقت الذي تشترط فيه روسيا ضرورة الاعتراف الغربي بشبه جزيرة القرم، إلى جانب المكاسب الأخرى التي حققتها خلال عامها الأول في الحرب، ترفض أوكرانيا بشكلٍ قاطع وتستبعد أي تفاوض معها، حتى تسحب موسكو كامل قواتها من كل أراضيها، وهو ما سيعطل أي تسوية سياسية على الأقل في الأمد المنظور.

تأسيسًا على ما سبق، وفي ظل توقعات بعض الخبراء باحتمال استمرار حرب الاستنزاف بين الجانبين، كون أي منهما غير مهيأ لتحقيق نصر عسكري صريح، يحاول هذا التحليل استشراف السياسات الروسية في العام الثاني للحرب، لا سيَّما مع استمرار الخطابات التصعيدية لكلٍ من بوتين وزيلينسكي، وكذلك الدعم الغربي لاستمرار هذه الحرب.

آفاق الأزمة:

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، تتلاشى أي آمال لانتهائها، لا سيَّما في ضوء استمرار الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، واتجاه عدد من دول العالم إلى إظهار الحياد، وانخراط أخرى في تحالفات عسكرية وسياسية جديدة كـفنلندا والسويد، واستمرار السياسة الغربية نحو خنق الاقتصاد الروسي، ظنًا منها أن ذلك سيسمح بتعجيز موسكو ويُضعفها مما يُسهل إسقاط نظامها، على غرار ما حدث عام 1991 مع الاتحاد السوفيتي، ونطرح فيما يلي هذه الآفاق:

الرئيسان الأمريكي والروسي

(*) المساعدات العسكرية الغربية: تعتبر بعض التحليلات أن أوكرانيا والغرب، يراهنان على استنزاف روسيا فيما يُعرف بسياسة النفس الطويل؛ ففي الوقت الذي يبلغ فيه حجم الناتج المحلي الروسي 1.8 تريليون دولار وفق إحصاءات 2020، يبلغ حجم الناتج المحلي للكتلة الداعمة لأوكرانيا 40 تريليون دولار. يبرز ذلك أنه مهما بلغ حجم الدعم الغربي لأوكرانيا لن يتأثر بالقدر نفسه الذي ستعانيه روسيا، وهي تعتمد على قدراتها الخاصة.

وقد قدمت واشنطن دعمًا أمنيًا لأوكرانيا يُقدر بحوالي 30 مليار دولار منذ بدء الأزمة، و13 مليار دولار لدعم الميزانية وستبدأ قريبًا بصرف حوالي 10 مليارات دولار وافق عليها الكونجرس لمساعدة الحكومة الأوكرانية، في تلبية احتياجات مواطنيها، و2.5 مليار دولار كمساعدات إنسانية للاجئين والنازحين الأوكران، وذلك وفق مستند حقائق نشره موقع وزارة الخارجية الأمريكية في 21 فبراير 2023.

ووصل حجم الدعم العسكري الغربي بشكلٍ عام لأوكرانيا حتى 20 نوفمبر 2022 إلى 113 مليار دولار. ومن المُرجح أن يستمر الدعم الغربي لأوكرانيا، إلا أنه قد لا يكون بنفس الوتيرة، خاصة أن الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي تبدو متشددة تجاه هذه المسألة، ومع ذلك من المُستبعد أن تتخلى واشنطن عن دعم أوكرانيا تمامًا في العام الثاني من الحرب، خاصة أنها تعتبر كييف خط الدفاع الأول عن أراضي حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وأن وقوعها أو فشلها سيجعل الحلف في مواجهة مباشرة مع روسيا.

(*) استراتيجية موسكو العسكرية: مرَّت الاستراتيجية الروسية في الحرب الأوكرانية بتغييرات جذرية؛ حيث انتقلت من محاولة السيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف إلى الاهتمام بالسيطرة على مناطق في الشرق الأوكراني، وصولًا إلى انسحابها من خاركييف وخيرسون وتمركزها في إقليم دونباس، بعد نجاح الجيش الأوكراني في استعادة 40% من الأراضي التي سيطرت عليها موسكو. وتشير التقديرات إلى احتمال أن تتجه روسيا إلى إعلان الحرب الشاملة وإعلان تعبئة جدية للقوات الروسية على غرار تعبئة 300 ألف جندي في سبتمبر عام 2022. وتبقى أمام هذه الخطوة صعوبات كبيرة تتمثل في ضعف الاقتصاد وتأثره بالعقوبات، وحالة الإهمال والخسارة في المعدات طوال عام الحرب الأول، بالإضافة إلى حاجة أي قوات تعبئة جديدة إلى تدريب كبير.

تأثر إمدادات الطاقة نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية

(*) الآثار الاقتصادية: يئن الاقتصاد الروسي من واقع العقوبات الدولية المفروضة عليه منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022؛ حيث استهدفت العقوبات قطاع الطاقة، والقطاع المصرفي الروسي بهدف عزلها عن النظام المالي العالمي، بالإضافة إلى استهداف القادة العسكريين والسياسيين الروس وحظر تصدير التكنولوجيا المتقدمة لموسكو، وحظر الطيران الروسي من التحليق فوق الأجواء الأوروبية، وهو ما أدى إلى تباطؤ الاقتصاد الروسي، وتراجع قيمة الروبل الروسي في مقابل الدولار الأمريكي. ومع ذلك، استطاع الاقتصاد الروسي خلال العام الأول من الحرب التأقلم مع العقوبات، وهو ما يُمكن أن يكون دافعًا لاستمرار آلة الحرب، خاصة بعد تعويل الغرب على العقوبات لإجبار موسكو للرضوخ للمطالب الأوروبية بوقف الحرب، وهو ما لم يحدث.

(*) شكل التحالفات والأطراف الدولية: جعلت الحرب الروسية الأوكرانية العالم يستعيد أجواء ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991؛ حيث بدا العالم منقسمًا مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، وبات يتضح شيئًا فشيئًا الانقسام العالمي، وأهمية تشكيل التحالفات، لا سيَّما التحالفات العسكرية؛ إذ استندت أوكرانيا على دعم حلف الناتو عسكريًا فيما افتقدت موسكو لهذه الخدمة بعد انهيار حلف وارسو العسكري، عقب تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. ووفقًا لمقال للكاتب الأمريكي "ستيفن والت" المنشور في موقع "فورين آفيرز" في 13 فبراير 2023 فإن الدول تشكل تحالفات لموازنة التهديدات لا لموازنة القوة. واعتبر "والت"، أنه في ظل المنافسة الكبيرة التي بدت تظهر في العالم، يبدو أن أي نجاح للقوى المتنافسة سيقوم بالأساس على قدرتها على تشكيل تحالفات متماسكة، وهو الأمر الذي يُفسر سعي "بوتين" لتأكيد تحالفه مع دولة بيلاروسيا التي كانت أكبر داعم له في هذه الأزمة.

لقاء الرئيس الروسي مع نظيره الصيني في أوزبكستان - أرشيفية

ورغم أن الصين حليف مهم لروسيا، وتتفق معها في ضرورة هيكلة النظام الدولي، إلا أنها تبدو غير متعجلة في تحدي قيادة واشنطن للعالم، وذلك للحفاظ على مصالحها الاقتصادية؛ إذ ترتبط اقتصاديًا وتجاريًا مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. ففي الوقت الذي بلغ فيه حجم التجارة الصينية مع موسكو 120 مليار دولار، بلغ أكثر من تريليون ومائة مليار دولار مع واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، فمن الصعب أن تضحي الصين بذلك في سبيل دعم روسيا، وبالتالي حرصت بكين خلال هذه الأزمة على الابتعاد عن الدعم الصريح لموسكو، وآثرت دعم جهود الوساطة بين الطرفين.

وأفرزت هذه الحرب محاولات جادة من العديد من دول العالم نحو إلغاء حيادها، مثل فنلندا والسويد اللتين تسعيان للانضمام لحلف الناتو، وكذلك التزام الحياد مثل الهند التي حرصت على إظهار الحياد خلال الحرب؛ لارتباطها بمصالح اقتصادية وعسكرية مع الطرفين؛ حيث تستورد الهند النفط الروسي الذي يُباع بأسعار مخفضة حاليًا، كما أن نيودلهي تعتمد على موسكو في شراء المعدات العسكرية التي تحتاجها الهند. ويأتي كذلك تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 فبراير 2023 ليؤكد تباين المواقف الدولية من الأزمة، ففي الوقت الذي أعلنت فيه 141 دولة دعم قرار انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، اعترضت سبعة أصوات، فيما امتنعت 32 دولة عن التصويت من بينها الهند والصين.

أي مستقبل للأزمة؟:

تشير العديد من التوقعات إلى تزكية سيناريو التصعيد العسكري خلال العام الثاني من الحرب، كسيناريو مُهيمن على الأقل في الأمد المنظور، وذلك اعتمادًا على عددٍ مهم من المؤشرات التي نذكر بعضها فيما يلي:

(*) التصعيد المتبادل بين الطرفين: بدا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمته أمام البرلمان الروسي بمناسبة مرور عام على العملية العسكرية الخاصة التي بدأتها موسكو في أوكرانيا في 24 فبراير من العام المنصرم، أنه يتجه نحو التصعيد؛ إذ تعهد بمواصلة الحملة العسكرية على كييف لتحقيق ما وصفه بـ"أمن روسيا"، والذي ربطه بتحقيق النصر في هذه الحرب، وهو الأمر الذي يُوحي بمضي موسكو قُدمًا نحو تحقيق أهدافها من دخول هذه الحرب، بغض النظر عن النتائج العسكرية والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على اقتصاد بلاده. على الناحية الأخرى، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في تغريدة على تويتر بمناسبة بدء العام الثاني من الحرب الروسية الأوكرانية: "عام 2023 هو عام النصر بعد سنة من الألم وإثبات أوكرانيا أنها لا تُقهر". وشارك "زيلينسكي" في احتفالٍ خاص لتكريم عددٍ من الضحايا العسكريين وأسرهم في هذه الحرب، يعني ذلك استمرار أوكرانيا في هذه الحرب، خاصة مع استمرار الدعم الأوروبي والأمريكي لها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

(*) تصميم روسي على الاعتراف الغربي بنتائج ما حققته على الأرض: من المُرجح أن تكون التسويَّات التفاوضية غير مطروحة على طاولة موسكو وكييف هذه الأيام، في ضوء حالة الجمود في المواقف حاليًّا؛ فلا يستطيع بوتين التراجع في هذه المعركة، لا سيَّما أنه وصل للشعب الروسي أن هذه الحرب ضرورة للحفاظ على وجود روسيا، وأن أي تفاوض مع كييف يجب أن يسبقه الاعتراف بما حققته موسكو من نجاح على الأرض. ويُعتبر تخلي بوتين عن أي جزء من الأراضي التي سيطر عليها خلال هذه الحرب، تراجعًا لن يستطيع تحمل نتائجه سياسيًا، خاصة أنه يبدو جليًّا أن المسيرة السياسية للرئيس بوتين على سبيل المثال قد ارتبطت بشكلٍ كبيرٍ بضمه لشبه جزيرة القرم الاستراتيجية، وأن أي تنازل قد يحدث يُمكن أن يتسبب في الانهيار الكبير لروسيا الفيدرالية، على غرار ما حدث للاتحاد السوفيتي عام 1991، وهو الأمر الذي لن يسمح به بوتين مرة أخرى.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

(*) رغبة كييف في العودة لحدود عام 1991 كمقدمة للحل: لن يقدر زيلينسكي على الإقدام على خطوة الانسحاب من الحرب والاتجاه للتسويات السياسية دون استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، باعتبار أن أي تنازل سيعتبر تهديدًا للوجود الأوكراني، وفق ما عبَّر عنه العديد من المسؤولين الأوكران. وفي هذا الصدد، قال ميخايلو بودولياك، المستشار السياسي لزيلينسكي، في تعليقه على مبادرة صينية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا تتكون من 12 نقطة، إن أي مخطط لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا لا بد أن يتضمن انسحاب القوات الروسية إلى حدود أوكرانيا عام 1991، وذلك وفق ما نقلته وكالة "رويترز" للأنباء في 24 فبراير 2023.

في النهاية، تبرز العديد من التحديات في عام الحرب الثاني، ويتمثل التحدي الأبرز أمام الغرب الآن بضرورة استمرار تحقيق التوازن بين دعم أوكرانيا في هذه الحرب، وضمان عدم التصعيد مع روسيا. وتظل مسألة منع إمداد أوكرانيا بأسلحة هجومية تكتيكية، مثل الطائرات الهجومية التي قد يُمكن استخدامها ضد الأراضي الروسية، هو التحدي الأكبر لهذه الأزمة في عامها الثاني.